فلسطين: وزيرة تُحيي العنصرية في السياسة البريطانية!

ما زالت فلسطين تقف على أعتاب الفناء، وهذه ليست لغة درامية؛ غلب فيها الخيال على الواقع، الذي أضحى أغرب من الخيال، وذلك بعد أن تقدمت وزيرة الداخلية «بريتي باتيل» في الشهر المنصرم (نوفمبر 2021)؛ بطلب لمجلس العموم لحظر حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بكل أجنحتها في المملكة المتحدة، وقد يكون ذلك الحظر موائما للسياسة البريطانية الراهنة المفرطة في عنصريتها، وصهيونيتها، وفي تأثيرها على السياسات الغربية عموما والأمريكية على وجه الخصوص، فتتخذ ما تراه من إجراءات ومواقف، ويقف وراءها رأي عام؛ يقدس الصهيونية؛ ويصل بها إلى درجة التأليه والعبادة، بغض النظر عن مَن المعبود ومَن العابد، ودون تقدير لأي اعتبار أخلاقي أو خطر سياسي واجتماعي وإنساني، ويعي القادمون من بلاد العالم الثالث ذلك جيدا.
بادرت وزيرة الداخلية البريطانية، وهي واحدة من بنات المستعمرات التي رزحت لسنوات تحت نير الاحتلال الامبراطوري البريطاني في جبروته وتجبره؛ كانت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس؛ لم تستشعر الوزيرة البريطانية ذات الأصول الهندية، والطباع الإفريقية، لم تستشعر حرجا أمام تاريخ الهند الأصلي، وهي بحجم قارة أو «شبه قارة»؛ مساحتها شاسعة، وشعوبها متنوعة، وأعراقها وقومياتها وثقافاتها ولغاتها وثرواتها متعددة، ونشأت الوزيرة وترعرعت في أوغندا، ويبدو أنها نزحت عنها في زمن عيدي أمين، وتناست من ثاروا من الآباء والأجداد الهنود على الاحتلال البريطاني، الذي حول «شبه القارة الهندية» لمزرعة شاسعة للأفيون، وتصديره للمحتكرين البريطانيين، الذين يبيعونه بدورهم لتجار صينيين، والبريطانيون لهم باع استعماري محفور في الذاكرة العامة للأجيال المخضرمة. وكان أغلب النشاط الاستثماري مركزا على زراعة وتجارة الأفيون، وعُرِفت بتجارة الموت، وقد أشعلت أكثر من حرب، واندلعت أولى حروب الأفيون في 1940، واشتعلت حرب الأفيون الثانية عام 1856، واستهدفت صحة الشعب الصيني. وبلغ ضحاياها الآلاف في القرن التاسع عشر، وقد يكون موقف الوزيرة ملائما لمصالح طبقتها ولتطلعاتها السياسية.
وأنا لست من أتباع «الإسلام السياسي» ودعوة «حماس» لإقامة دولة فلسطينية تأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية، وما نعلمه عن «حماس» أنها حركة مقاومة لتحرير فلسطين، وطريق التحرير تتعدد مداخله وأساليبه، وقد تُسْتَبدَل الهياكل العنصرية بهياكل وبُنَى تبتعد عن العنف وعن الفصل العنصري، وتجربة جنوب إفريقيا ونيلسون مانديلا ما زالت حاضرة في الذاكرة الجمعية للفلسطينيين، ومن الممكن أن تكون دولة القانون سبيلا لإدارة وطن فلسطيني محرر؛ بلا استيطان أو فصل عنصري، وبناء دولة ومجتمع يتسع لكل أبنائه.

 سمم الانتداب عقول أجيال المستوطنين، الذي وفدوا على فلسطين وفعلوا فيها الأفاعيل

وإذا ما اضطر الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال إلى المقاومة، وهو يعلم أن لها أكثر من شكل ومدخل، وليس شرطا الغرق في أوحال العنف إلا إضطرارا، ونحن نعرف أن فلسطين كانت وطنا جامعا للأديان السماوية، والثقافات الإنسانية على تنوعها، وأهلها مجبولون على العيش في بيئة كانت مهبط الرسالات السماوية، وعاش على أرضها أكثر من رسول وظهر فيها أكثر من دين.
وكان من واجب الوزيرة فهم ذلك، والتريث والتأني، فاتخاذ قرار بمثل هذه الخطورة يقتضي الانتظار، وإلا زاد الأمر تعقيدا واشتعالا، وحتى لو تم حظر الجناح العسكري لحماس في المملكة المتحدة، فكان الأمر أدعى لمزيد من الدراسة، والادعاء بأن ذلك تم بعد تقييم جديد للموقف، وخلصت الوزيرة إلى وجوب حظر الحركة برمتها، وهذا صب زيت على نار في منطقة في أمس الحاجة لاستقرار وتهدئة وإطفاء الحرائق، وتهيئة الناس للاحتكام للعقول، والتسويات العادلة، التي تراعي مصالح جميع العناصر والقوى، والإدعاء أن من شأن دعم الجهود المبذولة لحماية الشعب البريطاني والمجتمع الدولي في مكافحة العالم للإرهاب. ومكافحة الإرهاب شيء واستخدامه سيفا مصلطا على رقاب الفلسطينيين؛ لا يحل ولا يربط.
ومعنى حظر حماس أصلاً بكل أجنحتها في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ ليس حجة في قضية ما زال العالم عاجزا عن حلها، ولا معنى لتحذو بريطانيا حذوهما، وبموجب هذا الحظر، يعتبر الانتساب إلى عضوية حركة حماس أو حشد الدعم لها بمثابة جريمة يعاقب عليها القانون، ويواجه من تثبت إدانته بارتكابها عقوبةً بالسجن تصل إلى 14 سنة، ومَن القاضي الذي يحكم بهذا؟ هل هو الجلاد أم الضحية؟.
وألقت وزيرة الداخلية بريتي باتيل كلمة حول الأمن ومكافحة الإرهاب في مؤسسة التراث في واشنطن، قالت فيها: تقدّمت الحكومة البريطانية اليوم بطلب إلى البرلمان لحظر حماس بكامل أجنحتها – بما في ذلك جناحها السياسي.
وكما تعطي تل أبيب والحكومات المصهينة أولوية للحلول بالحروب والعنف؛ من دول تدعي المحافظة على حقوق الإنسان، وتسعى لإقرار السلام، تأتي ويدعي أنصارها أن حماس تمارس الإرهاب، وتشارك فيه، وتعدّ له العُدَّة، وتروج له وتشجع على ارتكابه. وإذا تسامحت الوزيرة مع التطرف، فذلك سيؤدي إلى تآكل صخرة الأمن.!!!
كانت المملكة المتحدة قد حظرت الجناح العسكري لحركة حماس في مارس 2001. في ذلك الوقت كان تقييم الحكومة أن هناك فرقاً بين الجناح السياسي، والحقيقة ليس كما تدعي وزيرة الداخلية البريطانية هناك فروقا بين الجناح السياسي والجناح العسكرى وأسألوا قادة حركات التحرير، غير العنصريين وغير الذين يريدون دولا ومجتمعات التمييز العنصري، ويدفعونها نحو هذه الخطوات وتجريمها دون تحكيم أو لجوء لمنظمات حقوقية دولية، هو نوع من الانتحار وإشاعة الفوضى، ويجب ترك الأمر للقانون وسلطات كل دولة في معالجة هذه المشاكل والعقد، بشكل فردي، أو عن طريق عمل جماعي يبتعد عن ادعاءات وتهم مرسلة؛ يتطوع بها الأقوياء، وليذهب الضعفاء إلى الجحيم.
من عاون اليهود على المجيء لفلسطين، ومن ساعدهم على تهجير وطرد الفلسطينيين من ديارهم؟ أليس الإنتداب البريطاني الذي فتح الأبواب أمام هجرة اليهود، وحماهم ودفعهم دفعا لذلك، وما ذلك إلا تأكيد لرؤية المفكر الراحل جمال حمدان، عن تعلق الحركة الصهيونية بأذيال الموجة الإستعمارية لتركبها وتستثمر المناخ السياسي الإستعماري العام وصولا إلى تنفيذ مخططاتها الخاصة بإنشاء الدولة اليهودية.. وهي نفس رؤية الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر ـ في كتاب فلسفة الثورة (1954) ـ « بأن إسرائيل، لم تكن إلاّ أثرا من آثار الإستعمار ، فلولا أن فلسطين وقعت تحت الإنتداب البريطاني ، لا يأتي قرار وزيرة الداخلية حظرَ حماس استنادا إلى ما نصحت به مجموعة مراجعة الحظر التي ضمت خبراء من جميع دوائر الحكومة، بما في ذلك ممثلين عن شركاء عملياتيين وأجهزة الاستخبارات. لما استطاعت الصهيونية أن تجد العون على تحقيق فكرة الوطن القومي في فلسطين ، ولظلت هذه الفكرة خيالا مجنونا ليس له أي أمل في الواقع».
لا يجادل أحد بأن قيام الدولة الصهيونية صناعة بريطانية خالصة، وامتلكت فيه حق الملكية الفكرية، التي لا ينازعها فيه أحد، حتى أمريكا التي أضحت صهيونية أكثر من الدولة الصهيونية، التي غيرت وجه فلسطين الوطني والعربي لوجه صهيوني عنصري استيطاني؛ يعادي التعايش بين سكان فلسطين وأهلها الحقيقيين؛ بغالبيتهم الإسلامية، وأكثرييتهم المسيحية؛ العربية والشرقية، وأقلييهم اليهودية؛ فلسطينية وعربية تعايشت واندمجت تحت سقف فلسطين؛ مع اختلاف قوى الهيمنة والسيطرة التي كان لها حضور مؤثر وانحرفت بالصراع على أرض فلسطين المقدسة، وتناوب موجات الاحتلال عليها، وكان الاحتلال الأخطر عنوانه «الانتداب البريطاني» وهو الذي ضرب ذلك التعايش النموذجي في مقتل، وهكذا سمم الانتداب عقول أجيال المستوطنين، الذي وفدوا على فلسطين وفعلوا فيها الأفاعيل!!.

كاتب من مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تيسير خرما:

    اعتبر العالم الحر منظمة التحرير حركة إرهابية منبوذة ملاحقة دولياً لعقود حتى عدلت نهجها والتزمت بشرعية دولية فحصلت دعم دولي اضطر إسرائيل لترك المنظمة تعود لفلسطين من تونس وتقيم حكومة فلسطينية معتدلة معترف بها دولياً بالضفة وغزة وإنشاء بنية تحتية ومطار وميناء واقتصاد دولة وتطوير صحة وتعليم وبرلمان منتخب، فجند محور إيران حماس والجهاد لتدمير ما تم بناؤه فصنفهما العالم الحر حركات إرهابية منبوذة محاصرة دولياً وتتخذ السكان رهائن ولن يتغير تصنيفهما لحين مغادرتهما محور إيران وإنضمام للمنظمة ولشرعية دولية

  2. يقول محمد شهاب:

    القرار صدر بتوقيع الوزيرة ، لكن من صنعه هي “الدولة العميقة”….نعم هناك أيضاً دولة عميقة في بريطانيا

  3. يقول بطرس:

    وزيرة خبيثة من بلد خبيث

  4. يقول ابو خالد:

    حماس حركة مقاومة اسلامية شريفة
    وليست سلطة تعمل لحساب الصهاينة وتقوم بتسليمهم الشباب المقاوم

إشترك في قائمتنا البريدية