مصر منشغلة بـ “المعنى القانوني” لـ “كامب ديفيد” وإسرائيل توسع احتلالها بغطاء “من يدير المعبر؟”

حجم الخط
0

“تصعيد خطير”، هكذا عرفت وزارة الخارجية المصرية دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح والسيطرة على المعبر الحدودي. وأضافت الوزارة بأن “العملية تهدد جهود وقف إطلاق النار وتعرض حياة مليون فلسطيني للخطر، الذين يعتمدون على عبور مساعدات إنسانية وطريق آمن للجرحى والمرضى الذين يحتاجون إلى العلاج في الخارج”. في الحقيقة، تسلمت مصر في السابق بلاغاً عن نية إسرائيل دخول رفح، لكن وراء الرد الدبلوماسي المنضبط هناك غضب كبير وقلق أكبر. تخشى القاهرة من أن تؤدي عملية رفح إلى نسف المفاوضات حول إطلاق سراح المخطوفين، بل ونية إسرائيلية لتوسيع العملية في رفح، ثم دفع مئات آلاف الغزيين لاجتياز الحدود مع مصر.

الدكتور مفيد شهاب، وزير التعليم العالي السابق ورئيس جامعة القاهرة السابق، حذر أمس في مقابلة مع قناة “العربية” السعودية من أن الجيش المصري لم يرد على العملية الإسرائيلية “لأنها لم تكن داخل أراضي مصر. ولكن إذا هاجمت إسرائيل مصر فلن تسمح القاهرة بذلك، وعندها ستدخل إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل”. إسرائيل لا تنوي اجتياز الحدود، لكن خط التماس القريب بين القوات يزيد خطر الاحتكاك العسكري غير المتعمد، ما قد يؤدي إلى التصعيد.

في هذه الأثناء، تفحص مصر المعنى القانوني لدخول قوات كبيرة من الجيش إلى المنطقة، التي حسب اتفاق كامب ديفيد، يجب أن تكون خالية من القوات العسكرية. وحتى الآن، امتنعت مصر عن إجراء نقاش دبلوماسي علني في قضية خرق اتفاق كامب ديفيد، لا لأن مثل هذه الخطوة قد تشوش على المفاوضات التي أصبحت فيها مصر الوسيط الأول بعد أن قللت قطر حضورها؛ ففي السنوات الأخيرة طلبت مصر نفسها وحصلت من إسرائيل على مصادقة لإدخال قوات عسكرية كبيرة إلى شبه جزيرة سيناء تكون مزودة بسلاح ثقيل في إطار الحرب ضد التنظيمات الإرهابية الإسلامية، وحتى استخدام سلاح الجو هناك. وحتى إن التقارير التي نشرت في إسرائيل، تحدثت عن تدخل عسكري إسرائيلي في حرب مصر وعن تعاون استخباري وثيق ساعد في العثور على وتدمير قواعد التنظيمات الإرهابية.

في الوقت نفسه، سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني في معبر رفح تحيد أداة الضغط الأساسية التي كانت لمصر على حماس. قبل الحرب، عندما كان المعبر يستخدم كممر مفتوح للبضائع والأشخاص، منح حماس وسيلة سيطرة قوية على حياة السكان في غزة، إلى جانب أنه مصدر دخل بفضل الرسوم التي كانت تجبيها حماس مقابل كل تصريح خروج ودخول. تهديد مصر بإغلاق المعبر، وحصل ذلك، كان له وزن ثقيل حتى على سلوك حماس أمام إسرائيل.

تنسيق العملية بين مصر وحماس أثمر مكاسب كبيرة لأجهزة المخابرات المصرية التي تسيطر على الجانب المصري للمعبر. السكان الذين كانوا يريدون الخروج إلى مصر اضطروا لدفع مبلغ كبير، 5 – 10 آلاف دولار، كـ “رسوم عبور” لجهات مصرية، وبالأساس لشركة “هلا” المصرية التي يمتلكها إبراهيم العرجاني، المقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي حصل على امتياز تشغيل نقل السكان من غزة إلى مصر، وشاحنات النقل التي أدخلت البضائع إلى القطاع. منذ بداية الحرب رفعت الشركة بشكل دراماتيكي الرسوم التي تجبيها مقابل الخدمات. وحسب تقرير “ميدل إيست آي”، الموقع البريطاني الذي يتناول شؤون الشرق الأوسط، فقد حصلت الشركة في الأشهر الثلاثة الأخيرة على 120 مليون دولار مقابل الخدمات التي تقدمها. من غير الواضح كيف ستجري من الآن فصاعداً ترتيبات نقل المساعدات الإنسانية في معبر رفح، وبالأساس إجراءات خروج الجرحى والمرضى إلى مصر.

دور معبر رفح كأداة ضغط مصرية على حماس في الحقيقة لم يعد ذا صلة بعد سيطرة إسرائيل على المعبر. ولكن هذه العملية جعلت إسرائيل المسؤولة المباشرة على إدارة جزء من الحياة المدنية في القطاع على الأقل. الثلاثاء الماضي، قال جون كيربي، المتحدث بلسان مجلس الأمن القومي الأمريكي، إن “العملية في رفح لها طابع محدود من حيث الحجم والمدة، وهدفها القضاء على قدرات حماس على نقل السلاح عبر الحدود مع مصر”. ولكن هناك فجوة تكتيكية تفصل بين إعلان كيربي وأهداف إسرائيل. فهي لا يمكنها السيطرة على معبر رفح كجيب معزول دون السيطرة على شرق محور فيلادلفيا إلا إذا وجدت البديل المتفق عليه، جهة تدير المعبر.

إسرائيل التي لا تثق بمصر كـ “حامية للحدود” تعتبر السيطرة على محور فيلادلفيا عملية حيوية لمنع نقل السلاح لحماس. ولكن منذ بداية الحرب، والمعبر نفسه لا يعتبر جزءاً من هذا التهديد، فأي شاحنة نقل تمر في المعبر تخضع لفحص الجيش الإسرائيلي قبل دخولها إلى القطاع. مصر من ناحيتها، اقترحت مؤخراً السماح للسلطة الفلسطينية بإدارة الطرف الغزي في معبر رفح أو إحياء اتفاق المعابر من العام 2005، الذي بحسبه كان يمكن لموظفين من غزة ومراقبين أجانب إدارة المعبر، وإسرائيل تحتفظ بصلاحية المصادقة على أو رفض دخول وخروج الأشخاص والبضائع.

ولكن إسرائيل ترفض أي اقتراح يعطي السلطة الفلسطينية موطئ قدم في غزة. والسلطة الفلسطينية نفسها أيضاً تشترط تدخلها في غزة بعملية سياسية واسعة، تكون نهايتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

في هذا الأسبوع، نشر ينيف كوفوفيتش أن مصر وإسرائيل والولايات المتحدة اتفقوا على تولي شركة مدنية مسلحة، يبدو أمريكية، إدارة المعبر عقب انتهاء العملية العسكرية. هذه الفكرة غير جديدة، وشركات حراسة خاصة تعمل الآن في القطاع، كجزء من جهود الحماية التي تستخدمها منظمات الإغاثة، وحتى إنها دفعت مقابل ذلك ثمناً باهظاً. في نيسان الماضي، قتل ثلاثة عاملين في شركة الحماية البريطانية “سوليس غلوبل” في هجوم جوي إسرائيلي على قافلة مساعدات كان فيها عاملون من “المطبخ المركزي العالمي”.

شركات الحماية هذه تعمل في عشرات الدول، كثير منها كمقاول من الباطن لحكومات محلية أو حكومات أجنبية، مثل الولايات المتحدة التي استخدمت مثل هذه الشركات في أفغانستان والعراق. المشكلة أنه باستثناء التكلفة الكبيرة التي تنطوي على تشغيل شركة حماية خاصة، فإنه من غير الواضح من سيكون المشغل الرسمي للشركة التي يتم الحديث عنها؛ هل هي إسرائيل أم الولايات المتحدة.

لهذا القرار أهمية، لأنه سيحدد المسؤول الرسمي عن تشغيل معبر رفح، ومن سيضع سياسة التشغيل، الأهم حول أوامر فتح النار في حالة هجوم لحماس أو مواجهات مع السكان المحليين. يبدو أنه إلى حين العثور على حل متفق عليه حول قضية المسؤولية وتشغيل المعبر، توسع إسرائيل مكانتها كمحتلة لغزة، بكل معنى الكلمة، حسب القانون الدولي.

تسفي برئيل

 هآرتس 9/5/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية