مصر على أبواب موجة غلاء جديدة مع رفع أسعار الوقود.. ومعارضون: نتيجة لسياسة الاقتراض

تامر هنداوي
حجم الخط
0

القاهرة- “القدس العربي”:

في محاولة لامتصاص غضب ومخاوف المواطنين من موجة غلاء جديدة، عقب قرارات رفع أسعار الوقود التي أقرتها لجنة التسعير، قال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، إن أقصى زيادة على أسعار تعريفة استخدام النقل الجماعي ستكون 7% سواء للنقل الداخلي أو بين المحافظات، وفقًا للزيادة المقررة على أسعار المحروقات أمس الأربعاء.

ولا يكاد المواطن المصري يتكيف مع موجة الغلاء الأخيرة التي تشهدها بلاده، التي جاءت بعد  أن خسر الجنيه المصري ما يقرب من 17 ٪ من قيمته أمام الدولار الأمريكي شهر أبريل/ نيسان الماضي، وهو ما أعادتها الحكومة المصرية إلى أزمتي وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، حتى يجد نفسه في مواجهة موجة جديدة منتظرة مع قرارات رفع أسعار الوقود..

رئيس الوزراء المصري قال، اليوم الخميس، في كلمة متلفزة وجهها للمواطنين، إن الحكومة عقدت اجتماع مجلس محافظين لمتابعة تطبيق الزيادة وذلك لطمأنة المواطنين.

وتابع: تحريك أسعار السولار والمحروقات جاء لمواجهة الارتفاع العالمي، والدولة المصرية لا تزال تتحمل الجزء الأكبر من دعم السولار والمحروقات.

وزاد: مصر رغم أنها دولة مستوردة للمحروقات إلا أنها مازالت تصنف كواحدة من أرخص 10 دول لسعر السولار، بالإضافة إلى أنها ضمن أرخص 20 دولة على مستوى سعر البنزين.

دعم المحروقات

وأكد مدبولي أن الدولة لا تزال تتحمل الجزء الأكبر من أعباء ارتفاع أسعار المحروقات، لافتًا إلى أن متوسط تكلفة لتر السولار على الدولة خلال الـ3 شهور الأخيرة عقب الزيادات المدفوعة بالحرب الروسية الأوكرانية وصلت لـ11 جنيها، في حين يتم ببيعه بـ6.75 أي أن الدولة تتحمل نحو 4.25 جنيه دعم للتر الواحد، ما يعني أن فى ميزانية الدولة في آخر 3 أشهر 178 مليون جنيه يوميا تكلفة دعم أسعار المحروقات.

وتابع رئيس مجلس الوزراء أن مصر تستهلك يوميا نحو 42 مليون لتر، أي مليار وربع لتر شهريا و15 مليار لتر سنويا. مؤكدًا أن القيمة الإجمالية لدعم المحروقات بلغت 160 مليار جنيه سنويا.

وأكد أن مصر دولة مستوردة للمواد البترولية بإجمالي 100 مليون برميل سنويا، وهو رقم كبير للغاية وموازنة 2021/2022 كانت الموازنة وضعت سعر البرميل 60 دولار وكان هو السعر السائد في ذلك الوقت، موضحا أنه بنهاية 2022 لم يعد هناك دعم للمواد البترولية ويتم تسعير السولار مع البنزين.

وتابع أن  تحريك أسعار الوقود طبقا للجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية تضمن زيادة أسعار السولار لأول مرة منذ 30 شهر، موضحا أن الحكومة جزء لا يتجزأ من الشعب وحريصة على التواجد وسط جموع المواطنين.

وأضاف أن الحكومة تعمل علي مجابهة التحديات غير المسبوقة وكتب التاريخ كلها ستذكر هذه الأزمات الاستثنائية التي يمر بها العالم أجمع.

ولفت رئيس مجلس الوزراء إلى أن الزيادة المقررة أمس، لا تعني رفع الدعم بشكل نهائي، كما كان مقررا، إنما جاءت لتقليل الدعم من 178 مليون جنيه يوميا لنحو 157 مليونًا يوميا.

أزمات عالمية

وأعاد مدبولي الأزمة الاقتصادية التي واجهتها بلاده إلى ما يعانيه العالم تداعيات كبيرة جدًا بسبب الأزمة الروسية- الأوكرانية، وإلى موجات التضخم غير المسبوقة التي يواجهها العالم اليوم، مؤكدًا أن هذه هي أعلى وأضخم موجة تضخم تواجهها دول العالم منذ أكثر من 50 عامًا.

وأضاف مدبولي، أن الحكومة حريصة دائمًا على توضيح الحقائق ليعلم المواطنون كيف تتحرك الدولة المصرية لدعم وحماية المواطنين، فضلا عن توضيح رؤية الدولة المصرية للتعامل مع هذه الأزمة غير المسبوقة.

وفيما يتعلق بزيادة أسعار المنتجات البترولية، خاصة السولار، أوضح رئيس الوزراء أن مصر دولة مستوردة للمنتجات البترولية كصافي، وأن مصر لديها جزء تنتجه وتصدره، ولكن أيضًا تستورد الجزء الأكبر من احتياجاتها بإجمالي 100 مليون برميل سنويا.

ولفت إلى أن موازنة عام (2021- 2022) كانت موضوعة على أساس أن سعر البرميل من البترول 60 دولارًا، وهذا كان السعر السائد الموجود على مدار الفترة السابقة وقت وضع الموازنة وهو السعر التقريري الموجود والمرشح للاستمرار خلال العام المالي المنتهي.

وتابع: منذ بدء الإصلاح الاقتصادي وتطبيق آلية التسعيرالتلقائي، نجحت الحكومة بنهاية 2020 وبدايات 2021 في إلغاء الدعم للمنتجات البترولية بخلاف أنبوبة البوتاجاز التي تحصل على دعم كبير من الدولة، وستستمر في الحصول على هذا الدعم بصورة كبيرة جدًا، مضيفًا أن الحكومة وصلت بنهاية 2020 إلى عدم وجود دعم للمنتجات البترولية، وكانت الحكومة تسعَّر كل أنواع البنزين مع السولار بمعنى أن الحكومة تسعر السولار بالرقم الموجود قبل زيادة الأسعار وهو 6.75 جنيه، وهو أقل من قيمته الفعلية، ولكن عندما يتم تجميع أسعار كل المواد البترولية، يتم تغطية القيمة كاملة والدولة كانت لا تتحمل أي دعم، ولكن هذا كان في ظروف أن سعر البرميل 60 دولارًا.

الزيادة الثانية

وكانت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في مصر قررت أمس الأربعاء، رفع سعر الوقود للمرة الثانية خلال العام الجاري، ما أدى إلى ارتفاع تعريفة استخدام وسائل المواصلات الجماعية والفردية.

وجاءت الزيادة الجديدة بقيمة 50 قرش على كافة منتجات البنزين.

وبحسب البيان، رفعت اللجنة سعر البنزين 92 بقيمة 50 قرشا للتر، ليصل إلى 9.25 جنيه بدلاً من 8.75 جنيه، كما زاد سعر البنزين 80 إلى 8 جنيهات بدلاً من 7.50 جنيه.

وزاد سعر السولار بقيمة 50 قرشا للتر، ليصل إلى 7.25 جنيه بدلاً من 6.75 جنيه.

كما تم زيادة سعر طن المازوت المورد لجميع الصناعات 400 جنيه / طن ليصبح سعر الطن 5000 جنيه / طن مع ثبات أسعار المازوت المورد للصناعات الغذائية والكهرباء فقط.

وكانت الحكومة بدأت في عام 2019 تطبيق آلية للتسعير التلقائي على عدد من المنتجات البترولية، بعد تحرير أسعارها ضمن برنامج نفذته للتخلص من دعم هذه المنتجات بشكل تدريجي.

وتتضمن هذه الآلية مراجعة أسعار المنتجات البترولية كل 3 أشهر، من خلال لجنة مشكلة بقرار من رئيس الوزراء، وبناءً على تطورات الأسعار العالمية للبترول «متوسط سعر خام برنت خلال الربع السابق للقرار» وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، على ألا تتجاوز نسبة الزيادة أو الخفض 10٪ كحد أقصى.

ويأتي تحرير سعر الوقود في إطار برنامج إصلاح اقتصادي تنفذه الحكومة المصرية جاء كشرط لحصول مصر على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، بدأ بتحرير سعر الجنيه المصري وشمل إلغاء الدعم عن الوقود والكهرباء.

وخلال العام الماضي، رفعت الحكومة أسعار البنزين 3 مرات بقيمة 25 قرشا للتر في كل مرة خلال أشهر أبريل/ نيسان، ويوليو/ تموز، وأكتوبر/ تشرين الأول 2021، بينما أبقت على سعر لتر السولار دون تغيير.

مفاوضات مع صندوق النقد

وجاء إعلان الزيادة في أسعار المحروقات، بعد أسبوع  من مغادرة بعثة صندوق النقد الدولي القاهرة.

رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر، سيلين ألارد، كانت قالت الأسبوع الماضي، إن خبراء «الصندوق» والحكومة المصرية عقدا، على مدار أسبوعين تقريبًا، مناقشات مثمرة حول السياسات والإصلاحات الاقتصادية المُزمع دعمها من خلال اتفاق على قرض جديد، في حين صرح المتحدث باسم الحكومة المصرية، نادر سعد، بأن المشاورات بين الجانبين ستستمر خلال الأسابيع القادمة للتوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء، ثم تقديمه للموافقة النهائية من قِبل مجلس إدارة الصندوق.

وفي 2020، اقترضت مصر 5.2 مليار دولار، بعد تفجر أزمة كورونا، عبر آلية الاستعداد الائتماني، والتي لا تتجاوز مدة السداد المُتاحة فيها خمس سنوات.

قرار رفع أسعار الوقود الأخير، واجه موجة انتقادات ورفض واسعة، وقال الخبير الاقتصادي أحمد سيد النجار: عندما يكون تسعير السلعة بيد الحكومة المسؤولة اجتماعيا فإنها لا ترفع السعر لمجرد أن السعر ارتفع في الأسواق الدولية تحت دعوى أخذ عائد الفرصة البديلة في الاعتبار، بل تنظر لقدرة الشرائح المختلفة من المستهلكين على تحمل أي زيادة في الأسعار.

معدل الأجور

وأضاف: كان على الحكومة أن تنظر كذلك لحركة الأجور لأنه عندما ترتفع أسعار الطاقة، ترتفع أسعار كل السلع والخدمات التي تدخل كمكون فيها، ولا يصح في هذه الحالة أن تظل الأجور ثابتة، وهي المقابل لخدمة العمل التي يقدمها الإنسان وكأن كل السلع والخدمات ترتفع أسعارها بينما يبقى الإنسان وخدماته (العمل) ثابتا أو رخيصا. فإذا لم ترتفع الأجور والمعاشات فإن أي ارتفاع في الأسعار يسببه ارتفاع أسعار مواد الطاقة يعني تدهور القدرة الشرائية للأجور والمعاشات وانزلاق جزء من الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى إلى مصاف الفقراء وزيادة الفقراء فقرا.

وزاد: يعني لا يصح أن ننظر في تسعير السلع إلى السوق الدولية بينما سعر خدمة العمل التي يقدمها الإنسان أي الأجور لا علاقة له من قريب أو بعيد بسعر الخدمة المناظرة في الدول الغنية أو المتوسطة الدخل المناظرة لنا. وهذا الأمر منطقي اقتصاديا واجتماعيا إذا كانت هذه السلعة تنتج في السوق المحلية وتكلفة إنتاجها أقل كثيرا من الأسعار في السوق العالمية.

وتابع: وبالنسبة للبنزين والسولار وهي منتجات بترولية تشير البيانات الرسمية إلى أن الصادرات البترولية المصرية بلغت قيمتها نحو 8597 مليون دولار عام 2020/2021، وبلغت قيمة الواردات البترولية في العام نفسه نحو 8604 مليون دولار، بما يعني أن هناك تعادلاً تقريبًا بين الصادرات والواردات، بما يعني أن المنتجات البترولية ينطبق عليها صفة المنتج المحلي، ومثلما وضعت الدولة شرائح متدرجة الأسعار لاستهلاك الكهرباء، فإن عليها أن تضع شرائح متدرجة لأسعار مواد الطاقة حتى يستطيع العمال والموظفون الذهاب لأعمالهم وحتى لا نصل للحظة تكون فيها تكلفة الذهاب للعمل مع بعض التكاليف المرتبطة به أعلى من العائد منه فيتوقف دولاب العمل والحياة، فضلا عن تراجع أو توقف التواصل الاجتماعي الذي يتطلب الحركة والسفر.

وأضاف النجار: أما الآلية لتحقيق ذلك فهي العودة لفكرة كروت البنزين والسولار التي تسمح بشراء كمية محددة في الكارت شهريا أو سنويا بسعر معتدل، ويمكن حساب تلك الكمية على أساس الحد الأدنى الضروري للانتقال بالسيارة للعمل والعودة منه والقيام بالأمور الحياتية الضرورية، وإذا زاد الاستهلاك عنها ونفد الرصيد من الكارت يتم تطبيق السعر الأعلى المرتبط بعائد الفرصة البديلة والأسعار العالمية. ولا يجوز لمن يمتلك أكثر من سيارة أن يستفيد من هذا النظام.

واختتم:  حتى الأسرة المكونة من أب وأم عاملين وأبناء قصر فيمكن أن يطبق النظام على سيارتين مع تخفيض الكمية لكل منهما باعتبار أن الأمور الحياتية تتم بشكل مشترك حتى لو ذهب كل منهما للعمل منفردا. ويجب على الدولة أن تدرك أنها مسؤولة اجتماعيا، وعليها أن تقيم العدل قبل أن تكون تاجرا في أي سلعة، وبخاصة في المواد البترولية التي تؤثر الحركة في أسعارها على أسعار كل السلع والخدمات وعلى مستويات معيشة وستر وفقر مواطنيها.

إلى ذلك، أعلن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي رفضه الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود.

 وقال الحزب، في بيان، إن الزيارة تأتي في وقت يعاني فيه المواطنون من غلاء شديد في أسعار كافة السلع، بما يعد استمرارا لسياسات تفتقد إلى ترتيب أولويات الإنفاق وأساسيات التنمية المستدامة.

عبء الديون

وتابع الحزب: معظم المشروعات التي قامت وتقوم بها الحكومة ذات تكلفة عالية جدا وعائدها المحتمل طويل المدى وتمولها بقروض قصيرة المدى نسبيا، بما يضاعف عبء الديون على الميزانية، وتضطر لرفع الدعم عن السلع الأساسية، مما يتسبب في زيادة كافة الأسعار فيتحمل المواطن الفقير عبء الغلاء دون سياسات حماية اجتماعية حقيقية.

وأضاف: في ذات الوقت لايزال الاستثمار في مصر مكبلاً بالعوائق البيروقراطية، والتربص من عدد متشابك من الأجهزة الرقابية، وبطء إجراءات التقاضي، وتقلب سياسات الضرائب والرسوم والجمارك، وعدم تنافسية تؤدي في النهاية لهروب الاستثمارات أو توقف بعضها.

وزاد: إذا كانت زيادة أسعار الوقود في هذا الوقت تواكب الزيادة العالمية، فإن زيادة أسعار الوقود تزيد من أعباء التضخم وارتفاع الأسعار على المواطنين، مما يثقل كاهل الأغلبية العظمى من أفراد الشعب والضغط على فئات أخرى للدخول في منطقة خط الفقر.

وقال البيان: الحكومة كانت قد استفادت بشكل كبير من انخفاض أسعار البترول الخام أثناء أزمة كوفيد ١٩ وقد بلغ وقتها سعر برميل البترول ١٨ دولار، ومع ذلك لم تقم لجنة التسعير الحكومية بعكس هذا الانخفاض على مصلحة المواطن، وبالتالي لا يجب أن يتحمل المواطن زيادات الأسعار عند ارتفاع سعر برميل البترول، ولا يستفيد في حالة انخفاض السعر.

وتابع: يطالب الحزب بإعادة ترتيب أولويات الموازنة العامة للعام الحالي 2022- 2023، بحيث يتم زيادة مخصصات الحماية الاجتماعية، ومنها مخصصات الدعم السلعي وأسعار الوقود، ومن شأن هذا تخفيف آثار التضخم ومحاولة السيطرة على آثار الأزمة الاقتصادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية