من سيحكم غزة بعد الحرب؟

حجم الخط
0

السبب الرئيس لإطالة أمد الحرب الإسرائيلية على غزة، والاستمرار بهذه المجازر وعمليات القتل الأعمى، هو أن تل أبيب ليس لديها أجوبة بشأن اليوم التالي للحرب، وكذلك أنها لم تتمكن في ستة شهور أن تحقق أيا من الأهداف التي وضعتها لنفسها يوم السابع من أكتوبر، ولذلك تحولت هذه المعركة إلى حرب استنزاف طويلة، بدلاً من أن تكون عملية عسكرية خاطفة. إسرائيل لم تفشل فقط في استعادة أسراها، الذين ابتلعتهم غزة، وإنما الأهم من ذلك أن مشروعها في الشمال يبدو أنه تبخر تماماً ومني بفشل ذريع، فلا نجحت في تهجير السكان، ولا حققت الغاية من تجويعهم، ولا تمكنت من خلق واقع جديد في الشمال، بعد أن كان الحديث يدور عن حزام أمني أو شريط حدودي شبيه بذلك الذي كان في جنوب لبنان خلال الفترة من عام 1982 إلى عام ألفين.
السبب الرئيس اليوم لاستمرار الحرب على غزة هو أن إسرائيل ليست لديها أجوبة عن أسئلة اليوم التالي لهذه الحرب، أو اليوم التالي لانسحاب الجيش الإسرائيلي، أو ما بعد وقف إطلاق النار، وأهم هذه الأسئلة هو من الذي سيحكم قطاع غزة بعد هذه الحرب، وهل فعلاً سينتهي حكم حركة حماس في القطاع، أم أنها ستعود إلى إدارة القطاع كما هو الحال بعد كل حرب.

المشاريع والمقترحات الإسرائيلية لمرحلة ما بعد الحرب فشلت، والسبب الرئيس اليوم لاستمرار الحرب على غزة هو عدم وجود أية إجابة لدى إسرائيل عن سؤال اليوم التالي

المؤشرات والقرائن ومسار الأحداث تدل على أن إسرائيل لا تريد لقطاع غزة أن تحكمه حركة حماس، ولا حركة فتح، لأن الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي المستمر منذ 17 عاماً، هو جزء من المشروع الإسرائيلي اليميني الذي يقوم على ضرورة تفتيت الشعب الفلسطيني والتعامل معه على أنه مجرد تجمعات سكانية مترامية الأطراف، ولا يعترف به كشعب، ولا يريد له أن يُقيم دولته المستقلة، وفي سبيل ذلك يجب أن يظل منقسماً على المستوى السياسي والجغرافي، بل حتى الضفة الغربية يتم تقطيع أوصالها بالمستوطنات وتقسيمها، بحيث يُصبح التواصل بين مدينة وأخرى صعبا كصعوبة التواصل بين الضفة وغزة. ما يحدث هو أن إسرائيل تبحث منذ شهور عن طرف ثالث يتعاون معها ويتولى إدارة قطاع غزة بشكل مؤقت، لحين ترتيب الأوضاع في القطاع بما يضمن أمنها ومصالحها، ولذلك عرضت على مصر مرتين أن تتولى شؤون القطاع ولو مؤقتاً، ولكن القاهرة رفضت الطلب الإسرائيلي جملة وتفصيلاً، كما طرح الأمريكيون والإسرائيليون أكثر من مرة فكرة دخول قوات عربية مشتركة الى قطاع غزة، ومع ذلك لا يبدو أن هذا الطرح قد وجد آذاناً صاغية من أية دولة عربية، خاصة أن مصر ترفض التعاون مع الاحتلال في هذا الملف، وترفض أن تجعل من جيشها جسراً لتنفيذ أي مشروع إسرائيلي في غزة. المحاولات الإسرائيلية لترتيب ما بعد الحرب والعثور على إجابة لسؤال اليوم التالي لم تتوقف عند هذا المستوى، بل انشغل الإسرائيليون في الشهور الماضية وبعد الرفض المصري، في مشروع آخر ويبدو أنه فشل سريعاً، وهو عبارة عن إنشاء «لجنة مدنية» تتكون من العشائر والعائلات الكبرى في غزة، وترتبط بالجيش الإسرائيلي وتقوم بإدارة القطاع ولو بشكل مؤقت، لحين تشكيل حكومة أو سلطة بديلة. وكشفت قناة «كان» العبرية قبل أسابيع أن الخطة تتمثل بتقسيم القطاع إلى مناطق ونواح تحكمها العشائر، وتتولى مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية، بحيث تسيطر كل عشيرة على منطقة، وأوضحت أن هذه «العشائر المعروفة لدى الجيش وجهاز الأمن العام – الشاباك، ستقوم بإدارة الحياة المدنية في غزة لفترة مؤقتة».
وحسب القناة العبرية فإن الخطة وضعها وزير الحرب يوآف غالانت، ومهمتها الأساسية إبعاد حركة حماس عن الإدارة المدنية الفلسطينية، ومنعها من السيطرة على المساعدات التي تدخل القطاع في ظل الحرب، لكن هذه الخطة اصطدمت برفض واسع من العشائر ذاتها، التي أصدرت أكثر من بيان أكدت فيه أنها لن تقبل أن تكون بديلاً عن الحكومة المحلية، وقالت أغلب العشائر إن مهمتها هو دعم الحكومة وإسنادها لتأدية واجبها لا الحلول مكانها.
والخلاصة هو أن العملية العسكرية التي كان يُفترض أن تكون خاطفة وتهدف بشكل محدد لتأمين منطقة شمال القطاع واستعادة الأسرى الإسرائيليين، سرعان ما تحولت إلى حرب استنزاف طويلة، كما أن المشاريع والمقترحات الإسرائيلية لمرحلة ما بعد الحرب فشلت، والسبب الرئيس اليوم لاستمرار الحرب على غزة هو عدم وجود أية إجابة لدى إسرائيل عن سؤال اليوم التالي، أو من سيحكم القطاع بعد الانسحاب، وبطبيعة الحال ففي حال انسحبت إسرائيل من غزة وعادت حركة حماس الى إدارة القطاع فهذا يعني أن كل هذه الحرب لم تحقق شيئاً بالنسبة للإسرائيليين.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية