من يحارب الاسلام؟

حجم الخط
69

يعاني المسلمون في العالم أجمع من وطأة شيطنة فظيعة للاسلام تجعلهم موضوعاً لاضطهاد ممنهج تتشارك فيه شبكات السيطرة الاقتصادية والسياسية والاعلامية في العالم، على اختلاف اشكالها وأعراقها واديانها، بما فيها شبكات محسوبة على دول اسلامية.
يمكن للباحث التاريخي اعادة جذور هذه الظاهرة لقرون عديدة سابقة فيها نقاط علام عديدة منها فتح الأندلس ووصول جيوش المسلمين لحدود فرنسا، والحروب الصليبية وآليات اشتغالها والاساطير التي تشكلت بنتيجتها على ضفتي المتوسط، وتمدد الامبراطورية العثمانية وصولا الى تهديد فيينا في قلب اوروبا، بل يمكن سحبها رجوعاً الى حروب روما وقرطاجة وصراع الحضارات القديمة التي انتهت بسيادة كبيرة للحضارة الاوروبية ووضوح تسيّدها وتفوقها اقتصاديا وعسكريا وسياسيا مما خلق توتراً كبيراً بين أكبر أديان المعمورة: الاسلام والمسيحية، حيث أن اوروبا، منذ مجمع نيقية الكنسي تبنّت هذا الدين الشرقيّ واعتبرته أحد أكبر عناوين ثقافتها الظافرة.
فرضت معادلة السيادة الثقافية والاخلاقية هذه احساساً عارماً بالتفوق لدى الغرب وشعوبه قابله إحساس عارم معاكس بالهزيمة الحضارية لدى غالبية شعوب الاسلام، تجلّى في سؤال حارق لديهم لخصه كتاب شكيب ارسلان: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وهو ما جعل الغرب مجالهم الأول للمقارنة والتقليد والتنافس والتعلّق دون تحفظ او الكراهية دون حدود.
استلزمت ديمومة السيطرة الغربية على شعوب ‘العالم الثالث’ آلة تنظير كبيرة لتبرير وادامة التفوق بدعاوى عنصرية عرقية او ثقافية، من قبيل تفوق الشعوب الآرية وتخلف الشعوب السامية، او تخلف الدين الاسلامي، لا باعتبار هذا التفوق الغربي نتيجة لدورة تاريخية طبيعية فحسب، وتأسس بذلك ‘الاستشراق’ وظهرت فلسفات واتجاهات فكرية وسياسية تحطّ من شأن الشعوب غير الغربية، وكان للمسلمين النصيب الأكبر من التنميط والتحقير، وهي نتيجة طبيعية لقرون طويلة من الحروب والمواجهات والتنافس على الجغرافيا والتاريخ والسياسة.
كان تأسيس اسرائيل عام 1948 هو ذروة تحويل الاستشراق ونظرياته الأسطورية حول جغرافيا وتاريخ المنطقة الى فعل كاسر وهمجي بحق شعوب المنطقة العربية، وهي للمناسبة، فكرة بدأت أثناء حملة نابوليون على فلسطين، وما لبث دهاقنة الاستشراق الغربيون أن تلقفوها وساهموا في تحقيقها قبل أن يتم تلبيسها على أيدي يهود غربيين منخرطين في المشروع الاستعماري الغربي.
تراوحت ردود الفعل على هذه الحرب الثقافية لاخضاع المسلمين سياسيا واقتصادياً بين اتجاهات سياسية شتى استبطن بعضها أفكار الاستشراق الغربي للاسلام ودعت الى استبدال الهوية الحضارية للشعوب الاسلامية بأخرى مفصلة وجاهزة في الغرب ولا حاجة سوى لتطبيقها بحذافيرها كي تمشي البلدان الاسلامية على صراط الحداثة المستقيم وتندفع باتجاه الازدهار والتقدم والتنمية.
كان ذلك الأساس النظري لنشوء الحركات والاتجاهات الفلسفية والسياسية الاجتماعية العلمانية العربية الحديثة.
ورفض بعضها الآخر الغرب وحضارته، أو تقبّل جزءا من حداثتها التقنية لكنه رفض أسسها الفلسفية وتطبيقاتها السياسية، وكان ذلك جذر أغلب حركات الاسلام السياسي، التي يمكن عدّها هي أيضاً نتاجاً للغرب لا استمراراً لتقاليد ثقافية سابقة فحسب.
وفي تحدّ ذي مغزى لمنطق نظريات الاستشراق العنصرية فان الشعوب الاسلامية لم تغرق في رد الفعل النرجسي لهزيمتها الحضارية بل اقتدى أغلبها بمثال الدول الغربية واتجه لتحقيق دول حديثة ببرلمانات واحزاب سياسية وصناعات وتجارة وسياحة وأدب وفن وسينما ومسرح.
تقبلت نخب أغلب الدول العربية، وخصوصا التي كانت مستعمرة، فكرة الدولة الحديثة على الصورة الغربية وآمنت ببناء دولة عربية كبرى حديثة تشارك باقي شعوب العالم طموحها في التقدم والازدهار. كانت الآمال كبيرة والأحلام عالية والشعوب متطلعة لانجاز ما رفعته أحزابها القومية واليسارية وضباط جيوشها من شعارات الوحدة والاشتراكية ومواجهة الاستعمار واسرائيل، من اليمن الى العراق فسوريا ومصر والسودان والجزائر وليبيا الخ…
استغرقت هذه المرحلة اكثر من 50 عاماً هوت خلالها البلدان المذكورة الى دكتاتوريات غاشمة تحالف فيها الاستبداد بالفساد وكشفت عن فشل حضاري وثقافي واقتصادي وسياسي وتعرضت لهزائم عسكرية مخزية وانحدرت في أغلب الأحيان الى مدارك من الوحشية ضد شعوبها لا يصدقها العقل.
في دفاعها الفاشل عن تجاربها تعزو بعض هذه التجارب فشل التجارب القومية واليسارية العربية لوجود اسرائيل التي هزمت جمال عبد الناصر وحزب البعث السوري وضربت المفاعل النووي العراقي واستنزفت ميزانيات الدول العربية بالتسلح، لكن هذه الحجة على رجاحتها لا تنفي حقيقة ان اسرائيل كانت عاملاً مساعداً في ايصال الجيوش (تحت رايات القومية والبعث واليسار) الى السلطة، فالتحدي الاسرائيلي خلق قابلية شعبية لعسكرة البلدان العربية كرد على اسرائيل.
الحقيقة التي يجب تأكيدها هي أن حركات الاسلام السياسي غير مسؤولة عن هذا الخراب الهائل الذي طال البلدان العربية وهي تحصد عواقب الفشل الجذري العميق لأداء الحركات العلمانية (من أفغانستان مرورا باليمن وسوريا وحتى السودان)، لكن ذلك لا يعطيها صكاً مفتوحا للحكم، ويعفيها من مجابهة الأسئلة العميقة التي طرحتها الحركات العلمانية وفشلت في الاجابة عليها.
الشعوب العربية لا تنتظر خطابات ايديولوجية بل حلولاً واقعية وحقيقية لا تجيب عليها الشعارات.
صعود حركات التطرف الاسلامي هي من انجازات حكومات ‘العلمانية’ العربية المزعومة لا الاسلام السياسي الذي استطاع رغم قمع عقود الحفاظ على اعتداله ووسطيته، وهو ما يناقض القولبات الاعلامية المعادية للاسلام باسم معاداة الارهاب، سواء جاءت من روسيا والصين واوروبا… او من المملكة العربية السعودية!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول المقداد ابو اسليم:

    بسم الله .. الشعوب بل العالم تحتاج اليوم الى رحمة الإسلام المنزل على قلب النبي محمد عليه الصلاة والسلام .. اسلام لا غربي ولا شرقي وهذا وعد من الله ورسوله بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة …يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون .. هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .. لاحظ.. دين الحق … سيظهر سيظهر سيظهر .. وعقر دار المسلمين الشام … الشاااااام يا اهل الإسلام ..

  2. يقول Almurabet:

    من يحارب الاسلام هذا سؤال وجيه ولا يحتاج الى لف ولا دوران للاجابة عليه وانما مانشاهده على الارض هم من يقتل المسلمين داخل اوطانهم وهم الارهابيون المجرمون هولاء هم من يقتلنا ليل نهار منذو اكثر من عشرون سنة فهل العلمانيون او الاشتراكيون او غيرهم قتلوا الشعوب كما يفعلون هولاء الارهابيون المجرمون من ارتكاب المجازر بجميع الاسلحة بحق الاطفال والنساء استعملوا كل الاسلحة لقتل المدنين حتى الكيماوي استعملوه ضد المدنين بل وصل الامر بهم شوي الاطفال بالافران فانظر الى العراق كل يوم قتل بالمفخخات من يقوم بذلك الارهابيون المجرمون المحسوبين على المسلمين سوريا دمروها اليمن دمروها مصر دمروها ليبيا دمروها افغانستان دمروها الصومال دمروها الجزائر دمروها تونس في الطريق , ومن وراء انشاء هولاء المتأسلمين انهم الصهاينة هم من جندوهم وهم من يرسل لهم المفتين , احد المسؤولين الصهاينة قال سنحارب العرب باسلامهم وسنحاربهم بعروبتهم وهذا مانشاهده بام اعيننا على ارض الواقع وهل نجد جواب لماذا الارهابيون قتلة العرب والمسلمين يتعالجون في اسرائيل ولماذا الحدود مفتوحة بينهم هذا يوضح لنا ان المسؤول الاسرائيلي صادق عندما يقول سنحارب العرب باسلامهم وسنحارب العرب بعروبتهم وامامكم الدليل الذي يندعي انه مسلم وعنده لحية طولها ذراع يقتل العرب الابرياء بكل انواع الاسلحة ثم التوجه الى اسرائيل لمقابلة الصهاينة للتشاور او العلاج فهولاء الارهابيون هم اعداء الشعوب العربية وهم من يقتل الشعوب باسلامهم وعروبتهم حسب كلام المسؤول الاسرائيلي ولن تقوم قائمة للشعوب العربية الا بالتعاون فيما بينها لابادة من يبدهم الارهابيون المجرمون جنود بني صهيون الذين يلبسون عباءة دين الاسلام حتى يقتلوا الكثير والكثير من الشعوب العربية .

    1. يقول سامي فلسطين:

      إسمح لي إن كلامك مرسل ودون دليل ومنافي للحقائق والواقع
      إذ أنك تنفي تهمة القتل والإجرام والفساد عن العلمانيين والإشتراكيين واليساريين وهم سبب كل مآسينا
      فمن قتل وعذب وانتهك الأعراض وسرق البلاد لعشرات السنين في تونس لم يكن التيار الإسلامي
      ومن إستباح حماه وشرد أهلها في الثمانينات لم يكن التيار الإسلامي
      ومن جرف الحياة في ليبيا وحولها لمزرعة لعائلته لم يكن التيار الإسلامي
      ومن قتل واعتقل وعذب آلاف المصريين في الستينات بحجة الحرب التي لم ينتصر بها لم يكن التيار الإسلامي
      ومن جاء بالهزيمة ومعاهدة العار في مصر لم يكن التيار الإسلامي
      ومن أفقر المصريين وأذلهم وسرق قوتهم ومستقبل أولادهم وحوله لمليارات في سويسرا لم يكن التيار الإسلامي
      ولا أعتقد بأن محمد سياد بري الذي فتت الصومال وقتل أهلها وعذبهم كان من أبناء التيار الإسلامي
      وعندما تتجاهل كل تلك الحقائق التاريخية وتصر بأن أبناء التيار الإسلامي هم الإرهابيون والقتلة لأن بعضهم تبنى فكر متطرف وهو بالمناسبة مدان من معظم أبناء التيار الإسلامي فإنك تضخم بعض التصرفات الفردية المدانة وتتعامى عن إرهاب الدولة المنظم الذي عانينا ونعاني منه

    2. يقول عاصي:

      أضحكتني كثيراً. ومن قتل ٤٠٠٠٠ سوري في حماه ومن الآلاف في الجزاءر ولبنان وفي مصر العلمانيون ام الإسلاميون الجواب هو العلمانيون بدايه والرهاب لم يأتي الا بسبب ارهابكم ًدكتاتوريات كم الفاسده

    3. يقول ملاحظ:

      أنت تريد نفي التهمة عن سيدك الأسد، الأسد المجرم قتل الآلاف و خرب سوريا و ليس الإرهابيون كما تقول، فهؤلاء لا يملكون طائرات ترمي براميل غبية على الأبرياء، و لا يملكون الكيماوي و الأسلحة الثقيلة.

  3. يقول زهير:

    من اجمل واعمق المقالات التي قرأتها في القدس العربي
    بل في الصحف العربية قاطبة
    اشكر الكاتب على تحليله العميق
    واشاركه الرأي بان سبب تأخرنا هو نحن وليس هم
    بدأ من حركات التحرر القومية وصولا للدكتوريات المعاصرة
    وقبلها عقود من التجمد الفكري

  4. يقول Hassan:

    الصراع بين الغرب والعرب أساسه ديني ولا جدال في ذلك.مركز الدين وإشعاعه في الغرب مازال يغذي الحقد الأبدي. أما عن الإسلام فلا مركز له ولا إشعاع له رغم قوته. قوتان تتصارعان كانت فيه الغلبة للباطل بمساعدة جزء من قوة الحق.
    العالم فيه خلل لعدم توازن الحكم وما يحدث الآن في الوطن العربي إنما هو تململ سوف يعقبه إنتصار للحق. والواقع بعدها سوف يفرض نوعية الحكم العالمي الجديد
    المتجدد.

  5. يقول سلمى:

    موضوع طويل و شائك, و لكن و باختصار هناك في بلادنا سياسة ” تكريس التخلف” بشتى الوسائل, و التخلف يخدم في المقام الأول الطغاة و المستفيدين من ثروات الشعوب, و هذا التخلف يمتد إلى شتى نواح الحياة الفكرية و الاجتماعية والاقتصادية و الدينية و العلمية و يشترك في تكريسه كثير من مدعي الوطنية و القومية و العلمانية و شيوخ دين و أئمة و نسبة كبيرة من الشعوب. فالإسلام يحاربه بوعي كثيرٌ أعداء له من غير أهله و بعض ممن يدعون الانتماء إليه زوراً و بهتاناً لإدراكهم حقيقة قدرته على التغيير و على إعادة المنتمين إليه إلى صدارة المشهد الحضاري و العلمي و الاقتصادي, و يحاربه كثيرٌ من أهله دون وعي بجهلهم و ممارساتهم الخاطئة. نحن بحاجة إلى إعادة فهم ديننا و إلى إعمال عقولنا و إلى الاستماع إلى مفكرينا و علماءنا و ليس فقط إلى وعاظ شاشات التلفزيون, و إلى القراءة و البحث و التحلي بأخلاق الإسلام و إلى الحوار البناء و الصريح, لكن التحدي يبقى في قدرتنا على التغيير في غياب الحرية و الأمن.

  6. يقول خالد:

    وهل وجدت حكومات علمانية اصلا في عالمنا العربي حتى تحكم عليها يا كاتب المقال

  7. يقول سمير-مانشستر:

    لست ممن يكتب التعليقات لكن جذبني هذا السرد المثقف للواقع

  8. يقول iltaf mortada:

    إسلام الغرب المتطرّف وغير المؤمن يحارب إسلام الشرق المؤمن والمعتدل. كما كانت عليه حرب الفرنجة، غير المؤمنين – المعروفة بالحرب لصليبية – الذين شنوا حملات عسكرية على الشرق وهدموا كنائس المسيحيين. نعيش اليوم حالة استعمارية وقد تحققت اهدافها في السيطرة من جديد على خيرات وثروات الشعوب العربية، في أقلّ من ثلاث سنوات من الفوضى الخلّاقة، سُمّيًت ب “الربيع العربي”، فعم القتل والهدم والتشريد. إنّ الدعوة الإسلامية الحنيفة في خطر داهم على قيمها ومقاماتها في هذا الشرق الملعون بثروته الدفينة – النفط.

  9. يقول ورد:

    تقرير متميز جدا أتفق معكم في كل شى
    الاعلام العربي يؤكد نظرية الغرب
    جميل جدا كلام لاغبار عليه

  10. يقول ضو الصغير-تونس:

    حل معضلة الإسلام كخطاب والاستجابة لحاجيات الشعوب العربية والإسلامية المعاصرة في تحقيق الحداثة الحقيقية والتقدم مرتبطان بإعادة فهمنا للإسلام بشكل عقلاني تاريخي وبلورة فهم آخر ممكن لهذا الدين وللحضارة التي حملت قرونا لواء التقدم والمعرفة والفكر قبل تخرج من التاريخ ليتجاوزها الزمن ويتطاول عليها الجميع..
    وحسب تقديري فقد حقق المفكر المتميز الراحل محمد أركون فتحا إبستيمولوجيا مهما في هذا المضمار ودشن هذا المسار المهم باقتدار لكن للأسف لم يحظ مشروعه بالقراءة اللازمة في الفضاء العربي الإسلامي أو بالانخراط في مساره النقدي التأسيسي للمعرفة والخطاب المطلوبين.. فقد نقد محمد أركون المناهج الاستشراقية في التعامل مع الإسلام باعتبارها تستبعد الجانب الروحي الإيماني لمجتمعاتنا وتسعى لتكريس نزعة دونية يحافظ فيها الغرب على مركزيته ويواصل عبرها التدليل على “توحش” شعوبنا وعدم قابليتها للحداثة والديمقراطية، كما اصطدم أركون بالتيارات المحلية التقليدية المحافظة _إسلام المؤسسات الرسمية و اسلام سياسي_ باعتبارها تجتر تراثا ميتا أقفل بالشمع الأحمر منذ عشرة قرون وتكرر خطابا بشريا مذهبيا ارتقى بمرور الزمن إلى مرحلة التقديس وترفع عن المسائل الطارئة والحاجيات المستجدة، ولا يتردد أركون في نقد والتهكم أحياناعلى القراءات الوضعية الحداثوية للإسلام وتراثه في مجالنا العربي التي تمثلها الماركسية أساسا فلا ترى موقعا للتراث أو أهمية لنقده في ضوء ما تعتبره أولويات من صراع طبقات وإمبرياليات.. وكبديل لهذه المشاريع المتهالكة اعتبر أركون أنه لا خلاص لديننا ودنيانا إلا بإعادة النبش في دغمائياتنا والحفر فيما اعتبرناه إجماعا وأصولا من قرون بعيدة وهو لا يتجاوز كونه اجتهادات بشرية كتبت بلغة عصرها وإكراهاته لحل مشاكنا أنذاك بينما تطورت العلوم وتعددت المناهج والفلسفات التي أصبح لزامنا علينا اليوم تطبيقها عمليا لإعادة فهم الحالة الإسلامية بشكل عقلاني تاريخي محايث للواقع ومجيب عن أسئلة السياسة والاجتماع.
    ولا يدعو أركون إلى إلغاء التراث الإسلامي الذي مهد لنهضة أروبا _عكس ما يتصور البعض_ إنما يعتبر أن حضارتنا كانت إنسانسية وعقلانية في مراحل ازدهارها وعرفت “أنسنة” مبكرة لكنها دخلت مرحلة الانغلاق بإلغاء الفلسفة واستبعاد العقل زمن الانحطاط كما لا يقزم العقل اللاهوتي أو المعرفة الدينية بل يعتبرها ضرورية في إعادة التأسيس جنبا إلى جنب مع العقل الفلسفي.. فبذلك نخترق السياجات الدغمائية المغلقة ونقلص مساحة العقل الساكن المستكين منذ قرون لفائدة العقل الاستكشافي المنخرط في مسار التاريخ والمتصالحة مع لغة العصر وحاجياته ومفرداته. وإذا ترجمنا هذا الكلام سياسيا وقسناه على ما نعيشه اليوم من عصبيات ومذهبيات وهويات قاتلة سنجد حقا أن معركتنا الحقيقية مع ذاتنا وخرابنا الحقيقي في ذاتنا ولا يفعل غيرنا إلا استغلال هذه المنافذ والتسرب عبرها، كما أنه بلا ثورة الفكر التي تجدد المفاهيم لا نجاح لثورات سياسية أو ردود فعل متشنجة دفاعية.

    1. يقول عبدالرحمن يماني جدة:

      أشاطرك الرأي في كل ماذكرت فبدون تحرير الدين من سيطرة السياسة والقوالب الجامدة وأعادة قراءته فلسفيا لن تقوم لهذه الأمة قائمة .أعتقد انك وضعت اﻷصبع على سبب الجرح الذي شخصه هذا المقال .حبذا لو ذكرت اسم المشروع الذي كتبه الراحل محمد أركون ولك تحياتي

1 2 3 4 5 6

إشترك في قائمتنا البريدية