لماذا لن يجتاح الجيش الإسرائيلي رفح؟

منذ أكثر من شهرين ونتنياهو يصرح صباح مساء عن عزمه على الهجوم على رفح، رابطا فكرة الانتصار في حربه على قطاع غزة بهذا الهجوم، كونه مرتبطا بمستقبله السياسي.. ومن الملاحظ أن وتيرة تهديداته بشأن غزو رفح، تزداد قبل البدء بجولة مفاوضات جديدة بشأن التوصل لهدن إنسانية لتبادل الأسرى، وهدفه وضع حماس على «حافة الهاوية»، في محاولة للضغط عليها للتنازل عن مطالبها لوقف الحرب، وعودة الفلسطينيين الذين هُجروا إلى شمال القطاع..
تهديدات نتنياهو بمهاجمة رفح لها هدفان: الأول، تحقيق مكاسب في المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى، من خلال اللعب على وتر تخوفات واشنطن والقاهرة من الهجوم، ودفعهما للضغط على حماس لتتراجع عن مطالبها، التي تضر بصورة نتنياهو الباحث عن النصر، لو قبل بها، والثاني، أن نتنياهو يشتري الوقت بإشغال الأطراف الفاعلة في ملف الحرب بالاجتياح المحتمل، ما يطيل أمد الحرب ويؤجل ما أمكنه النقاش العام والسياسي في إسرائيل، حول التحقيق في الإخفاقات التي أدت لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

عسكريا الهجوم على رفح مرتبط باستعداد جيش الاحتلال، أكثر من ارتباطه بخدمة أجندة نتنياهو السياسية الشخصية

والإدارة الأمريكية من جهتها لا تعارض شن إسرائيل الهجوم على رفح من ناحية المبدأ، إلا أنها تختلف معها بطريقة تنفيذ ذلك، فواشنطن ولأسباب تتعلق بالسياسات في الداخل الأمريكي، تطالب بإجلاء مئات آلاف الغزيين المكتظين في رفح إلى مناطق آمنة، للحيلولة دون ارتكاب مجازر كتلك التي ارتكبها جيش الاحتلال في مناطق أخرى في قطاع غزة، وكبديل للحملة العسكرية على رفح، تقترح واشنطن إرجاءها لعدة أشهر إلى أن تستقر الأوضاع الإنسانية بإخلاء المدينة من السكان، وفي أثناء ذلك يجري العمل على تأمين الحدود بين مصر والقطاع، وتدمير الأنفاق عبر هذه الحدود، وكذلك إنشاء بنى تحتية أمنية لمنع تهريب السلاح للقطاع في المستقبل. وبعد طول مماطلة، وقع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على مذكرة تقدمت بها الولايات المتحدة تتعهد إسرائيل بموجبها، باستخدام الأسلحة الأمريكية بما لا يتناقض مع القانون الدولي، ويأتي ذلك نتيجة لضغوط مارسها أعضاء في الكونغرس من الحزب الديمقراطي، لتجنب وقوع أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف المدنيين خلال الهجوم المحتمل على رفح. ووفقا للمذكرة يتعين على وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أن يبلغ الكونغرس حتى 25 مارس/آذار 2024 بأن إسرائيل وقعت على المذكرة، كي يستأنف البنتاغون إمداد إسرائيل بالأسلحة والذخائر. من جانبها فإن مصر ترفض بشدة شن إسرائيل العملية العسكرية في رفح، كونها تؤثر على أمنها الداخلي وعلى أمن الإقليم، فمن وجهة النظر المصرية فإن عملية كهذه ستؤدي إلى انسداد مسار العلاقات المصرية الإسرائيلية، كما أن القاهرة لن تقبل بوجود عسكري إسرائيلي في محور فلادلفيا، ولن تقبل أيضا بتدفق آلاف الفلسطينيين الهاربين من جحيم آلة الدمار والفتك الإسرائيلية باتجاه أراضي سيناء، كما تشير التهديدات الإسرائيلية لذلك..
عسكريا فإن الهجوم على رفح مرتبط باستعداد جيش الاحتلال، أكثر من ارتباطه بخدمة أجندة نتنياهو السياسية الشخصية، فالجيش كان قد خفّض عدد قواته في قطاع غزة، ونشرالبعض منها في الضفة الغربية بسبب توقعاته بانفجارالأوضاع فيها، كما أنه عزز من قواته على الجبهة الشمالية مع لبنان. وإذا شن الجيش هجوما على رفح فعلا، فعليه استدعاء الاحتياط، أو جزء منه مجددا، ما سيتسبب بتعميق أزمة الاقتصاد الإسرائيلي المأزوم أصلا، لأن قوات الاحتياط تشكل العمود الفقري لسوق العمل في إسرائيل. إن حروب إسرائيل مع العرب منذ 1948 اتسمت بقصر مددها، بعكس حربها الحالية على غزة، ما فرض على الجيش الإسرائيلي تقليص استخدام المدفعية خلالها، وبسبب انتشار قواته البرية في المعارك في المناطق المكتظة بالسكان، أُدخل سلاح المدفعية إلى قطاع غزة لإسناد الجنود وآلياتهم الثقيلة في الميدان، وعدم الاكتفاء بالقصف من خلف خطوط القتال، وحسب موقع (واللا) الإخباري الإسرائيلي، فإن هنالك خلافات جدية داخل هيئة رئاسة أركان الجيش، وحتى في قيادة اللواء الجنوبي الذي يتولى إدارة الحرب عملياً حول مسألة اجتياح رفح. كما أن طول أمد الحرب على غزة، دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى الاقتصاد بشكل كبير في الذخيرة، تحسبا من تصعيد محتمل على الجبهة مع حزب الله في الشمال. ووفقا لتقرير في صحيفة «هآرتس»، فإن الجيش استخدم في قصفه لقطاع غزة ذخائر تعود للحرب الكورية 1953 شبه منتهية الصلاحية، وأخرى مخصصة للتدريب. كما أن تذبذب توريد العتاد أدى لمشاكل لوجستية وعملياتية، تتمثل بارتفاع كبير في نسبة فساد القذائف والأخطاء في التسديد، بالإضافة إلى أن المدافع التي زودت الولايات المتحدة إسرائيل في سنوات السبعينيات، وصلت إلى الحد الأقصى من عدم الكفاءة الميكانيكية. وبناء على هذه المعطيات فإنه خلافا لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين الرسمية، يبدو أنه ليس للقوات الإسرائيلية القدرة على شن عملية عسكرية في رفح على الأقل في المدى المنظور. ومع سقوط أكثر من 32 ألف شهيد في مناطق شمال ووسط قطاع غزة، وأكثر من 74 ألف جريح إلى الآن، جراء القصف المدفعي والجوي، فإن السؤال هنا: كم سيصل عدد ضحايا الهجوم على رفح التي يوجد فيها نحو مليون وثلاثمئة ألف نازح من شمال القطاع فيها، بالإضافة لنحو 250 ألفا من سكانها الأصليين؟
إن حملة عسكرية إسرائيلية على رفح غير واردة على الأقل على المدى المنظور، إلا أنه في حال حدوثها فإن جيش الاحتلال سيكون كالفيل الذي يدخل في محل للأواني الفخارية والخزفية..
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية