ميركل تنقلب على تركيا لأهداف انتخابية داخلية وإردوغان يوجه انتقادات لاذعة لأوروبا

حجم الخط
1

إسطنبول ـ «القدس العربي»: لسنوات طويلة، ظلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تلعب دور أكبر حكماء أوروبا في إدارة الأزمات المتلاحقة مع تركيا، لكن يبدو أن الانتخابات الداخلية جَرت ميركل إلى مربع التصعيد غير المسبوق ضد تركيا في انقلاب كامل على مواقفها السابقة ما دفع رئاسة الاتحاد الأوروبي هذه المرة إلى التدخل ومحاولة احتواء الأزمة خشية القطيعة، التي لا يرغب بها الاتحاد لأسباب متعددة رغم الكم الهائل من الخلافات بين الجانبين.
ومع اقتراب الانتخابات العامة في ألمانيا التي ستجري قبيل نهاية الشهر الجاري، صَعدت بشكل غير مسبوق ضد تركيا وأطلقت سيل من التهديدات والوعود بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، لكن التهديد الأبرز والجديد تمثل في التأكيد على أنها سوف تقترح وقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
لكن هذا التهديد الذي أثار غضب أنقرة، كان وقعه أكبر على رئاسة الاتحاد الأوروبي التي سارعت إلى تهدئة مخاوف تركيا والتأكيد على أنه لا يوجد أي توجه حقيقي داخل الاتحاد لوقف المفاوضات وأن القرار داخل الاتحاد لا يتم اتخاذه من قبل دولة أو عدة دول بمفردها، وهو ما يفسر الرأي السائد بأن الاتحاد وعلى الرغم من كم الخلافات مع أنقرة إلا أنه لا يزال يرغب في تجنب القطيعة والإبقاء على الأمل التركي لتجنب عواقب أكبر يمكن أن تصيب العلاقات بين الجانبين.
وفي أحدث تهديداتها، قالت ميركل، الثلاثاء، إن أنقرة «ابتعدت عن مبادئ القانون»؛ وأنها تعتقل مواطنين ألمان «لأسباب سياسية»، وأنها سوف تقترح مناقشة تجميد أو إنهاء مفاوضات انضمامها للاتحاد الأوروبي، خلال اجتماع مجلس أوروبا في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ولفتت إلى أن حكومتها باشرت بالفعل خطواتها الأولى؛ حيث طلبت من إستونيا التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، عدم إدراج مسألة تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي مع تركيا على جدول الأعمال، خلال الأشهر المقبلة.
عملياً، ومنذ سنوات لا يوجد أي تقدم في ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، كما أن الاتحاد يؤخر حتى الآن توسيع اتفاقية الاتحاد الجمركي مع تركيا، لكن رئاسة الاتحاد ترى في استمرار المفاوضات ولو شكلياً ضامناً لمنع انهيار العلاقات الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار اتفاقيات هامة بين الجانبين وابتعاد تركيا أكثر نحو روسيا.
وعلى الدوام هددت تركيا بوقف العمل باتفاقية المهاجرين التي منعت وصول مئات آلاف اللاجئين الجدد إلى أوروبا من خلال تركيا، كما تخشى أوروبا وحلف «الناتو» من التقارب اللافت والمتزايد بين روسيا وتركيا والذي تمثل مؤخراً بالتوقيع شبه النهائي على اتفاقية بيع أنقرة منظومة الصواريخ الدفاعية إس 400.
الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني، اعتبرت أن «تركيا هي اللاعب الرئيسي في منطقة ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي»، وردت موغريني على تهديدات ميركل بالقول: «أقترح أن ننظر إلى ما بعد الخطابات الانتخابية، وأنتظر بصبر نافد اللحظة التي سنجلس فيها ونناقش مستقبل علاقاتنا».
وأضافت أنه «قد تحدث مباحثات شاقة أحيانًا بين تركيا والاتحاد الأوروبي، إلا أنه هناك شيء واضح وهو أن الحوار بين الجانبين متواصل، كما أن المباحثات المتعلقة بالمفاوضات مستمرة»، وتابعت: «تركيا دولة نعمل معها في ملفات مختلفة بدءا من محاربة الإرهاب التي تعتبر مسألة إستراتيجية للجانبين، وصولاً إلى قبرص وسوريا».
وفي تطبيق عملي لهذه التصريحات، أعلنت مصادر تركية أن وزير شؤون الاتحاد الأوروبي وكبير المفاوضين الأتراك عمر تشليك، سوف يشارك في اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سينعقد يومي 6- 7 من سبتمبر/ أيلول الجاري في العاصمة الأستونية تالين.
اللقاء الذي سيجمع الوزير التركي بنظرائه الأوروبيين سوف يركز على بحث علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، والزج بتركيا في الشؤون الداخلية خلال الحملات الانتخابية في ألمانيا، والمجازر المرتكبة بحق المسلمين في ميانمار، فضلاً عن العديد من المواضيع الإقليمية، بحسب وكالة الأناضول.
وفي أعنف رد تركي على تصريحات ميركل، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمس الأربعاء إن أوروبا «تنجرف» إلى الوراء إلى المناخ السياسي الذي كان موجودا قبل الحرب العالمية الثانية، وذلك وسط شكوك في أوروبا حول استمرار المفاوضات بشأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
وقال في أنقرة : «لا أقول إنكم نازيون، أو إنكم فاشيون. إنني أوصف الحالة… هذه الحالة نازية، هذه الحالة فاشية»، وذلك في كلمة أمام أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وأضاف: «خلال الحملات الانتخابية، كنتم في سباق لاستحقاق هذا اللقب».
وكان أردوغان قد استخدم هذه العبارات في وقت سابق هذا العام بعد أن منعت بعض المدن الأوروبية وزراء أتراك من عمل حملات بها للحشد لاستفتاء مثير للجدل حول توسيع السلطات الرئاسية.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن أوروبا «عادت إلى القيم التي كانت سائدة فيها قبل الحرب العالمية الثانية كالوحشية والفاشية والعنف وعدم التسامح وإقصاء الآخر»، لافتاً إلى أن «الحروب نشبت جراء الأسباب المذكورة.. مع الأسف أوروبا تسير في الاتجاه ذاته».
وسبق أن اعتبر المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أن «تجاهل ألمانيا وأوروبا لمسائلها الأساسية والعاجلة وهجومها على تركيا ورئيسها هو انعكاس للانكماش في الأفق»، مضيفاً: «معاداة تركيا في أوروبا تحول إلى أداة لتأخير(حل) المسائل الأساسية، والتخفيف عن النفس من خلال (إظهار) أن العدو هو «الآخر».
التوتر في العلاقات التركية-الألمانية قائم ومنذ فترة طويلة، لكنه تصاعد عقب محاولة الانقلاب في تركيا واتهام أنقرة لبرلين بالتعاطف مع «الانقلابيين»، وزاد غضب أنقرة مع منح ألمانيا اللجوء السياسي لعشرات الجنرالات المتهمين بالمشاركة في محاولة الانقلاب، كما تتهم تركيا ألمانيا بإيواء آلاف من أنصار تنظيم بي كا كا الإرهابي على أراضيها، وعلى الرغم من تقديم تركيا قرابة 4500 طلب من أجل تسليم مطلوبين متهمين بأعمال إرهابية والانتماء إلى بي كا كا، إلا أن ألمانيا لم تسلم إلا 3 منهم طوال السنوات الماضية، حسب إحصائية لوزارة العدل التركية، الأمر الذي دفع وسائل الإعلام التركية إلى شن حملة غير مسبوقة ضد ألمانيا تحت عنوان «ألمانيا حاضنة الإرهابيين».
في المقابل، تصاعد الغضب الألماني من تركيا عقب اعتقال مواطنين ألمان بتهمة دعم منظمات إرهابي، ودعوة أردوغان الجالية التركية في ألمانيا لعدم التصويت للأحزاب «المعادية لتركيا»، ولاحقاً دعا صراحةً لـ»معاقبة» تحالف ميركل الانتخابي وعدم التصويت له في الانتخابات المقررة في الرابع والعشرين من الشهر المقبل.
ويتوقع مراقبون أن تعود العلاقات بين أنقرة وبرلين إلى الهدوء والحوار عقب انتهاء الانتخابات المتوقع أن تفوز بهام ميركل عقب كسب أصوات شريحة من أنصار اليمين مستفيدةً من التصريحات العنيفة التي أطلقتها ضد تركيا.

ميركل تنقلب على تركيا لأهداف انتخابية داخلية وإردوغان يوجه انتقادات لاذعة لأوروبا

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    العلاقات التركية الألمانية عمرها قرون !
    فعلاقات الدولة العثماني بألمانيا كانت قوية بحيث أن الدولة العثمانية دخلت الحرب العالمية الأولى مع الألمان !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية