لا مكان لـ«العربية» في وظائف ومواقع إسرائيلية

في الوقت الذي كانت فيه بلدان ومنظمات وهيئات عدة في العالم، تحتفي وتحتفل باليوم العالمي للغة العربية في 18/12/2016 الذي يتكرر في كل عام؛ فإن منظمة في إسرائيل تسمى «منظمة المساواة بين العبرية والعربية « أصدرت بيانا أوضحت فيه أن هناك اضطهادا للغة العربية في بعض الشركات والمؤسسات الإسرائيلية.
كما أعلنت أنه تم طرد مجموعة من الفلسطينيين العرب في بعض المؤسسات في مدينة بئر السبع الواقعة في الجنوب الفلسطيني المحتل، وبينت أن شركات أخرى في بعض المدن الإسرائيلية مارست وتمارس الدور نفسه، وقد بادر عدد من النواب في القائمة العربية المشتركة في مجلس النواب (الكنيست) للاحتجاج على هذه الظاهرة التي تعلن تمييزا عنصريا واضحا.
إن الدخول في تحليل هذه الظاهرة والممارسات، يبين عدة مستويات من الإدانة والاستنكار وقصر النظر، والفهم للتركيبة السكانية في ما أخذ يعرف بإسرائيل. فأكثر من نصف سكان إسرائيل هم من أصول يهودية، كانوا من سكان البلدان العربية، وهجّروا منها بالقوة والقسر، أو هاجروا من بلدانهم إلى فلسطين قبل وبعد عام 1948، أي عام النكبة الفلسطينية التي طرد أثناءها أغلب الشعب الفلسطيني من بلاده، من قبل القوات الصهيونية الغازية، وما زالت الوقائع بارزة ومعروفة عن هجرات يهود العــــراق ويهــود مـصر، كما يهود اليمن والمغرب وتونس والجزائر وليبيا وسوريا ولبنان.
إن سنوات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، شهدت تدفقا ليهود تلك البلدان العربية – قسرا أو طواعية – من بلادهم إلى فلسطين، وما زال الجيل الثاني والثالث وحتى الرابع وما تبعها، يتكلم اللغة العربية، فهل لو وجد موظف من هؤلاء يتكلم مع زميل له بالعربية، وتبين أنهما من المغرب أو من مصر، أو من العراق، فهل تحل عليهما لعنة الطرد من الوظيفة؟ هذه الحالة واسعة الانتشار إلى درجة أن أكثر من نصف السكان في إسرائيل، هم من سكان البلدان العربية السابقين، فكيف يمكن للتفكير والتدبير العنصريين أن يتعاملا مع مثل هذه الظاهرة؟ إن ما يزيد عن مليون ونصف المليون من سكان ما يسمى إسرائيل، هم من الفلسطينيين العرب الذين استمروا وبقوا في بلادهم، فهل هم من تتقصدهم العنصرية الصهيونية، وتطالبهم بألا يتحدثوا بلغتهم الأم، أي اللغة العربية في حديث عابر أثناء الوظيفة المهنية، علما بأنهم يتحدثون بالعبرية في ما يتعلق بالوظيفة الرسمية. لقد تدفق على الكيان الصهيوني في فلسطين مئات الآلاف من يهود روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، أو ممن ادعوا أنهم من اليهود قبل وبعد تسعينيات القرن الماضي. ومن المؤكد أن أكثرية من بينهم لا تجيد العبرية، فلو وجد موظفان من بينهم يتحدثان بالروسية، فهل ستطبق عليهما الإجراءات نفسها التي أخذت بعض الشركات في تطبيقها على الفلسطينيين العرب؟ كذلك الأمر بالنسبة ليهود الفالاشا الإثيوبيين، الذين لا يجيدون إلا لغة مناطقهم الأصلية في إثيوبيا، كاللغة الأمهرية أو غيرها من لغات ولهجات إثيوبيا العديدة. كذلك الأمر بالنسبة إلى مهاجرين آخرين من بلدان عدة كأمريكا الجنوبية وجنوب أفريقيا وبلدان أوروبية أخرى عديدة.
إن استيعاب العبرية لم يتم بصورة مقبولة وجيدة لدى أجيال عديدة من المهاجرين أو المهجرين، لذا فهم يفضلون استعمال لغاتهم الأم في ما بينهم، فما هي الإجراءات التي يمكن أن تتفتق عنها عنصرية التعصب والانغلاق ومحاربة الفلسطيني حتى من خلال التضييق على لغته الأم؟
لا شك أن هناك سياسة ممنهجة لتغيير أسماء المدن والبلدات والأماكن العربية الفلسطينية، وتحويلها إلى أسماء عبرية، ومنها القدس التي تحولت إلى أورشليم وحائط البراق إلى حائط المبكى، والمسجد الأقصى إلى جبل الهيكل وتل الربيع إلى تل أبيب والناصرة إلى نزاريت والخالصة إلى كريات شمونة وصفورية إلى تسيبوري وغيرها وغيرها. إن موجات من القوانين والإجراءات تتوالى صدورا من قبل حكومات يمينية متطرفة، تتسابق وتتساوق مع الكنيست في فرض ما يخطر على الذهن وما لا يخطر، للتضييق على الفلسطيني ومحاولة مضايقته في كل سبل عيشه وحياته، تمهيدا لاقتلاعه ومصادرة أراضيه وأملاكه، وترسانة القوانين والإجراءات ما زالت تنهال على رأس الفلسطيني والصراع ما زال محتدما ومستمرا.
تجدر الإشـــارة إلى أن حملة تم إطلاقها في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948 لمقاطعة الدوائر الرسمية والشعبـــية الإسرائيلية التي تناهض اللغة العربية والمتحدثين بها، علما بأن اللغة العربية هي اللغة الثانية في البلاد وهي الأولى الأصيلة فيها.

٭ كاتب فلسطيني

لا مكان لـ«العربية» في وظائف ومواقع إسرائيلية

سليمان الشّيخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية