في يوم العمال العالمي… الهيئات النقابية المغربية تنتقد الحكومة: التضخم وغلاء أسعار المحروقات والغذاء أنهكت الطبقة العاملة

حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: أَحيَت الهيئات النقابية المغربية عيد العمال الأممي المتزامن مع يوم 1 أيار/مايو من كل سنة، معربة عن تضامنها مع نضال العمال والعاملات في المغرب وتطلعاتهم المشروعة نحو الكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كما خصَّصت النقابات المغربية وقياديوها حيزاً مهماً لتجديد التضامن مع العمال والعاملات في فلسطين، مُعبِّرين عن إدانتهم الشديدة لجرائم الحرب التي يُواصل اقترافها الكيان الصهيوني على مرأى ومسمع العالَم.
وأعربت النقابات المغربية، خلال احتفاليات ومهرجانات المخلدة لفاتح أيار/مايو، عن مواقفها من عدد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية، موجهة سهام انتقاداتها للحكومة بسبب التضخم والغلاء وارتفاع نسب الفقر والبطالة ولجوئها للمديونية الخارجية وتقليص خدمات القطاعات العمومية لفائدة القطاع الخاص في الصحة والتعليم والسكن.

الفوارق الطبقية

وقالت “المنظمة الديمقراطية للشغل”، إن هذه السنة عرفت تردِّياً كبيراً للأوضاع المادية والمعنوية للطبقة العاملة، ولعموم المواطنين بفعل تزايد فجوة الفوارق الطبقية، واتساع دائرة الفقر والهشاشة، وارتفاع نسبة البطالة التي بلغت 13 ٪ وفق تقرير “المندوبية السامية للتخطيط” (مؤسسة إحصائية رسمية)، نتيجة التضخم وموجة ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية والخدمات، واستمرار تفشي الفساد والريع ونهب المال العام كما كشفت عنه بعض تقرير “المجلس الأعلى للحسابات”، ما انعكس سلباً على الواقع المعيشي للطبقة العاملة والمتقاعدين وعموم الشعب، وعلى الشباب المغربي بصفة خاصة وعلى النساء الأجيرات اللواتي يشتغلن في ظروف محفوفة بالمخاطر ويتقاضين بالمقابل أجوراً أقل من الرجال بنسبة تعادل 40 في المائة. وانتقدت النقابة اختيارات الحكومة معالجة العجز الاقتصادي بـ “مديونية مفرطة تنفيذا لإملاءات البنك الدولي، وتقليص خدمات القطاعات العمومية لفائدة القطاع الخاص في الصحة والتعليم والسكن مقابل تزايد الهدايا للشركات الكبرى في القطاع الخاص، على شكل إعفاءات ضريبية لتسجيل أرباح قياسية، والتغاضي عن عدم احترامها لقانون الشغل، والاستمرار في خدمة الأثرياء” وفق تعبير بلاغ للنقابة بمناسبة فاتح أيار/مايو.
وأشار البلاغ إلى ارتفاع عدد أثرياء المغرب، حسب تقرير حول “الثروة الإفريقية”، بنسبة 35 في المائة مقابل ارتفاع معدل الفقر والهشاشة، حيث ما تزال 14% من الساكنة تعاني من الفقر متعدد الأبعاد، ما أدى إلى المزيد من تكريس التفاوتات رغم ورش الدعم الاجتماعي المباشر لبعض الأسر الفقيرة ودعم السكن الاجتماعي.
ودعا علي لطفي، الكاتب العام لـ “المنظمة الديمقراطية للشغل”، إلى دعم وتشجيع وتأهيل المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جداً ومهنيي النقل واللوجستيك متعددة الوسائط من خلال التخفيف من العبء الضريبي والرسوم والتحملات الاجتماعية، وضمان الدولة للاقتراض من البنوك بفوائد مقبولة اقتصادياً واجتماعياً لتشجيع الاستثمار الوطني وتسريع وتيرة نمو الاقتصاد الرقمي لتحقيق الأمن والاستقرار والتقدم الاقتصاد وإيلاء الأولوية للمقاولات المغربية لخلق فرض الشغل وتحسين جودة الحياة والتطور الاجتماعي، بالإضافة إلى خلق فرص الشغل للشباب ولخريجي الجامعات والدكاترة العاطلين عن العمل وإدماجهم في أسلاك الوظيفة العمومية والتعليم العالي ومؤسسات البحث العلمي وإلغاء نظام التسقيف لولوج أسلاك التعليم.
كما دعا إلى ضرورة تنفيذ الفصل الثامن من الدستور لوضع قانون النقابات ومعايير موضوعية شفافة للتمثيلية وإعادة الاعتبار للعمل النقابي وتنمية الوعي الديمقراطي في صفوف الطبقة العاملة وتنظيمها، وتحقيق السيادة الوطنية في المجالات الصناعية والغذائية والدوائية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بتوزيع عادل للثروة بإعادة النظر في قانون تحرير الأسعار والمنافسة وتحديد سقف للأرباح ومواجهة المضاربين والحد من الإثراء غير المشروع ومراجعة مرسوم تحديد أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية والتعريفة المرجعية للعلاج وتخفيض مساهمة الأسر المغربية في التكاليف الإجمالية للصحة.

غلاء وتضخم

وخلال تظاهرة نقابية في العاصمة الرباط، قال عبد الإله دحمان نائب الأمين لـ “الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب”، إن السنة المنصرمة تميزت باستمرار “غياب المراقبة وزجر الاستغلال الفاحش والتوزيع غير العادل والمعقلن للدعم الزراعي، وهو ما استمرت معه موجة الغلاء لأثمان الخضر واللحوم والخضروات التي تعرفها أسواق المغرب.
وأعرب “الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب”، عبر كلمة دحمان عن رفضه للمقاربة الحكومية في تدبير الشأن الاجتماعي. كما أدان الصمت الذي تنهجه الحكومة إزاء الانهيار الذي تعرفه القدرة الشرائية، وعاد للتذكير بالأرقام الرسمية الصادرة عن “المندوبية السامية للتخطيط” والمؤسسات الدولية متمثلة في ارتفاع معدل البطالة إلى 13 ٪، بفقدان الاقتصاد المغربي 157 ألف منصب شغل، فيما بلغت نسبة الأسر التي صرحت بتراجع مستوى المعيشة خلال 12 شهراً السابقة بـ 87 ٪، وأن أزيد من نصف الأسر (57,9 ٪) تتوقع تراجع مستوى المعيشة خلال سنة 2024. فيما صرَّحت 59.8 ٪ من الأسر بتدهور وضعيتها المالية خلال الشهور الـ 12 الماضية. إلى ذلك، طالبت نقابة “الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب” الحكومة، بتحمل مسؤوليتها الاجتماعية عبر تغيير مقاربتها للحوار الاجتماعي، من خلال اعتماد حوار اجتماعي وطني متعدد الأطراف، دون إقصاء لأي تنظيم نقابي بناء على حسابات سياسية ضيقة، لتجاوز تنامي مؤشرات الأزمة الاجتماعية، فضلاً عن سن إجراءات فورية لتسقيف الأسعار وإحداث توازن بين الاستيراد والتصدير من أجل التحكم في التضخم، وإلى اتخاذ إجراءات استعجالية للحفاظ على الأمن الغذائي للمغاربة، بعيداً عن خدمة شراهة بعض الأطراف الاقتصادية التي لا يهمها إلا العائد الربحي.

مديونية واستنزاف

أما الميلودي موخاريق، الأمين العام لـ “الاتحاد المغربي للشغل”، فاعتبر أن ما آلت إليه أوضاع الطبقة العاملة بالمغرب وعموم الفئات الشعبية من تدهور صارخ، يثبت مرة أخرى ضرورة إعادة النظر في اختياراتنا الاقتصادية والاجتماعية التي “تظل وفية لوصفات المؤسسات النقدية الدولية المعروفة، بإغراق الدول في المديونية وتكريس التبعية واستنزاف خيرات الشعوب ضدًّا على مصالحها الحيوية”، وفق تعبيره.
واعتبر القيادي النقابي متحدثاً خلال احتفالية فاتح أيار/مايو، أنه أمام هذه الأوضاع المتردية وتفاقم الاحتقان الاجتماعي في عدة قطاعات مهنية، تظل الحكومة “عاجزةً عن اتخاذ إجراءات ملموسة وجدّية للتّخفيف والحد من وطأة لهيب الأسعار، والضرب بقوة على يد المضاربين والوسطاء الذين يستمرون بكل جشع في الاغتناء غير المشروع ودون حس وطني أو تضامني”.
إلى ذلك، بادر “الاتحاد المغربي للشغل” إلى بلورة مذكرة مطلبية شاملة وجهها إلى رئيس الحكومة، تمحورت حول تحسين الأجور والدخل عبر الزيادة العامة في الأجور والرفع من الحد الأدنى للأجر في القطاع الصناعي والتجاري والقطاع الفلاحي، وتخفيض الضريبة على الأجور، وتطبيق السلم المتحرك للأسعار والأجور، وتنفيذ ما تبقى من اتفاق 30 نيسان/أبريل 2022، ورفع معاشات التقاعد.
وفي شق الحريات النقابية، طالبت الهيئة النقابية بإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي وتعزيز آليات ممارسة الحق النقابي وتنزيل الاتفاقية 135 لمنظمة العمل الدولية بجنيف، حول حماية الممثلين النقابيين وممثلي الأجراء. كما طالبت، بالنسبة للعلاقات المهنية، بإطلاق ومواصلة المفاوضات القطاعية وتتويجها بإبرام اتفاقيات جماعية، وتفعيل لجنة حل النزاعات الكبرى وتنقية الأجواء الاجتماعي.
واعتبر موخاريق أن جلسات الحوار الاجتماعي يوم 26 آذار/مارس المنصرم، أفضت إلى عرض حكومي أوَّلي، قال إنه “لا يرقى” لتطلعات الطبقة العاملة خاصة في الشق المتعلق بتحسين الدخل ودعم القدرة الشرائية، كما “تم رفض مبدأ مقايضة الزيادة في الأجور مقابل تمرير ملفات اجتماعية كبرى”، وفق تعبيره. وتابع: “استمرت المفاوضات لتحيين وتجويد العرض الحكومي، لتستجيب في النهاية الحكومة لمجموعة من مطالب ومقترحات “الاتحاد المغربي للشغل”، في إشارة إلى الاتفاق الاجتماعي المبرم بين رئيس الحكومة وزعماء النقابات الأكثر تمثيلية القاضي برفع الأجور وخفض الضريبة عن الدخل.

علاج المشاكل

بالنسبة للحكومة المغربية، فإنها تمكنت من معالجة “مشاكل عمَّرت في قطاعات عديدة، كقطاعي التعليم العالي والصحة، على أن تواصل الحوارات القطاعية من أجل استكمال البناء مع الفرقاء”، وفق ما أكده وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري.
وأوضح المسؤول نفسه، في كلمة بمناسبة فاتح أيار/مايو، أن الحكومة تولي اهتماماً خاصاً لمطالب الأجراء في القطاع الخاص، حيث تعمل من خلال مختلف الإجراءات والإصلاحات على توفير شروط العمل اللائق لهم، وفقاً للتوجيهات الملكية.
وتابع أن الإرادة الجماعية التي انبثقت من مصداقية الحوار الاجتماعي تمثل المكسب الأهم بالنسبة للمغرب، مشدداً على أن الحوار والتوافق هما السبيل لتذليل الصعاب والقيام بالإصلاحات اللازمة، على الرغم من الإكراهات.
كما أكد أن إرادة الحكومة والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين تبلورت بشكل واضح في مختلف جولات الحوار الاجتماعي، ما مكن من بلورة تعاقدات مهمة شملت العديد من الفئات، وفي مقدمتهم موظفو قطاع التعليم الذين “طالهم الحيف لمدة ناهزت ثلاثة عقود”، قبل أن تتم الاستجابة لمطالبهم المشروعة في عهد الحكومة الحالية، في أفق إرساء أسس مدرسة مغربية قوية وتثمين رأسمالها البشري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية