عن القمع وشرطة الشغب في «موطن الأحرار وأرض الشجعان» وفي بريطانيا غزة تعاقب المتواطئين بالإبادة

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

قمعت الشرطة الأمريكية تظاهرات الطلاب المؤيدين لفلسطين في الجامعات، وشاهد العالم صور عناصر فرض النظام والقانون وهي تدخل حرم الجامعات وتعتقل الطلبة والمؤتمرات الصحافية لمسؤولي الشرطة وعمدة نيويورك إريك أدامز الذي اتهم «محرضين من الخارج» على العنف واحتلال قاعات في جامعة كولومبيا ومنها قاعة تاريخية غيروا اسمها من «قاعة هاميلتون» إلى «قاعة هند» رجب الطفلة الفلسطينية التي قتلها الجيش الإسرائيلي وعائلتها.

ثم تكررت المشاهد في جامعة جنوب كاليفورنيا التي تأخرت فيها الشرطة للتدخل ووقف تظاهرة مؤيدة لإسرائيل مضادة للمتظاهرين المؤيدين لفلسطين. وخرج بعد ذلك الرئيس جو بايدن بخطاب اتهم فيه المتظاهرين وحاول أن يظهر بمظهر الرئيس الذي يهمه النظام والقانون، في وقت استخدم فيه خصومه الجمهوريون تظاهرات الطلبة للتحريض عليهم ووصفهم بالإرهابيين والمتعاطفين مع حماس.
ومن اللافت أن المرشح الجمهوري المفترض والرئيس السابق دونالد ترامب تمتع برؤية الشرطة وهي تقمع المتظاهرين ودعا لإزالتهم وإزالة معسكراتهم وإعادة الحرم الجامعي إلى مكان آمن للدراسة والتعلم حيث قال: «يجب تفكيك مخيمات الاعتصام حالا وهزيمة الراديكاليين واستعادة حرم الجامعات كمكان عادي للطلاب الذين يريدون مكانا آمنا للتعلم». وأثنى ترامب على قوى فرض القانون في نيويورك: «جاءت الشرطة وبعد ساعتين بالضبط انتهى كل شيء وكان من الجميل مراقبة كل هذا».
ومرة أخرى تصبح غزة في قلب الحملة الانتخابية الأمريكية، حيث حُمل الطلاب المسؤولية عن عنف مفترض وفوضى وتعد على ممتلكات الغير واستخدم في الحملة عليهم رؤساء الجامعات وإداراتها الذين ضغط الجمهوريون عليهم بالاستقالة أو فرض النظام في جامعاتهم وقمع المحتجين المطالبين بوقف الحرب في غزة وتغيير السياسة الأمريكية الحالية من الحرب وسحب الجامعات استثماراتها من الشركات التي تدعم إسرائيل.

الرئيس يتكلم

فبعد أن دخلت الشرطة جامعة كولومبيا، طلب الرئيس بايدن من مساعديه البدء بكتابة تعليقات أولية قد يحتاجها للتعليق على الحراك الطلابي الذي ضرب حرم الجامعات. وكان يريد شيئا جاهزا في حالة حدث أمر واحتاج للتعليق، وظل بايدن يعمل على الخطاب حتى مساء الأربعاء وأدخل تعليقاته عليه، مع أنه لم يكن متأكدا من حاجته للتعليقات، حتى أحداث جامعة جنوب كاليفورنيا، حيث قرر صباح الخميس إلقاء خطاب. ومن خلال الظهور أمام الكاميرا، فقد كان اعترافا تكتيكيا من البيت الأبيض أن «بعض احتجاجات الطلبة المؤيدين لفلسطين باتت تؤثر على جهود الرئيس إظهار نفسه بأنه قوة هدوء للأمة. فقد كان بايدن بطيئا في التعامل مع النزاعات داخل الجامعات وبطريقة قوية، لكن الأحداث دفعته لاتخاذ قرار» حسب مجلة «بوليتيكو» (3/5/2024). وكان خطاب بايدن الذي قال فيه: «هذا احتجاج صحيح ولكن لا حق في التسبب بالفوضى» ومضى في تقديم قائمة اتهامات عكست اتهامات الجمهوريين: «التخريب والتعدي على ممتلكات الغير وتكسير النوافذ وإغلاق الجامعات وإجبارها على إلغاء حفلات التخرج، هذا ليس احتجاجا سلميا». لكن الرئيس لم يشر إلى أن سبب التظاهرات سياسته المؤيدة لإسرائيل وأن مخيمات فلسطين هي رد على تعنت إدارات الجامعات وتعرض رؤسائها لمحاكم تفتيش من الكونغرس الذي لم يكتف باستدعاء المسؤولين فيها لمحاكمات بل وأقر مجلس نوابه، قانونا جديدا بشأن معاداة السامية الذي يحد من انتقاد تصرفات إسرائيل. ويبدو أن معاداة السامية التي كان الرئيس سيلقي خطابا حولها في متحف الهولوكوست الأسبوع المقبل هي سبب تحرك الرئيس، فخلال الاحتجاجات والاعتصامات لم يقل الرئيس الكثير وترك التعليق لمساعديه والمتحدثة باسم البيت الأبيض.
والمشكلة هي أن الجمهوريين نجحوا في تحويل المحتجين إلى «كرة قدم» سياسية وهم الذين حملوا في النهاية المسؤولية بدلا من الحديث عن المظالم التي يطالبون بها، وكالعادة سارع المعلقون للومهم وتحميلهم المسؤولية وإن لم يكونوا هم فالجامعات التي درستهم تصفية آثار الاستعمار. وكما أشار هوارد فرينتش في مجلة «فورين بوليسي» (2/5/2024) فالمسألة لا علاقة لها بتعليم تاريخ الاستعمار ولكن بضرورة فهمه. وتساءل عن السبب الذي جعل الولايات المتحدة البلد الذي أعلن استقلاله عن بريطانيا معادية لحركات التحرر، وقدم صورة عن آثار الاستعمار على الشعوب التي استعمر بعضها لقرون، حيث استغلت ثرواتها وصودرت حريتها، واستخدم أبناؤها للدفاع عن حرية الأسياد في حروبهم العالمية، وخاصة فرنسا وبريطانيا، بل وطلب من الشعوب بعد الحرب أن تعيد العافية للاقتصاد من خلال تصدير ثرواتها وأبنائها للعمل في المصانع ومحالج القطن، وبناء الجسور التي دمرتها الحرب.

ضد المستضعفين

لكن أمريكا التي قامت على فكرة مقاومة الاستعمار اختارت أن تقف ضد إرادة الشعوب، ورفضت في عام 1955 إرسال وفد إلى مؤتمر باندونغ الذي غير التاريخ وأدى لولادة حركة عدم الانحياز. وقال المسؤولون الأمريكيون في حينه إنهم لا يريدون تشريف المؤتمر بوفد أمريكي. ويعتقد فرينتش أن المسألة لا علاقة لها بحجم ما نتعلمه من التاريخ ولكن بإسرائيل التي يريد مناصروها حمايتها من النقد، مع أن الطريقة لحمايتها هي وقف إسرائيل احتلالها وهيمنتها على ملايين الفلسطينيين والسماح بدولة فلسطينية مستقلة.

الحمقى المفيدون

لكن الجمهوريين والديمقراطيين معهم ليسوا في وارد الضغط على إسرائيل، وقد شاهدنا خلال الأشهر السبعة الماضية من حرب الإبادة على غزة كيف تلقوا كل الأكاذيب التي قدمتها إسرائيل حول هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر وأكاذيبها حول مستشفيات غزة والزعم بتورط موظفي أونروا بالهجوم على إسرائيل. وهي أكاذيب فضحت لاحقا إلا أن النخب الإعلامية والسياسية واصلت طاحونة الأكاذيب الإسرائيلية دون حياء أو خجل. وهو ما دعا مهدي حسن للتساؤل في صحيفة «الغارديان»(2/5/2024) عن الأسوأ في هذه اللعبة، هل هي إسرائيل أم الحمقى؟ واستشهد بمثل إيطالي «اخدعني مرة فأنت المسؤول واخدعني مرة ثانية فأنا المسؤول» وهو ما يشير إليه الحديث النبوي الشريف «لا يلدغ المرء من جحر مرتين» فما بالك بالغرب الذي لدغ أكثر من مرة وفي نفس المكان، فالغرب هم الحمقى المفيدين لإسرائيل. والمتابع لنواب الكونغرس وأعضاء مجلس الشيوخ يعطي عينة عن هؤلاء الحمقى المفيدين. ومهما يكن، فالطريقة التي تعاملت فيها الشرطة مع المحتجين وطريقة إخراج القمع كانت شبيهة بممارسات دول تنتقدها أمريكا فيما يعرف بالعالم الثالث. والغريب أن الجمهوريين استخدموا هذا الوصف في محاولتهم لتقديم مقارنة بين فوضى وضعف بايدن وعدم قدرته على التحكم بالأمور، وترامب الذي ينتظره الشعب الأمريكي لكي ينظف كل هذه الفوضى. لكنهم تناسوا الرعاع الذين أطلقهم ترامب على الكونغرس في 6 كانون الثاني/يناير 2021 ولا تصريحاته عن دعاة التفوق العرقي في شارلوتسفيل بأنه فيهم أناس طيبون. وقالت صحيفة «فايننشال تايمز» (2/5/2024) إن السرد الذي قدمه الجمهوريون حول المتظاهرين وبأنهم يساريون ومتعاطفون مع حماس يمنحهم فرصة لحرف النظر عن محاكمات ترامب في نيويورك التي أراد الديمقراطيون تركيز الانتباه عليها، وكذا منح الناخب الأمريكي فرصة للاختيار بين رئيس ضعيف في موضوع الأمن وآخر ينتظر في الجناح لا يمنعه أي شيء لاستخدام القوة في فرض القانون. وتساءل معلق عن قدرة بايدن فرض النظام، فلا أحد يستمع إلى نصائحه وتصريحاته، فهو مثل الأب الذي يلهي أبناءه المزعجين بالسكاكر.

وهم الدولة

وهذا الكلام وإن بدا صحيحا في ظاهره إلا أن بايدن وفريقه عولوا على فكرة تلاشي التظاهرات وعودة الطلاب إلى بيوتهم للعطلة الصيفية وعندها يحل الهدوء على الجامعات. كما وركز بايدن جهوده على تحقيق وقف إطلاق النار في غزة وأرسل انتوني بلينكن إلى المنطقة لكي يذكر قادة المنطقة باليوم التالي في غزة، باستثناء بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أصر على دخول رفح لتحقيق ما يراه نصره النهائي. ومن هنا ظل بايدن في تعامله مع المتظاهرين يعول على تعبهم وعلى تحقيق إنجاز دبلوماسي في الشرق الأوسط، صفقة مع السعودية، كما كشفت صحيفة «الغارديان» (1/5/2024) حيث تحدث فيه عن صفقة مع السعودية تستبعد إسرائيل، إن لم توافق على حل الدولتين ووقف الحرب في غزة. والسؤال هو إن كان بايدن وفريقه يطاردون وهما اسمه الدولة الفلسطينية، كما أشار إيشان ثارور في صحيفة «واشنطن بوست» (1/5/2024) حيث علق على رحلة بلينكن السابعة للمنطقة منذ اندلاع الحرب في غزة. وكلما جاء إلى المنطقة وجد أن فجوة الخلافات بين واشنطن وحليفتها إسرائيل وحلفائها العرب تتسع، وهو ما أشارت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» (2/5/2025) حيث قالت إنه و«بعد ما يقرب من سبعة أشهر من الحرب، تبدو الأهداف المعلنة والجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة وإسرائيل متباعدة أكثر من أي وقت مضى وهي فجوة تستمر في الاتساع في ظل الضرورات السياسية الداخلية لكل من الرئيس بايدن ونتنياهو».

ليلة مظلمة

فبايدن من جهة يجد نفسه أمام تحد انتخابي بعد أربعة أشهر والمتظاهرون المؤيدون لفلسطين يريدون منه تغيير سياسته. ولهذا كانت مشاهد الأربعاء والخميس ودخول الشرطة صادمة، وكما قالت مارا غي في «نيويورك تايمز» (1/5/2024) فالشرطة لم تسمح للصحافة بالقيام بواجبها ورصد الأحداث والتأكد من تصريحات المسؤولين حول وجود عناصر داخلية أو فوضى مفتعلة وتخريب، كالذي تحدث عنه بايدن في خطابه. وقالت إن آلافا من الطلاب يشاركون في تظاهرات حاشدة في جامعات البلاد احتجاجا على الحرب في غزة، ومن أجل فهم دوافعهم فلا يمكننا الاعتماد على الشرطة وروايتها بدون السماح للصحافيين المراقبة ورصد الأحداث، وعندها يكون سرد الشرطة مقبولا حالة التأكد منه.
ورأت كارين أتايا المعلقة في صحيفة «واشنطن بوست» (2/5/2024) أن استخدام العنف ضد متظاهرين سلميين يحول الجامعات إلى مدرسة للقمع. وتحدثت أتايا عن تحويل الشرطة كولومبيا إلى ثكنة عسكرية انتشرت فوقها المسيرات والمروحيات وكيف أغلقت الشرطة مداخل الجامعة. وخلافا لتقارير الشرطة وتحريض المعلقين من اليمين، تقول إنها في زيارة إلى مدينة الخيام في جامعة كولومبيا لم تشاهد أي تعطيل للدراسة أو عرقلة: «حولي كان هناك طلاب يقرأون ويدرسون، وكان بعضهم يرسم ورأيت جوا غنيا بالتعلم ولم أر تعطيلا». وقالت إن كفاءة التنظيم والعناية في مخيم الطلبة كان مثيرا للاعجاب. و«بالنظر إلى معسكر التضامن نسيت المروحيات والتهديد من الجو». وقالت إن رئيسة الجامعة مينوش شفيق استدعت الشرطة رغم وعودها بعدم فعل ذلك، تحت ذريعة إعادة النظام للجامعة وعودة الطلاب لصفوفهم، ولكن أليس التعلم عن الشمولية وما يعانيه الفلسطينيون وغيرهم من المهمشين مهم في خيام التضامن كما هو الحال في قاعات الدرس؟
وإذا كان الهدف هو تفريق معتصمين سلميين فلماذا جاءت الشرطة جاهزة بعتاد مكافحة الشغب، وهو سؤال طرحته مجلة «تايم» (1/5/2024) حيث قدمت صورة عن «الليلة الظلماء في كولومبيا وسيتي كوليج» وكيف منعت الشرطة الصحافيين دخول قاعة هاميلتون وكشفت عن تعرض طلاب لاعتقال بطريقة قاسية.

الصدمة

في النهاية فما جرى في الجامعات الأمريكية أصاب الكثيرين حول العالم بالصدمة وتساءلوا عما يجري في «أرض الشجعان وموطن الأحرار» حيث علق الأكاديمي في جامعة كاس مود أن هذا الوطن لا يبدو حرا ولا شجاعا، باستثناء المتظاهرين الشجعان الذين يواصلون الوقوف في وجه قمع الدولة والجامعات. وعلى الرغم من أن القمع الحكومي لاحتجاجات الطلاب لا يقتصر على الولايات المتحدة أو في هذه الفترة بالذات، فإن العربدة الحالية من قمع الدولة هي إلى حد كبير مثال على الأزمة الحالية للديمقراطية الليبرالية التي تتعرض للضغط من قبل كل من اللاليبرالية والليبرالية الجديدة. وقال مود إن اليمين المتطرف صور الجامعات بأنها «مرتع للمتعاطفين مع الإرهابيين» و«الصحوة» التي تهدد «القيم الأمريكية» الأساسية مثل حرية التعبير. في الدعاية اليمينية المتطرفة، تمثل الجامعات المستقبل البائس للبلد بأكمله، حيث تقوم النساء وغير البيض وأفراد مجتمع الميم بقمع «الأمريكيين الحقيقيين» أي المحافظين المسيحيين البيض. وقد أتت دعايتهم بثمارها.
وما يميز الاحتجاجات الطلابية الحالية عن قمع الدولة ليس فقط شدتها بل نطاقها. ففي حين أن هجمات اليمين في العقد الماضي استهدفت بشكل أساسي الكليات العامة في الولايات التي يهيمن عليها الجمهوريون مثل فلوريدا، فقد شهد الأسبوع الماضي قمعا حكوميا للطلاب المحتجين في مثل هذه الجامعات (مثل جامعة تكساس في أوستن) ولكن أيضا في الجامعات الخاصة في الولايات المتحدة. والولايات التي يهيمن عليها الجمهوريون (مثل جامعة إيموري في أتلانتا) وحتى في الجامعات الخاصة في الولايات التي يحكمها الديمقراطيون (مثل جامعة كولومبيا وجامعة جنوب كاليفورنيا). ولا ينبغي لنا أن نشك في أن الهجمات الحالية على الجامعات الأمريكية تمثل انتصارا سياسيا كبيرا لليمين المتطرف. فهم لا يقومون بتعبئة وتوحيد القاعدة المحافظة فحسب، بل إنهم يقسمون أيضا قاعدة المعارضة الليبرالية. ولكن هناك أيضا دروسا كبيرة للديمقراطيين الليبراليين في البلاد. أولا، الجامعات النيوليبرالية لا تستطيع مواجهات السياسات غير الليبرالية. ثانيا، لا توجد جامعة آمنة: فهذه ليست قضية جامعة خاصة مقابل جامعة عامة أو ولاية حمراء مقابل ولاية زرقاء. وثالثا وأخيرا، تعد الهجمات الحالية مجرد مقدمة صغيرة لما قد تعنيه عودة ترامب بالنسبة للديمقراطية الليبرالية بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص.

تذكر فيتنام

لكل هذا فلن يؤدي خطاب بايدن ولا تبجح ترامب بوقف التظاهرات الطلابية، فصيف الغضب قادم والتحذيرات على الجدار، حيث بدأت الأقلام تحذر بايدن من مصير المرشح الديمقراطي همفري هيوبرت عام 1968 عندما أدت احتجاجات مناهضة لحرب فيتنام إلى تحويل الاجتماع الوطني للحزب الديمقراطي إلى فوضى وتدخل للشرطة في مشاهد مماثلة كتلك التي تابعناها في الأيام الأخيرة. والمشكلة تظل في إصرار بايدن على موقفه، وكما أشار تعليق في مجلة «فانيتي فير» (2/5/2024) فلم يغير بايدن موقفه من الحرب التي ستدخل شهرها الثامن قريبا وتجاوز عدد القتلى فيها عن 34.000 ألف، كما ولم يغير موقفه من نتنياهو الذي تحداه علنا. وكانت طريقة معالجة الإدارة لحرب غزة مصدرا للإحباط المتزايد بين الديمقراطيين، حيث قسم المؤيدون لفلسطين المعسكر الديمقراطي، في وقت زاد فيه الحزب الجمهوري هجماته على إدارة بايدن. وفي الوقت الحالي اكتفت الجامعات بدعوة الشرطة إلا أن بايدن يتحفظ حتى الآن على دعوة الحرس الوطني، وهو مطلب الجمهوريين، خشية تكرار حادث عام 1970 عندما دخل الحرس جامعة كينت في أوهايو وقتل 4 طلاب. وتظل غزة هي معيار الوضع الداخلي في الولايات المتحدة، فبدون تحسن كبير للوضع في غزة فستكون هناك أخبار سيئة لبايدن كما أخبر سناتور ديمقراطي موقع «ذي هيل» وليس من الواضح ان يتغير الوضع، فبعد خطابه القصير يوم الخميس، سأله الصحافيون إن كانت الاحتجاجات «ستدفعه للنظر في سياساته من المنطقة» وكان جوابه كالعادة «لا».

الجانب الآخر من الأطلنطي

وثمن هذه الـ «لا» بدا واضحا في انتخابات بريطانيا المحلية التي كانت «مذبحة» متوقعة للمحافظين وانتصارا مرا للعمال الذين عاقبهم المسلمون في مناطق عدة. وشاهدنا نفس الاتهامات تساق لتبرير الانتصار/الهزيمة العمالية، ففي الوقت الوقت الذي تجنب فيه كير ستارمر زعيم العمال أسئلة حول أثر غزة في الانتخابات المحلية إلا أنه أكد على امكانية استعادة ثقة الناخبين. واتهم مسؤول عمالي حماس بالوقوف وراء خسارة الحزب عمدة ويست ميدلاندز حيث قال: «الشرق الأوسط وليس ميديلاندز هو الذي ساهم في انتصار أندي ستريت مرشح المحافظين». وأضاف «مرة أخرى حماس هم الأشرار». وخسر العمال الكثير من المقاعد لمرشحين مستقلين خاضوا الانتخابات على ورقة معارضة غزة، كما في أولدهام، قرب مانشستر. وكان واضحا منذ البداية أن المسلمين البريطانيين كانوا راغبين بمعاقبة الحزبين على مواقفيهما من حرب غزة، وهو ما ألمح إليه تقرير في صحيفة «الغارديان»(29/4/2024) من ويست يوركشاير حيث أشارت فيه إلى وضع الناخب المسلم وأثر غزة. ونقلت عن ناخب قوله: «خاصة بالنظر إلى ما يحدث في فلسطين وكيف كان رد فعل الأحزاب المختلفة عليه». وربما ترجمت المواقف الحالية إلى تصويت عقاب في الانتخابات العامة، بشكل يكلف الحزبين الرئيسيين، وفي ضوء الاحتجاجات الطلابية بدأت أصوات اليمين البريطاني تدعو لمعاقبة المتظاهرين الطلاب والتصرف بشدة، فالدرس من أمريكا هو عدم التهاون مع المتظاهرين ولا الاستجابة لطلباتهم بسحب استثمارات الجامعات، حتى لو اقتضى سن قوانين، كما قالت صحيفة «التايمز» (2/5/2024) في افتتاحيتها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية