كيف تبدلت أوضاع المرشحين للفوز بكأس العالم؟

حجم الخط
0

من مباراة لأخرى تزداد المتعة والإثارة في يوميات كأس العالم قطر 2022، مع الارتفاع الجنوني لنسق المباريات، بفضل الحالة الفنية والبدنية الرائعة لأغلب المنتخبات، كيف لا وهي المرة الأولى وربما الأخيرة في التاريخ، يُقام فيها المونديال في فصل الشتاء، وبالأحرى فترة الذروة بالنسبة للاعبين، بوصولهم لأعلى معدلاتهم البدنية والذهنية في منتصف الموسم، وليس بعد نفاد طاقتهم ومخزونهم البدني عقب انتهاء موسمهم الكروي الطويل والمرهق مع أنديتهم في يونيو/حزيران، كما جرت العادة في النسخ الـ21 السابقة.

لكن ما يدعو للدهشة والاستغراب، أن الجولة الأولى أعطت مؤشرات لا لبس فيها، لتبدل أوضاع ما يقرب من نصف القائمة المختصرة، التي ذهبت إلى العاصمة القطرية الدوحة، تحت مسمى وشعار “مُرشحين” أو “مُفضلين” لمعانقة الكأس في يوم العيد الوطني للدولة المنظمة، في مقدمتهم المرشح الأول، بالنسبة لفئة لا يستهان بها، المنتخب الأرجنتيني، الذي حطم آمال شعبه مرتين في ليلة السقوط الكبير أمام الأخضر السعودي، مرة حزنا على الأداء الباهت، الذي لا يتماشى مع سمعة وكاريزما بطل أمريكا الجنوبية، وأخرى بالتجرع من مرارة الهزيمة، وتوقف السجل الذهبي، بتفادي الخسارة في آخر 36 مباراة.

وهذا في حد ذاته كان آخر وأسوأ سيناريو كان ينتظره المدرب سكالوني في مستهل رحلة البحث عن ثالث لقب في تاريخ وطن التانغو، بعدما فقد الكثير من الهيبة التي سبقته قبل وصوله إلى قطر، من منتخب لا يُقهر ولا يعرف في قاموسه معنى الخسارة، إلى معاناة منتظرة مع باقي الخصوم، الذين سيرفعون شعار “السعودية ليست أفضل منا”، وبالتبعية بات مهددا بمواجهة مصير روبرتو مانشيني وجمال بلماضي، أو ما تُعرف لعنة توقف سجل اللا هزيمة، الذي استفاق عليه المنتخب الإيطالي، بكارثة الغياب عن كأس العالم للمرة الثانية على التوالي، وبالمثل، جاءت العواقب وخيمة على المنتخب الجزائري من اقترابه من الرقم الإيطالي، بدأت بالخروج المبكر من حملة الدفاع عن الكان، ثم بصدمة فاصلة المونديال على يد الكاميرون، إلا إذا نجح في احتواء اللاعبين، ونجح في إعادة الأمور إلى نصابها، مثل منتخبات كثيرة، بدأت الدور الأول بصورة مخيبة للآمال، ثم انتفضت في الوقت المناسب، على طريقة إيطاليا في نسختي 1982 و1994 وإسبانيا في جنوب أفريقيا 2010، وهذا ما سنعرفه في غضون أيام.

مرشح كلاسيكي آخر، ظهر بمستوى أقل ما يُقال عنه “غير مبشر” بالنسبة لجماهيره، هو المنتخب الألماني، والأمر عزيزي القارئ لا يتعلق بالهزيمة المذلة على يد النينجا الياباني، بريمونتادا طبق الأصل من معجزة السعودية أمام التانغو الأرجنتيني، بل بالأمور والعوامل الأخرى، التي أعادت إلى الأذهان، مأساة الخروج المبكر من النسخة الماضية، منها أسباب تندرج تحت مسمى “مفتعلة”، كالموقف المخزي للاعبين قبل بداية المباراة، بوضع أيديهم على أفواههم، ليس احتجاجا على عقوبة ارتداء الشارة الملونة، بل إصرارا على الغطرسة الفارغة، لتمرير وفرض رسائل سياسية، هدفها كسر قواعد وقوانين البلد المنظم والمنطقة بأكملها، كما وضح من خلال موقف وزير الداخلية نانسي فيزر، مستغلة نفوذها لإظهار الشارة الملونة بدلا من مانويل نوير، في المدرج الخاص بكبار الزوار والشخصيات العامة، وأمر كهذا، من المفترض والطبيعي، ألا يكون للاعبين علاقة به، حفاظا على تركيزهم، بدلا من إقحامهم في نزاع سياسي، كان له تأثير سلبي على تركيزهم وتحضيرهم قبل وأثناء المباراة.

أما الشق الثاني وراء نكبة الناسيونال مانشافت، فيرجع لأمور فنية، يتحمل مسؤوليتها المدرب هانزي فليك، بإخفاقه في محاكاة أسلوبه مع بايرن ميونخ، أو كما يقولون في ألمانيا، لا يُجيد تحفيز اللاعبين، ولا يساعدهم على التطوير، أو على الأقل يستنسخ مستواهم مع أنديتهم، بما في ذلك رجاله السابقين في “آليانز آرينا”، ناهيك عن المشاكل الدفاعية، في ظل الفجوة الكبيرة بين أنطونيو روديغر ونيكو شلوتيربيك، وحالة عدم الانسجام بينهما، بطريقة تجعلك وكأن أي فرصة أو محاولة تبدو خطيرة على الحارس مانويل نوير.

 

وفوق ما سبق، ذهب إلى الدوحة بدون نسخة جديدة لجيرد مولر وكلينسمان وميروسلاف كلوزه، معتقدا أن الاعتماد على كاي هافرتز، في مركز المهاجم الكاذب، سيعوض معضلة غياب عملة اللاعب رقم 9، لا سيما بعد خروج نصف الهداف تيمو فيرنر من الحسابات، بداعي إصابته السيئة قبل المونديال، متجاهلا الأسطورة الألمانية، التي تخبرنا أن الماكينات، دائما ما تكون بحاجة لمهاجم وحشي من أجل التقاط الصور التذكارية مع اللقب، وهذا يفسر سر البداية التعيسة، بالخسارة أمام اليابان، بعد التقدم بهدف إلكاي غوندوغان، لكن بعدها، تفنن الفريق في إهدار الفرصة السلة تلو الأخرى، إلى أن استيقظ على كابوس ريتسو دوان وتاكوما أسانو، فيما يمكن اعتباره بمثابة جرس إنذار، لاحتمال عدم ذهاب الألمان بعيدا في البطولة، وربما الخروج من الدور الأول، حال تمكن المنتخب الياباني من دهس كوستاريكا، وفي نفس الوقت عجز على تخطي إسبانيا في موقعة الأحد المصيرية، عكس أغلب التوقعات، التي كانت وما زالت تنتظر ردة فعل، أكثر جرأة وشجاعة من بطل العالم 4 مرات من قبل، بعد خروجه المهين في 2018.

حتى المنتخب البلجيكي، بدا في أتعس حالاته في اختباره الأول أمام كندا، وشاهدنا كيف أبدع العالمي تيبو كورتوا في الحفاظ على نظافة شباكه، بما في ذلك ركلة جزاء من ألفونسو ديفيز في أول 11 دقيقة، كانت كفيلة بقلب المباراة رأسا على عقب، بيد أنه ظل صامدا أمام المنتخب الشاب، إلى أن جاءت الانفراجة على يد باتشواي في نهاية الشوط الأول، ورغم حفاظ الشياطين الحمر على تقدمهم، إلا أنهم لم يتركوا، ذاك الانطباع الذي انتظرته الجماهير، من كيفن دي بروين وباقي رجال الجيل الذهبي، بمعنى آخر لم يظهروا بمستوى قريب من العمالقة، الذين كشفوا عن نواياهم مبكرا، والإشارة إلى البرازيل وإسبانيا وفرنسا، بوضوح الفوارق الشاسعة بينهم وبين المنافسين، سواء على المستوى التكتيكي والخطط الجماعية أو الحلول الفردية والمواهب القادرة على صنع الفارق.

بصرف النظر عن فوز سحرة السيليساو على صربيا بهدفين نظيفين، لكن من تابع ولو جزء بسيط من المباراة، سيلاحظ أن الكرة لم تخرج من منطقة جزاء المنتخب الأوروبي، بمصطلح المدربين والمعلقين، كانت مباراة غير متكافئة أو من طرف واحد، رغم أن منافسه ليس بالخصم السهل، بل واحد من المنتخبات المرهقة لأي منافس، مثل مدارس أوروبا الشرقية، التي تعتمد على القوة الجسدية والتنظيم الدفاعي، مع السرعة الفائقة في التحولات الهجومية في تنفيذ الهجمات المعاكسة.

وما بث الذعر داخل نفوس الطامحين في منافسة السامبا على المونديال القطري، الوفرة المرعبة على مستوى البدلاء، الذين فاقوا الأساسيين سحرا وعبثا بعقول المشاهدين، والحديث عن غابرييل جيسوس، رودريغو، أنتوني ومارتينيلي الذين شاركوا في الشوط الثاني، دون أن نتحدث عن ريشارلسون ودوره الحاسم، ولا الوضع في الاعتبار، أن نيمار بنفسه، لم يكن في أفضل حالاته قبل استبداله بداعي إصابات، وهذه واحدة من الشروط أو المواصفات، التي ترجح كفة البطل على البقية، ويتشارك فيها المنتخب الإسباني والفرنسي مع خصمهم اللاتيني، وعلى مسافة قريبة منهم كل من إنكلترا والبرتغال، لكنها تبقى مجرد توقعات وحكم مبدئي على ما قدمته المنتخبات المرشحة للفوز، قبل أن تتكشف ملامح وشخصية البطل في المراحل الحاسمة.. مشاهدة ممتعة للجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية