كان طبيعياً أن يعنون ما قاله الرئيس الأمريكي، وبدا تحولاً في موقفه بمفردة «عاجل»، التي فقدت أهميتها لابتذالها، فصارت تسبق خبراً أذيع قبل ساعات، ومثل عاجلاً في الإعلان الأول، أو لا يستحق أن يكون هكذا من الأساس، لكنها بدت اختراعاً مغرياً، ذكرني ببداية ظهور «فصل الألوان» في طباعة الصحف وربما استمر الى الآن!
فقد كان مجرد اللون الإضافي الواحد غير الأسود مكلفاً مادياً وبسعر إضافي، لذا كانت الصحيفة تختار لها لوناً مميزاً غالباً هو الأحمر، وبعضها استخدم لوناً مختلفاً مثل «الوفد» وهو «اللون الأخضر»، فمثل هذا تمييزا للصحف التي ابتعدت عن هذا الإضافي السائد، واتخذت «الشعب» اللون الأزرق.
ويروى أن وزير الكهرباء الأقدم في عهد مبارك ماهر أباظة، عندما شاهد اللون الأزرق في جريدة يحملها زكريا عزمي في البرلمان، وكان عضواً فيه، الى جانب كونه رئيس الديوان الرئاسي، فقد استشعر خطراً، لذا فمجرد أن حمل عزمي على الوزارة في كلمته، ثم تطرق لمنحها إعلانات لجريدة ضد الحكومة، ولم يسمها، فقد اكتفى بالإمساك بها في يده، وقف الوزير من فوره وسلم بالطلبات، واعترف أن هذا خطأ وسيحاسب من يقف خلفه في وزارته، ولم يتعرض للنقد الخاص بالوزارة غير هذه النقطة، لأنه كان يعلم أنها الموضوع!
ولم يكن هناك أحد في الوزارة يفعل، فقد كان الإعلان مجاملة من الوزير لأحد المحررين في «الشعب»، والأمر أبسط مما ذهب اليه عزمي، وعموما فقد كان ماهر أباظة رجلاً نزيهاً ومجاملاً، فجاءت حكومات بعد ذلك كان الوزير المختص لا يجد حرجاً في أن يدفع بصفقة إعلانية لصحيفة ما، ويحصل هو على العمولة، حدث هذا في وزارة قطاع الأعمال، في فترة من الفترات، وليس هذا هو الموضوع!
فالكلفة المادية كانت تقف وراء استخدام لون واحد فقط، بجانب اللون الأسود، وكان قاصراً على الصفحة الأولى، فكانت الصحيفة تصدر وقورة، فلما كان اختراع فصل الألوان غير المكلف، صارت الصحف كعروس المولد، وعلى قاعدة «أبو بلاش كتر منه»، أو مثل الإسراف في استخدام المكياج في بعض الفضائيات، وليس بقدر، ومن غير محترف، فيتحول الأمر الى «سكينة معجون» بلغة «مبيضي المحارة»، ويطلق عليه في بعض الثقافات «الدهان»!
والحال كذلك، فقد كان الإسراف في استخدام «عاجل» في بعض الشاشات، وفق ما سبق من قواعد، ومجلة «الصحافة» التي تصدر عن شبكة «الجزيرة» تعرضت لهذا الأمر، وناقش الباحث أسامة الرشيدي على صفحاتها هذه الظاهرة بورقة بحثية مهمة.
ومع هذا الإسراف كنت أخشى أن يضيع الخبر المهم في زحمة «العواجل»، وكان مجرد أن أرى «عاجل» على أي شاشة أهرع إليها، لو كنت أجلس غير قريب، وعموماً فلم يعد يهمني إلا «عاجل» واحد، أعتقد أنني في هذه الحالة لن أحتاج للاقتراب من الشاشة، فمجرد بث الخبر، سأتلقى وبالاً من الاتصالات الهاتفية ورشقة من رسائل الواتساب، تغني عن الشاشة!
الموقف الأمريكي.. والحرب
«عاجل» بايدن، وهو ما تنطبق عليه معايير «العاجل»، كما وردت في الكتاب، وإن كنت لا أعتقد أن كتاباً قد وُضع بعد يحدد قواعد الاستخدام لحداثة استخدام الشاشات للمصطلح، وعموماً فبمرور الوقت سيستوعب المشاهد الاختراع، وعندما عرفت الفضائيات شريط الأخبار، كنت أراه يشوش على النشرة، وكنا ننتظرها على رأس الساعة، فبدت أنها في الغالب لا تضيف جديداً، فيقرأ المذيع أو المذيعة الخبر المهم، بينما هذا الخبر أسفل منه!
ولأن التغطية مفتوحة على الحرب، والمحلل الفضائي موجود في خبر بايدين وبدونه، فكان لا بد من أن يناقش الأمر مع القوم، دون أن يأخذ الواحد منهم نفسه، ويتدبر أمره، وحتى قناة «فرانس 24» اهتمت بالخبر، وهي التي تبدو كثيراً، كما لو كان إرسالها يبث من خارج حدود الكرة الأرضية، لأنها ليست معنية بالحدث الجاري على أهميته، إنها القناة المناسبة لأن تشاهدها قبل النوم، وهي أفضل من أي أدوية، تفقد مفعولها بمرور الوقت!
اعتمدت القناة الفرنسية التصريحات للقول إن الهوة بين واشنطن وتل أبيب تتسع، بينما قالت «سكاي نيوز عربية» إن الخلاف قد يتحول إلى عاصفة.. والاجماع منعقد بين جميع المحللين في الفضائيات كافة على أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد وقف الحرب على غزة!
فبما قاله بايدن يثبت أن في مرحلة الإفاقة، لا سيما عندما قال إن إسرائيل بدأت تفقد الدعم العالمي بسبب القصف العشوائي لغزة، وعليه قال المحللون إن انتهاء الحرب بات وشيكاً!
ومن لم يكونوا في الأستوديو في هذه اللحظة التاريخية، المفروض أنهم أحسن حالاً، وهم يكتبون مقالاتهم، فبإمكانهم أن يأخذوا شهيقها ويردونه زفيراً، لأنهم لم يكتبوا تحت وقع المفاجأة، إلا أنهم لم يخرجوا في كثير مما كتب عن أقوال الفضائيين، الذين أربكهم «العاجل»، فلم يأخذ الواحد منهم نفسه قبل أن يحلل، فقد كانوا ضحية للتأثير فيهم!
وكان ينبغي التفكير في أن هذا الكلام قيل في اجتماع مغلق، ضم المتبرعين للحملة الانتخابية للمتوفي السابق الرئيس بايدن، وهناك تململ في معسكره من موقفه المنحاز لإسرائيل في عدوانها، وما قاله واعتبره البعض تحولاً، كان بعد قليل من إعلان انحيازه الكامل لهذا العدوان، وتبريره، واعتبار نفسه ذراعاً اعلامية لنتنياهو يردد الأكاذيب عن قطع حماس لرؤوس الأطفال، وممارسة الجنس مع الرهائن، وأنهم سببوا قدرا كبيراً من الألم والمعاناة للنساء والفتيات. وكيف أنه صهيوني، رغم مسيحيته، وأنه لو لم توجد إسرائيل لوجب اختراعها!
ثم ترك وزير خارجيته يمارس عنصريته، ويتحول إلى بوق لإسرائيل، وتعلن الخارجية الأمريكية بدون خجل أو وجل أنها لم تر دليلاً على أن إسرائيل تقتل المدنيين في غزة!
وجمع بين القول والعمل، فكان مد إسرائيل بالأسلحة اللازمة للتدمير والقصف، ولولاه لنفذت ذخيرة الجيش الإسرائيلي، وبشكل قاله صحافي اسرائيلي لولا السلاح الأمريكي لأمكن للمسلمين أن يصلوا للمسجد الأقصى!
هناك خلاف، ولا شك بين رؤية إدارة بايدن وسلوك نتنياهو، فالأول يريد انتصاراً سريعاً، لأن استمرار الحرب، سيؤثر على شعبيته، وهو على أبواب انتخابات يخوضها، وقد خسر كثيراً من وزنه السياسي، ولياقته الذهنية. وفضلا عن هذا فإنه ليس له سلطان على نتنياهو، ومع ذلك هو سيخوض معه الحرب إلى النهاية، التي يقررها نتنياهو، وليس بايدن!
وكان يمكن أن يكون لتصريحات الرئيس الأمريكي معنى، حتى وإن قالها في دورة المياه، لو أنه قرر، أو هدد، بوقف الدعم العسكري، إذا لم يتوصل مع نتنياهو الى اتفاق بنهاية للحرب، وقد نجح رئيس الحكومة الإسرائيلية، أن يأخذه أسير حرب، مستغلاً ضعفه، وحاجته كمرشح، فلا يستطيع بايدن فرض ارادته عليه، أو أن يعامله على أنه شريك في هذه الحرب، وليس مجرد رهينة لا يشارك في رسم مسارات الحرب، ولكنه مجرد تاجر سلاح بالآجل!
الحرب لن تنتهي الآن، فكذب المحللون الفضائيون ولو صدقوا!
أرض- جو
لم أحدد موقفي من التوقعات الفلكية، وهل هي التنجيم المنهي عنه دينياً أم لا؟ لكني لا أسلم بصحة الفيديوهات التي تروج لليلى عبد اللطيف، عقب كل حادث جلل بأنها توقعته، فليس لدي يقين أنها ليست فيديوهات بعد وقوعها بأثر رجعي، لكني أرى أنها وقعت في شر أعمالها بتوقعاتها واسعة الانتشار، عن اغتيال رئيس عربي سيزلزل الدنيا قبل نهاية 2023، كما تنبأت أن العالم سيشهد ظهور وباء مثل كورنا، وستغلق على إثره الجامعات، ويعود العالم إلى مرحلة الإغلاق.. أيضاً قبل نهاية هذا العام. وقبل نهايته أيضاً توقعت ظهور شخصية راحلة، ويتبين أنها على قيد الحياة، وذهب البعض الى أنه قد يكون صدام حسين، بينما ذهب آخرون أنه مدير المخابرات المصرية سابقاً اللواء عمر سليمان!
قالوا الجمل صعد النخلة.. قلنا هذا الجمل وهذه هي النخلة، فأرجو إذا لم تصدق هذه التوقعات (الورطة)، أن تتوقف القنوات التلفزيونية عن استضافة المذكورة، ونحن على أبواب عام جديد، تصبح فيه استضافتها هي وغيرها من علامات أعياد الميلاد. وتعلمون أن عمرو أديب له عرافة خصوصي، لا تستعين بها فضائيات أخرى، خلافاً لليلى عبد اللطيف العابرة للفضائيات، وموسمها في بداية السنة الجديدة من كل عام!
كذب المنجمون ولو صدقوا.
٭ صحافي من مصر