بيروت-“القدس العربي”: التطورات السياسية هذا الأسبوع حملت مشهدين متناقضين: تصعيد سياسي إلى أعلى السقوف من رئيس الجمهورية ميشال عون والحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر ثم حلحلة سياسية مفاجئة على طريقة إشتدي أزمة تنفرجي.
وقد تساءل كثيرون عن سرّ السحر السياسي وكيف بسحر ساحر تحلحلت العقد وانطوت الشروط والشروط المضادة بعدما كادت الأمور تبلغ حد الهاوية؟ وسخر بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي كيف تراجع رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر ورئيس الحزب الديمقراطي الأمير طلال ارسلان عن سقوفهم العالية فجأة وقبلوا بإجراء مصالحة في بعبدا علماً أن الرئيس عون كان أعلن قبل أيام عن أنه ليس شيخ عشيرة ليرعى مصالحة عشائرية؟
لدى بعض المتابعين تفسير وحيد لهذا الانقلاب وهو بيان السفارة الأمريكية الذي دلّ على أن فبركة ملف سياسي قضائي للزعيم الدرزي وليد جنبلاط والتعرّض له هو خط أحمر، وعلى خلفية التلويح بملاحقة الزعيم الدرزي وصولاً حتى إلى سجنه، حذّر بيان السفارة من التدخل في القضاء بخلفية سياسية، مؤكداً “أن أي محاولة لاستغلال الحدث المأساوي الذي وقع في قبرشمون بهدف تعزيز أهداف سياسية يجب ان يتم رفضه” مطالباً “السلطات اللبنانية بأن تتعامل مع هذا الأمر بطريقة تحقق العدالة بدون تأجيج نعرات طائفية ومناطقية بخلفيات سياسية”.
وفي وقت كان مجلس الوزراء معطلاً على مدى 40 يوماً بسبب شرط إحالة حادثة البساتين – قبرشمون على المجلس العدلي، فإن الحكومة ستنعقد من دون إدراج بند المجلس العدلي على جدول الأعمال. مستشار اللواء أشرف ريفي أسعد بشارة ربط بين الحلحلة المفاجئة وموقف االسفارة “بيان السفارة الأمريكية يُختصَر بثلاث كلمات: إنتبه وين رايح؟ وهيئتو إنتبه”.
وكانت الأجواء التي سبقت الحلحلة المفاجئة أفادت أن لا جلسة وشيكة لمجلس الوزراء ولا في الأسبوع المقبل على اعتبار ان الرئيس سعد الحريري سيغادر إلى واشنطن، وأن رئيس مجلس النواب نبيه بري أطفأ محركاته بعد موقف رئيس الجمهورية من رفض المصالحة العشائرية والذي اعتبر أن المقصود بالكمين هو الوزير باسيل وليس الوزير صالح الغريب، وعلى اعتبار أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم استنفد كل وساطته.
غير أن “الوحي” الذي كان يهبط من الشرق وتحديداً من دمشق يبدو أنه هبط من الغرب وتحديداً من واشنطن فهبّت رياح التفاؤل، وقام الحريري بزيارة بعبدا وانضم إلى الاجتماع اللواء ابراهيم ليخرج الحريري مبتسماً لأول مرة منذ تعطّل جلسات مجلس الوزراء في 2 تموز/يوليو، وأثمرت الاتصالات لقاء مصارحة ومصالحة ضمّ كلاً من عون وبري والحريري وجنبلاط وارسلان تمهيداً لإسقاط الحق الشخصي في حادثة البساتين من قبل مناصري ارسلان بعدما سبق لجنبلاط أن أسقط الحق الشخصي لمناصريه في حادثة الشويفات قبل أكثر من سنة.
يبقى أن مصالحة جنبلاط وارسلان ستترك تأثيراتها الإيجابية على الوضع في الجبل على الصعيد الدرزي الدرزي أولاً وعلى الصعيد الدرزي المسيحي ثانياً بعدما شهد الوضع في الشوف وعاليه منذ بداية تموز/يوليو حالة من القلق على مصالحة الجبل التاريخية التي رعاها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير مع الزعيم وليد جنبلاط في آب/اغسطس من عام 2001 في ظل النبرة العالية للوزير باسيل التي استنفرت مناصري جنبلاط وكادت تتسبّب بنبش قبور الماضي مع مسيحيي الجبل لولا مسارعة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى التدخل داعماً زعيم المختارة ورافضاً أي محاصرة له ، الأمر الذي أراح الوضع في الجبل ونقله من صراع درزي مسيحي إلى صراع سياسي.
وعلمت “القدس العربي” أن عائلة المغدور رامي سلمان الذي سقط ضحية في حادثة البساتين في موكب الوزير صالح الغريب كانت وجّهت رسالة معبّرة إلى زعماء طائفة الموحدين الدروز داعية للتهدئة والتعقّل وجاء فيها “نحن عائلة الشّهيد رامي أكرم سلمان. الألم ألمنا، والجرح جرحنا، والفقيد فقيدنا، ورغم كل ذلك نريد ونسعى للتّهدئة. لا نحب التّكلّم بالطّائفيّة، لكن لا نقبل أن تصوّب بندقيّة أي إنسان درزي على إبن طائفته أو غيره، ونتمنّى أن تنتهي القصّة هنا، وتكون دماء المرحوم رامي والمرحوم سامر رسالة لتهدئة النّفوس”.
نفهم من هذا ان جماعة حكومة لبنان ليسوا سوى مستخدمين لدى السفارة الأمريكية في لبنان ؟