عن القمة المغربية -الإسبانية

حجم الخط
32

عقد المغرب وإسبانيا يومي 1 و2 فبراير الجاري قمة ثنائية هي الأولى من نوعها بعد سبع سنوات من التأجيل، بسبب المشاكل الثنائية، وحضر ملف سبتة ومليلية المحتلتين والصحراء الغربية بثقل وازن، وإن كان البيان الختامي للقمة لم يعكس هذا الحضور علانية، بل لجأ إلى المناورة تلبية وترضية لكل طرف.
ورافقت القمة تصريحات متفائلة، تعطي الانطباع وكأن البلدين مقبلان على مرحلة من الحوار العميق الذي سيكون سدا في وجه المشاكل التي قد تنفجر مستقبلا، بينما قراءة نتائج مختلف القمم الثنائية تبرز، أن كل قمة تعمل على حل المشاكل العالقة أكثر منها النظر إلى المستقبل. وتعد الاتفاقيات الموقعة في القمة عادية جدا ولم تأتِ بجديد، بل هي مجرد تحيين للاتفاقيات السابقة التي تشمل محاربة الهجرة ومحاربة الإرهاب والإجرام المنظم.

قراءة نتائج مختلف القمم الثنائية تبرز، أن كل قمة تعمل على حل المشاكل العالقة أكثر منها النظر إلى المستقبل. وتعد الاتفاقيات الموقعة في القمة عادية جدا ولم تأتِ بجديد

وشهدت القمة الحالية مثل القمم السابقة تناقضات، ومنها أن إسبانيا تطالب بالرفع من حضور اللغة الإسبانية في التعليم العمومي المغربي، لكنها في المقابل لا تمنح التأشيرات الكافية للطلبة المغاربة للدراسة في الجامعات الإسبانية. في الوقت ذاته، وكل مرة تتعهد برفع الاستثمارات، بينما لا تحتل إسبانيا ومنذ سنوات المراكز الخمسة الأولى ضمن لائحة المستثمرين. يحدث الخلط بأن يتم احتساب فوز شركة إسبانية بصفقة لإنجاز طريق، أو شيء مشابه بأنه استثمار، وهو ليس بالاستثمار بل القيام بخدمات. ولعل المفارقة، أن إسبانيا تحولت إلى الشريك التجاري الأول للمغرب، بينما لم يقدم أي بنك إسباني على فتح فرع له أو شراء جزء من رأسمال أي بنك مغربي. كان منتظرا من القمة الحالية تحقيق مكسب رمزي يرافق ما تروج له بعض الأوساط باعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء، وهو تنازل مدريد عن مراقبة المجال الجوي في الصحراء الغربية لصالح المغرب، غير أن هذا الحدث الذي كان سيعطي للقمة معنى أكبر، خاصة بالنسبة للمغاربة لم يحدث، علما أن عددا من الأقلام المقربة من دوائر القرار في المغرب ركزت على هذا المعطى، وروجت قبل القمة وكأنه مكسب مضمون مسبقا. كما كان منتظرا تحقيق قفزة نوعية في الخلاف القائم حول الحدود البحرية بين الصحراء وجزر الكناري، ولم يختلف الأمر عن القمم السابقة خاصة منذ عشرين سنة، عندما تم الاتفاق على لجنة مشتركة لدراسة هذا الملف. ومرت أكثر من عشرين سنة، وكل قمة تعمل على تحيين اللجنة دون مكاسب. وإذا كانت الأحزاب السياسية في إسبانيا تناقش وبحدة نتائج القمة، ومنها لماذا لم يستقبل ملك المغرب محمد السادس رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانشيز، وما هو الجديد في ملف تحويل سبتة ومليلية إلى نقطتين جمركيتين؛ يسود وسط المشهد الحزبي المغربي صمت، وهو صمت لا يعني بالضرورة الوفاق والقبول بنتائج القمة، بل هو نوع من التساؤل الممزوج بالدهشة، لاسيما في ما يخص ملف سبتة ومليلية. وهذا التساؤل تعكسه أشرطة فيديو ناشطي التواصل الاجتماعي في المغرب التي تطرح الموضوع بحدة. وهذا يجر إلى التساؤل: هل قبلت الدولة المغربية، ولو مؤقتا بصيغة «تفهم إسباني لحقوق المغرب في الصحراء، مقابل صمت في ملف سبتة ومليلية»؟ في البدء، توجد وسط إسبانيا ثلاثة تيارات في رؤية هذا الملف، وهي: أولا، تيار يريد حرمان المغرب من سبتة ومليلية والصحراء تحت ذريعة أنه العدو التاريخي الذي يجب إضعافه دائما. وآخر يريد إعادة سبتة ومليلية ودعم المغرب في الصحراء، وثالث، يريد تفهم مطالب المغرب في الصحراء شريطة صمت مؤقت أو دائم للرباط عن سبتة ومليلية. ويحدث هيمنة تيار من الثلاثة في فترة زمنية، وتبقى الغلبة دائما للتيار الثاني والثالث بينما أنصار التيار الأول لم يعد لهم حضور في «الإستبلشمنت الإسباني». وغالبا ما يجسد الحزب الاشتراكي الإسباني في السلطة التيار الثالث، أي تفهم مطالب المغرب في الصحراء مقابل صمت في ملف سبتة ومليلية. ويحقق للدولة الإسبانية مكاسب حقيقية في ملف المدينتين، بينما تتراجع مدريد عن دعم موقف المغرب في الصحراء عندما يصل اليمين إلى السلطة ممثلا في الحزب الشعبي. في هذا الصدد، أبدى رئيس الحكومة الأسبق فيلبي غونثالث في بداية التسعينيات تفهما لمطالب المغرب في الصحراء، وفي المقابل جعل المغرب يقبل على مضض منح الحكم الذاتي لسبتة ومليلية، وحدث أن جاء اليميني خوسي ماريا أثنار للسلطة وتراجع عن دعم المغرب في الصحراء، بل تبنى سياسة متشددة تجاه المغرب ومنها الأزمة الخطيرة في جزيرة ثورة. وتولى الاشتراكي خوسي لويس رودريغيث سبتيرو رئاسة الحكومة ابتداء من 2004 إلى 2011، وتفهم مطالب المغرب في نزاع الصحراء، لكنه فرض زيارة الملك خوان كارلوس إلى سبتة ومليلية خلال نوفمبر 2007، علما أن زيارة كبار المسؤولين الإسبان كان خطا أحمر للمغرب. وكان سبتيرو السياسي الوحيد الصادق في دفاعه عن مغربية الصحراء، بعيدا عن مناورات غونثالث وشانيز. وتولى اليميني ماريانو راخوي رئاسة الحكومة ما بين 2011 إلى 2018، وقام وزير خارجيته غارسيا مارغايو سنة 2013 بتهديد قطع العلاقات مع المغرب، إذا طرحت الرباط ملف سبتة ومليلية، وتراجع الحزب الشعبي عن دعم موقف المغرب في الصحراء. واعتبر رئيس الحكومة الحالي بيدرو سانشيز الحكم الذاتي حلا واقعيا لنزاع الصحراء، لكنه أول رئيس حكومة يعلن أنه طلب من ملك المغرب محمد السادس عدم الحديث عن إسبانية سبتة ومليلية، وقام بتحويل سبتة ومليلية إلى نقطتين جمركيتين. ويبقى المثير هو إسهاب المسؤولين في الحديث عن جمركة سبتة ومليلية طيلة الثلاثة أسابيع الأخيرة، وكأنه انتصار تاريخي كبير. لم يعد بعد اليمين إلى السلطة، لكن الحزب الشعبي اليميني الذي يتناوب على السلطة مع الحزب الاشتراكي أعلن زعيمه نونييث فايخو عدم التزامه بأي تعهد يكون سانشيز قد أعطاه للمغرب في ملف الصحراء.
في غضون ذلك، وبعيدا عن التصريحات البروتوكولية وفي انتظار النتائج، يستمر تساؤلان دون جواب، الأول، موقف المغرب من تحويل سبتة ومليلية إلى مركزين جمركيين؟ لاسيما سبتة التي لم يسبق منذ خمسة قرون أن كانت مركزا جمركيا، رغم التهريب الذي كانت تشهده الحدود. والتساؤل الثاني: إذا كانت إسبانيا قد قبلت بمبدأ مغربية الصحراء، لماذا لم تفوت للمغرب على الأقل صلاحية تسيير المجال الجوي للصحراء الغربية؟
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الرحيم المغربي .:

    في مذاخلة للمستشرق الإسباني الراحل البروفيسور موتالفان..ولفظ المستشرق عند الإسبان يعني المستعرب تحديدا…في إطار برنامج متلفز في التسعينات..قال إن العلاقات بين المغرب واسبانيا محكومة بالاستمرارية في كل المجالات مهما كانت طبيعة نظم الحكم في البلدين وتطلعاتهما والاشكالات الإستراتيجية بينهما…والسبب أن كلا البلدين حكم الآخر لمراحل تاريخية معينة…وتصادما في حروب طويلة مدمرة…ولكن لم يستطع أحدهما إلغاء الآخر….ولعل هذه المقولة تفسر طبيعة التحولات التي تعتري المواقف الإسبانية… ومنها تغير مواقف السياسيين أنفسهم ومنهم الزعامات التاريخية للحزب الاشتراكي وعلى رأسها السيد فيليبي غونساليس الذي ورث ملف العداوة لوحدة المغرب من حزب الوسط اليميني لسواريس…وسار في نفس الدرب بتوجيه من تيار الفونسو غيرا في الثمانينات…وهو الموقف الذي سيزداد تطرفا في مرحلة أزنار اليميني حليف بوش وبلير في احتلال العراق…ولكن في نهاية المطاف رجعت الأمور إلى قاعدة التعايش التي يفرضها الواقع التاريخي…ولذلك كان الاجتماع الأخير مطبوعا بالبراغماتية…وصدرت عنه قرارات في غاية الأهمية من الناحية السياسية والاقتصادية…وفتحت المجال لإعادة مشروع الربط القار إلى سياق الدراسة.

    1. يقول مجد:

      البرغماتية هي العبارة التي يختبئ ورائها العجز والفشل أمما نجاح إسبانيا في ترسيم وجودها بسبتة وأمليليا بموافقة المغرب دون تخليها عن المجال الجوي للصحراء الغربية والذي كان أحدهم يروج بأنه مجرد تعاون تقني لقرب الخطوط من جزر الكناري. رغم أن وزير الخارجية الإسباني صرح بالبرلمان قبل زيارته للمغرب صرح بأن المجال الجوي للصحراء تابع لإسبانيا و لن تتنازل عنه للمغرب.

    2. يقول مالك الاوراسي:

      متى حكم المغرب الاقصى اسبانيا امر غريب !!!!!!!

    3. يقول عبد الرحيم المغربي .:

      السياسة لاتمارس بمنطق عاطفة كرة القدم…ولكنها تبنى على رؤى إستراتيجية متعددة الأبعاد.

  2. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    للاسف … التشويش على لقبي موجود .. و لا يوجد تعليق لي ..

    1. يقول ابن الوليد. المانيا. (على تويتر ibn_al_walid_1@):

      هذا التعليق كتب قبل أن ينشر تعليقي الاول في التعليقات .. كتبته البارحة .. هو يفهم إذا كرونولوجيا .

  3. يقول Ali:

    اذن اين هي الحقيقة. البيان الختامي للقمة ام مقال الاستاذ المغربي حسين مجدوبي المقيم باسبانيا.

    1. يقول هشام-الرباط:

      والحاصل على الجنسية الاسبانية ! فقط للتوضيح

    2. يقول ابن الوليد. المانيا. ( و على تويتر ibn_al_walid_1@ ):

      @لا ادري صراحة اخي هشام .. هل هو في منفى طوعي في اسبانيا ؟ هل لا زالت له علاقة مع المغرب؟

    3. يقول Ali:

      شكرا لهشام من الرباط على المعلومة. نعم صحبة علي مرابط و آخرون يعملون عند صحف اسبانية مثل el espagnol, و confidenticiel. لصالح اسبانيا.

  4. يقول عزيز . ح:

    للإجابة على التساؤلين علينا بالرجوع إلى الإتفاقية التى سبقت استقلال المغرب سنة 1956 و التي أُعتُمِدَ فيها على ” معاهدة التجارة و السلم ” بين محمد الثالث و ملك اسبانيا كارلوس الثالث يوم 28 مايو 1767 بمراكش .

  5. يقول رباطي:

    اهل مكة ادرى بشعابها.لنا الثقة الكاملة في ان ملك المغرب ما يريد الا الخير وتنمية البلاد.

  6. يقول هيثم:

    القمة الإسبانية المغربية لم تنعقد منذ سنة 2015 و لذلك يعتبر انعقادها حاليا في حد ذاته نجاحا و توطيدا للعلاقات بين البلدين خاصة إذا استحضرنا الأزمة التي حصلت بين البلدين بسبب استقبال زعيم البوليساريو منذ حوالي السنتين

  7. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل.
    ما هي أخطاء المغرب في موضوع سبتة ومليلية !!!؟؟؟
    في مقال نشرته يوم:02/02/2023 “هبة بريس”، تحت عنوان:” العلاقات المغربية الإسبانية من الانكماش الى الانفتاح”، قال فيه عبد اللطيف بركة ما نصه:
    “وضعية مدينتي سبتة ومليلة هي نتيجة للأخطاء التي ارتكبتها الحكومات المغربية المتوالية، أولها أنه لما انضم المغرب إلى الأمم المتحدة بعد حصوله على الاستقلال، لم يعبر عن تحفظه على المبدأ القائل إن الحدود الاستعمارية التي رسمها المستعمر يجب أن تظل كما هي، بالشكل الذي جعلها قانونية دولياً، وهي الحدود التي رسمها الموظفون والعسكريون الأوروبيون في مكاتبهم، وألحقت أضرارا بالحدود الترابية التاريخية للمغرب…لما أنشئت اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة المكلفة بتصفية الاستعمار، لاحظنا أن إسبانيا بمجرد حصولها على العضوية في الأمم المتحدة، سجلت مباشرة قضية جبل طارق على أساس أنها جزء لا يتجزأٔ من المملكة الإاسبانية، لكن المغرب لم يعمل إبان تلك الفترة على تسجيل الأقاليم المستعمرة في الشمال والجنوب على أساس أنها محتلة، ويطالب باستقلالها، وتأخر الأمر حتى يناير 1975 حيث طرح الموضوع على الأمم المتحدة”. انتهى الاقتباس

  8. يقول Amine Fjer:

    هل تذكرون عندما رفضت بريطانيا الخروج من هونك كونج و البرتغال الخروج من ماكاو. انا حصل عندما اصبحت الصين قوة اقتصادية و عسكرية. و كذلك هي خارطة الطريق لاسترجاع المغرب لكل شبر و لاتزال الحاقدين و العدميين. عندما يحين الوقت سيعلم الجميع اما الآن فلا مجال المقارنة مع الضفة الأخرى لا اقتصاديا و لا عسكريا. اما الكبرانات فلم ينقذهم الا كوفيد لأن المغرب كان في طريقه ليتفوق على اقتصاد الكبرانات في 2025 لولا الجائحة الملعونة.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية