ليبيا: ملف مقابر ترهونة الجماعية يعود للواجهة وحكماء وأعيان يطالبون بتوسيع توقيف المتهمين 

نسرين سليمان
حجم الخط
0

طرابلس – «القدس العربي»: رغم مضي سنوات على ارتكاب ميليشيا الكانيات الداعمة لقوات حفتر مجازر في مدينة ترهونة الليبية، فإن ملفها لم يغلق حتى الآن حيث تتصاعد المطالبات بتوسيع دائرة التحقيق والقبض ليشمل شخصيات أوسع.
وفي السياق، وجه المجلس الأعلى لحكماء وأعيان ليبيا، السبت، حزمة مطالب من المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية ومكتب النائب العام بشأن ضحايا المقابر الجماعية في ترهونة، تشمل إطلاق مذكرات توقيف ضد المتهمين والمتورطين في الأعمال الإجرامية، والإسراع في استكمال التحقيقات مع المقبوض عليهم، وإحالتهم إلى المحاكمة المختصة.
جاء ذلك عقب جلسة طارئة لعدد من أعضاء المجلس، ممثلاً في النائب الأول والمقرر العام وعدد من المجالس الفرعية في مدينة ترهونة بحضور عدد من أعضاء رابطة ضحايا ترهونة، وعدد من أعيان المدينة. وقرر المجلس، في بيان مصور، تشكيل فريق عمل برئاسته وعضوية أعضاء رابطة ضحايا ترهونة، للتواصل مع الجهات الحكومية والهيئة العامة للبحث عن المفقودين، لتتمكن من أداء مهامها في أسرع وقت ممكن.
وطالب المجلس الأعلى لحكماء وأعيان ليبيا “الجهات المختصة بإطلاق مذكرات توقيف ضد المتهمين والمتورطين في الأعمال الإجرامية، والإسراع في استكمال التحقيقات مع المقبوض عليهم، وإحالتهم إلى المحاكمة المختصة، وتنفيذ الأحكام علنا”.
وحث البيان على اعتبار كل الوفيات على يد ميليشيات الكاني شهداء، وضمهم لهيئة رعاية أسر الشهداء والمفقودين، وتعويض المتضررين من الأعمال الإجرامية عن ممتلكاتهم ومنازلهم، وضمهم إلى صفوف إعمار جنوب طرابلس. وحض البيان المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية ومكتب النائب العام على الاستجابة العاجلة لهذه المطالب، والعمل على توقيف المتورطين في هذه الجرائم البشعة والمحرضين عليها، والمنخرطين في مرافق الدولة، وعزلهم من وظائفهم. وتجري المحكمة الجنائية الدولية منذ عامين تحقيقات في الانتهاكات الجسيمة التي شهدتها مدينة ترهونة، التي كان أبرزها اكتشاف مقابر جماعية بمناطق عدة في المدينة منذ تموز/يوليو 2020 عقب انسحاب قوات حفتر من المدينة. وقبل أيام، بحث النائب العام المستشار الصديق الصور، مع وفد من المحكمة الجنائية الدولية تطورات التحقيق الذي تجريه المحكمة في قضية الانتهاكات الجسيمة التي شهدتها مدينة ترهونة خلال السنوات الماضية. والتقى الصور، نائبة المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية، وعدداً من مساعديه، بحضور منسق ليبيا لدى المحكمة، بحسب ما أعلنه مكتب النائب العام مساء الجمعة.
وأوضح مكتب النائب العام أن اللقاء تناول تطورات أبحاث مكتب المدعي العام لدى المحكمة حيال الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في مدينة ترهونة من منظور مفهوم التكامل بين القضاءين الوطني والدولي، ومقدرة الادعاء العام الوطني على ملاحقة مرتكبي الانتهاكات ومنع إفلاتهم من الملاحقة القضائية.
وفي 5 كانون الثاني/يناير الماضي، أعلن النائب العام، المستشار الصديق الصور، وجود 51 متهماً، منهم أجنبيان و49 ليبياً، في الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيقات بقضايا المقابر الجماعية المكتشفة في ترهونة، فضلاً عن إصدار تسع نشرات حمراء بحق متهمين موجودين في السعودية والإمارات ومصر وتونس. وخلال السنوات الثلاث، تلقت النيابة العامة 521 بلاغًا بخصوص القضية، أحالت منها 194 بلاغاً، ولا يزال 327 بلاغا ًقيد التحقيق. بينما بلغ عدد القرارات القاضية برفع الدعاوي إلى محكمة الجنايات 165، وإلى المحاكم الجزئية 12، وجرى حفظ 17 دعوى.
وفي نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ناشدت عائلات ضحايا عمليات القتل التي ارتكبت بين العامين 2019-2020 في ترهونة، المجتمع الدولي إلى تحقيق العدالة لمئات من الضحايا الذين راحوا إزاء حرب طرابلس في تلك الفترة. وسلطت جريدة لوموند الفرنسية الضوء على هذه القضية، حيث يطالب سكان مدينة ترهونة الواقعة على بعد نحو 90 كيلومتراً جنوب طرابلس بضرورة تحقيق العدالة وذلك من خلال معاقبة مرتكبي تلك المجازر. وقالت الجريدة الفرنسية إن ترهونة من بين العديد من المدن الليبية التي كانت مسرحاً لجرائم حرب لمدة اثني عشر عاماً، في بلد يمر بمرحلة انتقالية لا تنتهي أبداً تجمع بين تحالفات مشكوك فيها مع قوى أجنبية مختلفة، وحكم الميليشيات التي توصف بالقوية، إذ كان سكان مدنيون ضحايا لها دائماً.
وأضافت: “في ظل غياب العدالة والإفلات التام من العقاب الذي اتسمت به حقبة ما بعد القذافي، فإن دورات العنف يتبع بعضها بعضاً وتستمر، وكأنها ثأر بلا هدف لا نهاية له”.
وحسب التقرير الفرنسي، بسطت ميليشيا الإخوة الكاني الكانيات، نفوذها تدريجياً بعد العام 2011 إلى جميع مناطق مدينة ترهونة، ما أدى إلى إنشاء نوع من الدكتاتورية ودولة مصغرة تتمتع بالحكم الذاتي مع شرطتها الخاصة ونظام سجونها وسلطتها القضائية واقتصادها الموازي.
وفقط بعد فشل محاولة السيطرة على طرابلس في العام 2020، اكتشفت قوات عملية بركان الغضب في ترهونة أولى المقابر الجماعية التي تحتوي على جثث مئات الأشخاص، معظمهم من المدنيين.
وكانت الجثث تحمل آثار تعذيب، حيث الأيدي مقيدة والرصاص في الرأس وفي أنحاء متفرقة من الجثث. وعثر على رفات أطفال ونساء وعائلات بأكملها ملقاة، وفي كثير من الأحيان جرى دفن الضحايا على قيد الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية