متسوّلون سوريون في بيروت ضحايا شبكات اتّجار بالبشر

حجم الخط
2

بيروت ـ أصبح عبد الله وربيع صديقين عزيزين في الشوارع خلال قيامهام ببيع ورود اصطناعية ـ الوردة بدولارين ـ كل ليلة في مقهى مار مخايل في بيروت. عبدالله، ذو قامة قصيرة وممتلئة، يقول إنّه في سن العاشرة. أما ربيع فأطول وأنحف من صديقه، عمره لا يزيد عن  التسع سنوات. يؤكد الصبيّان أنّهما سوريّان من حلب، غادراها مع عائلتهما بسبب  الحرب. حتى أنّ ربيع يمازح باسمه، قائلاً: “إسمي بشار”، يقول، ليشرح لاحقاً أنّ هذه  مجرّد دعابة.

وفي تحقيق لموقع “WOW” تحدّث ربيع بلهجة سوريّة واضحة، ويعترف بأنّ لا والد له، وأنّه يعيش مع أمه في جونية، وأنّهم غادروا حلب قبل نحو شهرين. “توجد هناك حرب الآن”، يشرح. وهو يشتري الورود الاصطناعية من مخيّم صبرا للاّجئين في بيروت. حيث  يأخذه جاره أبو سمرا كل يوم سبت بسيارته، كما يقول.

أما لهجة عبدالله فلبنانية، لكنّ الصبي يقول إنّه في لبنان منذ عام، واليوم بات يتقن اللهجة اللبنانية. هو أيضاً يعيش في جونية مع والدته. “والدي على قيد الحياة، لكنّه في السجن منذ شهرين لأنّ الشرطة ألقت القبض عليّ وعلى ربيع ونحن نبيع الورود، وأوقفتنا مدة 15 يوماً في سجن الأحداث ومن ثم ساقوا والدي الى المحكمة وهو الآن في السجن”، يشرح الصبي.

عشرات الأطفال مثل عبد الله وربيع، فتياناً وفتيات، وكذلك عشرات النساء اللاتي يحملن أطفالهن، يتسوّلون في شوارع وسط بيروت، والحمرا، والروشة، والجميزة، ومار مخايل، المكتظة بالمطاعم والمقاهي والحانات والفنادق.

معظم النساء والأطفال الذين يتسوّلون في الحمرا والروشة يقولون إنّهم لاجئون فقراء من حلب، لكنّ سكان تلك المناطق مقتنعون أنّهم يشكّلون جزءاً من شبكة اتّجار بالبشر.

ويكّرر عاملو الإغاثة هذه الادّعاءات، ذاكرين وجود حلقات اتّجار بالبشر تقوم

باستغلال عوز ويأس اللاجئين الفقراء.

“باتت الحمرا دمشق مصغّرة”، يقول أحد السكّان وهو جالس على طاولة في أحد مقاهي الحمرا، رافعاً صوته. “أليس واضحاً ما يحدث؟ هناك شاب يتركهم في طرف الشارع في السادسة صباحاً ويعود ليقلّهم في الليل!”.

يشرح الرجل العجوز، معبِّراً عن غضبه من المتسوّلين الصغار. “بات من غير المحتمل الجلوس هنا. ينقضّون عليك في كل مكان”! يتذمّر قائلاً، في حين يهزّ باقي الزبائن برؤوسهم تعبيراً عن موافقتهم على أقواله.

في الشارع، ثمّة العديد من النساء اللواتي يحملن أطفالاً رضّعاً أو في مراحل المشي الأولى، بعضهنّ يجلسن على جانب الرصيف، وأخريات يتنقلّن من نافذة الى أخرى بين السيارات العالقة في زحمة السير. حميدة الأحمد هي المتسوّلة الوحيدة التي ترتدي النقاب في شارع الحمرا. تقول إنّها في الـ25 من العمر، وهي من حيّ الخرافيه في حلب، لديها 7 أطفال، وزوجها مريض ولا يستطيع العمل، وعليهم أن يدفعوا مبلغ 400$ شهرياً بدل إيجار شقة في حي السلّم، في الضاحية الجنوبية لبيروت. “غادرنا حلب قبل شهر. حيث دقّ الجيش السوري جرس الإنذار، وأعلن أنّهم سيخلوننا، فجمعونا في شاحنات وقادونا الى الحدود اللبنانية”، تخبرنا قصتها مصرّة على صحّتها، رغم صعوبة تصديقها.

شريفة، متسوّلة أخرى تقول إنّ عمرها 33 عاماً، تحمل مولوداً حديثاً لا يكفّ عن الحراك، وتنتقل به من نافذة سيارة الى أخرى في زحمة سير شارع الحمرا. توضح إنّها تحمل اسم عائلة الأحمد نفسها، وتخبر قصة حميدة نفسها، بأنّها قادمة من حلب، من الشيخ مقصود، ووصلت الى لبنان قبل شهرين، وأنّ الجيش السوري قام بإخلاء الحي الذي تقطنه، ووضع الناس في شاحنات وقادهم الى الحدود اللبنانية، كما أنّ زوجها مريض، وأنّهم يدفعون 500$ بدل إيجار شقة في النبعة، إحدى ضواحي بيروت. “نحن النساء اللواتي يتسوّلن هنا، نعرف بعضنا البعض. نأتي في مجموعات بإحدى سيارات الأجرة في صباح كل يوم ونتقاسم تكلفة النقل”، تقول.

كافة النساء اللاتي التقاهنّ موقع NOW أخبرن القصة نفسها مع اختلافات

طفيفة. غير أنّ زينب، 13 عاماً، التي تبيع أوراق اللوتو مع والدها، تقول إنّها من

التركمان، مثل معظم النساء الموجودات في الشارع. “نحن جميعاً من حلب، وجئنا الى هنا منذ شهرين. أخوتي وأخواتي يبيعون الحلوى على الطريق العام، في حين نبيع أنا ووالدي أوراق اللوتو هنا”، تقول. “يجب أن أجني 20$ يومياً وإلاّ لا أعود الى المنزل” يزلّ لسانها قائلة.

يقول العاملون في الإغاثة في لبنان إنه من الصعب التمييز بين اللاجئين الفقراء حقاً الذين تحوّلوا الى التسوّل لإعالة عائلاتهم، والشبكات التي تستغل وضع اللاجئين لجني المزيد من الأموال من خلال استغلال السوريين ضمن حلقات اتجار بالبشر.

وقد لفتت حالتا انتحار ومحاولة انتحار النظر الى الفقر الذي يواجهه اللاجئون السوريون في لبنان. حيث قام شاب سوري في التاسعة عشرة من العمر بإضرام النار بنفسه في ساحة بربور ليل الأحد الماضي بسبب مصاعبه المالية. وقام لاجئ

سوري آخر بشنق نفسه في كانون الثاني الماضي في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا للسبب نفسه.

من جهته، يشرح أمين مندو، الذي يرأس أحد مكاتب إغاثة اللاجئين السوريين في طرابلس، أن الوضع مختلف في شمال لبنان. “في بيروت، كل شيء باهظ الثمن وربما يصل الناس الى درجة اليأس الى حد الانتحار، لكن هنا يمكنك أن تبقى

على قيد الحياة. هنا المجتمع مضياف لا سيما في الشمال، والشخصيات الدينية تقوم كذلك بالمساعدة في الإغاثة” قال.

يحصل اللاجئون على قسيمة شراء تساوي تقريبا 30$ من وكالات الأمم المتحدة، في حين يدفع مجلس اللاجئين الدانمركي 60 في المئة من باقي نفقات 250 عائلة يتيمة الأب، كما يقول.

لكن مندو يشير كذلك الى أن “الكثير من التركمان أو البدو الذين كانوا هنا، حتى قبل الحرب، يدعّون بأنهم لاجئون سوريون لكي يتسولوا ويجنوا المال… ما من لاجئ سوري يقوم بذلك. اللاجئون، حتى إن كانوا يائسين، لن يتسولوا. المتاجرون بالبشر يستغلون هذه القضية لجني الأرباح.

هؤلاء المتسولون يعيشون قرب الحدود اللبنانية السورية وبهذه الطريقة يجنون المال.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ehsan sali:

    أرجوكم لا تخوفنا بإستخدام عبارة الإتجار بالبشر لأن ما يتبادر للأذهان هو تجارة الأعضاء البشرية أما ماذكرت هنا من العصابات التى تدير مهنة التسول فهذه معروفة لدينا و أعتقد أن فيلم المتسول لعادل إمام قد القى الضؤ على هذه المهنة المهينة، أقول لا تخيفونا لأننى أعيش فى أمريكا وتراودنى بشدة فكرة ترك الغربة والرجوع لأهلى ووطنى ولكنى حينما أقرأ مواضيع الإثارة هذه فأنى أبدل رأى وأضطربلإستمرار فى الغربة مكرهة.

  2. يقول أحمد:

    في غياب أي حل حقيقي يبقى من يدفع الثمن الأكبر هم الأطفال و النساء و المرضى أتمنى أن تتحرك ضمائرنا كبشر قبل كل شيء و نرحم من في الأرض كي يرحمنا من في السماء.

إشترك في قائمتنا البريدية