كورونا والجائحة الاقتصادية والمتغيرات العالمية والعربية

حجم الخط
1

بالتأكيد إن عالَم ما قبل كورونا هو غير ما بعدها، ولا يُتوقع نهاية سريعة لهذا الوباء الجامح، الذي ما يزال يحصد الناس بأعداد كبيرة، وتزداد الإصابة به بشكل كبير يوميا (إيطاليا مثلا)، الصين تظهر فيها إصابات يومية قليلة، وتعد بأن اللقاح والعلاج سيكونان جاهزين في نهاية إبريل المقبل.
معظم الدول ومنها الدول العربية لجأت إلى أساليب وقائية من الوباء، حظر التجول، إغلاق كل المتاجر وأماكن التجمعات، حتى الصحف وقفت عن الصدور الورقي. المقصود القول إن نمط الحياة الإنساني اختلف في دول كثيرة، أوقف العمل والإنتاج في معظم أشكاله، والشريحة الاجتماعية الفقيرة، لا يستطيع أربابها شراء احتياجات عائلاتهم، إن لم يعملوا ذلك اليوم، في ظل افتقاد خطط لمساعدة هؤلاء.
بظهور كورونا تأثرت المجتمعات والدول، بتراجع الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، وظهرت تحدّيات صحية جديدة، نظرا لقلة الإمكانيات فيها، وعدم وجود وسائل لعلاج المصابين. الصين وكوبا وروسيا، أرسلت مساعدات، مثل أجهزة قياس الإصابة بالمرض، إضافة إلى أطباء إلى الدول المحتاجة، والتي تعاني نقصا أدواتيا وكادريا نظرا لكثرة الإصابات فيها. ووفقا لتقديرات الخبراء الاقتصاديين، و»رويتر»، فإن تفشي فيروس كورونا أثر في الأسواق المالية العالمية، فقد خسرت 6 تريليونات دولار حتى الآن، وهو المبلغ ذاته الذي فقدته في الأزمة العالمية عام 2008. ولا أحد يستطيع تحديد موعد لانتهاء أزمتي كورونا والمالية العالمية. مع العلم أن الوضع المالي الاقتصادي العالمي (وفقا لهيئات ومنظمات اقتصادية عالمية متعددة) هو استمرار لأوضاع 2019 الاقتصادية، التي شهدت صراعات اقتصادية عالمية، كان أبرزها الحواجز التجارية، التي قادتها أمريكا ضد مجموعة من الدول، خاصة الصين، وأدى ذلك إلى تراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي لنحو 3%، متراجعا عن 3.7% في 2018، و3.8% في 2017. وقد أثّر ذلك في تراجع معدل نمو التجارة الدولية، ليصل إلى 1% خلال النصف الأول من عام 2019، وهو أبطأ معدل تشهده التجارة الدولية، منذ عام 2012، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي نهاية 2019.

قدرة العالم على احتواء فيروس كورونا هو الذي سيحدد حجم الخسائر الاقتصادية النهائية

وكان من الطبيعي أن يلقي تراجع معدل النمو الاقتصادي الضعيف، ظلاله على صناع السياسة المالية، حيث اتجهت أغلبية دول العالم – وعلى رأسها أمريكا والصين وأوروبا – إلى تخفيض سعر الفائدة في البنوك، من أجل إنعاش الطلب المحلي، لوقف الآثار السلبية لتراجع معدل النمو بالتالي، فقبل أزمة كورونا، كان الاقتصاد العالمي في العام الحالي 2020 في أزمة أيضا، نتيجة لتحديات كثيرة، على رأسها التحدي المتعلق بالتداعيات السلبية للصراعات المسلحة المتعددة، خاصة في المنطقة العربية: ليبيا، اليمن، سوريا، العراق وغيرها. كل ذلك، إضافة إلى الإنتاج الزائد المتعمد من البترول، الذي تقوده العربية السعودية، فقد وصل سعر برميل النفط إلى 18 دولارا، ما سيؤثر سلبا في كافة الدول المنتجة، بما فيها روسيا، التي وصلها وباء كورونا.
من ناحيتها ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية: أن التفشي السريع لفيروس كورونا المستجد، يضع اقتصاد العالم برمته أمام تحد حقيقي. وأوردت الصحيفة أن قدرة العالم على احتواء هذا الفيروس هو الذي سيحدد حجم الخسائر الاقتصادية النهائية، كما أن عنصر التوقيت مهم أيضا، لأن عدم استقرار الوضع عما قريب سيزيد من الأضرار. وتثار عدة مخاوف بشأن ثاني اقتصاد في العالم، من جراء استمرار إغلاق كثير من المصانع والمراكز المالية في مدن الصين الكبرى، ما يعني العجز عن تسليم الطلبيات إلى الخارج، وتعثر عودة المصانع الصينية إلى نشاطها، فيما تعرقل إجراءات الحجر الصحي عملية التنقل في البلد الآسيوي. ويقول الباحث الاقتصادي في جامعة كورنيل، إيسوار بلاساد، إن الاستهلاك تأثر بدوره على نحو كارثي، لأن الناس صاروا يفضلون البقاء في بيوتهم، عوض أن يخرجوا إلى المطاعم والمنشآت السياحية الأخرى. من جانبه أعلن البيت الأبيض، أن حزمة الإنقاذ التى يدرسها الكونغرس الأمريكى لمواجهة فيروس كورونا المُستجد، والمنتشر فى الولايات المتحدة الأمريكية، قد تصل إلى 2 تريليون دولار. وكان مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، قد أعلن عن ارتفاع حصيلة الإصابات بفيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة (19393)، وقد أعلن ترامب مدينة نيويورك منطقة كوارث. وكانت مجلة «نيوزويك» قد قالت إن إغلاق حاكمي نيويورك وإلينوى ولايتيهما بعد ولاية كاليفورنيا، يعنى أن هناك قيودا معيقة فرضت على ربع الاقتصاد الأمريكي.
من ناحية أخرى، وجد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في دراسة تحليلية له، أن الصدمة التي تتسبب بها كورونا ستؤدي إلى ركود في بعض الدول، وستخفّض النمو السنوي العالمي هذا العام إلى أقل من 2.5%، وفي أسوأ السيناريوهات، قد نشهد عجزا في الدخل العالمي بقيمة 2 تريليون دولار. ودعت المنظمة إلى وضع سياسات منسقة لتجنب الانهيار في الاقتصاد العالمي، وأشارت إلى أن تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى أقل من 2% لهذا العام، قد يكلف نحو تريليون دولار، خلافا لما كان متوقعا في سبتمبر الماضي، أي أن العالم على عتبة ركود في الاقتصاد العالمي. ولم تستبعد الدراسة الإفلاس واسع النطاق، وربما ستتسبب «بلحظة مينسكي» وهي انهيار مفاجئ لقيم الأصول التي تمثل نهاية مرحلة النمو في هذه الدورة. أوروبيا، قال مدير منظمة الصحة العالمية إن أوروبا أصبحت الآن بؤرة وباء فيروس كورونا العالمي. وحض الدكتور غيبريسوس الدول على اتخاذ إجراءات صارمة للحد من التجمعات والتجمهر من أجل إنقاذ الأرواح، وأضاف: «لا تتركوا النار مشتعلة». وجاءت تصريحات غيبريسوس بعد إعلان العديد من الدول الأوروبية ارتفاعا حادا في عدد الإصابات الجديدة، وعدد الوفيات فيها. وأصبحت إسبانيا الأكثر تضررا بعد إيطاليا، فقد أعلنت ارتفاعا بنسبة 50% في الوفيات، ووصل عدد الإصابات إلى 4200. وفي أمريكا اللاتينية، ستعاني الأرجنتين أكثر من غيرها من الآثار المترتبة على هذه الأزمة. ولن تكون الدول النامية التي تعتمد على تصدير المواد الأولية بعيدة عن الأزمة، بسبب الديون وضعف العوائد التصديرية بسبب الدولار القوي.
وفي الوطن العربي سجلت السعودية أعلى نسبة في أعداد المصابين بكورونا، بين دول الوطن العربي، فوصل عددهم إلى نحو 511 شخصا، ما دعا الملك سلمان للقول: ليست السعوديّة هي الوحيدة التي ستُواجه ظروفًا صعبةً في الأيّام المُقبلة، وإنّما جميع دول الخليج والبُلدان العربيّة الأخرى أيضًا، فهذا الفيروس الوبائي يُمكن تصنيفه في خانة أسلحة الدّمار الشامل، ونتائجه الخطيرة مفتوحة على كُل الاحتمالات. أما عدد الحالات في الأردن فقد وصل إلى 112 حالة حتى الآن. وسجلت البحرين أعلى إصابات بـ 3 حالات جديدة. وانضمت سوريا إلى القائمة حيث سجلت أول إصابة بالفيروس المستجد. أما العراق فلا يزال يسجل أعلى نسبة وفيات بين دول الوطن العربي، وأصبح إجمالي عدد الوفيات 67. في افريقيا، وفي مصر، بلغ العدد الإجمالي للإصابات 1100 إصابة، فيما يقدر عدد الوفيات بـ26 وفاة تتوزع على 40 بلدا، حسب الحصيلة التي نشرها المركز الافريقي للوقاية ولمكافحة الأمراض. وتعتبر دول المغرب الكبير مع مصر من ضمن الدول الأكثر إصابة بالفيروس (الجزائر 90، والمغرب 77) حسب الإحصائيات الأخيرة المتوفرة. فيما تأتي جنوب افريقيا في طليعة الدول التي سجلت أكبر عدد من الإصابات (200 حالة) على مستوى منطقة جنوب الصحراء الكبرى.
اعتبر مفكرون استفتتهم مجلة «فورين بوليسي» مؤخرا، أن وباء كورونا حدث عالمي مدمر، وأن حرية العالم ستكون أقل انفتاحاً وستصبح أقل ازدهارا. وأن «هذا الوباء سيعزز القومية ـ ستفن والت»، وأن «السلطة ستتحول من الغرب إلى الشرق»، وأننا «سوف نشهد تراجعاً يتطلع المواطنون فيه إلى حكومات وطنية لحمايتهم». كما أن «الجمع بين فيروس قاتل وتخطيط غير ملائم وقيادة غير كفؤة وضع البشرية على مسار جديد ومثير للقلق ـ روبن نيبليت». ومما قالوه أيضا: «قد يكون الفيروس هو القشة التي قصمت ظهر البعير للعولمة الاقتصادية، فقد أثارت القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين، بالفعل جدلا كبيرا بين الحزبين في الولايات المتحدة على فصل الصين عن التكنولوجيا الفائقة التي تمتلكها الولايات المتحدة والملكية الفكرية، ومحاولة إجبار الحلفاء على أن تحذو حذوها». قال أحدهم أيضا: «سوف يجبر فيروس كورونا الحكومات والشركات والمجتمعات على تعزيز قدرتها على التعامل مع فترات طويلة من العزلة الاقتصادية الذاتية، حيث يبدو من غير المحتمل، إلى حد كبير في هذا السياق أن يعود العالم إلى فكرة العولمة المفيدة للطرفين، التي حددت أوائل القرن الحادي والعشرين، وبدون حافز لحماية المكاسب المشتركة من التكامل الاقتصادي».
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجية - كندا:

    ألشكر للدكتور فايز رشيد على مقال أليوم بخصوص وباء كورونا ألذي أثار جميع ألبشر
    بلا أستثناء. وهنا يمكننا ألقول أن كافة ما جاء بأقوال ألأطراف ألتي قامت مجلة «فورين بوليسي» بأستفتائهم لا غبار عليه وأهمها هو أنتقال ألسلطة من ألغرب ألى ألشرق وان هذا الفايروس هو القشة التي قصمت ظهر البعير للعولمة الاقتصادية, مما أثارت القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين جدلا بين الحزبين في الولايات المتحدة على فصل الصين عن التكنولوجيا الفائقة التي تمتلكها الولايات المتحدة. أنني منذ سنوات عديدة أتابع ما تخطط وتقوم به ألصين في هذا ألأتجاه وبرأي بأن التكنولوجيا ألتي تمتلكها الولايات المتحدة متوفرة لدى ألصين. كما أن مخزونها الهائل من ألذهب سيطرد ألدولار ألأمريكي ألخالي ألغطاء من لقبه بـ” سيد ألعملات”. وأن دول ألعالم لن تعود الى سابق عهدها سوى بعد تتويج ألصين بلقب “أمبراطورية ألقرن ألحادي وألعشرين”.

إشترك في قائمتنا البريدية