لماذا أغلقت إسرائيل مكاتب قناة «الجزيرة»؟

حجم الخط
0

هكذا كبر مارد الخوف بما تتغذى عليه الطغمة الحاكمة في إسرائيل من أوهام الخوف من كل شيء، لهذا جاء قرار إغلاق قناة “الجزيرة”، وقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن قرار إغلاق قناة “الجزيرة” جاء بإجماع أعضاء الحكومة الإسرائيلية، واصفا الشبكة الإخبارية أنها قناة “التحريض”. لكن صحيفة معاريف الإسرائيلية قالت إن القرار اتخذ دون مشاركة وزراء المعسكر الرسمي.
ويتضمن القرار وقف جميع أعمال وأنشطة شبكة “الجزيرة” داخل إسرائيل، بما في ذلك النقل التلفزيوني وجميع الوسائط التابعة للشبكة من إسرائيل.

محاربة الكلمة الحرة

على أي حال تعتبر قناة “الجزيرة” القطرية من القنوات التي حملت أمانة تغطية الحرب في غزة خلال سبعة شهور من عمر العدوان على غزة، فكانت تصريحات المستوى الأمني والسياسي منذ الحرب بضرورة إغلاق القناة، لدورها التحريضي على مستوى العالم.
بقي القرار قيد الدراسة حتى تم الموافقة عليه مؤخرا، بهذا القرار المجحف بحق الصحافة قد أخذ غلاة المستوطنين يتنفسون الصعداء، لكن في ظل وجود تقدم تكنولوجي وإعلام رقمي واسع تبقى الخطوة التي اتخذها نتنياهو فاقدة للمنطق السليم، فالمظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا قاطبة وما سبقها من تحرك الشارع في الغرب مرده الأساسي لشبكات التواصل الاجتماعي المتنوعة، بمعنى لم تقف قناة “الجزيرة” عن تغطية ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية عاجزة عن جمع المعلومات، فهنالك طرق شتى تستطيع من خلالها تستطيع جمع الصور وتجري مقابلات وما شابه ذلك.

القاموس العدائي

لقد أضافت إسرائيل لقاموسها العدائي مع العالم الحر عبئا آخر يثقل كاهلها وهو محاربة الصحافة والصحافيين، وهناك أمر آخر، وهو خطوتها غير المحسوبة التي أقدمت عليها وهي إغلاق قناة “الجزيرة” الإخبارية في هذا الوقت يحمل دلالات خطيرة، وكانت ردات الفعل بعد قرار الحكومة الإسرائيلية من قبل المؤسسات الدولية وبعض الشخصيات النافذة، أن هذه الخطوة ما هي إلا حلقة من حلقات الحرب التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، وهو بمثابة خطوة من شأنها تقويض حرية الصحافة في العالم ومدى جدية العالم في الضغط على إسرائيل للكف عن هذا القرار وخصوصا منظمة “مراسلون بلا حدود” في وقت سابق وصفت فيه المنظمة قطاع غزة بـ”مقبرة الصحافيين” حيث “تتعمد إسرائيل خنق عمل الصحافيين وقتلهم، وممارسة مختلف الطرق لإعاقتهم في الميدان، فضلا عن التهجير والحصار ومنع الصحافيين الأجانب من الدخول إلى غزة وقطع الإنترنت، ورسائل التهديدات التي تصلهم”.

ارتفاع أسهم “الجزيرة”

هنا يثار التساؤل: لماذا أقدمت إسرائيل على إغلاق قناة “الجزيرة” في هذا الوقت بالذات، وكان بمقدورها إغلاق “الجزيرة” في بداية الحرب؟ لا شك فإن الإعلام بشكل عام وخاصة قناة “الجزيرة” المرئية فضحت سياسات الاحتلال في غزة، عندما صورت حجم الدمار للبنية التحية وغيره، فضلا عن إقبال شعوب العالم لمشاهدة “الجزيرة” وزيادة مشاهديها خلال الحرب على غزة، إذ بدا لافتاً توقيت إغلاق القناة مع عملية عسكرية في رفح قريبة حسب تصريحات القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وحسب توقعات الخبراء العسكريين، فإن عملية رفح سوف تكون مؤلمة على صعيد القتلى والدمار في ظل وجود ما يقارب مليون غزي في الجنوب، وهذا بدوره قد يكون من ضمن الأسباب التي دفعت نتنياهو وحكومته بإغلاق “الجزيرة” في هذا التوقيت بالتحديد، وفي ظل هذا الإجراء التعسفي سيكون مراسلو قناة “الجزيرة” في غزة عرضة للخطر ولتهديد حياتهم من قبل آلة البطش الإسرائيلية.
وقد حذرت قوات الاحتلال بشكل مباشر بعض وكالات الأنباء العالمية من عدم قدرتها على ضمان سلامة موظفيها أثناء القصف، من بينها وكالة رويترز التي علقت على هذا التحذير أنه “يهدد قدرة موظفيها على إيصال الأخبار حول الصراع دون خوف من الإصابة أو القتل” يأتي اغتيال شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة “الجزيرة” في فلسطين، كذروة تصعيد كبيرة من قبل إسرائيل ضد الصحافة العربية العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستمرارا لنهجها ضد الصحافة عموما، والإعلاميين الفلسطينيين خصوصا.

مجزرة ضد الصحافيين

إننا أمام مرحلة خطيرة من مراحل تطور الصراع وقتل الصحافيين، وقد ارتكبت إسرائيل 625 انتهاكا بحق الإعلاميين في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال العام 2021.
وقامت خلال اعتدائها الأخير على قطاع غزة بتدمير 59 مؤسسة إعلامية، ويمكن اعتبار جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة قبل حوالي سنتين وأسرة الدحدوح ونجله وغيرهم من الصحافيين تصعيدا إجراميا غير مسبوق، يضاف إلى الجرائم المهولة بحق الصحافة والشعب الفلسطيني والعالم.
قتلت إسرائيل في غزة خلال الفترة الممتدة منذ 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الآن أكثر من 122 صحافيا، اغتالت إسرائيل خلال عملية طوفان الأقصى عشرة صحافيين على الأقل في الأسبوع الأول فقط من المعركة.

إخفاء الجرائم

الأسوأ من ذلك كله، أنها محاولة لإخفاء جرائمه المختلفة التي يوثقها وينقلها للعالم الصحافيون الفلسطينيون العاملون في قطاع غزة، بعد أن توقفت كاميرات وميكروفونات شاشات أمريكية وأوروبية عريقة، عند تاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولم يعد يشغل مذيعيها ومراسليها سوى السؤال المتكرر عن إدانة حماس، متجاهلة ما ترتكبه قوات الاحتلال من جرائم قتل جماعي للمدنيين، وتدمير للمستشفيات والكنائس والمساجد والمنازل والمخابز والمدارس فوق رؤوس سكانها.
وقد عصفت هذه الموجة العقابية ضد “الجزيرة” في إسرائيل نفسها، ولكن يبقى صوتها مسموعا لدى حكومات العالم.

كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية