مشكلة «حلايب» و«شلاتين»بين مصر والسودان

ظل المواطنون يتطلعون – خلال زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى مصر -إلى بحث الموضوع الذي ظل يثير كثيرا من الخلافات بين البلدين وهو موضوع «حلايب»، الذي أصبح مشكلة تؤرق العلاقات بين النظامين
وكما هو معروف فإن منطقة «حلايب» تشتمل أيضا على منطقتي «أبي رماد» و»شلاتين» اللتين هما أيضا جزء من الخلاف.
وينتمي معظم سكان هاتين المنطقتين إلى «اثنية» واحدة وهي اثنية :البجا»
وقد بدأ الخلاف بين مصر والسودان حول منطقة «حلايب» بعد رسم الحدود التي وضعتها «مصر» و»بريطانيا» في عام 1899. وتلك بداية الحكم الثنائي في السودان، وبعد ثلاثة أعوام من ذلك التحديد قررت السلطة البريطانية أن يكون مثلث «حلايب» تابعا للسودان، لأنه أقرب في طبيعته السكانية إليه.
وكان الرئيس «جمال عبد الناصر» قد قام في عام 1958 بإرسال قوات إلى مثلث «حلايب» ولكنه تراجع عن ذلك، وقام بسحبها بعد أن احتجت حكومة الخرطوم .
وبرزت مشكلة «حلايب» بصورة قوية عام 1992 عندما اعترضت الحكومة المصرية على إعطاء حقوق التنقيب عن البترول في المنطقة لشركة كندية، ولكن الشركة لم تواصل العمل بعد أن قررت الانسحاب حتى يتم الاتفاق بين البلدين.
وفي عام 1994 أرسلت حكومة السودان مذكرة إلى مجلس الأمن، وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي. وقالت الحكومة السودانية إن الحكومة المصرية شنت تسعا وثلاثين غارة على الحدود السودانية .
وكان الرئيس حسني مبارك قد رفض في عام 1995 مشاركة الحكومة المصرية في اجتماع وزراء خارجية الدول الأفريقية لبحث مسألة الخلافات الحدودية، خاصة بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها عندما توجه إلى قمة «أديس أبابا». وكانت الحكومة المصرية قد اتهمت نظيرتها السودانية بتدبير تلك المؤامرة، وهكذا قام الرئيس حسني مبارك بمحاصرة وطرد القوات السودانية من منطقة «حلايب». وفرضت الحكومة المصرية إدارتها الكاملة على المنطقة.
وحاولت السلطات المصرية كذلك إغلاق مركز التجارة السودانية المصرية في شلاتين، كما فرضت القوات المصرية سيطرتها على حلايب منذ عام ألفين ـ ولكن الحكومة السودانية لم تعترف بذلك، وعلى الرغم من أن الحكومة السودانية سحبت جميع قواتها من المنطقة، فقد أعلنت أنها لم تتخل عن حقوقها فيها ؟
وحدث تطور مهم في تلك الفترة عندما قام مؤتمر «البجا» في ولاية البحر الأحمر بتوقيع مذكرة طالب فيها بإرجاع إدارة المنطقة إلى السودان، وقد أكد المؤتمر أن أصول سكان المنطقة هي في الأساس سودانية.
وفي عام ألفين وعشرة، اعتمدت منطقة حلايب كدائرة انتخابية من دوائر ولاية البحر الأحمر، وبالتالي أصبح من حق مواطني حلايب التصويت في الانتخابات السودانية بصفتهم مواطنين سودانيين.
وقام الرئيس السوداني بالتأكيد على سودانية حلايب، كما قام نائب الرئيس السوداني «موسى محمد أحمد» بزيارة المنطقة للتأكيد على سودانيتها .
وأغضب ذلك مصر التي قالت على لسان وزير خارجيتها «أحمد أبوالغيط» إن الحدود الجنوبية لمصر معروفة، وهي خط عرض 22. وقد أقدمت الحكومة المصرية في عام 2010 باعتقال السيد «محمد هساي» رئيس مجلس حلايب وهو منتم إلى قبيلة البشاريين، وقد توفي في أحد مستشفيات القاهرة بعد أن اعتقل لمدة عامين بسبب معارضته للسيطرة المصرية على منطقة حلايب
وكانت هناك أعداد أخرى من المعتقلين طالبت قبائل «البشاريين» بالإفراج عنهم، ولكن مصر ظلت مصرة على موقفها، وفي عام 2011 أجريت الانتخابات المصرية، وقد حملت صناديق الاقتراع إلى الغردقة لفرزها هناك.
وعندما زار الرئيس «محمد مرسي» السودان في عام 3013، تجدد الجدل حول مثلث «حلايب»، وعندها قال نائب الرئيس السوداني إن الرئيس «مرسي» وعد بإعادة وضع حلايب إلى ما كان عليه عام 1995، ولكن الرئاسة المصرية نفت ذلك. وقد زار رئيس أركان القوات المصرية «صدقي صبحي «السودان في عام 2013، وأبلغ الحكومة السودانية أن منطقة حلايب أرض مصرية..
وفي عام 2014قالت تقارير صحافية إن قوة مشاة البحرية السودانية قامت باستبدال القوة المرابطة في حلايب.وقال «محمد طاهر آبلا»، والي ولاية البحر الأحمر ،أن وجود القوات السودانية في منطقة حلايب يؤكد دور هذه القوات في حماية أرض الوطن. لكن مصادر مصرية قالت إن القوات السودانية في مثلث حلايب وشلاتين موجودة منذ عام 1948 وأن استبدالها بقوة أخرى تم بموافقة الحكومة المصرية، وهو ليس دليلا على شيء جديد، وإنما هو تم وفق الاتفاقات الموقعة بين البلدين.
وإذا نظرنا إلى كل ما ذكرناه ظننا أن هناك مشكلة بين دولتين بينهما حالة من العداوة، وهذا أمر غير صحيح لأننا إذا رجعنا بالتاريخ بضعة عقود، وجدنا أن السودان ومصر كانا يدعوان إلى وحدة كاملة بين البلدين، ولولا موقف الثورة المصرية من اللواء «محمد نجيب» السوداني الأصل لتحقق ذلك الهدف ولرأينا السودان ومصر يعيشان كدولة واحدة، وهي دولة لا تقوم على السيطرة بل تقوم على قوة الأواصر بين البلدين، ذلك أن معظم السودانيين يرون أن مصر هي وطنهم الثاني، وهكذا يرى المصريون السودان حيث صرح وزير الإعلام السوداني إن عدد المصريين الذين يعملون في السودان قد بلغ نصف المليون، ولا يعني ذلك أن المصريين أصبحوا ينافسون السودانيين في مصادر رزقهم بل يعني أن مصادر الرزق موجودة وعريضة وأن أقرب الذين يمكن أن يعملوا في السودان هم المصريون، ذلك أن طبيعة السودان لا تختلف كثيرا عن طبيعة مصر، وإذا ما عاش البلدان عصرا من الانفتاح فإن فائدة ذلك ستعود على الشعبين،وكل ما هومطلوب في هذه المرحلة هو استعادة روح الشعبين القديمة التي يمكن أن يتحقق من خلالها الكثير للشعبين.
وإذا عدنا إلى مسألة «حلايب» و»شلاتين» مرة أخرى فإننا نرى أفضل حل لهذه المشكلة، ليس هو تجاهلها – كما حدث خلال زيارة الرئيس السوداني الأخيرة لمصر – بل هو اجراء استفتاء في المنطقة يقرر فيه الشعب ما يريد ثم تحترم إرادة الشعب هذه، وهذا هو الأسلوب الحضاري الذي تتبعه الدول الحديثة، كما رأينا في استفتاء «اسكتلندا»، وكما سترى في استفتاءات كثيرة أخرى من أجل تجاوز مثل هذه المشكلات بسلام.

٭ كاتب من السودان

د. يوسف نور عوض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد ونس:

    وعندما زار الرئيس «محمد مرسي» السودان في عام 3013، تجدد الجدل حول مثلث «حلايب»، وعندها قال نائب الرئيس السوداني إن الرئيس «مرسي» وعد بإعادة وضع حلايب إلى ما كان عليه عام 1995

    لا يمكن تكذيب تقرير يستطيع قراءة المستقبل إلى 3013!!!

  2. يقول محمد ونس:

    I’ll try in the next few hundred years to moderate it. May be by then moderation would be introduced to the Middle East!

  3. يقول جوجو:

    يجب مواجهة المشاكل والعمل على حلها لأن تجاهلها لا يعني أنها ستختفي من تلقاء نفسها، وكلما تمت مواجهة هذه المشاكل رأسا كلما كان ذلك أفضل ولا يعني مواجهتها بالصدام بل بالسلمية و”سلميتنا أقوى من الرصاص”.

  4. يقول ياسر- مصر:

    الى د. يوسف نور عوض
    بارك الله فيك و فى قرائتك و تحليلك للمشهد , فأ نت رجل واعى ومهذب مثل كل الاخوه السودانيين الذين زاملت منهم الكثيرين فى جامعة المنصورة فكانوا مثال فى الادب و الاخلاق و كانوا نعم الاخوه و الاصدقاء , الف سلام وتحيه لك و لهم و لاهل السودان جميعا

إشترك في قائمتنا البريدية