فيروس كورونا يرسم ملامح نظام عالمي جديد

حجم الخط
1

من المبكر الخروج باستنتاجات قاطعة، بعد مرور حوالي أربعة شهور على وباء كورونا، ورغم كل المحاولات لم يتم القضاء عليه. ولم يتم التوصل لإيجاد علاج ولقاح فعاليّن له، الأمر الذي يعزز من الاحتمالات المستقبلية في متغيرات النظام العالمي.
شبّه كثيرون كورونا بحرب عالمية ثالثة، وأعلنت جامعة جون هوبكنز الأمريكية أن عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا على مستوى العالم، قد تخطى المليون حالة، حسب الإحصاءات التي تجريها، في ما يعد علامة فارقة في تطور الوباء بعد نحو ثلاثة أشهر من ظهوره. ومثلما تركت الحربان العالميتان الأولى والثانية تداعياتهما السياسية والاقتصادية، التي تمثلت بعد كل حرب بشكل جديد للنظام العالمي، فبالضرورة فإن وباءً بهذا الحجم أصاب غالبية دول العالم، سيترك متغيراته الجيوسياسية على هذه الدول شئنا أم أبينا. وفي تقدير لصندوق النقد الدولي، أن خسائر الاقتصاد العالمي ستبلغ خلال عامين9 تريليونات دولار، بسبب كورونا. وأضاف الصندوق أن الاقتصاد العالمي في 2020 سيكون الأسوأ منذ الكساد العظيم، مضيفا أن اقتصاد العالم سينكمش 3% في هذا العام. وهو يتوقع أسوأ انحسارفي العالم منذ 4 عقود، وهبوطاً حاداً في منطقة اليورو.
وقال الصندوق «من المتوقع أن تؤثر هذه التطورات بشكل كبير على مصدري النفط، الذين لا يتمتعون بتنوع اقتصادي، لقد أنهكت إجراءات الإغلاق الهادفة لاحتواء فيروس كورونا المستجد الاقتصاد الأوروبي. والتوقّعات تقدر أن يتراجع اقتصاد أوروبا 7.5% هذا العام. فاقتصاد بريطانيا، التي انسحبت من الاتحاد الأوروبي في يناير الماضي سينكمش بنسبة 6.5%. ورجح الصندوق أن يكون أداء الاقتصاد في منطقة أوروبا بالمجمل الأسوأ في العالم. وذكر صندوق النقد أن الاقتصاد الفرنسي سيتراجع بنسبة 7.2% بدلاً من التحسّن بـ1.3%. لكن وزير المال الفرنسي برونو لو مير، توقع انكماشاً أسوأ نسبته 8% مع إعلان بلاده، تمديد الإغلاق الشامل حتى 11 مايو أي شهرا إضافيا.
وبالنسبة إلى اقتصاد ألمانيا أفاد الصندوق أنه سينكمش بنسبة 7%، بينما إيطاليا، التي تعد بين الدول الأكثر تأثرا بالفيروس، ستتضرر بشكل كبير اقتصادياً، حيث يتجه الاقتصاد الإيطالي إلى التراجع بنسبة 9.1% في 2020، من جانبه أكد روجر داو، الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية السفر الأمريكية، أن الولايات المتحدة، كباقي دول العالم تعرضت لخسائر اقتصادية فادحة منذ تفشي فيروس كورونا المستجد فيها. ونقلت شبكة «سي أن أن» الإخبارية الأمريكية، عن داو قوله، إن الاقتصاد الأمريكي تكبد خسائر بلغت 800 مليار دولار، حتى الآن، منها 355 مليار دولار فى مجال صناعة السيارات وحدها، وأشار داو إلى أن أزمة كورونا ستزيد من مشكلة البطالة فى أمريكا، فنحو 4.6 مليون عامل فى مجال صناعة السفر سيفقدون وظائفهم. الرئيس التنفيذي لشركة «يونايتد إيرلاينز» أوسكار مونوز قال، إن الأزمة الاقتصادية الحالية أسوأ من الأزمة الاقتصادية التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر. وقال مونوز في رسالته إلى الكونغرس، ووزارة الخزانة نيابة عن حوالي 100 ألف موظف في شركة يونايتد إيرلاينز: «يرجى التصرف بسرعة لحماية سبل عيشنا». وكانت البورصة الأمريكية قد تعرضت لخسائر فادحة خلال الأشهر الماضية، بعد تفشي الفيروس فى الولايات الأمريكية الـ50. فقد انهارت بورصة وول ستريت، وسجّل مؤشّرها أسوأ جلسة له منذ الانهيار المالي في 1987 بخسارته 10% من قيمته، وهوت أسعار النفط إلى أدنى مستوى فى 18 عاما، فى حين بلغ خام برنت أدنى مستوى في 16 عاما.
لقد اقتصرت الأزمات الإنسانية المختلفة في القرن الماضي والحالي على دول العالم النامي في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية، حتى وصل العديد من الدول الافريقية واليمن إلى المجاعة الحقيقية، ومات عشرات الآلاف جوعا.

أثبت كورنا فشل أنظمة العالم المختلفة في سرعة العمل والاتفاق على برامج للوقاية من الوباء

عاشت شعوب بأكملها أزمات الصحة والتعليم والطبابة والفاقة والأمية، وعدم إيجاد السكن ومديونية الفرد نتيجة لمديونية الدولة، كما عانت الحروب البينية التي أشعلتها الدول الرأسمالية، أو كانت الدافع المباشر لأنظمة في المنطقة والإقليم لإشعالها في ليبيا والسودان واليمن وسوريا والعراق، ويعاني إنساننا الفلسطيني في منطقة 48 من العنصرية الصهيونية، وفي الضفة الغربية وغزة، ظروف الاحتلال الفاشي، والحصار والمذابح والاعتقال، وهدم البيوت، وسرقة الأراضي من أجل الاستيطان، وخلع الأشجار والقتل اليومي أمام العالم بأسره، وبدلا من معاقبة إسرائيل على جرائم حرب الإبادة التي ترتكبها منذ ما قبل إنشائها (عن طريق المنظمات الإرهابية الصهيونية) وبعد إنشائها وحتى الآن، فإن الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية ساندت وتساند، دولة آخر احتلال في العالم، وتحميها من أي إدانة سياسية في المنظمات والهيئات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان. ولكن الآن الأزمة تطال الجميع الأغنياء والفقراء، والحبل يلتف حول عنق الملياردرير ومن لا يجد قوت يومه، ويوما بعد يوم تتضاعف المخاطر وتصاب أعداد كبيرة جديدة بكورونا، والكل بانتظار مركز بحث علمي يتوصل إلى علاج ولقاح لها!، ونرجو أن يتم ذلك في أقرب فرصة إنقاذا للإنسانية جمعاء.
صحيح، نحن نعيش عصر الثورات التكنولوجية والصناعية والإلكترونية والاتصالاتية والتسليحية، لكن فيروسا، أثبت فشل النظام الصحي العالمي وتخلفه في دول كثيرة، بما فيها أقوى دولة في العالم، على الرغم من التحذيرات المسبقة، من احتمال ظهور وباء في أمريكا والعالم، وقد أوردت صحيفة «ذا نيشن» الأمريكية في تقرير لها نص تحذير قدّمه البنتاغون للإدارة الأمريكية عام 1917 بعنوان: «استعدوا لوباء قاتل وحضّروا المواد والأجهزة الطبية اللازمة»، لتدحض ادعاءات الرئيس دونالد ترامب بأنّ «كوفيد- 19غافل الولايات المتحدة». وأوردت الصحيفة نص التقرير المكون من مئة وعشر صفحات.
منذ بدء وباء كورونا سجل الأمريكيون تقصيرا كبيرا على الرئيس ترامب في اتباع الوسائل الضرورية لمقاومة الوباء. وإمعانا في مكابرته، أعلن الرئيس الأمريكي، أنه أمر بتعليق المساهمة المالية التي تقدمها أمريكا إلى منظمة الصحة العالمية، بسبب ما وصفه بـ»سوء إدارة» المنظمة التابعة للأمم المتحدة لأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد، وبدلا من أن يضع يده في يد الصين، ينوي رفع قضايا جنائية عليها. لقد أثبت كورنا فشل أنظمة العالم المختلفة في سرعة العمل والاتفاق على برامج للوقاية من الوباء، ووضع خطط علمية بحثية ضمن تقسيم أدوار مدروس للدول في البحث العلمي لإيجاد علاج ولقاح لهذا الفيروس الذي يهدد البشرية جمعاء. في الحروب العالمية والكونية السابقة يستطيع الإنسان أن يفهم وجود جماعتين متحاربتين، وانقسام الرأي العالمي بين تأييد هذا الفريق أو ذاك! لكننا لا نفهم الاختلاف الحاصل بين هذه الدولة أو تلك (أمريكا والصين مثلا) في محاربة العدو ذاته (الوباء) أي أن كل العالم يحارب في جبهة واحدة.
تقول الفلسفة، «السياسة اقتصاد مكثّف» فلا يمكن الفصل بين الجانبين، فالتأمين الصحي وكافة الخدمات المنوط بالدولة تقديمها لمواطنيها، منذ ولادة الفرد حتى شيخوخته وموته، هي ليست منّة من هذا النظام أو ذاك، بل هو انتخب أو أوجد لتحقيق هذه القضايا والاحتياجات الإنسانية البحتة لمواطنيه. لقد أثبت كورونا أن الشعوب ومصالحها واحتياجاتها في واد، وخطط العديد من الأنظمة لمواجهة وباء حاصد (في واد آخر)، فمن نظرية «القطيع» لبوريس جونسون، إلى التأخر في مواجهة الوباء لترامب، وإيلاء الأهمية للاقتصاد على حساب صحة الفرد، وعدم تنادي أهم تجمع جيوسياسي عالمي (وهو منظومة دول الاتحاد الأوروبي) إلى وضع الخطط التكاملية بين دوله، لمواجهة وباء كورونا وتقديم المساعدة لبعضها بعضا، سيساهم بالمعنى الفعلي في تفكيك هذا الاتحاد، ورئيس وزراء بريطانيا أخطأ خطأ العمر القاتل، الذي حتما سيؤثر في مستقبله السياسي، كذلك الرئيس ترامب بالنسبة لكل قراراته ومحاولته مصادرة حق الكونغرس في تعيين بعض رجالات الدولة والقضاة.
تتطلب مكافحة كورونا تطوير قطاع الصحة العامة، وتعميم الوقاية والرعاية الصحية الجيدة، وليس من باب الصُّدفة أن تجد جميعُ البلدانِ التي قامت بخصخصة القطاع الصحي صعوبةً في وقف انتشار الفيروس، لكن دولة صغيرة ومُحاصَرة منذ ستة عُقُود، وتنقُصُها الموارد مثل كوبا، تُساعد دولا أوروبية (إيطاليا وإسبانيا وفرنسا) بالأطباء والمُعدّات. بالتأكيد ما حصل حتى الآن، ولم ينته، سيترك تداعياته الملموسة ولو بعد حين في أشكال الأنظمة السياسية المقبلة ومحتواها والأساليب الجديدة بالضرورة فيها. كما في شكل الدولة أولا، وفي أدائها وفي دستورها، أي مثلما قال جون مينارد كينز عام 1929: يتوجب أن تكون الدولة ذات دور اقتصادي اجتماعي «دولة متدخلة» وليست «دولة حارسة»، كما يفهمها النظام الليبرالي. إننا مع دعوة أنطوني أنيت «إلى استعادة الجانب الأخلاقي للفكر الاقتصادي. وصنع السياسات ضمن مفهوم المصلحة العامة للمجتمع.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجية:

    ألشكر للدكتور على مقال أليوم بخصوص تأثير فيروس كورونا على أقتصاد ألعديد من ألدول وما سيتركه على ألنظام ألأقتصادي ألعالمي في ألسنوات ألقادمة. أن ألغريب في أنتشار هذا ألفيروس هو ألأعلان عن أول أصابة قد حصلت كانت في مدينة ووهان في ألصين بتاريخ 17 نوفمبر 2019 وكان هذا بعد شهر من أنتهاء مباريات قوات ألدفاع ألدولية في ووهان ألتي جرت خلال ألفترة من 18 الى 27 أكتوبر ألتي أشتركت بها معظم دول ألعالم.ألسؤال هنا هل أن أنتشار هذا ألفيروس في مدينة ووهان في هذا ألوقت هو مجرد صدفة.

إشترك في قائمتنا البريدية