القصر الأحمر في الكويت بدأ استراحة صيفية وتحول إلى حصن عسكري ورمز وطني

حجم الخط
0

الكويت -«القدس العربي»: هناك العديد من الأماكن التراثية في الكويت على إمتداد تاريخها الذي نقله المؤلفون في توثيقاتهم المتعددة وخاصة المستشرقين الذين مروا عليها في نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، ومن أبرز هذه الأماكن «القصر الأحمر» الذي ما زال قائما ليومنا هذا وشهد الكثير من الأحداث من عمر الدولة القديمة والحديثة وكان حصنا لحماية الوطن في المعركة الشهيرة التي إرتبطت باسمه الشهير «معركة القصر الأحمر» أو كما يسميها البعض «معركة الجهراء».
وتعني «الجهراء» لغة الأرض المستوية السهلية، ويقع القصر الأحمر في الجنوب منها على مسافة 40 كم من عاصمة دولة الكويت «الكويت». وذكرت بعض الكتب أن القصر شيد في عهد مبارك الصباح وسمي بهذا الاسم نسبه الى الطين الذي بني منه والذي يميل لونه إلى الحمرة وتم ضمه للأماكن التاريخية التي ترعاها الدولة ويتبع حاليا للمجلس الوطني للثقافة والفنون وتقام فيه المعارض في بعض المناسبات التي ارتبطت بتاريخه وخاصة الوطنية منها.
بدأ البناء في القصر الأحمر في عام 1896 وتبلغ مساحته 6500 متر مربع وارتفاع جدرانه 4 أمتار ونصف بسمك متر واحد. ويحتوي القصر على 33 غرفة بالإضافة إلى 3 بوابات. تقع البوابة الرئيسية وهي الأكبر في جهة الشرق بينما الوسطى تقع في الشمال بالإضافة إلى بوابة صغيرة أيضا في الشمال مخصصة لدخول النساء. ويلحق بالقصر أسطبل يتسع إلى 100 حصان إضافة لبئر تم حفره أثناء محاصرة القصر في معركة الجهراء عام 1920.
ويعتبر القصـر الأحمـر أحد المعالم التاريخية والحضارية لدولة الكويت فهو يجسد جانبا مهما من تاريخ الشعب الكويتي وكفاحه في سبيـل المحـافظة على حدود الدولة القديمة في تلك الفترة.
وأقام فيه مؤسسه الشيخ مبارك الصباح كما أقام فيه من بعده الشيخ سالم الصباح وكان عند بنائه يقع في الجـنوب من قرية الجهراء متميزا بموقع إستراتيجي في قلبها قرب أشجار النخـيل وتوافر المياه الجوفية والطين الأحمر، الذي يشكل المـادة الرئيسية التي إستخدمت في بناء هذا القصر إضافة الى كونه يمنح ميزة البرودة في أوقات الصيف الحارة كما هو معروف عن مناخ الكويت بينما صنعت البوابات من الخشب القوي وثبتت بمسامير معدنية كبيرة.
ومع إختلاف الروايات والوصف إلا أن أقربها للحقيقة ما ذكره يعقوب يوسف الحجي في كتابه «الكويت القديمة صور وذكريات» بأن القصر الأحمر قد بني عام 1897 م، ليكون القصر الصيفي للشيخ مبارك الصباح في واحة الجهراء لأن في المنطقة عدة آبار ماء وبساتين ونخل وأن من قام ببناء سور حوله هو الشيخ سالم الصباح وذلك في عام 1921م. وترتفع فوق جدران القصر أبراج يطلق عليها الغولة «الأبراج» عند زوايا القصر الأربع بارتفاع 2.5 متر، وتتخللها الكثير من الثقوب متفاوتة الأحجام حيث كانت تستخدم في أعمال الدفاع وإطلاق النار. والقصر الأحمر نموذج معماري هام يعبر عن الأسلوب الهندسي القديم الذي يتلاءم مع البيئة المحلية ويحقق الأهداف المنشودة في الدفاع عن البلد من خلال طريقة تصميمه في وقته.
بني القصر بإستخدام اللبن الطيني، دون أن تدخل في بنائه صخور بحرية، أما للحوائط والأسقف فقد جرى إستعمال خشب الصندل وهو «خشب قوي جدا» إضافة الى البواري التي هي عبارة عن «الخشب والحديد المجوف كأنابيب». ويتألف القصر من ثلاثة أقسام أساسية هي: سكن الأمير والمسجد والديوانية. أما سكن الأمير وحرمه، فهو يشغل الجهة الشمالية الغربية من القصر ويتألف من تسع غرف، وبه سلمان واحد يؤدي إلى السطح والآخر إلى غرفته، وهي الغرفة الوحيدة التي بنيت على السطح. وتشغل الديوانية الجهة الغربية من القصر وهي مكان مخصص لجلوس الشيوخ وضيوفهم، بينما خصصت الجهة الجنوبية لمرابط الخيل وعلفها. ويوجد المسجد بالقرب من غرفة الحراسة وله حوشه الخاص، وهو مخصص لصلاة الموجودين في القصر ويستخدم القصر الأحمر حاليا كمقر لمركز تراث البادية خاصة مع طبيعة التركيبة السكانية القبلية لأهالي الجهراء.
أبرز الأحداث التي عاشها القصر كان في صبيحة يوم الأحد 10 تشرين الأول/أكتوبر 1920م عندما هاجمت بعض قبائل الإخوان أثناء الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية واحة الجهراء، وكان عددهم أربعة آلاف مقاتل بينما كان عدد المقاتلين الكويتيين ألف وخمسمئة مقاتل ودارت رحى المعركة حول القصر الأحمر وكان يرأس القوة الكويتية الشيخ سالم المبارك الصباح حاكم دولة الكويت آنذاك وأستمر الأهالي في قتال الجيوش التي تفوقهم عدة وعددا عدة أيام متشبثين بالمقاومة ولكن لم تكن الذخيرة تسعفهم للمواصلة في تبادل النيران من خارج أسوار القصر. وعندما أحس الدويش «قائد جيوش الإخوان» بنفاد ذخيرة الحامية أمر أتباعه بالتقدم إلى داخل الجهراء، فترك الكويتيون مراكزهم ولجأوا إلى داخل أسوار القصر الأحمر ودخل معهم الكثير من أهالي الجهراء وخوفا من أن يطول الحصار عليه، ومخزون الطعام الذي لم يكن يكفي إلا ليومين فقط ومع وجود بئر واحدة فقط تصلح للشرب وكثرة الناس المتحصنين في الداخل قرر الأمير سالم الصباح أن يرسل من يذيع أخبار الحصار. فأرسل اثنين من رجاله، هما مرزوق الرشيد ومرشد الشمري، وكانت المخاطرة بفتح البوابة لهما وهي الوحيدة ولكنهما تطوعا واستطاعا النفاذ وخرجا إلى مدينة الكويت وقطعا المسافة دون توقف وأخبرا الشيخ أحمد الجابر الصباح بالأمر. فأمر الشيخ بأن تجهز السفن الشراعية بالذخيرة والطعام ووجهت إلى الشاطئ المحاذي للجهراء يتقدمها يخت «مشرف» الخاص بالأسرة الحاكمة للكويت. حتى علم أهالي الكويت القاطنين على ساحل الخليج بما يقارب 40 كم بما يجري في الجهراء ولجوء الكويتيين إلى القصر الأحمر فقاموا بتجهيز سفن شراعية مليئة بالذخيرة والطعام والرجال إضافة إلى نجدات برية قاصدة إياهم. ولما علم الإخوان بأمر المساعدات القادمة أرسلوا يفاوضون الشيخ سالم الصباح للصلح وتمت الهدنة بين الطرفين وما لبث الإخوان أن رحلوا عن الجهراء مما اعتبر نصرا عظيما ودربا من دروب البطولة والفداء ووحدة الصف بين الكويتيين في الماضي.
ويسمى القصر اليوم متحف القصر الأحمر فهو ما زال محتفظا ببنائه ويحمل ملامح البناء الكويتي القديم في الجهراء وقد قاموا بتقسيم المتحف الى عدة غرف
تتجاوز الـ 33 غرفة كل واحدة منها أعدت لتكون رمزا لما كان يمارس في تلك الفترة من أعمال ومن إستخدام للأدوات خاصة لأن الواحة كانت تعد منطقة زراعية خضراء.
ومن الغرف نجد في المتحف غرفة الصيد وتظهر فيها مجسمات أدوات الصيد أو القنص بالصقور أو السلاح أو الفخ «مصيدة تصنع يدويا لصيد الطيور الصغيرة»
وأدوات الصقور من برقع يوضع على عينيه وقفاز صاحبه وفخ «شبك يوضع به الطعم» وكذلك صور القناصين في تلك الأيام.
وهناك غرفة الأسلحة القديمة وتحتوي على مدفع صغير وطلقات خاصة به والبارود والسيوف والخناجر و»العجرات» وهي عصي متينة تستخدم في العراك وأنواع مختلفة من الأسلحة التي كانت تستخدم في تلك الحقبة.
وهناك أيضا غرفة «السدو» وتعني حياكة الصوف، وتحكي الغرفة تاريخ حياكة السدو ونماذج منه والأصباغ الطبيعية التي كانت تصنعها نساء البادية ومغازل الصوف وأدوات تشرح كيفية إستخراج الصوف من الأغنام.
وتوجد في الجهة الأخرى المقابلة للغرف الرئيسية منه غرفة الزراعة التي تحتوي على أدوات زراعية قديمة لحرث الأرض والعديد من الصور القديمة المختلفة عن طرائق الزراعة قديما في واحة الجهراء.
وتجاورها غرفة التجارة وهي تحتوي على وسائل السفر بمساعدة الجمال وأنواع البضائع التي كانوا يجلبونها والوجهات التي يقصدونها وبضائع كل وجهة منها وأسماء أشهر التجار في تلك الفترة.
وتقع في الزاوية الشمالية منه غرفة البيئة الكويتية حيث تستطيع ان تشاهد أنواعا من الحيوانات البرية المحنطة التي كانت تعيش في المنطقة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل ان هناك العديد من الأنشطة الثقافية والفعاليات التي تقام في القصر الأحمر مثلا معرض الأسلحة القديمة ويقام بين فترة وأخرى وكذلك إحتفالات تشمل الرقصات الشعبية مثل العرضة والفرينسي.
وما زال القصر الأحمر يمثل لأبناء الجهراء دليلا على عمق العلاقة بين الأرض وأهلها الذين ما زالوا يسكنونها وتربطهم بالمكان علاقة تاريخية واجتماعية وثقافية.

أحمد الخليفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية