لوموند: إسرائيل غير قادرة على اقتراح مرحلة انتقالية لأنها تعارض بشكل قاطع تصور ”اليوم التالي” في غزة

حجم الخط
0

باريس- “القدس العربي”:

قال جيل باري الكاتب في صحيفة “لوموند” الفرنسية، إنه كلما مرت الأيام، كلما اتضح التشابه بين رد فعل الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر 2001، ورد فعل إسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023. فبعد استخدام القوة إلى درجة غير معقولة، والتي أسفرت عن خسائر بشرية فادحة في غزة، يأتي وقت الفوضى، بسبب عدم توقع “اليوم قبل واليوم التالي” أي الانتقال نحو هدف سياسي.

ففي العراق وأفغانستان، كانت الولايات المتحدة على الأقل تتمتع بميزة وجود مشروع: فرض الديمقراطية من أعلى، حتى لو تم تحطيمها في وقت قياسي في مواجهة واقع أكثر تعقيداً بكثير من ذلك الذي تصوره الاستراتيجيون في غرفة المحافظين الجدد.

أما في غزة، وهي المنطقة التي من المفترض أن تعرف الحد الأدنى منها، تُظهر إسرائيل الآن إهمالها، إلى حد زعزعة حكومة الحرب التي تم تشكيلها بعد أكبر مذبحة للمدنيين وأكبر عملية أسر رهائن في تاريخ الدولة العبرية، وفق قول الكاتب، موضحاً أن ذلك يتجلى في المعارك التي اضطر الجيش الإسرائيلي إلى خوضها لعدة أسابيع في شمال القطاع، وهو بالضبط المكان الذي تمركز فيه خلال الأشهر الأولى من هجومه المدمر.

ورأى جيل باري أن ما وصفها بحرب العصابات المستمرة هذه، والتي تشكل عودة إلى الأساسيات -حيث ولدت حماس تحت الاحتلال الإسرائيلي- تضع في الاعتبار بشكل فريد حجة الحكومة الإسرائيلية القائلة بأن القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في رفح، المدينة الأخيرة التي نجت حتى الآن من العقاب، من شأنه أن يسمح بتحقيق “نصر كامل” ضد حركة  حماس.

التفكير في “اليوم التالي”

مضى جيل باري قائلا إنه ما يزال من الممكن تجنب “صوملة” (نسبة إلى الصومال) قطاع غزة الذي يعاني من الفوضى والعنف الدائم، وذلك بشرط البدء بملاحظة واحدة: إذا كانت إسرائيل غير قادرة على اقتراح عملية انتقالية، فذلك لأن الدولة العبرية تعارض بشكل قاطع تخيل “اليوم التالي” للحرب بمنظور سياسي. وأن “اليوم التالي” يجب أن يقتصر على مفاوضات لا نهاية لها حول حجم المساعدات الإنسانية المسموح بدخولها إلى غزة، أو استخدام أصغر كيس إسمنت في المهمة العبثية لإعادة إعمار القطاع الفلسطيني.

ومع ذلك، يضيف الكاتب، أنه ينبغي بذل كل الجهود الدولية لتجنب الوقوع مرة أخرى في الشق المحفور منذ مفاوضات السلام الأخيرة قبل أكثر من عشر سنوات، والتي رأينا ما جلبته للإسرائيليين والفلسطينيين.

كما ينبغي استخلاص الدروس من فشل عملية أوسلو، التي لم تُذكر نهايتها صراحةً في الاعتراف المتبادل بإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. ويدعو للاعتراف المسبق بالدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل. وهذا من شأنه أن يشكل هزيمة أكبر بكثير لحماس من تلك التي تحاول إسرائيل تحقيقها بالقوة، وفق جيل باري.

ويذكر آخرون، ولا سيما في مجلة “فورين أفيرز”، تفعيل نظام الوصاية التابع للأمم المتحدة على الأراضي التي تم احتلالها بالقوة في عام 1967. فخلال قمة جامعة الدول العربية الأخيرة في البحرين، في 16 مايو الجاري، طُرحت فكرة إنشاء قوة تدخل تحت إشراف الأمم المتحدة. كما تم طرح التفويض، فضلاً عن تنظيم مؤتمر دولي جديد، لكنها فشلت في إقناع الولايات المتحدة بأهمية الخطة التي تحدد أيضا في مبادئها إنشاء دولة فلسطينية داخل حدود عام 1967.

فالعائق الرئيسي أمام هذه المبادرات ليس في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بل في البيت الأبيض، يقول الكاتب، موضحا أننا سنكتفي بالعودة إلى 6 أكتوبر 2023. فالرئيس الأميركي جو بايدن يقف باستمرار عند النأي بنفسه عن دور الحكم المحايد مهما كانت حالة علاقاته مع نتنياهو والصرخات العالية التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما سمح بامتناع واشنطن عن التصويت في نهاية مارس الماضي، على قرار في الأمم المتحدة يطالب بـ”وقف فوري لإطلاق النار” في غزة، أو عندما علقت الولايات المتحدة تسليم قنابل إلى حليفتها إسرائيل في بداية شهر مايو الجاري.

أكثر من عقد ضائع من الزمن

مع ذلك يتابع الكاتب القول إنه جو بايدن سيكون هو الوحيد الذي من المرجح أن يحقق نتائج. فمن خلال استقبالها ظاهريا في شهر مارس الماضي في واشنطن، لأحد منافسي زعيم الليكود، بيني غانتس، بدلاً من نتنياهو لاحتمال قيام دولة فلسطينية، أشارت الإدارة الأمريكية أيضا إلى أن مشكلتها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وليست الإدارة الأمريكية هي المسؤولة الوحيدة، حيث يستطيع الأوروبيون الذين يساهمون بشكل كبير في دعم السلطة الفلسطينية أن يظهروا قلقهم من الكارثة المستمرة بخلاف البيانات الصحافية التي لا يقرؤها أحد، بحسب الكاتب، لو كان ذلك فقط من خلال اشتراط هذا الدعم الأساسي للسلطة بإجراء انتخابات تجعل من الممكن حل أكثر من عقد ضائع، أو حتى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بدلاً من انتظار وصول حماس في نهاية المطاف إلى السلطة بسبب عدم وجود حل آخر.

خلال هذه السنوات العشر، استسلم الجميع لإطلاق العنان لإسرائيل في كل حروبها على غزة. وكانت النتيجة تحجّر السلطة الفلسطينية، وتعزيز قوة حماس عسكريا، وقبضتها الحديدية المتزايدة باستمرار على قطاع غزة، واستمرار الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وصعود اليمين المتطرف الموجود الآن بقوة في مؤسسات الدولة العبرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية