قناة تلفزيونية ألمانية تشعل قضايا المرأة السودانية

صلاح الدين مصطفى
حجم الخط
0

الخرطوم-“القدس العربي”:

أقل من ستين ثانية زمن المداخلة التي قدمتها الإعلامية والناشطة وئام شوقي في برنامج “شباب توك” الذي تقدمه القناة الألمانية “دويتشة فيلة” وقد أثارت هذه المداخلة القصيرة جدلا كثيفا وتداعيات لا تزال مستمرة على كافة الوسائط الاجتماعية في السودان.

“ماذا تريد المرأة السودانية اليوم؟” هو عنوان عدة حلقات تم تقديمها من الخرطوم ضمن جولة التلفزيون الألماني “DW” القسم العربي، حلقة من برنامجه “شباب توك” خصَّصها لحقوق المرأة في السودان.

شارك في الحلقات عدد من الشباب والمسؤولين السودانيين في مختلف المجالات، لكن وئام شوقي خطفت الأضواء من الجميع عندما خاطبت رئيس هيئة علماء السودان بلهجة حادة منتقدة التحرش الذي تتعرض له الفتاة السودانية قائلة: “الشخص الذي يتعامل معي بوصفي جسدا وليس إنسانا هو مريض. أنا أرتدي من اللبس ما يخضع لحريتي واختياري الشخصي وليس لعادات وتقاليد قديمة” وأضافت أن والدتها التي ترتدي الثوب السوداني لم تسلم من التحرش.

 وقد أثارت الحلقة اهتماماً كبيراً، وأحدثت ضجة متعاظمة في وسائط التواصل الاجتماعي، بسبب القضايا المثارة والآراء المتباينة التي عرضت فيها. بدأ الجدل عقب انتهاء الحلقة مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي التي اشتعلت فجأة بهذا الموضوع رغم وجود قضايا أخرى ساخنة ومهمة وبدأت الحملة ناقمة على وئام شوقي رغم مداخلتها القصيرة حيث أعاب عليها البعض مخاطبتها لشيخ كبير بهذه الحدة، بينما وضعها آخرون في خانة الخارجة عن تقاليد وقيم المجتمع السوداني.

امتد الجدل لينصب على قناة سودانية 24 التي شاركت في تنظيم الحلقة بتقديم الدعم للقناة الألمانية وطالب الكثيرون بإغلاقها ودخلت المساجد في الحملة في خطبة الجمعة التي تلت بث الحلقة وتم تصوير الأمر وكأنه صراعا بين العلمانية والإسلام.

بدأت المرافعات من والد الناشطة وئام شوقي الذي سارع لتأييد ابنته من خلال بيان ضد ما سماه “الحملة الشرسة المنظمة التي يشنها أشباه الرجال لتشويه صورة وئام شوقي (غلامة) على صفحات الميديا” مشيرا إلى أن هذه الحملة “تعكس بوضوح الضحالة الفكرية والمعرفية لدى كثير من أبناء الشعب السوداني ومدى البؤس الذي يخيم على عقولهم كما تعكس صورة جلية لتغلغل الفكر الداعشى في كثير من هذه العقول الصدئة”.

وأضاف: “معظم من سودوا صفحات الميديا لم يخرج منهم سوى خواء فكري”.

وأكد ثقته في وئام وختم بقوله: “هي ابنتي وقد خرجت من بيت أصيل ومن بيئة صحية وفرت لها المعرفة والأدب والاحترام ومعها الحرية في إبداء رأيها دون شطط، فدونكم هي حاوروها بالعقل والمنطق”.

وسارعت قناة سودانية 24 في توضيح موقفها من البرنامج مؤكدة عدم وجود أي علاقة لها بمحتوى برنامج “شباب توك” مشيرة إلى أن الحلقة لم تبث على شاشتها، أو على المنصات التابعة لها (على يوتيوب أو وسائط التواصل الاجتماعي) ولم يظهر شعار سودانية 24 عليها، ولا أحد مذيعيها طوال مدتها.

وقالت القناة السودانية في بيانها: “شباب توك من برامج التلفزيون الألماني، ويبث على شاشته، ويقدِّمه ويخطِّط له ويضع سياساته ويختار موضوعاته وقضاياه الإعلاميون العاملون في التلفزيون الألماني”. وأضافت أنه “وبحكم اتفاقية التعاون بين القناة والتلفزيون الألماني تنحصر مهمتها  في توفير الدعم الفني”.

وتساءلت عن سر العجلة في الاتهام، دون توفُّر أو توفير شاهد له، بل الاتجاه إلى التحريض المباشر وغير المباشر لإغلاق القناة.

وقالت: “سودانية 24 لها وثيقة حاكمة، بمثابة دستور داخلي، تضبط منهج عملها، ابتداء من تصور البرامج، مروراً بالموضوعات والقضايا والآراء التي تتبنَّاها أو تقبل بعرضها، ختماً بسَمْت وهوية منسوبيها وكادرها العامل الذي يظهر على شاشتها، وتكشف مسيرتها العملية خلال العامين المنصرمين عن نهجها ورؤيتها بما لا يمكن المزايدة عليه أو الانتقاص منه”.

لكن مدير القرية التراثية التي تم تسجيل الحلقة فيها أثبت في تعميم، صلة قناة سودانية بالبرنامج بعد أن تعرض لنقد عنيف من بعض أئمة المساجد باعتباره أحد كوادر الحركة الإسلامية. وخرج الدكتور محمد محيي الدين الجميعابي رئيس منظمة “أنا السودان” ليؤكد أن كل الاتصالات التي تمت معه لتسجيل الحلقة في القرية التراثية كانت عبر قناة سودانية 24 التي وصفها بأنها رتبت لهذا العمل، واستنكر مهاجمته في خطب الجمعة وادعاء أنه وراء الدعوات التي قدمت للضيوف، مؤكدا أن تسجيل البرنامج تم بموافقة كل الجهات المعنية وطالب باعتذار فوري وانتقد الجميعابي حديث رئيس هيئة علماء السودان مؤكدا أنه أضاع فرصة عالمية لتوضيح مدى الحرية التي تتمتع بها المرأة السودانية.

وأصدر البروفيسور محمد عثمان صالح، رئيس هيئة علماء السودان توضيحا حول مشاركته في برنامج شباب توك الذي سجلته وبثته القناة الألمانية DWعربي، وبالتعاون مع قناة سودانية 24.

واتهم عدة جهات بجره إلى فخ وقال: “اتصل بي مندوب القناة ودعاني للاشتراك في برنامج حول قضايا الشباب ظننت ان التسجيل سيكون في استديو القناة 24 سودانية لكن اتضح انه في مقر جمعية أنا السودان. ولما خرجنا وجدت جمهورا أغلبه من الفتيات الناشطات في العمل والنهج الذي يخالف ثوابتنا الاجتماعية وعقيدتنا الإسلامية. فوجئت بالموقف وكان أمامي أما الجلوس أو الانسحاب. رجحت الجلوس والاشتراك تحسبا لعدم استغلال الموقف والادعاء بان العلماء يهربون من الحوار حول قضايا الشباب فقررت البقاء والرد على أي شبهات أو مجادلات حول ما نراه حقا”.

وطالب صالح ان تضبط وزارة الإعلام نشاط القنوات التي تشوه صورة البلاد مثل هذه القناة. ويقصد القناة الألمانية، ولفت انتباه القنوات السودانية لما يحاك ضد البلاد فلا تتعاون مع الذين يأتون بقصد التشويه وانتباه الشباب لما يراد بهم من انفلات وبخاصة الفتيات. ودعا لاجتهاد العلماء والمربين والجهات المسؤولة في تحصين الشباب.

وجهات نظر مختلفة أطلقها صحافيون ونقاد وناشطون حول هذا الموضوع ورأى الناقد السر السيد أنه “لا مشكلة إطلاقا إلا مع الذين يسعون لتحويل الإسلام لقوة للقهر ولمنع الحوار وتجييره لمصلحة الثقافة الرجولية”.

ويقول الصحافي الطيب صالح: “يصر كثير من المنتمين إلى معسكر اليسار على ادعاء أن حملة الانتقادات القوية والعنيفة التي طالت برنامج “شباب توك” والفتاة التي ظهرت خلاله، يقف وراءها ونظمها من يسمونهم بـ “الجداد الإلكتروني” وهم أنصار النظام في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا في رأيي ادعاء كاذب”.

ويضيف أنه تناول هذا الموضوع دون تنسيق مع أي شخص أو جهة ة مؤكدا أن رؤيته رافضة للشكل المنحاز للبرنامج الذي حاول إظهار المعسكر المحافظ أو الديني بين السودانيين وكأنه الأقلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية