ما عسى السلطة الفلسطينية فاعلة؟

■ صادفت في الأسبوع الماضي ذكرى الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي عرفت بانتفاضة الحجارة، والتي انطلقت من مخيم جباليا في غزة في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 1987، ثم ما لبثت أن انتشرت إلى الضفة الغربية والداخل الفلسطيني، أراضي الـ1948، واستمرت عدة سنوات إلى أن انتهت (للأسف) باتفاقات أوسلو. الضفة الغربية الآن تغلي، خاصة في القدس منذ إحراق الفتى الفلسطيني محمد ابو خضير حيا، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة بحق المسجد الأقصى، إلى جانب توسع الأنشطة الاستيطانية. قبل أيام استشهد زياد أبو عين رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بدرجة وزير، في السلطة الفلسطينية، في ترمسعيا، ما زاد الوضع في الضفة احتقانا واشتعالا. فهل نحن مقبلون على انتفاضة جديدة؟
الرئيس الفلسطيني قال قبل أشهر أنه ضد قيام أي انتفاضة جديدة، لأن الانتفاضات لم تجلب على الشعب الفلسطيني سوى الكوارث، حسب رأيه، معه حق، ربما كان يقصد أوسلو! ماذا ستفعل السلطة إذا انطلقت الانتفاضة؟ هل ستقمعها، وهل ستستطيع؟ الوضع في الضفة يسير من سيئ إلى أسوأ، مصادرة أراض لأغراض عسكرية وللاستيطان، اعتقالات، هدم بيوت بحجة عدم الحصول على تصاريح بناء، وتصاريح البناء هذه لا تمنح للفلسطينيين وإن منحت فالرسوم أغلى من البناء نفسه، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع التكاليف الصحية وأسعار إيجارات البيوت والوقود وأقساط الجامعات والتضخم، ناهيك عن المعاناة على الحواجز والإذلال الذي يرافق التأخير لساعات. كل هذه المنغصات، لا شك أنها تشكل التربة المناسبة لانطلاق انتفاضة جديدة، كثورة على الوضع القائم، فليس لدى الفلسطينيين ما يخسرونه.
المتفائلون يتوقعون أن تعلق السلطة الفلسطينية التعاون الأمني مع إسرائيل، بالمناسبة التعاون الأمني هو أهم مرتكزات أوسلو، وقلنا يومها إنه أريد للسلطة أن تلعب دور الشرطي في الضفة وغزة، وقد كان، وأن تقوم بتقديم الخدمات الحياتية من ماء وكهرباء ومجار وتعليم وصحة وجمع الضرائب، كل شيء، ما عدا أن تقوم دولة فلسطينية ذات سيادة. نصت اتفاقات أوسلو على أن يجري حل الأمور النهائية، القدس واللاجئين (حق العودة) والدولة والحدود كلها  خلال خمس سنوات، أي عام 1998، وها قد مر على أوسلو 21 عاما، ولم يتحقق شيء، وها هي إسرائيل تستمر في «إدارة عملية السلام» من دون أن يتحقق السلام، وتريد لهذه المفاوضات، التي لا تبدأ ولا تنتهي، أن تستمر إلى الأبد، المهم أن يستمر التعاون الأمني إلى الأبد، وأن يستمر الشرطي في عمله. الغريب في الأمر أنه بعد مرور كل هذه السنوات العجاف، ومصادرة اسرائيل لمعظم أراضي الضفة، ما زالت السطة تتمسك بخيار المفاوضات وكأنه الخيار الوحيد المتاح أمام الشعب الفلسطيني، مع أن السلطة قانونيا أصبحت بعد كل هذه الانتهاكات الإسرائيلية في حل من التزاماتها تجاه اوسلو. ولكن يبدو أن السلطة ما زالت تأمل من إسرائيل أن تمنحها الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة وتنسحب من القدس الشرقية، «أمل إبليس في الجنة». ولذلك لا نتوقع ان تلغي السلطة، أو حتى تعلّق التعاون الأمني. ما يتمناه الشعب الفلسطيني فعلا أن تحل السلطة نفسها، ولكن هذا لن يحدث، للأسف.
ما نتوقع أن يسفر عن اجتماعات السلطة واللجنة التنفيذية واللجنة المركزية والمجلس الثوري و.. أمران: أولهما التنديد واستنكار جريمة قتل زياد أبو عين، والتنديد، كما تعلمون، لا ينفع ولا يضر. أما القرار الثاني فسيكون تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن دم الشهيد ابو عين، والمطالبة بلجنة تحقيق. لجنة تحقيق دولية لن تتشكل، أما لجنة تحقيق اسرائيلية فقد تتشكل، فماذا تنتظرون من القاضي، إن كان هو نفسه القاتل. لنا في التاريخ عبرة فقد حوكم الضابط الإسرائيلي المتورط في مذبحة كفر قاسم بغرامة مقدارها…. قرش، هذا ليس مزحة او سخرية، ولكنها للأسف، الحقيقة المؤلمة والمخزية
انتفاضة فلسطينية جديدة جديرة بأن تخلّص الشعب الفلسطيني من الاحتلال وتحقق له آماله في التحرر الذي لم ولن تحققه المفاوضات التي ولدت ميتة قبل ما يقارب الربع قرن.
كلمة أخيرة: الاعترافات الرمزية المتتالية من برلمانات أوروبية بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، تبـــقى رمــــزية، لا تعيد أرضـــا منحها بلفور للصهاينة، نقصد الأرض الفلســـطينية 1948، ولا حتى تتطرق من قريب أو بعيد إلى حق العودة و( و وليس أو) التعويض، انتبهوا، فهي ربما كانت كلمة حق أريد بها باطل.

٭ كاتب فلسطيني

د. خليل قطاطو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية