نواصل تقديم إقتراحاتنا الداعمة لمبادرة الأخ رئيس الوزراء الساعية «لتحصين» الفترة الإنتقالية. وكنا في مقالاتنا السابقة قد ناقشنا ثلاثة إقتراحات:
أولها أن تلتزم الحكومة وتتقيد بمبدأ المراجعة والتقويم في إطار ثلاثية المشاورة والشفافية والمساءلة، وأن تنشئ، في هذا السياق، آلية مناسبة يُخاطب بها رئيس الوزراء الناس بشكل منتظم، راتب ودوري.
الإقتراح الثاني أن يُسرع رئيس الوزراء بعقد مؤتمر مائدة مستديرة وفق المحاور المطروحة في المبادرة، للتوافق حول كيفية إنقاذ الوضع الراهن المأزوم، وحتى لا يتسلل الفشل إلى خلايا الفترة الإنتقالية، على أن يخلص المؤتمر إلى مقررات للتنفيذ، ولا ينتهي إلى مجرد أوراق وأطروحات تظل معلقة في الهواء.
أما الإقتراح الثالث، فهو إنشاء مكتب يتبع مباشرة لرئيس مجلس الوزراء، متخصص في رسم السياسات العامة ويساعد ويدعم الحكومة في عمليات إتخاذ القرارات على ضوء حيثيات علمية يوفرها المكتب. وقلنا إذا كان الإقتراحان الأول والثاني يخاطبان قضايا سياسية مباشرة، فإن الإقتراح الثالث يتناول قضايا عملياتية، تنفيذية وإدارية، ولكنها أيضا سياسية. وفي ذات المنحى يذهب الإقتراحان الرابع والخامس، واللذان يرتبطان إلى حد كبير مع الاقتراح الثالث، وثلاثتهما في تكامل.
معروف أن إنجاز أي عمل ما، يتطلب فعلا ثلاثي الأضلاع، وأضلاعه هي الخطة والتنفيذ والمتابعة. والأضلع الثلاثة هذه مترابطة جدليا في وحدة لا يمكن بدونها إنجاز أي فعل بنجاح. ومن هنا يدعو إقتراحنا الرابع بأن يشرف الأخ رئيس الوزراء على تفعيل آلية متابعة تنفيذ القرارات، سوى عبر إجتماعات مجلس الوزراء أو عبر الوحدات المتخصصة بمتابعة التنفيذ في أمانة مجلس الوزراء. وفي الحقيقة هذا ليس بإقتراح بقدر ما هو تنبيه إلى التمسك بأحد أركان العمل القيادي في مجلس الوزراء، والعمل الجاد لإكتشاف كل إمكانات الأمانة العامة للمجلس، والإستفادة القصوى منها. في العام 1954، ومع قيام أول حكومة وطنية، تم إنشاء أمانة مجلس الوزراء، كسكرتارية للمجلس، ولاحقا تطورت وتوسعت إختصاصاتها لتشمل، إضافة إلى القيام بأعمال السكرتارية العامة، توفير الدراسات والمعلومات، التنسيق بين أجهزة الحكومة الإتحادية وحكومات الولايات، وبين الأجهزة السيادية والتشريعية والتنفيذية، الرقابة ومتابعة تنفيذ القرارات والتكليفات، متابعة تنفيذ اتفاقات القروض والمنح، إبراز نشاط مجلس الوزراء إعلاميا..الخ. لكن في عهود الأنظمة الشمولية، تعرضت الأمانة للكثير من الإهمال والتشويه، وكانت معظم وظائفها تقوم بها جهات أخرى مسخّرة لخدمة الشمولية. ومعروف أنه في النظم الديمقراطية، وخاصة في الجمهوريات البرلمانية والتي يكون فيها المسؤول التنفيذي الأول هو رئيس مجلس الوزراء، كما هو حال بلادنا في الفترة الإنتقالية الراهنة، تكتسب أمانة مجلس الوزراء أهمية كبيرة، وتلعب دورا رئيسيا في زيادة كفاءة الأداء التنفيذي للدولة. لذلك، يتضمن إقتراحنا هذا أن يقود رئيس الوزراء ووزير شؤون مجلس الوزراء حملة لإصلاح الأمانة وعلاج ما أصابها من ترهل وركود.
في عهود الأنظمة الشمولية، تعرضت الأمانة للكثير من الإهمال والتشويه، وكانت معظم وظائفها تقوم بها جهات أخرى مسخّرة لخدمة الشمولية
ولتوضيح إقتراحنا، أو تنبيهنا، بتفعيل آلية متابعة التنفيذ، نقارن بين قرارات الإجتماعين المغلقين لمجلس الوزراء، واللذين عقدا خلال العام الجاري، وخصيصا لصياغة خطة عمل لتنفيذ أولويات الحكومة، ولمتابعة تنفيذ وتقويم الخطة والأداء. تضمنت قرارات الاجتماع المغلق الأول، أواخر فبراير/شباط 2021: تحقيق سيطرة الدولة على صادرات الذهب بتولي بنك السودان المركزي شراء الذهب بأسعار البورصة العالمية وتصديره، توفير الخدمات الأساسية، تمكين النساء في الشأن العام، إستكمال مشروعات الكهرباء والنفط، التوسع الأفقي والرأسي في الزراعة المطرية والمروية، تأهيل وتطوير ميناء بورتسودان، توفير الموارد اللازمة لتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان وفقا لمواقيته المتفق عليها، التوافق على استراتيجية أمنية وفق عقيدة وطنية خالصة للدفاع عن الوطن والنظام الدستوري بهدف تكوين جيش قومي مهني محترف وموحد وإصلاح جهازي المخابرات العامة والشرطة، إنشاء وتكملة جميع مفوضيات وهياكل السلطة الانتقالية، إطلاق عملية عدالة انتقالية شاملة، قيام المؤتمر القومي الدستوري، إجراء التعداد السكاني، إعداد قانون الانتخابات وتكوين مفوضيتها كأحد أهم استحقاقات الانتقال، برنامج مكافحة الفساد وتقرير مبدأ الشفافية، انشاء مفوضية مكافحة الفساد بعد اجازة القانون كأولوية. أما قرارات الاجتماع المغلق الثاني، يونيو/حزيران 2021، فجاء فيها: مصادرة وتسليم الذهب المهرب والعملات المصادرة لبنك السودان المركزي، توفير الموارد اللازمة لضمان تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان، وضمان تسليم المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية، ومعاجلة مشاكل شرق السودان بكل أبعادها بمشاركة كل الأطراف، تشكيل آلية وزارية لإجراء إصلاحات بجهاز المخابرات العامة، الانتهاء من إعداد مشروع قانون مفوضية الانتخابات ومفوضية صناعة الدستور ومشروع قانون مجلس القضاء العالي خلال شهر كحد أقصى، بيع العربات الحكومية الفائضة في مزاد علني لصالح القطاع الصحي…الخ. وبمقارنة سريعة بين قرارات الإجتماعين، نلاحظ أن بعضها تكرر في الاجتماع الثاني وكأنه يُطرح لأول مرة في حين أنها طُرحت في الإجتماع الأول، وكان من المفترض أن يناقش الاجتماع الثاني ما تم تنفيذه وما لم يتم ولماذا. ومثال لهذه القرارات: تحقيق سيطرة الدولة على صادرات الذهب عبر بنك السودان المركزي، توفير الموارد اللازمة لضمان تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان، إصلاح جهاز المخابرات العامة، إعداد قوانين المفوضيات وإنشاءها خاصة مفوضيات صناعة الدستور والإنتخابات والفساد…الخ. وهكذا، بدون تفعيل آلية التنفيذ والمتابعة، وبدون الاشراف والمتابعة القيادية من مجلس الوزراء، ستظل القرارات حبيسة محاضر الإجتماعات دون تنفيذ.
الإقتراح الخامس، وهو تنبيه أيضا، بأن يكون المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي ضمن أهم أولويات إهتمامات الحكومة الإنتقالية، ونحمد للأخ خالد عمر، وزير شؤون مجلس الوزراء، تأكيده لذلك إبان زيارته التفقدية للمجلس، مارس/آذار 2021، وذلك لإعتبارات مفهومة ومعروفة تتعلق بأهداف المجلس ودوره في رسم سياسات الدولة وخططها وبرامجها الإستراتيجية، والمتعلقة بالمشروع الوطني، استدامة السلام، تعزيز المواطنة والهوية السودانية، التنمية المستدامة، خفض الفقر وتحقيق أهداف الألفية، الحكم الراشد وسيادة القانون، البناء المؤسسي، البحث العلمي…الخ، ونواصل المقترحات.
كاتب سوداني