لتُقطع يد العدوان الصهيوني وانتفاضة مقبلة

حجم الخط
2

إسرائيل تستبيح الأرض العربية، تقصف في العراق وسوريا وغزة، وترسل طائرات مسيّرة إلى لبنان، وتهدد بقصف أهداف في اليمن. كل هذا خلال أقل من أسبوع، ويطلع علينا وزير الخارجية البحريني ليعطيها الحق في الدفاع عن نفسها، وفي السياق نفسه صرّح أكثر من كاتب سعودي.
بالفعل، لم ينج بلدٌ عربي من اعتداء صهيوني عليه: قتل قادة فلسطينيين فيه، قصف أهداف عسكرية ومدنية ومنشآت نووية، اختطاف طائرات ركاب مدنية تابعة لدول عربية… وغيرها الكثير، فهل الخطر الصهيوني مقتصر على فلسطين وحدها فقط؟ هل انتهى مشروع دولة إسرائيل الكبرى؟ مجمل الأمن القومي بات مهددا، نتيجة عدم مواجهة النظام العربي لدولة العدوان الصهيونية، وبدلاً من التصدي أخذ المسار السياسي التطبيع مع دولة الاحتلال.
قال موشيه دايان في أحد لقاءاته: «إذا لم نجتح الدول العربية بالدبابات، فسنجتاحها بالجرافات». أيضا يتحدث نتنياهو في كتابه «مكان تحت الشمس» عن الظلم البريطاني لليهود باقتطاع الأردن من «الوطن التاريخي لهم». إسرائيل ترفض رفضاً قاطعاً ترسيم حدود دولتها حتى اللحظة! أما لماذا؟ فلأسباب كثيرة أبرزها: أن الترسيم سيحدد مصادرتها لأراض جديدة، إنه سيمنعها من سن القوانين العنصرية بالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، وسن القوانين التشريعية المنتهكة لحقوقهم، وسرقة المزيد من الأراضي العربية.
إن المؤسسة العسكرية ترفض رفضاً قاطعاً ترسيم حدود الدولة، لأن ذلك سيمنعها من ممارسة العدوان على الدول العربية، وإنه سيحدّ من عودة يهود العالم إلى «وطنهم التاريخي». بالتالي، فإن إسرائيل لا تشكل خطرًا على الفلسطينيين فحسب- وإنما على المنطقة العربية كلها.. اسرائيل سعت وتسعى وستظل للسيطرة على المنطقة العربية، إن لم يكن بالمعنى الجغرافي، من خلال بناء دولة إسرائيل الكبرى، فمن خلال الهيمنة السياسية والأخرى الاقتصادية.
يأخذ نتنياهو، المنطقة إلى مُربّع أكثر خطورة من أي وقت مضى، بعد أن نشر رائحة البارود في أكثر من ساحة عربية، وما يجري بالفعل أقرب إلى حرب صهيوأمريكية معلنة على عدة جبهات، نتنياهو وترامب واهمان إن تصوّرا أن العدوان سيبقى بلا ردّ من قوى المقاومة العربية، بل قد يتدحرج إلى حرب شاملة. لقد سعت أنظمة عربية عديدة إلى استدراج ترامب لإشعال حرب شاملة في منطقة الخليح العربي، لكن ساكن البيت الأبيض تريث كثيرا، لإدراكه أن بمقدوره إشعال حرب مُدمِّرة، لكن قدرته على وقفها تقترب من الصفر. ولهذا أبعد بارِجاتِه وحاملات طائراته عن الخليج، واكتفى بسياسة فرض عقوبات الحد الأقصى على إيران، التي زعم أنها أعطت نتائجها على نحو غير مُتوقّع. أراد نتنياهو من اعتداءاته الأخيرة على ثلاث دول عربية، إيصال رسائل تفوح بالاستعلاء والغطرسة كما العربدة، أراد نتنياهو إرسالها إلى جهات عديدة، لعل أكثرها إثارة هي تلك المُوجّهة إلى موسكو، باستهدافه مواقِع شرق دمشق، بزعم أنها إيرانية القرار والتوجيه، وهو الذي أدّعى أن بوتين قطع وعدا له بإنهاء الوجود الإيراني المزعوم جنوب دمشق، خصوصاً قرب الجولان السوري المُحتلّ، ولمّا لم يفِ بوتين بوعده، فها هو نتنياهو يُذكّر الزعيم الروسي بان صبره قد نفد، وأن إسرائيل بدعم من صديقها ترامب، الذي لم يُقدِّم أحد من رؤساء أمريكا خدمات لإسرائيل أكثر منه، سيعمل على تغيير وجه المنطقة.

نتنياهو وترامب واهمان إن تصوّرا أن العدوان سيبقى بلا ردّ من قوى المقاومة العربية، بل قد يتدحرج إلى حرب شاملة

نتنياهو يوجه رسائله المتفجرّة إلى النظام الرسمي العربي، لإفهامه أن إسرائيل عازمة على عدم السماح لأحد بِتحدّيها، أو الوقوف أمام مشروعها بصهينة المنطقة وأسرَلتِها، على نحو يسمح لها بكتابة جدول أعمالها وتقرير مستقبل شعوبها.. كما رسالة إلى إيران بأنه سيظلّ يلاحق مشروعها النووي. وإذ تجاوز نتنياهو أكثر من خط أحمر، نحسب أنه يعرِفها ويريد اختبار جديّة الذين وضعوها، سواء في طهران، أم في الضاحية الجنوبية لبيروت، أم في بغداد بِشقّها المُتعلّق بالحشد الشعبي، عندما استهدفّ مخازن أسلحته ومعسكراته، على نحو أعاد الجدل الغاضب إلى الساحة العراقية، في شأن التواطؤ الأمريكي مع العدو الصهيوني، ما دعا واشنطن إلى التريّث ومحاولة استدراك الورْطة التي أوشك نتنياهو إيقاعها فيها، خصوصاً تجاه موسكو المُنخرِطة بِتِحدٍ في معركة إدلب، بهدف إنهاء خطر تهديد المجموعات الإرهابية لقاعدتها في حميميم، ومواصلة تركيا لعبة شراء الوقت، لعدم تنفيذ اتفاق سوتشي، الذي بات مَيّتاً ميدانيّاً، فإنه – نتنياهو – بات الآن، وبلا أي مُبالغة، أسير مُغامراتِه التي لن تكون بلا ردّ، في ما تُرجّحه الأحداث المُتسارعة، وردود أفعال الأطراف ذات الصلة، خاصة بعد خرقه، في شكل غير مسبوق، هدوءاً مُتأرجِحاً ولكنه صامِد نسبيّاً، فرضته نتائج حرب يوليو/تموز 2006 على النحو الذي قد يبدأ العدّ العكسي لِتوقّع انفجاره قريباً.
يخطئ نتنياهو كثيراً وطويلاً، إذا ما ظنّ أن المشروع الصهيوني يُوشِك على الانتصار والتجسُّد، بل ربما تكون بداية نهايته قد حانت، وهذا هو الأصح. النظام الرسمي العربي هو الذي سمح ويسمح لنتنياهو ولإسرائيل عموما باستعراض عضلاتهما في المنطقة العربية وجعلها كفرعون العصر، خاصة أن رئيس الوزراء الصهيوني يدرك مدى هشاشة بنية هذا النظام، وقابليته المطلقة للابتزاز الأمريكي، خاصة الرئيس ترامب وحرمه وابنته، التي ظهر الكرم العربي معهما أثناء زيارتهما للسعودية، فخرجت كلّ منهما بمجوهرات بقيمة 300 مليون دولار، عدا عن 450 مليارا ابتزها ترامب. هذا النظام الرسمي لن يرفع حتى عينيه في وجه دويلة الكيان الصهيوني. من سيقطع دابر العدوان الصهيوني واليد الاغتصابية لكيان الشرّ، هو حركة التحرر الوطني الفلسطينية بعموم فصائلها وجماهيرها، وقوى المقاومة الحيّة في أمتنا العربية.
على صعيد آخر من يرصد الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية خلال الشهرين الأخيرين، يخرج باستنتاج: تزايد عمليات المقاومة في مناطق كثيرة في الضفة الغربية المحتلة وعلى حدود غزة، فلا يكاد يمرّ يوم، بدون قيام عملية ضد الجنود والمستوطنين الصهاينة، خاصة خلال شهري يوليو الماضي، وشهر أغسطس/ آب الحالي. وقدّرت مصادر أمنية صهيونية أن تشهد الضفة الغربية المحتلة موجة جديدة مما تسميه بـ»العنف» قبل الانتخابات، خاصةً أن السلطة الفلسطينية تغرق في أزمة اقتصادية، وتتصاعد بوادر ما سمته بـ»اضطرابات في الميدان» في ظل دعوات من الفصائل الفلسطينية لتنفيذ مزيد من الهجمات بالضفة. ووفقًا لـ»هآرتس» فإن التقديرات تأتي، من قيام عمليات شبه يومية في الضفة الغربية، ومن محاولات تسلل مسلحين من غزة، ما دفع أحزاب يمينية و»يسارية» (لا يوجد شيء اسمه يسار صهيوني) لتوجيه انتقادات لنتنياهو، الذي قال إنه لن يتأثر رد فعله بالانتخابات، معتبرا تلك التصريحات غير مقنعة. وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن التحدي الأمني الكبير لنتنياهو في المستقبل القريب قد يكون تصاعد موجة الهجمات في الساحة الفلسطينية الثانية «الضفة الغربية». مشيرةً إلى أنه في حال اندلعت هذه الموجة، فإنها نتيجة مباشرة لسياسات نتنياهو المتشابكة، خاصةً أنه سبب في الأزمة الاقتصادية الحادة للسلطة بسبب الخصومات المالية من عوائد الضرائب، وبحسب الصحيفة، فإن علامات الانتفاضة في الميدان تتزايد، وفي الأسابيع الأخيرة حدثت زيادة كبيرة في الهجمات على الأرض. وترى الصحيفة أن جزءًا من ارتفاع محاولات الهجمات هو الخطاب الفلسطيني، بسبب الأحداث التي جرت في المسجد الأقصى، إلى جانب الدعم الأمريكي المستمر لنتنياهو، الذي يعتبر خطوات ضمنية وصريحة من الإدارة الأمريكية بدعم ضم الضفة الغربية لـ»إسرائيل»، إلى حد أن وزير الخارجية الأمريكي مارك بومبيو أصدر قرارا بمسح اسم وموقع فلسطين من خرائط المنطقة. لقد كرر التقييم الأمني في السنوات الخمس الأخيرة، بأن هناك فرصة معقولة لحدوث اندلاع موجة جديدة من الهجمات في الضفة الغربية أكثر من أي جبهة أخرى، حيث اعتبر أن نجاح الهجمات الأخيرة يشجع على هجمات مماثلة، كتلك التي وقعت بين عامي 2014 و2015، خاصةً في ظل الأحداث المرتبطة بالمسجد الأقصى. لن يكون مصير الغزو الصهيوني الكولونيالي لفلسطين أفضل من مصائر كافة الغزوات التي اجتاحتها على مدار القرون الطويلة الماضية، فلسطين كانت وستظل درّة المنطقة العربية.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجية:

    كما قال الدكتور فايز رشيد في مقاله لهذا اليوم ان “أسرائيل” تستبيح الأرض العربية وخطرها ليس مقتصر على فلسطين. أن هذا هو كلام واقعي طالما أن هدفها المعلن هو “دولة إسرائيل الكبرى” وان سيطرتها على مزارع شبعا ومؤخرأً الجولان يعني ان مشروع “إسرائيل الكبرى” سيتم تحقيقه في الوقت المناسب وبدعم من الولايات المتحدة خصوصا في ظل حكم الرئيس الحالي. في ظل هذه الظروف الصعبة يتوجب على العرب جميعاً نبذ الخلافات فيما بينهم والعمل على تحسين ألعلاقات ألأخوية مع الجارة الكبرى ايران. ومتى تم ذلك سنجد قطعان الصهاينة وعلى رأسهم النتن- ياهو يهرولون الى دول أوروبا الشرقية وروسيا التي جاؤا منها,

  2. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    شكراُ أخي فايز رشيد. أولاً لاأختلف معك أبدا في تقيم الدولة الصهيونية ومشاريعها الإستعمارية والعدوانية. المشكلة هي أن العرب استفاقوا ونهضوا بمشروع تبنى فكرة القومية لكن فشلها جعل منها قومجية استبدادية ويذكرني ذلك بالخلافة العثمانية التي تحولت إلى دولة إستبداد. ومع أن الشبخ عبد الرحمن الكواكبي كتب فيها طبائع الإستبداد إلا أن كتابه ينطبق على الإستبداد العربي أكثر من غيره. ومع نهوض صحوة إسلامية الطابع واستبشرنا خيراً بالثورة الإسلامية لكن تخولت إلى العقائدجية وأصبحت أكثر استبدادا وتعاونت حركاتها الإسلامية كحزب الله مع الاستبداد بدموية بشعة.
    القومجية والعقائدجية, تستغل القضية الفلسطينية كغطاء للإستبداد والإجرام ولذر الرماد في العيون. لنفرض أن حزب الله سيرد على نتنياهو هل ستتحرر فلسطين, والنظام السوري سيرد هل ستتحرر الجولان, والحشد الشعبي (دمية بيد إيران) سيرد هل ستتحرر العراق من الاحتلال الامريكي, وأن إيران سترد جدلاً, وهل سيحصل شيئا غير التقاسم على السيطرة على العرب. لايوجد نظام عربي رسمي ولايوجد “مقاومة وممانعة”. ويوجد شيء واحد فقط وهو المقاومة الفلسطيني نفسها وهي الوحيدة القادرة على كسر إرادة الإحتلال الصهيوني وفي هذا تقف الشعوب العربية كلها وكل شعوب العالم معها.

إشترك في قائمتنا البريدية