“هآرتس”: “قيام نظام أبرتهايد كامل”.. وجنرال سابق: إسرائيل تتوّرط بواقع ثنائي القومية

وديع عواودة
حجم الخط
0

 

الناصرة- “القدس العربي”: يؤكد رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان التابع لجامعة تل أبيب الدكتور ميخائيل ميلشتاين، أن اتفاق وزير الأمن في حكومة الاحتلال يواف غالانت ووزير المالية والوزير الإضافي في وزارة الأمن باتسلئيل سموتريتش ليس تغييراً رمزياً، بل مرحلة أخرى على طريق إزالة الخط الأخضر.

فيما تؤكد صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها اليوم أن هذا الاتفاق يعني “بناء نظام فصل عنصري أبرتهايد بالتمام والكمال”.

ميخائيل ميلشتاين وهو باحث مختص في السياسات والشؤون الاستراتيجية وجنرال سابق في الاستخبارات العسكرية هو واحد من الباحثين والمراقبين الإسرائيليين، ممن يحذرّون في السنوات الأخيرة من تورّط إسرائيل تدريجيا في واقع ثنائي القومية يهدد وجودها ويجعلها لا يهودية ولا ديموقراطية. ويقول في مقال نشره موقع “القناة العبرية 12″، إن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بشأن نشاط وحدة منسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية، بما في ذلك الإدارة المدنية في الضفة الغربية، ليس تغييراً تنظيمياً-بيروقراطياً، بل إنه خطوة تتيح فعلياً تحقيق رؤيا حزب الصهيونية الدينية فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني وهو في جوهره بداية تدريجية لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية (في المرحلة الأولى على المنطقة ج)، وذلك من خلال المساواة بين ظروف وأوضاع المستوطنات اليهودية في هذه المنطقة وبين سائر المستوطنات الموجودة داخل إسرائيل ضمن حدود 1967. موضحا أنه في خلفية ذلك، يجري العمل على تكثيف الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة وإبقاء الغموض حيال وجود السلطة الفلسطينية في المستقبل.

ويتابع ميليشتاين محذرا:”يجب التشديد على أن سموتريتش أيّد في الأعوام الأخيرة إلغاء الإدارة المدنية عموماً (حتى أنه طرح قانوناً يتعلق بالموضوع)، وذلك ضمن منطق إزالة الخط الأخضر والدفع قدماً إلى مزج إداري وقانوني، وفي البنى التحتية، بين المستوطنات وسائر أراضي إسرائيل”.

ما يجري برأي ميليشتاين هو تغيير دراماتيكي فيما يتعلق بعمل منسق أنشطة الحكومة في المناطق الفلسطينية وهو هيئة غامضة المحتوى، تعتمد على العسكريين وخاضعة لوزير الأمن، لكنها تعالج قضايا مدنية ويكشف هذا الوضع عدم رغبة مزمنة في حسم الموضوع الفلسطيني منذ سنة 1967 وحتى اليوم.

ويضيف” صحيح أن سموتريتش لن يكون مخوّلاً بتعيين منسق الأنشطة ورئيس الإدارة المدنية (الأمر الذي بقي ضمن صلاحيات وزير الأمن)، لكنه نجح في تعيين نائب جديد من طرفه في رئاسة الإدارة المدنية (شخص مدني) سيكون مسؤولاً عن عمل ضباط القيادة الذين يعملون من قِبل وزارات الحكومة في المناطق الفلسطينية وعن نشاطات البناء والتطوير وإنفاذ القانون في الضفة الغربية”.

كما ينبه أنه قد جرى الدفع قدماً بالاتفاق في وقت حساس، وبصورة خاصة مع غليان أمني في المنظومة الفلسطينية، بينما تواجه إسرائيل انتقادات حادة بسبب خطواتها في المناطق المحتلة، وفي طليعتها تشريع 9 بؤر استيطانية غير قانونية في الضفة. ويقول إن كل مَن يسعى للتوصل إلى تهدئة قبل شهر رمضان، الذي سيبدأ في 22 آذار/مارس، يجب أن يفهم أن هذه الخطوة السياسية تكشف سعياً لتغيير الواقع في الضفة الغربية، من المتوقع أن يكون له تأثير عكسي ويؤدي إلى زيادة التوتر الأمني، ويعمّق القطيعة بين إسرائيل والفلسطينيين، ويُضعف السلطة الفلسطينية، ويُدهور العلاقة بالمجتمع الدولي.

أجندتان متناقضتان

علاوةً على ذلك، يؤكد الاتفاق برأي ميليشتاين أن حكومة الاحتلال الحالية لديها أجندتان تتنافسان مع بعضهما البعض ومتناقضتان إزاء الموضوع الفلسطيني: من جهة، هناك أجندة الأقلية (سموتريتش وبن غفير) الغرض منها خلق واقع جديد من دون إعلانه؛ ومن جهة ثانية، هناك سياسة مترددة وغامضة للأكثرية (الليكود) التي تسعى فعلاً للمحافظة على ما هو قائم، بما فيه المحافظة على وجود السلطة الفلسطينية، لكنها أيضاً تخاف من زعزعة الاستقرار الحكومي. ويقول إنه من المتوقع أن يؤدي التسريع الكبير في البناء في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة إلى إثارة ردود فعل خارجية حادة، ويعرّض إسرائيل لضغوط كبيرة، ونتيجة ذلك، من المعقول أن تولد أيضاً توترات داخل الحكومة بين الجهات الأمنية وبين عدد من قادة “الخط الانقلابي” في موضوع المناطق الفلسطينية.

ترسيخ واقع الدولة الواحدة

ويؤكد الجنرال الإسرائيلي أن الاتفاق الجديد يديم معضلات صعبة برزت بعد التوصل إلى الاتفاقات الائتلافية، وتحولت إلى حجر خلاف أساسي بين الليكود وحزب الصهيونية الدينية، وفي طليعتها مسألة الجهة التي يخضع لها منسق أنشطة الحكومة في المناطق الفلسطينية وما يعرف بالإدارة المدنية.

 ويقول إنه في الاحتكاكات التي برزت حتى اليوم، في إخلاء بؤرة أور حاييم وكيرم في بنيامين، وزير الأمن هو الذي فرض سياسته، الأمر الذي أثار استياءً كبيراً من جانب سموتريتش وبن غفير ومن المعقول أن تعود المواجهة بشأن الصلاحيات قريباً، وأن تُحدث أصداء أقوى من السابق داخل الحكومة، وفي الحديث بين المستويين السياسي والأمني. والأهم من هذا كله برأيه، من المنتظر أن يكون للاتفاق الذي وُقّع تأثير عميق في مجموعة البدائل الاستراتيجية المطروحة على إسرائيل بشأن الموضوع الفلسطيني. وفي هذا المضمار يقول محذرا من جديد إن التوسيع السريع للمستوطنات وتطوير البنى التحتية المدنية في الضفة الغربية، معناه الفعلي ترسيخ واقع الدولة الواحدة وتقليص احتمالات الفصل المادي بين المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي. والمقصود خياران وحيدان متاحان اليوم لإسرائيل في الموضوع الفلسطيني، بينما رؤيا الدولتين، انطلاقاً من روحية أوسلو وأيضاً أفكار مؤقتة، مثل تقليص النزاع، أو إقامة كونفدرالية من دون حدود، لم تعد ممكنة التحقيق.

ويخلص ميلشتاين للقول:”نعم، إسرائيل تقف اليوم أمام خيار بين بديل الانفصال المعقد وكثير التحديات (حتى لو جرى بصورة أحادية الجانب)، وبين خيار أكثر خطراً وتهديداً، هو خيار الدولة الواحدة، سيناريو ازدادت معقوليته بعد توقيع الاتفاق الأخير. أغلبية الجمهور الإسرائيلي تسير نحو الدولة الواحدة، من دون أن تعرف، ورغم إرادتها، لذلك، يجب طرح الموضوع على النقاش الجماعي بصورة عميقة، على غرار النقاش الدائر بشأن موضوع الإصلاحات القضائية”.

أبرتهايد كامل

على خلفية كل ذلك أكدت صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها بعنوان “أبرتهايد كامل” أن حكومة الاحتلال دفعت قبل أيام بخطوات لتغيير له تبعات دراماتيكية للنظام في الضفة الغربية. وأشارت لتوقيع اتفاق بين وزير الأمن يوآف غالانت مع الوزير الإضافي في وزارته وزير المالية المستوطن باتسلئيل سموتريتش، يقضي بنقل صلاحيات سلطوية له بحيث يصبح سموتريتش مسؤولا عن مجالات عمل كثيرة لما يعرف بـ “الإدراة المدنية” بعدما كانت حتى الآن تحت إمرة قيادة جيش الاحتلال، وحذرت الصحيفة:”هذا التطور يعني أن سموتريتش هو من سيكون حاكم الضفة الغربية ويركّز بين يديه صلاحيات كثيرة لإدارة كل مجالات الحياة في الضفة الغربية بما يشمل التخطيط، البناء والبنى التحتية وبواسطتها ينوي توسيع الاستيطان وتضييق الخناق على الفلسطينيين”.

ضم زاحف

“هآرتس” التي تغرّد عادة خارج السرب الإعلامي الصهيوني، تقول إن إسرائيل تقوم منذ سنوات بعملية ضمّ فعلي للضفة الغربية، وخلال ذلك قامت السلطات المدنية للاحتلال بإملاء السياسات على “الإدارة المدنية” منوهة أن كافة حكومات الاحتلال تحاشت حتى الآن التدخل في المبنى السلطوي الرسمي داخل الضفة الغربية المحتلة، واهتمت بإبقاء الاحتلال كنظام حكم عسكري. وتقول إن تركيز الصلاحيات بيد القوة العسكرية المحتلة بشكل مؤقت حتى حل متفق حول مكانة الأراضي المحتلة هو مبدأ في القانون الدولي وتعبير عن حظر امتلاك السيادة عنوة وبالقوة وهو مبدأ متعارف عليه في العالم منذ الحرب العالمية الثانية وقد تمت صياغته والتوافق عليه كوسيلة لكبح أطماع السيطرة على الأرض بشنّ الحروب.

وتشدد صحيفة “هآرتس” على أن  الاتفاق المذكور يقضي بنقل معظم صلاحيات ما يعرف بـ”الإدارة المدنية” ليد سموتريتش أما إخلاء البؤر الاستيطانية الجديدة فستبقى بيد جيش الاحتلال. وتتابع”هذا الاتفاق يثبت أن سموتريتش يخطّط انقلابا في الضفة الغربية ويغير واقعها ونتنياهو لا يوقفه. في مصطلحات قضائية فإن نقل صلاحيات سلطوية في الضفة الغربية للحاكم المدني الجديد مع انتهاج نظام قضائي فيه ازدواجية بحيث يخضع المستوطنون للقوانين الإسرائيلية المدنية بشكل كامل يعني ضمّا رسميا(قضائيا) للضفة الغربية. وعندما لا يمنح ملايين الفلسطينيين داخل الضفة الغربية فإن تطبيق الاتفاق المذكور يعني تشكيل نظام فصل عنصري رسمي، أبرتهايد بالتمام والكمال”.

اتفاق الضمّ

وأكثر من ذلك إذ تقول “هآرتس” في افتتاحيتها إن هذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي يتمّ في نطاق صفقة فاسدة قوامها منح صلاحيات مقابل ميزانيات. سموتريتش قد عزّز مكانته كوزير للمالية من أجل الابتزاز والظفر بصلاحيات “الإدارة المدنية” للضفة الغربية في فترة المصادقة على الموازنة العام للعامين الحالي والقادم وتوزيع ميزانيات للوزراء. وتخلص “هآرتس” للقول إنه كان على قادة الجيش ومعهم وزير الأمن رفض تهديدات سموتريتش ورفض بيع صلاحيات سلطوية في الضفة الغربية. استسلامكم معيب ومخجل ولكن ليس متأخرا بعد. من المحظور تطبيق اتفاق الضمّ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية