هل اقتربت ساعة مغادرة القوات الأمريكية للعراق؟

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»:  ضمن تداعيات حرب غزة على العراق والمنطقة، وفي تسارع غير مسبوق للأحداث، يتصاعد تبادل هجمات الفصائل المسلحة العراقية على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا والرد الأمريكي بقصف مواقع الفصائل وقتل بعض عناصرها، بالتزامن مع ضغوط شيعية قوية على حكومة محمد السوداني لطرد القوات الأمريكية، بتشجيع وتحريض ودعم إيراني علني لهذا المطلب.

وقد شهدت الساحة العراقية مؤخرا تغييرا في قواعد الاشتباك بين القوات الأمريكية والفصائل المسلحة في العراق بعد ان كسرت الفصائل العراقية، الهدنة مع القوات الأمريكية التي استمرت لنحو عام بعد تشكيل حكومة محمد السوداني، حيث قامت بقصف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا وإسرائيل، لترد عليها القوات الأمريكية بقصف متكرر لعناصر ومواقع تابعة للفصائل، وسط عجز كامل من حكومة بغداد عن ردع الطرفين.
وبين ضغوط الفصائل والولايات المتحدة يبدو أن حكومة محمد السوداني في موقف لا تحسد عليه، فهي لا تتمكن من ردع الفصائل عن مهاجمة القواعد كما انها لا تستطيع السكوت عن الرد الأمريكي ضد الفصائل، بمبرر معارضته للسيادة، رغم ان كلا الطرفين ينتهكان السيادة وهيبة الدولة إلا ان ضغوط الفصائل والأحزاب الشيعية تبدو هي الأقوى على حكومة السوداني لأنها قادرة على إسقاط هذه الحكومة متى شاءت.
وكانت هذه الحقيقة وراء تراجع السوداني عن وصف الهجمات ضد السفارة الأمريكية في بغداد ومطار أربيل بأنها «اعتداءات إرهابية، وان الأجهزة الأمنية تلاحق المنفذين، وستكشفهم للرأي العام». ولذا كرر السوداني، في مناسبات عديدة مؤخرا، أن حكومته تجري اتصالات مع الولايات المتحدة لتنظيم خروج القوات الأمريكية من العراق، و«بضمنها مراجعة وجود المستشارين الأمنيين الذين يدعمون القوات الأمنية في مجالات التدريب والمشورة والتعاون الاستخباري». وأشار السوداني إلى أن هناك «ضرورة لإعادة ترتيب هذه العلاقة بالشكل الذي لا تكون هدفا ومبررا لأي جهة داخلية أو خارجية للعبث باستقرار العراق والمنطقة» ولكنه استدرك «لا نريد أن يكون إنهاء التحالف وكأنه عملية طرد لهذه القوات وإنما هي عملية تفاهم وحوار تؤدي إلى الانسحاب بشكل طبيعي».

الموقف الأمريكي

أما رد واشنطن على تصريحات السوداني، فقد جاء عبر اتجاهين، الأول هو زيارات السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانوفسكي لبعض قادة القوى الشيعية ومنهم رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ورئيس تحالف النصر حيدر العبادي، حيث نقلت رسائل تحذير واضحة بأن بلادها لن تسكت عن هجمات الفصائل على قواعدها وخاصة بعد الهجوم الأخير على قاعدة الأسد بنحو 12 صاروخا بالستيا، وهو أكبر هجوم على القاعدة منذ حرب غزة، وتسبب بإصابات بين الجنود الأمريكان والعراقيين.
كما شدد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، خلال اتصال هاتفي مع السوداني على «حق الولايات المتحدة بالتصرف دفاعا عن النفس ضد أي مجموعات تشن هجمات على الأمريكيين» مشيرا إلى أن «كتائب حزب الله وحركة النجباء المصنفتين على لوائح الإرهاب والمدعومتين من إيران، مسؤولتان عن معظم الهجمات ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف». وعلى إثر ذلك أصدرت الولايات المتحدة المزيد من العقوبات على بعض قيادات الفصائل والشركات التابعة لهم ومنها شركة طيران فلاي بغداد.
أما الاتجاه الثاني للرد الأمريكي فجاء عبر شن المزيد من الضربات الجوية على مواقع الفصائل وقوافل الأسلحة التي ترسلها إلى سوريا عبر العراق، بالتزامن مع إعلان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» أن بلاده لا تخطط حاليا لسحب قواتها البالغ عددها نحو 2500 جندي من العراق. وقال الميجر جنرال بالقوات الجوية باتريك رايدر «في الوقت الحالي ليس لدي علم بأي خطط للانسحاب، ونواصل التركيز بشدة على مهمة هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية».
وكان البنتاغون أعلن إن هجوم السبت الماضي على قاعدة عين الأسد الجوية في العراق «كان أوسع نطاقا مما رأيناه سابقا» عندما «تعرضت لوابل من الصواريخ الباليستية» في القاعدة التي تستضيف قوات أمريكية ودولية بمحافظة الأنبار في غرب العراق، مشيرا إلى تعرض هذه القوات لـ151 هجوما في العراق وسوريا، منذ 17 من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
ويتوقع العديد من الخبراء ان أمريكا ستصعد هجماتها ضد الفصائل التي تستهدف قاعدتي حرير وعين الأسد، لأنها باتت مقتنعة أن حكومة السوداني غير قادرة على التصدي للجماعات التي تستهدف القواعد التي يتواجد فيها جنودها وكذلك سفارتها في العراق.

تصعيد الفصائل

وبالنسبة للفصائل والقوى الشيعية الأخرى، يبدو واضحا انها تتحرك بقوة لتنفيذ قرار إخراج القوات الأمريكية من العراق مستفيدة من الظروف الإقليمية بعد حرب غزة والدعم الأمريكي لإسرائيل، وهي فرصة لا تريد هي وحليفها في طهران، ان يضيعوها بالتأكيد.
ويرى المراقبون في بغداد أن نوري المالكي، زعيم حزب الدعوة وحليف إيران القوي، هو الذي يقود حراك الفصائل والقوى الشيعية بهذا الاتجاه. وخلال مهرجان أقامته السفارة الإيرانية في بغداد، في الذكرى الرابعة لاغتيال أبو مهدي المهندس والجنرال الإيراني قاسم سليماني، أكد المالكي «أن العراق لن يستقر إلا بعد خروج القوات الأجنبية، وان الجيش الأمريكي تحول من تقديم المشورة والتدريب إلى قصف العراقيين وقتلهم».
وفي دور متناسق للفصائل ذكر بيان لكتائب حزب الله إنه «لا يوجد خيار إلا المقاومة، وإنهاء الاحتلال بتوجيه المزيد من الضربات». وأكّد الناطق العسكري باسم كتائب حزب الله العراق، جعفر الحسيني في تصريحاته على أنّ «المقاومة العراقية ماضية في عملياتها حتى إخراج كامل القوات الأمريكية من العراق وبعض بلدان المنطقة» مشيراً إلى أنّ «الوجود الأمريكي في أي من هذه البلدان هو شر مطلق ويمتد إلى الدول المجاورة». وقد هدد الحسيني، بقصف أهداف أمريكية وإسرائيلية في الخليج وغرب آسيا، وتوعد بالرد على أي «اعتداء» يطال أي دولة من دول محور المقاومة» مشددا على «ان معركتنا مع الأمريكيين مستمرة ولن تتوقف بعد انتهاء عمليات طوفان الأقصى».
وفيما دعا قائد ميليشيا حركة النجباء اكرم الكعبي، إلى «إعلان الحرب ضد أمريكا وإخراجها من العراق» ردا على قصفها مقرات الحشد الشعبي، داعيا إلى طرد حتى المستشارين الأمريكان من العراق، فإن زعيم منظمة بدر هادي العامري، شدد أن «على الحكومة أن تسرع في إخراج هذه القوات من العراق لان بقائها شر مطلق وليس بها أي فائدة وعلينا ان نعجل في إخراجهم». وفي نفس السياق، كشف القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى، همام حمودي: «أن الإطار التنسيقي الشيعي، قرر إنهاء التحالف الدولي والتحول إلى اتفاقيات التعاون الثنائي».
أما سياسيا فتسعى القوى الشيعية إلى التحشيد في البرلمان لإصدار قرار جديد ملزم باخراج القوات الأمريكية من العراق، وسط انقسام في المواقف ليس بين القوى الشيعية والسنية والكردية فحسب، بل وفي المعسكر الشيعي نفسه أيضا. وإذا كان عدم الثقة بالقوى الشيعية يجعل القوى السنية والكردية وغيرهم من المكونات، يحبذون بقاء القوات الأمريكية لمعادلة النفوذ الإيراني في العراق، فإن بعض القوى الشيعية المعتدلة اعتمدت سياسة إدانة الطرفين (الفصائل وأمريكا) في المواجهة.
فقد أدان تحالف قوى الدولة الوطنية (عمار الحكيم وحيدر العبادي) التصعيد العسكري والأمني المتبادل بين أمريكا وأطراف عراقية، والذي أدى إلى خرق السيادة وسقوط الشهداء، وحمّل الأطراف المسؤولة عنه التبعات والتداعيات. وأضاف البيان «على الجميع أن يدرك بأن الأمن والاستقرار مصلحة عراقية إقليمية دولية، وآخر ما يحتاجه العراق والمنطقة جر العراق لمنزلق الاضطراب والفوضى، ونحذر من التبعات الكارثية للتصعيد المتبادل». وفي نقد غير مباشر للفصائل أشار البيان «نؤكد أن الحكومة ومؤسسات الدولة العراقية مسؤولة دستورياً عن العراق وسياساته ومواقفه ومصالحه، وأنّ الحكومة هي المكلفة بإدارة البلاد، وتجاوز إرادتها من قبل الأطراف الداخلية والخارجية لن يُقبل».

الموقف الإيراني

ووسط هذه التطورات، فان الموقف الإيراني ازاء التصعيد بين الفصائل والقوات الأمريكية لم يكتف بتحريض الفصائل سرا، بل وفي الإعلان عن حق الفصائل في محاربة الأمريكان.
وجاءت التوجيهات الأخيرة للمرشد الإيراني علي خامنئي، لفصائل «جبهة المقاومة» بان تكون على «أهبة الاستعداد في مواجهة الاستكبار وان تضرب حيث تطال يدها» ليعطي الضوء الأخضر للفصائل.
وانسجاما مع ذلك التوجيه، هدد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري اسماعيل قااني: «إذا استمر السلوك الأمريكي في العراق، فالمقاومة سيكون لها رد مختلف». فيما أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن «العراق من أجل استقلاله والدفاع عن إخوانه يهاجم القواعد الأمريكية في العراق وسوريا».
ولم تكن بعيدة عن السياق زيارة رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، إلى بغداد قبل ايام، عندما أعلن خلال الزيارة عن استعداد قوات بلاده لـ «الدفاع» عن سلامة الأراضي العراقية ضد أي تهديدات تطالها من أي جهة معتدية أجنبية أو داخلية، في أشارة إلى الخلافات الجديدة بين بغداد وواشنطن.
ومن أجل تعميق التحرك الإيراني ضد الولايات المتحدة، عاد الحديث الإيراني عن ملاحقة قتلة الجنرال قاسم سليماني. فبالتزامن مع الذكرى السنوية الرابعة لحادثة اغتيال سليماني والمهندس التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2020 تصاعدت مطالب إيران والقوى الحليفة لها، من القضاء العراقي بإعلان نتائج التحقيق وإدانة المتورطين في حادثة الاغتيال، بزعم مشاركة 42 شخصية فيها، حسب قولهم.

قصف أربيل

وفي تغيير آخر لقواعد الاشتباك في العراق تم استهداف أربيل عاصمة إقليم كردستان، بهجوم بصواريخ إيرانية على مناطق مدنية، بعد أيام من هجوم بمسيرات على قاعدة عسكرية لقوات البيشمركه الكردية في محافظة أربيل. وهو ما قابلته حكومة الإقليم ببيان شديد اللهجة، وصف «الهجوم الإرهابي الذي نفذه فصيل خارج على القانون بمساعدة عملاء مأجورين ضد مقر للبيشمركه، بالخطير ويمثل تحرشا» محملا «تلك الجهات والحكومة الاتحادية المسؤولية عن هذه الهجمات» فيما قالت البيشمركه، في بيان لها: «سيكون لنا حق الرد بالصورة اللازمة والمناسبة».
مراقبون يحذرون من أن استهداف قوات البيشمركه هو محاولة من قبل الفصائل لتوسيع نطاق عملياتها لتطال ليس فقط قوات التحالف، بل وقوات البيشمركه الكردية المتحالفة معها، كما أن هذا الاستهداف يهدف للضغط على القوى الكردية ودفعها للتصويت في البرلمان على قبول الانسحاب الأمريكي المفترض، وهي موافقة لن تحصل أبدا، بل انها ستدفع حكومة الإقليم إلى مزيد من التعاون مع قوات التحالف، حسبما أكده الزعيم الكردي مسعود بارزاني، خلال استقباله في أربيل، القائد العام لقوات التحالف في العراق وسوريا الجنرال جويل فول، واتفاقهما على «استمرار عمل قوات التحالف في البلدين لمحاربة الإرهاب» حيث ترى أربيل ان الدعم الأمريكي للإقليم، هو ضروري لمواجهة هجمات الفصائل وحتى إيران التي قصفت أربيل بالصواريخ قبل أيام بحجة وجود مركز للموساد فيها.
وفي الوقت الذي يتفق غالبية العراقيين على الرغبة الأكيدة بمغادرة القوات الأمريكية لبلدهم الذي خربته مخططات واشنطن من خلال تدخلها في جميع شؤونه وتحكمها باقتصاده وأمنه، والتي تدعم جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني، إلا انهم يتحفظون على جعل هذا الملف خاضعا لمخططات خارجية تنفذها بعض الفصائل التي تارة تهادن القوات الأمريكية وتارة تهاجمها، وفقا لايحاءات وأجندات خارجية وليست لرغبة وطنية.
وعموما لا نجافي الحقيقة عندما نعترف بان خبرة إيران وقدرتها على اقتناص الفرص واستغلال الظروف والأزمات في المنطقة لصالح أجنداتها متقدمة جدا. وهي تأمل في حرب غزة بكل تداعياتها أن تقدم خدمة كبيرة لإيران في تحقيق أحد أهم أهدافها في العراق، وهو جر القوات الأمريكية للصدام مع الفصائل المسلحة لتخريب العلاقة بين حكومتي واشنطن وبغداد، في محاولة لإنهاء النفوذ الأمريكي في العراق، من أجل ان يكون البلد ساحة خالية للنفوذ الإيراني بدون منازع، فيما يؤكد الخبراء أن الأمريكان لن يخرجوا من العراق بهذه السهولة، خاصة خلال هذا العام لأسباب منها الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية القريبة. فهل ستقع أمريكا في الفخ الإيراني؟ الأيام المقبلة ستعطينا الجواب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية