موريتانيا: ميثاق حقوق الأرقاء يحيي اليوم العالمي لإلغاء الرق ويحتج

عبد الله مولود
حجم الخط
0

نواكشوط – «القدس العربي»: اشتكى ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين (أرقاء موريتانيا السابقين)، أمس الإثنين، من «بقاء الاتفاقيات والقوانين المتعلقة بإلغاء الرق والمصادق عليها من طرف الحكومات الموريتانية حبراً على ورق».
جاء ذلك في بيان وزعه الميثاق، وهو أبرز جمعيات محاربة الرق في موريتانيا، بمناسبة إحياء اليوم العالمي لإلغاء العبودية الذي يصادف الثاني من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، والذي شكل بداية التزام دولي غير مسبوق لوضع حد لجرائم العبودية والوقوف إلى جانب الضحايا، وهو ما تعزز بجملة من الاتفاقيات الدولية لمحاربة الظاهرة وتصنيفها جريمة ضد الإنسانية وغير قابلة للتقادم.
«ورغم مصادقة موريتانيا، يضيف الميثاق، على كثير من الاتفاقيات الدولية واعتمادها قانوناً خاصاً لتجريم ومعاقبة الممارسات الاستبعادية وإنشاء محاكم متخصصة، إلا أن الواقع يثبت أن تلك النصوص ظلت حبراً على ورق، ولذلك ستبقى المطالب ملحة من أجل اتخاذ خطوات فعالة تكفل التطبيق الصارم للقانون بما يكفل معاقبة ممارسي الجريمة ورفع الغطاء عنهم وتمكين الضحايا من حقوقهم».
وأكد الميثاق من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين ضمن موريتانيا العادلة والمتصالحة مع نفسها «أنه يذكر بهذه المناسبة بالمآسي المتفاقمة المنجرة عن العبودية وآثارها وما تتركه من خطر ماثل على السلم الاجتماعي وعلى مستقبل موريتانيا».
وطالب الميثاق «الحكومة باتخاذ التدابير العاجلة للتكفل بالضحايا ودمجهم في المجتمع، وكذا بمعالجة آثار العبودية التي ما زال الحراطون يعانون منها».
وشدد على «ضرورة القيام بالتنفيذ الفعلي للقوانين والتعهدات التي قطعتها الدولة الموريتانية على عاتقها في هذا المجال»، مطالباً «الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع ببذل المزيد من الجهود للتحسيس بخطورة الظاهرة والتضامن مع ضحاياها».
ونفى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، مرات عدة، وجود الرق في موريتانيا، مؤكداً «أن العبودية التي يتحدث الكثيرون عنها هي من صنع بعض المتاجرين الذين جعلوا من الرق رأس مال لتجارتهم، وفي الحقيقة وعلى مستوى الواقع لم يعد لهذه الظاهرة وجود في موريتانيا، وحتى آثار الرق كالفقر والبؤس موجودة بسبب مسلكيات أصحابها أنفسهم». وشهدت موريتانيا في العقود الماضية انتشاراً كبيراً لظاهرة الرق، ثم تعاملت التشريعات الوطنية المتعاقبة مع ظاهرة العبودية أو جريمة الاستعباد فيما بعدُ بأساليب مختلفة انطلاقاً من التشخيص الذي ينطلق منه النظام السياسي والذي تراوح بين التغاضي عنها مرة، وإنكارها والتكتم عليها، وحصر الموجود منها في الآثار والمخالفات.
وقد حاولت الحكومات الموريتانية المتعاقبة إيجاد مقاربة لحلحلة الموضوع مختلفة من نظام لآخر، وإن اتفقت كلها في التشبث بالإلغاء ودَسْتَرَةِ المبادئ الحقوقية الكونية كالمساواة والكرامة والمواطنة باعتبارها أهم أسس الدولة الوطنية الحديثة منذ دستور 22 آذار / مارس 1959 والمواثيق الدستورية التي أعقبته.
لقد تعامل المشرع الوطني في المراحل الأولى مع الاستعباد كظاهرة مواكبة ينبغي التعامل معها بشكل يتناسب مع العقلية الوطنية السائدة آنذاك، وهو ما عكسته التعميمات السرية الموجهة إلى السلطات الإدارية والقضائية من أجل العمل على تجميد جميع القضايا التي لها صلة بمسألة الرق، لأن الدولة لا تسمح بإثارة مثل هذه القضايا في الوقت الحاضر».
وفي الخامس من تموز / يوليو 1980، صدر القرار القاضي بإلغاء الرق في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، عن اللجنة العسكرية للخلاص الوطني، والذي تجسد تشريعياً بالأمر القانوني رقم:234\81 بتاريخ: 09 تشرين الثاني / نوفمبر 1981 المتضمن إلغاء الرق الذي نص في مقتضياته على إلغاء الرق في جميع أشكاله بصفة نهائية على كامل تراب الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ورتب على هذا الإلغاء طبقاً لمقتضيات الشريعة الإسلامية، تعويضاً لصالح الأرقاء المحررين، ويأمر بإنشاء لجنة مشتركة من العلماء والاقتصاديين والإداريين لوضع المعايير التطبيقية لتلك التعويضات اللازمة.
وصادقت موريتانيا كذلك على نصوص تجرم العبودية صراحة وكافة الممارسات الاستعبادية، وتضع عقوبات على مرتكب تلك الجرائم كما هو حال القانون رقم:48\2007 بتاريخ:03 أيلول / سبتمبر 2007 المتعلق بتجريم العبودية ومعاقبة الممارسات الاستعبادية، الذي اعتبره المهتمون بهذا الملف «تجسيداً للإرادة الحازمة للمشرع الوطني في تعامله مع العبودية كجريمة».
وأقرت الحكومة الموريتانية كذلك نصوصاً تُدَسْتِر تجريم الرق، أي تنص عليه في الدستور، وترفع من مستوى الجريمة التشريعي، وذلك بتحريم العبودية واعتبارها من الممارسات البائدة ضد الإنسانية لا تقبل التقادم، كما هو الحال في المادة:13 جديدة من القانون الدستوري الصادر بتاريخ: 20 آذار / مارس 2012، وهو التنصيص الذي أفرز فيما بعد القانون رقم:011\2013 بتاريخ:23 كانون الثاني / يناير 2013 القاضي بمعاقبة جرائم الاسترقاق والتعذيب بوصفهما جرائم ضد الإنسانية لا تتقادم».
يعاد إلى الأذهان أن الحكومة الموريتانية صادقت في آذار/مارس الماضي على خارطة طريق لمحاربة الاسترقاق والقضاء على مخلفاته في أفق عام 2016، وذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة.
واشتملت هذه الخارطة على 29 توصية تغطي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، والحقوقية، كما تشمل الجوانب التعليمية والمعرفية.
وفي المجال الاقتصادي والاجتماعي أوصت الخارطة على تركيز الاستثمار في المناطق التي يعاني سكانها من الفقر وتدني مستوى الدخل بسبب تأثرهم تاريخياً بالاسترقاق، وذلك من خلال توفير البنى التحتية والخدمية، وتمويل المشاريع المدرة للدخل وخلق نشاطات اقتصادية في محيط الفقراء من أبناء هذه الشريحة. وفي مجال التعليم، نصت الخارطة على توفير التعليم وإلزاميته في المناطق التي يوجد بها الأرقاء السابقون، والتي تعرف محلياً باسم «آدوابه» وتوفير الحضانات المدرسية فيها لتتولى إعاشة الأطفال وتحمل نفقات تعليمهم، إضافة إلى تقديم مساعدات مالية لآباء الأطفال مقابل السماح لأبنائهم بالالتحاق بمقاعد الدراسة. وأضاف ولد القاسم أنه «حين يمتلك هؤلاء الإمكانيات الاقتصادية والقدرات المعرفية يكون بإمكانهم الاستفادة من الضمانات القانونية التي يوفرها التشريع لحمياتهم، ومن هنا كان حرص الخريطة على إعطاء الأولوية للبعدين الاقتصادي والتعليمي».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية