معاريف: كيف تبرر إسرائيل للعالم بعد موافقة حماس على مقترح طرحته تل أبيب نفسها؟

حجم الخط
0

أجرى السنوار أمس مناورة من الأفلام. انتظر اللحظة الأخيرة ليسرق الأوراق مع “نعم” مدوية، غريبة وغير واضحة، بينما دبابات الجيش الإسرائيلي تشق طريقها إلى أطراف رفح. كان الأثر فورياً. تشوش في صفوف الجيش (القوات تلقت أمراً بالتوقف، وبعد ذلك تلقت أمراً بالمواصلة)، جلبة دولية كبرى، والكل مقتنع بوجود تحول في اللحظة الأخيرة فيما لا أحد يعرف ما يوجد هنا.
إسرائيل تدخل إلى رفح بينما العالم كله مقتنع بأنها تتجاهل موافقة حماس على مقترح هي نفسها طرحته. الأمريكيون غاضبون، والمصريون غاضبون، والأوروبيون غاضبون، واذهب لتشرح لهم بأننا نتعامل مع قتلة هم أيضاً كذابون ماهرون. تنقص في مثل هذه اللحظات شبكة علاقات ثقة مستقرة وعميقة ومتبادلة بين رئيس وزراء إسرائيل والرئيس الأمريكي. شبكة علاقات كهذه ذخر استراتيجي في هذه الأوضاع. لو كان الأمر بيد أريئيل شارون لشرح القصة لجورج بوش، ومثله إيهود أولمرت، وبينيت/لبيد. من هنا وحتى “فرملة” قوية أمريكية على العملية الإسرائيلية، التي لا تستهدف منذ البداية أن تكون واسعة النطاق، سيكون الطريق قصيراً. سننهض صباح غد ونأمل بمعجزة.
في هذه الأثناء فعلت إسرائيل الأمر الوحيد الذي يمكن أن تفعله أمس – قررت استمرار العملية في رفح، لكن مع استئناف المفاوضات، بمستويات عمل متدنية. إلى أن نعرف القصة. ثمة قرار معقول بالإجمال، بالنسبة للظروف الصعبة.
في الواقع، رفح مدينة نسيها الرب، ومغبرة، ومكتظة ونائية في الطرف البعيد لقطاع غزة. مدينة تنزل فيها الكتائب الأضعف لحماس. باختصار، رفح هي الأحبولة الإعلامية الأنجح في العصر الحالي. كل شيء يبدأ، يتواصل وينتهي في رفح. كل شيء متعلق برفح – “النصر المطلق” أو الهزيمة النكراء. هذان الأمران يكتظان في رفح وينتظران حسم المحلفين – الموت أو احتلال رفح. يا رفح، هل كنتِ أم حلمنا حلماً.
حلمنا حلماً. رفح هراء. هيا نفترض أن الجيش دخل إلى رفح صباح غد بإذن أمريكي كامل، ثم احتلها وقتل 500 مخرب، ولم يقع بيننا إلا مصابو فزع فقط؛ ماذا بعد؟ انتصرنا؟ الجواب لا. لا يتحقق النصر على حماس إلا بعمل كد ومواظب متواصل لسنين. “السور الواقي” بدأت باجتياح واسع للجيش لكل المدن الفلسطينية في الضفة، واحتلالها، وتفكيك بنى الإرهاب، وتطهير القصبات وترويض مخيمات اللاجئين. وماذا حصل؟ لا شيء. واصلنا الدخول والخروج من هناك على طريقة ماكينة قص العشب كي نحبط كل ما حصل ويحصل وسيحصل. الجيش الإسرائيلي يعمل في الضفة الآن أيضاً.
كل ما حصل في الضفة يفترض أن يحصل في غزة، باستثناء أنه سيكون أقسى وأخطر، لأن حماس 2024 وحش أخطر وأقوى بكثير من الإرهاب الفلسطيني في الضفة. هدف الحرب الحالية هو خلق وضع يتمكن فيه الجيش الإسرائيلي من الدخول والخروج من وإلى غزة بحرية نسبية، وقطع كل رأس إرهاب يرتفع هناك في كل لحظة معطاة. هذا هدف حققناه. ثمة نجمة قرب رفح. يمكن تفكيك الكتائب هناك في ظل لحظة معطاة. قبل ذلك، واجب إغلاق محور فيلادلفيا، هذا أكثر إلحاحاً من رفح. لكن أحداً ما يحتاج إلى رمز، إلى أحبولة. إلى وقت. محظور أن ينهي “الأحد ما هذا” الحرب. إنهاء الحرب معناه لجنة تحقيق، واحتجاج أقوى، وأسئلة أصعب.
لقد بدأ الجيش أمس استعدادات للعملية في رفح. إذا سألتم الجيش ما الذي يريده المستوى السياسي منه، فلن يعرف الإجابة، ومثله المستوى السياسي. لأشهر وهم يتحدثون عن هذه العملية؛ أقوال كالرمل ولا شيء للأكل. في النهاية، اختاروا المقاس الأسهل الأخف كي يرفعوا شارة النصر حتى يكون الإعلان عن النصر ممكناً. وحتى هذا ليس واضحاً، ولا مؤكداً ولا مستقراً. هكذا هي الحال مع غياب خطة استراتيجية مرتبة ودون هدف محدد ودقيق ودون سعي مرتب لنتيجة ما أو نهاية فعل بتفكير مسبق. كل الموجود هو ارتجال متواصل، ومراوحة مستدامة وقدر لا ينتهي من علامات الاستفهام.
وصلنا إلى الصفقة. مع إضافة الزمن مساء أمس نجحت حماس في اللحظة الأخيرة في نقل الكرة إلى الملعب الإسرائيلي. ادعت إسرائيل أمس مساء بأنها أحبولة، وأنه لا جواب إيجابياً على الاقتراح الإسرائيلي – المصري المرتب، بل على شيء آخر. حتى الصباح سنعرف ما الذي سيخرج من هذا، إذا ما خرج أي شيء.
ينبغي التشديد –معظم الذنب يقع على حماس بعدم تحقيق صفقة. حتى من يعتقد أن نتنياهو مصيبة لإسرائيل (مثلي) يعرف هذا. المشكلة مع نتنياهو في نظافة اليدين. ولا يأتي لهذا الحدث نظيف اليدين، بل يأتي مع تضارب مصالح واضح. يعرف نتنياهو بأنه إذا ما سار نحو الصفقة سيفقد الحكومة. إذا كان لا يعرف فثمة من يعرفه. وقد فعلوا ذلك هذا الأسبوع بنبرة مهددة.
وعندما يتردد وفد حماس في جوابه على الاقتراح المصري – الإسرائيلي، يحرص نتنياهو على نشر بيانات في أثناء السبت، مرتين عن أنه “لا بد من عملية في رفح مع أو بدون صفقة”. كما أنه يرسل مستشاره للأمن القومي إلى التلفزيون ليقول هذا لمن فوت البيان. من يدعي بأن هدف المناورة القذرة هذه هو الإيضاح للأمريكيين بأن إسرائيل لن توافق على ضمانات أمريكية لإنهاء الحرب، لا يعرف لمنظومة ولا يعرف عما يتحدث. فالأمريكيون لا ينتظرون بيانات “مصدر سياسي”. الأمريكيون يتمتعون بقنوات مباشرة لكل لباب المنظومة الإسرائيلية. لهم سفير هنا، ولنا سفير هناك، مسؤولو البيت الأبيض يتحدثون مع نظرائهم في إسرائيل كل الساعة.
وشيء ما آخر: إذا كان الأمريكيون بالفعل وعدوا بضمانات لحماس بعدم استئناف الحرب، فلماذا لا يفعلون هذا الآن؟ يبلغون إسرائيل بوضوح بعدم استئناف الحرب. هكذا ببساطة، أليس كذلك؟ إذا كان بوسعهم فعل هذا بعد الصفقة، فبوسعهم أن يفعلوا هذا الآن أيضاً. ولماذا لا تطلق إسرائيل بياناً بسيطاً كهذا؟ فلا أحد لا يمكنه أن يتعهد باسمنا بإنهاء الحرب. إسرائيل، كدولة سيادية، تعلن عن إنهاء هذه الحرب. نقطة، نهاية.
بدلاً من هذا يعلنون أنهم سيدخلون إلى رفح في كل حال، في اللحظة الأكثر حساسية للاتصالات. بمعنى يؤشرون لوفد حماس أن يقطع الاتصال دون قول “نعم”. وهكذا يمكن السير وكأنك ترتدي ملابسك وتشعر بأنك بدونها. أن تعطي تفويضاً لطاقم المفاوضات أن يقول “نعم”، للاقتراح المصري لكن أن تحبط “نعم” حماس بطرق ملتوية. هذه الالتواءة الأخيرة في الحبكة “نعم” حماس المتأخرة (لا نعرف بعد سبب قولهم “نعم”)، تنقل الضغط إلى إسرائيل. هكذا سيتواصل هذا الأمر في الأيام القادمة أيضاً. هكذا يبدو الحال عندما لا يحتاج صاحبا القرار في الطرفين، صفقة بل يريدان زمناً.
بن كسبيت
معاريف 7/5/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية