هآرتس..إسرائيل: سنحمل ورقة حماس للمستقبل ونخلق واقعاً جديداً في القطاع وعلى طول “فيلادلفيا”

حجم الخط
0

عملية الجيش الإسرائيلي أمس في رفح، التي شملت السيطرة على معبر رفح واحتلال ثلث ممر فيلادلفيا الشرقي على حدود القطاع مع مصر، تجري في المسافة بين أهداف الحرب الإسرائيلية: تفكيك قدرات حماس وإطلاق سراح المخطوفين. فضلت إسرائيل الآن عملية محدودة لا يحتمل حتى الآن أن تؤدي إلى مواجهة سياسية مباشرة بينها وبين الولايات المتحدة ومصر.

في سيناريو متفائل جداً بعد أشهر على المراوحة في المكان، فإن الضغط العسكري الذي يستخدم الآن في رفح ربما يساعد على تسريع صفقة المخطوفين. ولكن ما زال هناك خطراً معاكساً، وهو أن العملية المحدودة في معبر رفح قد تنزلق إلى احتلال رفح كلها، كما يقول اليمين، ومنع التقدم في الصفقة مع تعريض حياة المخطوفين للخطر.

منذ فترة طويلة والعملية في رفح عالقة بين المستويين السياسي والعسكري إزاء الخلافات حول حجم الفائدة منها، وسلم الأولويات بين اجتياح رفح وإطلاق سراح المخطوفين، وخصوصاً معارضة الولايات المتحدة لعملية واسعة، فقد قررت إسرائيل الصيغة الحالية.

وصادق “كابنت الحرب” على دخول طواقم قتالية لوائية من الفرقة 162 إلى ممر بطول 3.5 كم حتى معبر رفح والسيطرة عليه. والنية أخذ رمز سلطوي مهم من حماس، وهو المنفذ الوحيد لقطاع غزة إلى العالم الخارجي منذ الهجوم الإرهابي في 7 أكتوبر. من يؤيدون الصفقة أملوا أن يؤدي استئناف الضغط العسكري إلى ليونة في مواقف حماس في المفاوضات. تنتشر قرب القطاع الآن قوات أخرى قد تندمج مع خطوات عسكرية أخرى.

تقررت ساعة الصفر للعملية مساء الإثنين، لكن جاءت مفاجأة حماس قبل فترة قصيرة من تحرك القوات. قيادة حماس في قطر أعلنت عن موافقتها على اقتراح الوساطة لصفقة التبادل (بعد ذلك، تبين أن الأمر يتعلق باقتراح جديد لمصر، تبلور بمساعدة من الولايات المتحدة وقطر، وأجريت عليه عدة تعديلات منذ موافقة إسرائيل عليه قبل أسبوعين تقريباً). حدث تشويش في المستوى السياسي وهيئة الأركان؛ فمن جهة، ربما تغير موافقة حماس الوضع من أساسه وتسمح بتقدم جديد نحو الصفقة. ومن جهة أخرى، أصبحت القوات قريبة من جدار الحدود مع القطاع وهي معرضة لقذائف المدفعية في المنطقة التي قتل فيها أربعة جنود بصلية أطلقت على كرم أبو سالم قبل يوم من ذلك.

بعد تأخير صغير، تم اتخاذ قرار بمواصلة العملية. ووجهت القوات بمقاومة قليلة واستكملت السيطرة على المعبر وعلى شرق ممر فيلادلفيا. وخلال ساعات، نشر الجيش الإسرائيلي بأن عشرين مخرباً فلسطينياً قتلوا في تبادل لإطلاق النار. ومشط جنود الجيش الإسرائيلي منطقة معبر رفح، ويبدو أن القصد هو تدمير محدود بقدر الإمكان. أخذت إسرائيل ورقة حماس بيدها وهي تخطط لاستخدامها في المستقبل.

بعد احتلال المعبر، بشكل نموذجي للطريقة التي تجري فيها الحرب، نشر جنود احتياط في وسائل الإعلام أفلاماً من العملية: دبابة تدمر لافتة شوارع باللغة الإنجليزية مكتوباً عليها “أنا أحب غزة”. وقائد كتيبة يقود الجنود وهو يغني “يلا نفكك رفح”، وعلم إسرائيل يرفرف على المعبر. هذه الأفلام أثارت النشوة لدى أعضاء اليمين ومراسلين في الشبكات الاجتماعية، وكأن الأمر يتعلق على الأقل برفع العلم الأزرق فوق إيلات المحررة.

عملياً، كان هنا تجسيد آخر لسلوك طائش وغير منضبط. الجنود أملوا الطريقة التي ظهرت فيها العملية في الخارج، وبذلك حققوا أهداف أحد المعسكرات في الخلاف السياسي حول سلم الأولويات الصحيح في الحرب. إن رفع العلم على المعبر، الذي جاء بدون أمر من أعلى، أثار غضب المصريين الذين يبحثون عن شيء يغضبهم. تشوشت العلاقات بين الطرفين لبضع ساعات في الوقت الذي تحتاج فيه إسرائيل إلى تنسيق وثيق مع السلطات في القاهرة لمنع حماس من ضعضعة الوضع على طول الحدود وتشويش عملية الجيش الإسرائيلي.

هذه مشكلات صغيرة. ومثلما سرّع قتل الجنود الأربعة في كرم أبو سالم احتلال معبر رفح، فإن خسائر أخرى قد تحث إسرائيل على توسيع العملية في المدينة بهدف تقليص إطلاق النار على القوات الموجودة شرق محور فيلادلفيا. مشهد العلم الزائد والعملية بشكل خاص ضغطت المجتمع الدولي، الذي يخشى أيضاً من إضرار جديد بالمساعدات الإنسانية للقطاع، خصوصاً في الوقت الذي يجري القتال قرب أنابيب الأوكسجين الرئيسية، ومعبر رفح، ومعبر البضائع من إسرائيل في كرم أبو سالم.

إن تصميم إسرائيل على العمل في مدينة رفح المكتظة قد يسرع المواجهة المباشرة مع الإدارة الأمريكية، التي طلبت من حكومة نتنياهو حتى الآن تجنب هذه العملية. هذه التعقيدات قد تزيل الصفقة من جدول الأعمال وإبقاء المخطوفين الإسرائيليين المحتجزين في القطاع للموت هناك.

       الخدعة التي لم تكن

يتم طرح سؤال ما الذي يريده رئيس الحكومة نتنياهو. عندما تم نشر رد حماس الإثنين، سارع رجال نتنياهو لإعطاء إحاطة للمراسلين بأن الأمر يتعلق بخدعة، ربما كان المصريون شركاء فيها. وسمعت ادعاءات حول خيانة الولايات المتحدة لإسرائيل، مع التخلي عن دعمها من أجل هزيمة حماس. بعد ذلك، استيقظ نتنياهو وأعلن عن إرسال طاقم تقني مهني، أي أقل مكانة من المفاوضين إلى القاهرة، للتناقش مع الوسطاء حول رد حماس.

 من يؤيدون الصفقة في إسرائيل لا يرون أهمية للعملية في معبر رفح إلا إذا تبين أنها تدفع المفاوضات إلى الأمام، أما من يؤيدون هزيمة حماس واعتبار ذلك أولوية، فيرون في العملية العسكرية مهمة بحد ذاتها كخطوة لتحقيق الهدف. وثمة شك لدى هيئة الأركان، رغم أنها تؤيد العملية. يجب السيطرة في الوقت نفسه على أجزاء كبيرة في القطاع لهزيمة حماس. الآن عقب إخلاء شمال القطاع ومدينة غزة وخان يونس، تعيد حماس السيطرة المدنية لنفسها في المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، بل وتجدد حماس قدراتها العسكرية بالتدريج. الأهمية الأساسية للعملية في رفح تكمن في خلق وضع جديد في منطقة الحدود بين مصر والقطاع، حيث حدثت عمليات تهريب واسعة فوق الأرض وتحتها. وثمة فائدة أيضاً للمس بكتائب حماس الأربع المتبقية في المدينة، لكن هذا الأمر سيرتبط بقتال طويل وتدمير كبير في رفح وإصابات في قواتنا.

أمس، نشرت وسائل الإعلام العربية تقارير مفصلة حول رد حماس الذي سُلم للوسطاء. ومن الرد الذي يبدو أن السنوار صاغه بنفسه، يتبين ما يهم رئيس حماس في القطاع: الإبقاء على حكمه، وإنهاء مطلق للحرب، ووعد بوحدة القطاع الجغرافية، مع ضمانات دولية لذلك. ثمة أهمية رمزية لتحرير جماعي لسجناء فلسطينيين بالنسبة له، لكن يبدو أن هذا الأمر لم يعد على رأس سلم الأولويات.

أحد الأخطار الواضحة بالنسبة لإسرائيل يكمن في محاولة حماس إخفاء تعهد بإطلاق سراح 33 مخطوفاً في النبضة الأولى للصفقة الجديدة. من الصيغة التي سلمتها، يبدو أنها تنوي شمل الجثث في هذا العدد. حتى الآن، ترفض حماس أن تقدم لدول الوساطة تقريراً مفصلاً عن هوية المخطوفين لديها، الأحياء والأموات، أو أي معلومات عن وضعهم. وتقول حماس إنه ليس لديها 33 مخطوفاً على قيد الحياة، سيلبون المعايير الإنسانية التي تحددت في النبضة الأولى من النساء والرجال كبار السن والمرضى والجرحى.

ألا يمكن أن تلبي حماس هذه الحصة، أم أن في هذا وحشية بحد ذاته؟ في نهاية تشرين الثاني الماضي، في صفقة المخطوفين الأولى، حاولت حماس التراجع عن تعهدها بإعادة المجموعة الأخيرة من المخطوفين، وأن تشمل فيها جثامين. إسرائيل رفضت ذلك، وتفجرت والمفاوضات واستأنف الطرفان القتال. لا سبب لتصديق السنوار عندما يرفض إعطاء تفاصيل كاملة ويدعي بأن الأعداد التي لديه لا تتفق وطلب إسرائيل. المرجح أكثر أنه يريد الحفاظ على عدد كبير من المخطوفين حوله، كبوليصة تأمين في حالة تفجر الصفقة بعد النبضة الأولى، وإذا حاولوا تصفيته مرة أخرى.

على أي حال، نحن الآن في لحظة خطيرة. فتطورات الفترة القادمة ستحسم إذا كان الطرفان يتجهان نحو تعميق القتال أو نحو صفقة التبادل، التي تبشر في سيناريو إيجابي ببداية نهاية الحرب.

عاموس هرئيل

هآرتس 8/5/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية