مهندس وملهم عمليات الهروب الفلسطينية.. تقليد المناضل حمزة يونس بميدالية الفداء العسكري

حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”: عبّر المناضل الفلسطيني الشيخ حمزة يونس، ابن بلدة عارة داخل أراضي 48، المقيم اليوم في السويد، عن سروره لتكريمه ومنحه “ميدالية الفداء العسكري”، معتبراً ذلك تكريماً لكل من بذل وقدم من أجل قضية الشعب الفلسطيني منذ نشأت.

 نيابةً عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قلّد أمين سر اللجنة المركزية لحركة “فتح”، رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الفريق جبريل الرجوب، أمس، في مقر سفارة دولة فلسطين في العاصمة الأردنية عمان، المناضل حمزة يونس ميدالية الفداء العسكري من الدرجة الذهبية، تقديراً لمسيرته النضالية المشرفة في صفوف الثورة الفلسطينية والحركة الأسيرة، دفاعاً عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة على طريق الحرية والاستقلال”.

حضر التكريم عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مدير عام الصندوق القومي الفلسطيني رمزي خوري، وعضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” عباس زكي، ورئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر، وعائلة المناضل حمزة يونس (82 عاماً)، وعدد من أركان سفارة دولة فلسطين في عمان.

وقال الرجوب: “إن المناضل حمزة يونس تبوأ موقعاً متقدماً في وعي كل الفلسطينيين، وهو بإرثه وصلابته وإيمانه اخترق كل الأسوار، محتلاً مكانة في خانة عظماء وتاريخ الشعب الفلسطيني.

وأضاف: “عندما يقوم الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية بالتكريم، وتقديم هذا الوسام لهذا المناضل، فهي رسالة رمزية وإقرار بإرث هذا المناضل وأسرته”، مؤكداً أن حمزة يونس “كان بالنسبة لرفاق دربه الأسرى متقدماً مثابراً مناضلاً مبتسماً، وكان مصدراً للقوة ومصدراً لتوفير كل أسباب الصمود لرفاقه داخل الأسر، أما خارج الأسر فقد كان دائما في صفوف الاقتحام والصدام في مواجهة هذا الاحتلال العنصري الفاشي”.

وأشار الرجوب إلى أن مسيرة هذا المناضل بدأت منذ عام 1962، حيث “قضى أكثر من 60 عاما حاملا للواء النضال، الذي أسس له الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات، فكان من العرفاتيين الفلسطينيين الصادقين، داعيا لنقل بذرة النضال التي خاضها حمزة يونس إلى الأجيال الشابة من أبنائنا وبناتنا حتى يدرك العالم أن شعبنا يستحق أن يكون له دولة، وأن يعيش حرا على أرضه بكرامة”.

من جانبه، عبر المناضل حمزة يونس عن سعادته بهذا التكريم، مضيفا أن رسالته لشباب فلسطين أن يبقوا في أرضهم، وقال إن الأيام لو عادت به فسيعيد تجربته، وسيبذل كل ما يستطيع من أجل فلسطين، مثمّنا دور القيادة الفلسطينية في الدفاع عن شعبنا.

حركة “فتح”

حمزة يونس انتمى لحركة “فتح” في بدايات شبابه، وقام من خلال وجوده في “جهاز الأرض المحتلة”، الذي كان تابعا للقائد خليل الوزير “أبو جهاد”، بتنفيذ عمليات نوعية ضد أهداف مختلفة للاحتلال الإسرائيلي، اعتقل إثرها ومكث في سجون الاحتلال سنوات عدة، وقد تمكن أثناء وجوده في سجون الاحتلال لقضاء محكوميته من الهروب ثلاث مرات، آخرها هروبه الأسطوري من سجن الرملة إلى بيروت في 3 آذار 1973، حيث استقبله وقتها القائد الوطني خليل الوزير.

الزئبق

وتذكّر سيرة حمزة يونس بعملية هروب الأسرى الستة من حصن الجلبوع، قبل عام ونيف، وهي حلقة في مسلسل فلسطيني طويل، بدأ مع اندلاع الصراع مع الصهيونية والاستعمار البريطاني، ومن قبل نكبة 1948، تحدى فيه الأسرى القابعين بالزنازين خلف جدران وأسلاك عالية وشائكة السجانين المدججيّن بالسلاح.

يشار إلى أنه، وبعد الاحتلال، شهدت البلاد عام 1958 عملية الهروب الكبير من سجن شطة المجاور لسجن الجلبوع، بعد تمرد الأسرى على السجانين وخطف أسلحة بعضهم وقتل اثنين منهم وهروب العشرات من الأسرى للضفة الغربية عبر جبل فقوعة. من وقتها توالت عمليات التمرد والهروب داخل الحصون الإسرائيلية، ومن أبرز قادتها المناضل حمزة يونس، الذي روى لـ “القدس العربي”، في حديث هاتفي، قبل شهور، ملامح العمليات الثلاث التي قام بها مع زملائه.

شجار مع مستوطنين

وتحوّل مسار حياة حمزة يونس منذ أن نشب شجارٌ بينه وابن عمه مكرم وبين موظفٍ أهانه في محطةٍ للوقود عام 1964 فما كان من يونس ومكرم إلا أن ردّا عليه وعلى عدد من المستوطنين الذين تجمهروا حولهما، وما أن لبثا أن انتقلا إلى غزة، وقابلا مسؤولي المخابرات المصرية التي دفعتهما إلى العودة للأراضي المحتلة لأنهم لم يثقوا بهما. وفي إسرائيل تم اعتقالهما، داخل سجن عسقلان، بعد إدانتهما بمغادرة البلاد والعودة إليها دون تصريح، وبالتخابر مع العدوّ، وتزويده بمعلومات تمس بأمن الدولة، وخيانة الدولة.

الهروب من سجن الرملة

 حمزة الذي وثّق تجربته في كتاب “الهروب من سجن الرملة”، وعرف لاحقاً بـ “الزئبق”، لقدرته على المناورة والفرار، يوضح أنه كثيرًا ما كان يفكر بسؤال حول سبب التفكير بالهروب، فيقول: “كلما خلوت إلى نفسي سألتها: هل أستطيع أن أنتصر على إسرائيل منفرداً؟ لست مسلحاً، ولا حتى مدرباً على السلاح، فهل يمكن أن أحرز نصراً على ترسانة السلاح والطائرات ودولة الجيش والشرطة والأمن وكلاب الأثر؟”. ولكنه، كما يؤكد، كان يمتلك القوة والجرأة الكافية لأن يفعل ذلك حقًا، وكان قد طلب من محاميه، الذي وكلته العائلة له ولابن عمه، بألا يعود إليهم، وألا يطالب بزيارة الأهل لهما، وحين سئل عن السبب أجاب: “لا أود انتظار حكم المحكمة، الذي لن يقلّ عن 15 عامًا، وأنا لست مستعدًا للمكوث عامًا واحدًا في السجن”.

وداخل السجن في عسقلان تعرّف حمزة ومكرم على حافظ مصالحة، وهو أسير من قرية دبورية داخل أراضي 48، ومعاً أعدوا خطتهم، التي تعتمد على عنصري المباغتة والجري السريع. وعن هذه الخطة يتابع: “في ليلة السبت 17 أبريل/ نيسان 1964 تم الفرار. عادة كان ثلاثة سجانين يدخلون علينا، أحدهم مسلح يبقى في المدخل. كنا نخطّط للهرب قبل الساعة الثامنة مساء، قبل أن يزداد عدد السجناء. قبل عشر دقائق من موعد بدء العملية، حضر ثلاثة سجانين، وبقي المسلح خلف الباب. وقفنا خلف باب غرفتنا داخل السجن، وما أن فتحوا الباب حتى اندفعنا نحوهم واشتبكنا بالأيدي، كان بحوزة أحدهم مسدس، صاروا يصرخون واستمر الاشتباك معهم حتى تمكّنا من الخروج من السجن والقفز عن الجدران والهرب. حصل إطلاق نار وصرخنا على السجان، وهربنا إلى بيارة مجاورة، ووصلت إلى غزة تحت الحكم المصري إلى غزة مجددا”.

الهرب الثاني

في غزة حط حمزة رحاله بعد رحلة الهرب الناجحة، التحق بصفوف القوات الشعبية، وعقب اندلاع حرب 1967 واحتلال قطاع غزة استمر في القتال، وأصيب ووقع في الأسر للمرة الثانية، وهو مصابٌ في قدميه”.

 وعما حصل في الأسر الثاني قال يونس: “في العام 1967 أصبت بقدمي في الحرب، وضعوا الأصفاد، وأخذوني إلى المستشفى المعمداني في غزة، رغم أنني كنت مصابًا إلا أن الحراسة كانت مكثفةً حولي، ومع ذلك فكّرت في الهروب. وفعلا تمكنت من الهرب في 26 حزيران إلى الأردن. لم أكن أقوى على التحرّك، ولكن ساعدني زوار خلال الزيارة. بقيت مدة شهر بين بيارات برتقال غزة مختبئاً داخل حفرة، أضع عليّ عشبة خضراء كل يوم من جديد، وكان صالح الغول وكايد الغول وزياد الشوبكي وشكري الخالدي وآخرون من أصدقائي يساعدونني في البقاء متخفيا”.

الاعتقال الثالث

مرورًا بالضفة الغربية والعاصمة الأردنية عمّان انتقل حمزة يونس إلى بيروت، حيث انضم إلى صفوف حركة “فتح” وشارك إلى جانب مقاتليها في العمل الميداني وتشكيل الخلايا المقاتلة في الجليل المحتل، والتجهيز للعديد من عمليات الثورة الفلسطينية. عن ذلك قال: “التحقت بالعمل الفدائي بعدما فقدت ثقتي بالدول العربية، وأوقفت علاقاتي بالمخابرات المصرية والتحقت بالعمل الفدائي في لبنان، واعتقلت ونحن على متن زورق محمل بالسلاح في عرض البحر مع فدائيين آخرين أمام شواطئ حيفا المحتلة”.

تحت التعذيب

تعرض حمزة لتعذيب شديد، لم يدفعه للاعتراف عن أيٍ من رفاقه الثوار، وعن ذلك يقول: “أثناء التحقيق سخر مني المحققون، وقالوا لي إسرائيل دولة أمنية وقد هربتَ منها مرتين، فكيف ستهرب منّا الآن. ولاحقا أنزلت المحكمة به حكماً بالسجن 7 مؤبدات، ما يعادل 365 عامًا، وحينها سألني أحد الصحفيين الإسرائيليين الذين حضروا الجلسة بلهجة تشفٍّ: كيف كنت بطل الملاكمة، والآن ستموت خلف القضبان دون أن ترى الشمس بعد اليوم؟ فقلت: سأبقى هنا سنة وسنتين فقط، وفي اليوم التالي قال الإعلام العبري: حمزة يونس يحلم”.

موضحاً أنه انتظر استكشاف نقطة الضعف خلال سنة أو سنتين للتخطيط للهرب الثالث: “قلت لهم متحدياً؛ بحال لم أهرب بعد سنتين سأعطيكم علبة سجائر كل يوم”.

 يستذكر حمزة الليالي التي كان يقضيها في سجن الرملة، وهو يفكر في طريقةٍ للهرب، فيقول: “كان رفاقي في السجن يرونني مستيقظًا في الثانية عشرة ليلًا، نتحدث عن محاولات الهرب، إذ كانوا يقولون لي دائمًا: نحن أقوى منك وأقدم منك في هذا السجن لكن أحدًا منّا لم يستطع الهرب، فهل ستتمكن أنت؟”.

وردا على سؤال، يوضح حمزة يونس أنه كان يجيبهم بالقول: “لا بد من وجود نقاط ضعف في السجن، وأنا سأكتشف هذه النقطة خلال عامين، وكل من حاول الهرب ولم يفلح، لم يكن يفكر كما يجب”. ولم يكن تعهده بالهروب أمام رفاقه الأسرى فحسب، فقد صرّح بذلك أمام مدير سجنه قائلًا له: “سأخرج من السجن خلال عامين ودون موافقتك”، وهو ما حصل فعلًا في العام 1974.

كيف هربت؟

“كنا في الدور الثاني، وكان زميلي سمير درويش في الدور الأرضي مع ابن بلدي وقريبي مكرم يونس، وكنا نروح إلى المغسلة وإلى العيادة. قمنا بقصّ 18 قضيب حديد، بعدما هرّبنا المنشار لداخل السجن: تراهنت أنا وسجان  يهودي مقاس حذائه 44 حول السؤال: هل ستمطر السماء أم لا، وإذا خسرت الرهان سأشتري حذاء، و”خسرت” الحذاء وخيرّته: هل أعطيه هنا أم أرسله لبيته، وكنت طلبت الحذاء، وفيه خبأنا المنشار، وعندما جاء ليشكرني ويستلم الحذاء قمنا بحركة مسرحية: سكب أحد الأسرى قهوة على الحذاء الجديد، وصرخنا عليه وطلبنا أن نغسله في الحمام، وهناك قمنا باستخراج المناشير من الحذاء، وأرجعنا الحذاء للسجان، وهو لم يعرف أي شيء، وكنا نعرف أنه جشع وطماع”. قال يونس إنه خارج السجن كان هناك من تعاون معه في تأمين الحذاء والمناشير الفولاذية، وكانت هذه كافية لقص الحديد. وتابع: “كان ذلك شباكاً في الطابق الأرضي، وليس شباك زنزانتنا، واستغرقت عملية قص الحديد 45 يوماً، بعدها كان علينا أن نواجه تحديات أخرى، فالسجن محاط بجدران وأسلاك شائكة مع جهاز إنذار يصفر عند اقتراب أي شيء منه، وهناك أسلاك شائكة أخرى مع سور خارجي بارتفاع خمسة أمتار”.

ارتدى حمزة ورفيقاه محمد قاسم وسمير درويش (ابن عم الشاعر الراحل محمود دويش)، من عكا، ملابس خضراء اللون تتناسب مع ساحة السجن التي كانت معشبةً ومزروعة، ليسهل عليهم التخفي بها أثناء الهروب. تخطى ثلاثتهم نقطةً أمنيةً وبرجين للمراقبة على يمين طريق السجن، وأخريين على يساره، واجتازوا جدار السجن البالغ خمسة أمتار من الخرسانة ومترين من الأسلاك الشائكة يعلوها 20 سم جهاز الإنذار، بعد أن تمكنوا من قطع التيار الكهربائي والمولد الاحتياطي، ولم يكن لديهم سوى 7 ثوانٍ هي الفاصلة قبل انطلاق جهاز الإنذار، ودقيقتين لتجاوز الإضاءة الخارجية الكاشفة حول سور السجن.

تعثر سمير درويش

لكن ما لم يكن بحسبانهم هو تعثر رفيقهم سمير درويش بالسياج، وعدم تمكنه من اللحاق بحمزة ومحمد، اللذين أكملا مسيرهما عبورًا بالأراضي الزراعية المحيطة بالسجن، والتي، وفقًا لما يقوله حمزة، لم يكن سهلًا إخفاء الآثار فيها، خاصةً أن الاحتلال يستخدم قصّاصي الأثر لملاحقة الهاربين. ورغم وجود مستوطنات يهودية وموقع عسكري في محيط السجن، إلا أنهما أكملا السير لمسافة مئتي متر على الأقدام وتحت المطر لإزالة آثارهما، واستمرا حتى وصلا إلى الغابات القريبة من تل أبيب المحتلة، حيث مكثا هناك يومين، قبل أن يتسللا إلى قرية الشيخ مونس شمال تل أبيب، ومنها تسلل للأردن.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية