كيف ينتبه الأهل إلى وجود أفكار انتحارية لدى أولادهم؟

وجدان الربيعي
حجم الخط
0

“لم يعد العالم آمنا، أصبحنا نخاف على أبنائنا من كل شيء” هكذا يردد الآباء والأمهات خوفا على فلذات أكبادهم من التعرض للإبتزاز الذي أصبح وسيلة سهلة لافتراس الشباب والمراهقين من الجنسين، ولا يمر يوم إلا ونسمع قصصا مروعة انتهت بالانتحار خوفا من الفضيحة أو القتل من قبل عصابات لا ترحم تستغل الشباب في قضايا الجنس والمخدرات وتتجار بهم وتغريهم بالمال الذي يعمي العيون ليقود شبابنا إلى الانحراف ومن ثم الانتحار.

يشكل الانتحار مشكلة خطيرة على الصحة المجتمعية حسب ما ذكرته منظمة الصحة العالمية. وأشارت في آخر تقاريرها إلى أن أكثر من 800 ألف شخص يلقى حتفه كل عام بسبب الانتحار، ويعني هذا وقوع حالة وفاة كل أربعين ثانية. وتترتب على الانتحار آثار اجتماعية كبيرة سواء على الأصدقاء والأسر التي فقدت أحبائها بسبب هذه الظاهرة التي تنهش المجتمعات حول العالم، بينما المصيبة تظهر بشكل أكبر في مجتمعاتنا التي تشكو أصلا من عجز كبير في الاهتمام بشبابها وعدم توفر الأمن والمساندة النفسية والاجتماعية لهم خاصة لهؤلاء المعرضين للاستغلال والمدمنين على المخدرات والذين يعانون من أوضاع نفسية صعبة تتطلب تدخل ومساندة الأهل والمجتمع والمؤسسات الصحية.

ظاهرة الانتحار تطال الكبار والصغار والغني والفقير، لكن أكثر ما يثير القلق اليوم هي الأسباب التي تؤدي إلى الانتحار، حيث يتم استغلال الشباب من الذكور والإناث من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وابتزازهم بحيث يتحول الشاب إلى منفذ للأوامر وإلا تعرض للفضيحة وعوقب أشد العقاب، إما من الأهل أو من المستغلين فيقرر إنهاء حياته، وربما أبشعها كان باستغلال الوضع الهش للشباب وتجنيدهم ضمن مجموعات إرهابية.

وتكمن المشكلة الأكبر كما يرى مختصون، في تعامل الأسرة مع أبنائها. فكلما زادت الفجوة وانشغل الأهل ورفضوا الاستماع وتعاملوا بقمع كلما زاد انحراف الأبناء.

هل ظاهرة الانتحار نفسية أم اجتماعية؟ كيف نفهم تفكير الشاب أو المراهق الذي يقدم على الانتحار وما طبيعة السلوك الانتحاري ومستوياته وكيف تبدأ الأفكار الانتحارية؟ كيف يمكن منع الانتحار أو الحيلولة دون التفكير فيه وهل تستطيع الأسرة بالفعل إنقاذ أبنها أو بنتها من الانتحار؟ أسئلة مقلقة يطرحها الأهالي باستمرار وهم يرددون ماذا نفعل هل العقاب هو الحل؟

 الدكتور سعيد دويكات، المحاضر في كلية الشريعة في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس، نشر فيديو مهم على صفحات التواصل الاجتماعي، تحدث فيه عن دور الأهل في حماية أبنائهم. وقال لـ”القدس العربي”: “الابتزاز والفضيحة من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الانتحار، وهذه الظاهرة بدأت في التصاعد وتأخذ أبعادا ومناحي كثيرة، ولولا الانتشار اللافت للحالات لما كان هذا التنويه والتنبيه لخطورة الانتحار”.

وأضاف: الابتزاز يمكن تقسيمه إلى جانبين: جانب عاطفي وآخر الكتروني، والهدف هو الحصول على مكاسب معينة من الشخص الذي يتم ابتزازه أو الطلب منه ان يقوم بأعمال منافية للأخلاق وللأعراف أو للوطنية وإلحاق الأضرار بأشخاص آخرين أو بممتلكات.

ويؤكد دكتور دويكات على ضرورة توعية الشباب الذين يتم ابتزازهم من خلال تلمس حاجاتهم، ويتم استدراجهم من خلال صيد ثمين أو إغراء ما.

ويرى ان ذلك يعود إلى قلة خبرة الشباب والمراهقين وقلة الوعي لديهم ونظرا لقلة المتابعة والرعاية من الأهل يسقط الشاب في حبائل هؤلاء المبتزين.

 ويعتبر ان الغالبية الساحقة من عمليات الابتزاز تتم من خلال الأجهزة الالكترونية وما يعرف بـ “الابتزاز الإلكتروني” وهي أخطر الطرق والأساليب للوصول بسهولة إلى الشباب والمراهقين.

وينصح الأهل بضرورة التصارح مع الطفل أو المراهق واحتضانه حتى لو أخطأ، ويجب عليهم ان يقدموا يد العون والمساعدة لأبنائهم، فالعملية متكاملة تبدأ من الأسرة والمحيط والمدرسة ومن الجهات المسؤولة التي يجب ان تتعامل بجدية مع محاولات الانتحار وتنقذ هؤلاء الضحايا والمغرر بهم وتضرب على يد المبتزين لحماية أرواح الناس وخاصة الشباب بشكل عام والمراهقين بشكل خاص.

وعن الدعم النفسي للأسر التي تجد نفسها في ورطة كبيرة ولا تستطيع استدراك الأمر أو التصرف لعلاج الأسباب التي قد تؤدي إلى الانتحار قال: “يجب ان نفهم ان كل واحد فينا معرض لأن يخطئ ومعرض ان يتم ابتزازه، يجب ان تتكاتف كل الجهود لمساعدة العائلة لأنها قد تكون في كرب وحزن هي في حاجة إلى من يدعمها نفسيا وماديا لتستطيع الخروج من هذا الموقف والتغلب عليه”.

وعن ضرورة التغيير في الخطاب الديني من أجل الوقوف عند هذه الظاهرة والحد منها وملامسة هموم الشباب قال: “لا أنفي ان هناك من أهل الشريعة من لا يقومون بواجبهم كما ينبغي. هناك من الأئمة والمشايخ من يتكلم في أمور الوعظ كثيرا، ولكن لنكن صرحاء، الأمر لا يقف فقط عند قضية الخطاب الديني على أهميته، فموضوع الظلم الاجتماعي، والظلم الاستبدادي، والظلم السياسي والفساد وانسداد الأفق للأسف الناس فقدت الأمل حتى في المستقبل”.

وحذر دكتور دويكات من الإحباط لدى الشباب بالقول: “بسبب الواقع المعاش لا عمل ولا زواج، هناك فراغ ديني، يجب ان نعلم أولادنا ان المنتحر إنسان سلبي انهزامي سيترك أهله مكسورين لفقدانه. يجب ان نعلمهم ان يصمدوا في وجه الصعوبات. يجب ان نربيهم على تحدي الظروف والفساد، وأن الانتحار هو انهزام بكل المقاييس. هذا الذي يجب ان نزرعه في أبنائنا”.

ويتابع: “المشروع الأهم في الأسرة هم الأولاد، وعلى الأهل الاهتمام بعلمهم والاستماع إليهم والتعرف على أصدقائهم وينبغي ان تكون العلاقة بين الأبناء والآباء مفتوحة، فإذا ما تعرضوا لأي ابتزاز وتهديد سارعوا إلى الأهل والأمر في بدايته تماما مثل الأمراض، فالمرض في بداياته يكون علاجه أسهل بينما لو ترك فسوف يستفحل ويصبح من الصعب علاجه، أولادنا يحتاجون إلى حب وتفاهم واحتضان وليس إلى عقاب وحكم عسكري”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية