في ظل المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية المستمرة علينا ألا نحرف أنظارنا عن غزة فهذا ما يريده بايدن وحليفه نتنياهو

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

كان الحديث طوال الأسبوع الماضي حول الأزمة الإيرانية-الإسرائيلية وخروج الحرب المفتوحة بينهما للعلن، ففي الوقت الذي أصرت فيه حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو على أنها سترد بطريقتها على هجوم إيران في 13 نيسان/أبريل، حاولت إدارة بايدن «تخفيض التصعيد» وامتصاص الأزمة عبر تقديم تنازلات ووعود للحكومة التي لم تتوقف عن دعمها. وفجأة تغيرت نبرة الساسة الغربيون، من إسرائيل، فقد نجحت حكومتها باستثمار المواقف الغربية المتعاطفة معها بعد هجوم إيران، وعلينا ألا ننسى أن الأخيرة ضربت ضربتها، ردا على عدوان إسرائيل على قنصليتها في دمشق، حيث تدفق المسؤولون الغربيون وعلى رأسهم وزير خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون، الذي عاد إلى لندن بخفي حنين وبرفض إسرائيلي لمطالب عدم التصعيد.
والمهم في الجولات الدبلوماسية أن نتنياهو استثمر الضربة الإيرانية لحرف الانتباه عن ما يقوم به من مجازر في غزة والضفة الغربية وعمليات استيطان متسارعة في القدس الشرقية كما كشفت صحيفة «الغارديان» (17/4/2024) عن المشاريع الاستيطانية في القدس الشرقية التي تزايدت بوتيرة لا مثيل لها منذ هجمات اكتوبر. وتمت المصادقة على آلاف الوحدات السكنية على أراضي الفلسطينيين في باب العمود وضاحية بيت صفافا قرب القدس. وبالمقابل زاد تغول المستوطنين وعنف الجيش الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية.

حرب نتنياهو الأبدية

ففي الماضي كان الجيش إذا أراد ملاحقة فلسطينيين يدخل تحت جنح الليل أو يرسل وحدات المستعربين الذين يتخفون كفلسطينيين ويقومون باغتيال من يريدون، أما اليوم فيقوم باستدعاء دوريات الجيش والجرافات ليمعن في الهدم والتدمير كما حدث في مخيم نور شمس في عملية قتل فيها خمسة شبان فلسطينيين، وخلف الجيش وراءه عندما انسحب دمارا هائلا، امعانا في العقاب الجماعي للفلسطينيين. وهي استراتيجية واضحة في ما بعد الدمار الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي في غزة، وبدت واضحة في عملياته بمستشفى الشفاء الشهر الماضي حيث خلف وراءه دمارا لا مثيل له وحطاما لأهم مركز طبي في كل قطاع غزة ومقابر جماعية لا يزال الفلسطينيون يكتشفونها كل يوم. وتكرر المشهد في مخيم النصيرات، وتريد حكومة نتنياهو تكرار العملية في رفح، حيث سرت تقارير عن موافقة إدارة بايدن على عملية اقتحام رفح، مقابل عدم رد إسرائيل على الضربة الإيرانية. لكن نتنياهو الماهر في استغلال الدول الغربية يريد قضم الكعكة كلها، وبدون تقديم تنازلات، والشعار هو أنه لو بدا ضعيفا أمام تحالفه المتطرف فسيخسره ويدخل انتخابات جديدة، فالحرب الأبدية هي ما يريدها، وهي الحقيقة التي لم تفت عن ملاحظة كيث غاسين في مجلة «نيويوركر» (13/4/2024) الذي قدم فيه رؤية بيروقراطيين ومحللين في شؤون السياسة الخارجية الذين وصفوا فشل بايدن في التدخل لوقف الحرب، وطبيعتها الاستثنائية في غزة، فهي حرب ليست كالحروب الأخرى، سكان غزة عالقون بين رفض مصر التخفيف عنهم وضربات الجيش الإسرائيلي، وطريقة إدارة الحرب التي لم تميز بين مقاتل ومدني، حيث زاد عدد القتلى، إلى جانب إصرار بايدن على عدم التدخل ووقف الكارثة في غزة. وعندما هدد بالتدخل، عاد مرة أخرى للتأكيد على دعمه المطلق لإسرائيل. وسارع لتنظيم تحالف «الدول الشريكة» من أجل مواجهة الرد الإيراني على إسرائيل. ورغم إعلان طهران عن ضربتها المتوقعة لإسرائيل إلا أن الضربة فقدت عنصر المفاجأة وسقطت معظم الصواريخ والمسيرات الإيرانية قبل وصولها للأجواء الإسرائيلية. واعتبرت إيران أن ردها قد انتهى وأعربت عن عدم رغبة للتصعيد. لكن نتنياهو الذي كشف الدعم الخارجي له عن ضعفه واعتماده على المساعدة الخارجية وخاصة من دول عربية حاولت أن تخفي دورها، أصر على الرد، وفعل صباح يوم الجمعة بدون إخبار راعيته أمريكا، كما كشف تقرير لموقع «ميدل إيست آي»(19/4/2024) وأن إسرائيل لم تكشف ردها على طهران مع أنها أعطت المسؤولين تأكيدات بأنها لن ترد إلا بعد نهاية «عيد الأنوار» اليهودي. كان الهجوم الذي نفذته مسيرت وصواريخ ضد قاعدة جوية في أصفهان محدودا بهدف عدم التصعيد. وحسب التقارير الإيرانية فالأضرار محدودة ولم تطل المفاعلات النووية في نطنز وغيرها وهو ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكشف وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني أن إسرائيل أخبرت الولايات المتحدة في الدقيقة الأخيرة من تنفيذ ردها على إيران. في وقت رفض فيه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن التعليق على هامش مؤتمر مجموعة الدول السبع التي أقرت في مدينة كابري الإيطالية حزمة عقوبات ضد صناعة المسيرات والصواريخ الإيطالية. وهي عقوبات لن تترك أثرها على إيران التي تعتبر أكبر دولة تواجه عقوبات في العالم، واستطاعت على مدى السنوات الماضية التحايل عليها من خلال أحلاف مع روسيا والصين وكوريا الشمالية.

توريط أمريكا

وعلى خلاف غياب عنصر المفاجأة في هجوم طهران تأكدت إسرائيل من سريتها، وحنثت بوعدها بألا تتصرف قبل أن تخبر الولايات المتحدة. فقد اشتكى لويد أوستن لنظيره الإسرائيلي يواف غالانت بعد عملية القنصلية بأن التصرفات الإسرائيلية تعرض حياة الجنود الأمريكيين للخطر. ولهذا كان رد الفعل الأمريكي بعد الهجوم في دمشق هو إرسال رسائل لطهران أنها لم تشارك في العملية.
وهو نفس التصرف بعد رد إسرائيل، حيث أكد بلينكن أنه لا يريد الحديث عن الهجوم وأن أمريكا لم تهاجم أو تشارك في أي هجوم بالمنطقة. وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» (17/4/2024) عن الورطة التي خلقتها إسرائيل لأمريكا في هجومها ضد قنصلية إيران. وقالت إن الإسرائيليين أخطأوا في حساباتهم بشدة، معتقدين أن إيران لن ترد بقوة. وحتى بعد أن أصبح من الواضح أن إيران سترد، اعتقد المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون في البداية أن حجم الرد سيكون محدودا إلى حد ما، قبل أن يتدافعوا لمراجعة تقييمهم مرارا. وعندما وقع الرد، كان استعراض القوة الإيراني كبيرا. وفي محاولة ردع إسرائيل عن الرد استخدم بايدن لعبة المقايضة مع نتنياهو «لديك فوز، فخذ الفوز». وكان بايدن يعني بهذا التحالف الإقليمي أو الشراكة الأمنية التي ليست صيغة «ناتو شرق أوسطي» بل شراكة دخلت فيها دول عربية ولأول مرة في مواجهة ضد إيران، وقد اندفعت هذه الدول بمصالح ضيقة من ناحية التقارب مع الولايات المتحدة والحصول على حظوة واشنطن ومباركة منها.

تحالف مصالح

وقد التقطت الصحف الأمريكية هذا الخط وأكدت على أهمية التحالف وما فعلته دول عربية ولم يكن مفكرا به قبل عقود، أي الوقوف ضد دولة إسلامية ودعم دولة ظلت العدو المركزي للنظام العربي.
وكما أشار موقع «ذي انترسيبت» (18/4/2024) فقد حاولت الدول التي شاركت في الدفاع عن إسرائيل إخفاء دورها، مع أن الصحافة الإسرائيلية لم تترك لها أي مجال للتخفي. وكان التعاون جزءا من الأحلاف العسكرية والأمنية والقواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة من أجل حماية إسرائيل وإن قدمتها أمريكا كوسيلة لمواجهة إيران وخطرها على المنطقة. وجاء في تقرير الموقع أن الشركاء السريين يبذلون الآن قصارى جهدهم لإنكار أدوارهم، في حين يقومون في الوقت نفسه بتسليم رسالة خفية إلى إسرائيل (والولايات المتحدة) مفادها أنهم لن يكونوا متعاونين إلى هذا الحد في حال قيام إسرائيل بالتصعيد أكثر. وكان الأردن الذي شاركت طائراته أف-16 الأمريكية الصنع غامضا في تحديد الدور أو الكشف عن الطائرات التي أسقطها. فيما تعاونت دول مثل السعودية والإمارات في المجال الاستخباراتي وتمرير معلومات إلى الولايات المتحدة عن الخطط الأمريكية.
واستبعد ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» (18/4/2024) أن أن تكون المشاركة العربية بداية «شرق أوسط جديد» فهذا التعاون كان دافعه المصلحة للأنظمة العربية التي تفتقد الشرعية بين سكانها، وخاصة في ظل موقفها من الوضع في غزة وقمع الفلسطينيين. ورأى أن التعاون الذي تم تحت رعاية القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، كان محاولة من إدارة بايدن إظهار أنه وبعد سنوات من الابتعاد عن التورط في الشرق الأوسط، يمكن أن تكون أمريكا مصدرا للأمن لإسرائيل ولحلفائها العرب. وأضاف أن الحملة الإسرائيلية القاسية في غزة وضعت الكثير من الضغوط على العلاقات العربية-الإسرائيلية. ومن هنا كان الموقف العربي من المشاركة تحت مظلة القيادة المركزية والتأكيد انه للدفاع عن النفس كما قال العاهل الأردني، عبد الله الثاني. ونقل عن مراقب للشرق الأوسط أن تعامل الدول العربية يعتمد في النهاية مع العمل العسكري وشرعيته، فمقارنة بتعاونها ضد إيران لم تنضم ولا أي دولة عربية- باستثناء البحرين- للتحالف البحري الذي قادته أمريكا ضد الحوثيين في اليمن. ومن هنا تم تصوير ضرب المسيرات والصواريخ الإيرانية بأنه محاولة للدفاع عن السيادة ومنع الحرب الإقليمية. ويشير كوك أن محاولة الأنظمة العربية وخاصة النظام الأردني الحفاظ على علاقات مع إسرائيل، دافعها الأساسي هو الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة التي تعتبر المانح الأكبر له وخاصة في المجال العسكري. كما أن الولايات المتحدة فرضت بوضعها إسرائيل ضمن مسؤوليات القيادة المركزية في 2021 معادلة جديدة على الدول العربية وهي إجراء حوار مع إسرائيل. وحتى مصر التي لم تلعب دورا مهما في رد الهجوم الإيراني ضد إسرائيل، حاولت التأكد من الحفاظ على حوارها الأمني والقوي مع إسرائيل رغم الأزمات المتكررة في العلاقات وبسبب حرب غزة.
ويرى كوك أن التعاون الأمني الذي حدث ضد إيران أظهر قدرة القيادة الأمريكية، فبعد عقود من الاستثمار في الشرق الأوسط، بدون نتائج، كان تعاون 13 نيسان/أبريل دليلا على قدرة أمريكا تحقيق الفرق لو أرادت التحرك. لكن النقاد سيقولون إن هذه القيادة كانت مدمرة في غزة لأنها واصلت منح الجيش الإسرائيلي السلاح الفتاك لقتل الأبرياء والعزل وتدمير كل مظاهر الحياة هناك، وهي نقطة قوية، لكن كوك يقدم وجهة نظر مضادة وإن كان النقاد يريدون حربا شاملة بدلا من هذا.

أبعدوا الملف عني

وفي الوقت الذي أظهرت فيه واشنطن قيادة لحماية أمن إسرائيل لم تظهر نفس القيادة لحماية الفلسطينيين ولا في التعامل مع إيران. ففي تقرير لمجلة «بوليتيكو»(17/4/2024) سألت فيه معدة التقرير إن كان لدى بايدن استراتيجية واضحة تجاه إيران، فقوبلت بالضحك، وقال مسؤول إن الجواب «لا» هناك أساليب ولكن الرئيس يفضل أن يكون الملف بعيدا عنه أو حتى نسيانه. ومن هنا فعندما تكون «القيادة الأمريكية» انتقائية، فلا أحد يصدقها. وبدا هذا واضحا في موقفها من طلب فلسطين للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، بدلا من وضع مراقب. فبعد تصويت 12 دولة في مجلس الأمن، صوتت أمريكا ضد القرار وكان هو لا غيره، روبرت وود، نائب السفيرة الغائبة عن الجلسة، مع أنه لم يرفع اصبعه بل أحد أعضاء البعثة.

صيف ساخن

لكل هذا لا يزال بايدن يواجه غضبا من قواعده الانتخابية، واستمرار الحرب في غزة وزيادة الجماعات المؤيدة لإسرائيل حملتها ضد مؤيدي إسرائيل تحمل نذر شؤم له والذي وإن قلل الفجوة بينه ومنافسه دونالد ترامب إلا أن هناك مخاوف من خسارته قواعد دعمته في عام 2020. وأشارت صحيفة «واشنطن بوست»(16/4/2024) في تقرير إن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين بداية الأسبوع التي تسببت باختناقات لحركة المرور في المدن الأمريكية يمكن أن تنذر بصيف متقلب من الاحتجاجات، ما يخلق تحديا للرئيس بايدن. ويشير المحللون إلى أن الحركة المؤيدة للفلسطينيين أصبحت الآن عبارة عن شبكة مترامية الأطراف من المجموعات، التي لدى العديد منها وجهات نظر مختلفة حول التكتيكات المقبولة أو الفعالة. تتمتع العديد من الجماعات ببنية قيادية منتشرة – أو لا يوجد قائد على الإطلاق – وهذا يمكن أن يجعل من الصعب بشكل خاص التنبؤ بالخطوات التالية للحركة. ومن هنا زادت دعوات قمع المتظاهرين وإن بشكل متطرف، كما السناتور عن تكساس حيث دعا السناتور الجمهوري عن أركنساس، توم كوتن المواطنين الأمريكيين لأخذ القانون بأيديهم ومنع المتظاهرين المؤيدين لفلسطين الذين يحاولون إجبار الرئيس جو بايدن على تغييرسياسته من الحرب الدائرة في غزة.

محاكم التفتيش

ولعل أقصى صورة عن محاكم التفتيش ما أورده موقع «ميدل إيست آي»(15/4/2024) عن تعليق عمل محاضرة أمريكية لأنها كتبت مقالا خالف السرد الأمريكي المؤيد لإسرائيل. فقد كتبت العالمة السياسية جودي دين مقالا تصف فيه كيف حاولت الأوساط الأكاديمية والعلمية السائدة مراقبة شعور الناس تجاه الهجوم الذي قادته حماس من غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، فتم منحها إجازة من منصبها التدريسي في كلية هوبارت أند وليام سميث. ولكن التخويف ماض والمكارثية تظهر في أعلى صورتها قبحا، كما كشفت جلسة استماع مع رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق التي ضحت بالحرية الأكاديمية على حساب مصلحتها الشخصية وتجنبا لمصير رئيستي جامعتي هارفارد وبنسلفانيا، اللتان اتهمتا بمعاداة السامية. وقد شملت المحاكمة لشفيق استعادات من سفر التكوين والعهد الذي قطعه الرب لإبراهيم لمباركة إسرائيل، وهوجم الباحث المعروف جوزيف مسعد.

غزة هي البوصلة

وفي النهاية تريد الإدارة من الناس نسيان فلسطين والتركيز على إيران، لكن «الغارديان»(18/4/2024) تذكرنا إن «شبح الصراع الإقليمي واسع النطاق، والوفيات العديدة التي يمكن أن تنجم عن ذلك، يجب ألا يصرف الانتباه عن ما يقرب من 34 ألف فلسطيني قتلوا بالفعل في غزة، وفقا للسلطات الصحية في غزة، وغيرهم الكثير الذين سيموتون قريبا إن لم تكن هناك مساعدة فورية. وقف إطلاق النار وزيادة هائلة في المساعدات فيما وصفه غوتيريش بمشهد الجحيم الإنساني».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية