عن الذكري الـ27 لرحيل الرئيس الجزائري هواري بومدين

حجم الخط
0

عن الذكري الـ27 لرحيل الرئيس الجزائري هواري بومدين

علجية عيشعن الذكري الـ27 لرحيل الرئيس الجزائري هواري بومدينبومدين كان رجل كََاريزْمَاولم يكن دكتاتوريّا جاء في موعده مع القدر ليغير مجري التاريخ ويقلب الجزائر ليحيلها من ظلام إلي نور وضياء، إنه الرئيس الجزائري الراحل محمد بوخروبة الملقب بهواري بومدين، تلك الشخصية الكاريزماتية التي نذرت نفسها لخدمة الشعب قبل المصلحة واستطاعت أن تكسب قلوب الجماهير باستعمالها أسلوب التأثير لا الضغط علي الآخر، وإن كان رحيله ما يزال موضع دراسة ومحل تحليل لدي من يدرسون سيكولوجية الشعوب ويهتمون بمجالات الكاريزما والقيادة والزعامة التاريخية، كما أن سياسته ما تزال كذلك محل جدل حتي اليوم فالجماهير ما تزال تتذكر وتحنّ إلي عهد الحزب الواحد وتبحث عن رجل من طراز بومدين في الجزائر، له رصيد في عقل الأمة أكبر مما له في وجدانها، ولن تُذرفَ أيّ دمعةٍ مثل تلك التي ذُرفتْ بغير توقف علي رحيل هواري بومدين، هذا ما يؤكد مدي حاجة الجزائر اليوم أكثر من أيّ وقت مضي إلي رجل مثل هواري بومدين يُخرج الجزائر من عنق الزجاجة الضيق إلي حياة العالم اليوم.. .في مثل هذا الشهر 27 ديسمبر 2005، 27 سنة علي وفاة الرئيس هواري بومدين هذه الشخصية الفذّة التي تضاربت الأفكار والآراء حولها، جعلت الرأي العام والنخبة في حيرة من أمرهم حول ما إذا كانت شخصية الرئيس هواري بومدين شخصية كاريزماتية أم شخصية دكتاتورية، هذا الرئيس الأسطورة الذي كان شديد الكره للغرب حتي لو تعلق الأمر بصحته وحياته، فكان ذا مبدأ وموقف لا يضاهيه أيّ موقف وهي المواقف التي تعرف بها الرّجال، بل كان بومدين فوق كل المواقف النبيلة، بحيث لم تكن السلطة أو المركز طريقا يسلكه بحثا عن مجد أو ثراء مادي بل عاش بنزعته نحو الصراخ العالي ضد الظلم والاضطهاد، وعرفه كل من عاشره مناصرا عنيدا صارما لا يتردد في مقاومة الاستعمار ووصفه بما يليق به من الأوصاف القبيحة، وكان صديق القصيين والمنبوذين والمقهورين حتي النّفس الأخير، إنها الخلاصة العامة لهذه الشّخصية الفذّة والجزائر علي أبواب السنة الجديدة 2006 لتودع سنة 2005 بالمعاني البومدينية لتكون مناسبة لاسترجاع مآثر وترجم هذا الرّجل الذي عبّد مسار الدولة الجزائرية الحديثة وقاد ثورة عظيمة أصيلة وهو يمرّر رسالة جبهة التّحرير الوطني في الوقت الذي حاول البعض تشويه هذا التاريخ وتشويه سمعة جبهة التحرير الوطني إلي يومنا هذا وكأنّ هذه الأخيرة جاءت من اللاشيء..ولد المرحوم هواري بومدين في 23 أوت1932 بعين حساينية بولاية قالمة، كان من بين السكان المتظاهرين في أحداث 08 ماي 1945 وعمره آنذاك لا يتجاوز 13 سنة، وكانت رحلة هذا الرجل طويلة وشاقة من قالمة إلي قسنطينة، ثم إلي تونس ومنها إلي القاهرة هاربا من خدمة العَلم الفرنسي، لكن اندلاع الثورة الجزائرية في نوفمبر54 كانت نقطة انطلاق جديدة لنضال هذا القائد والتحاقه بجيش التحرير الوطني، واشتدت الثورة بسرعة فائقة فأدي ذلك إلي الشعور بالحاجة إلي تحديد المسؤوليات وفرز القيادات، فكان هواري بومدين المسؤول العسكري في منطقة الغرب رئيسا للأركان إلي غاية استقلال الجزائر، أين عيّن وزيرا للدفاع، ثم نائبا لرئيس مجلس الوزراء سنة 1963، وكان هواري بومدين في رحلته النضالية الشاقة حسب ما ذكره رفيق دربه محمد الصالح شيروف يتمتع بذكاء حاد، وبديهة ناصعة، وإرادة قوية، وعزيمة لا تلين أمام معضلات الأمور، وذكاؤه كان يشبه علي حد كبير العباقرة العظماء فكان رمزا للقائد الفذّ متصدّيا لكلّ أساليب الديماغوجية والتّهريج السياسي، ومحاربا لأنواع الطائفية، فكانت انتفاضة 19 جوان1965 التي أعادت الثورة إلي مجراها الطّبيعي، واستئناف سيرها بقيادة موحّدة في إطار سياسة جبهة التحرير الوطني، الني كانت تهتم بمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب .بومدين كان مثالا للزعامة والقيادةيقول بودوان : لا تنتظروا من جماعة بدون قائد أي عمل جماعي حتي لو تمتعت بإمكانات جيدة ورغبة طيبة لتحقيق مثل أعلي، إن إمكانات أفراد الجماعة لا تستطيع سوي حرث الأرض، أما الحصول علي الزرع فبحاجة إلي بذور، والبذور هم الرؤساء ذوو القلوب الطيبة والإرادة الفولاذية . من هذه البداية نتساءل هل كان محمد بوخروبة الملقب بهواري بومدين يحلم أن يصبح يوما قائدا، ومتي تعلم فن القيادة وهل كان يملك زمامها؟ إن الأحداث العظيمة التي مرّت بها الجزائر ساهمت في تهيئة شخص هواري بومدين لممارسة القيادة وساعده ذلك علي إبراز الصفات القيادية، من خلال حرصه الدائم علي توجيه الجماعات وتحقيق الأهداف المرجوة بأمانة وحماس، ونظرة مستقبلية، ولعل هذه الصفات هي التي ميزته عن باقي أقرانه من الأطفال، فقد كان بومدين لا يفعل ما يفعله الأطفال، وكان دوما مشغول البال شارد الذهن، يسجل كل صغيرة أو كبيرة،هذا الرصيد خوّله أن يحتلّ موقعا متقدما في جيش التحرير الوطني وأن يكون ذا شخصية كاريزماتية بمعني الكلمة، ذلك بفضل قدرته علي التأثير في من حوله قولا وفعلا، وهي عادة ما توكل مهمة القائد العسكري إلي محترف معروف عندما يغيب مشروع القيادة السياسية، وهواري بومدين كان من هذا الصنف من الرجال الذين ساروا وبقيت أسماؤهم تسير علي الطريق رغم ما لحق به من أحقاد، واتهامات، والتشكيك في قيادته ونواياه.بومدين كان رجل كََاريزْمَا ولم يكن دكتاتوريّالقد كانت الثورة الجزائرية هي الثورة الوحيدة في العالم والتي تعتبر ثورة بالمعني الحقيقي بحيث نزعت أسوأ استعمار عرفه العالم تحت قيادة الراحل هواري بومدين الذي عمل كل ما في وسعه من أجل أن تتمتع الجزائر باستقلالها التام، سياسيا، اقتصاديا، فكريا وعقائديا، بحيث عاني الكثير لاسيما في الفترة الأولي من حكمه لحل الصراع الإنكشاري الذي تركه بن بلّة ونتاج حكمه، وتمكن من السيطرة علي الأوضاع ووضع الإستراتيجيات وسلك الطريق الفعال العقلاني لتحقيق الأهداف المرجوة، بحيث ساهمت سلطته وصرامته في نقل المجتمع الجزائري نقلة نوعية لسنوات مقبلة، وذلك بإنشائه القري الفلاحية، ونقل الفلاح من حياة القربي الذي هو رمز الاستعمار، إلي حياة الحياة الكريمة، وتأميمه للمحروقات والمناجم، والبنوك ومجانية الطب والتعليم ..الخ، كما كان له الفضل في تأسيس المجالس الشعبية البلدية(1967)، والولائية (1969)، وكذا المجالس العمالية في المؤسسات الاشتراكية (1971)، واستقطاب الطاقات الوطنية، كل ذلك كان تحت لواء جبهة التحرير الوطني لخروج من التبعية الاقتصادية، فكان أول من يدعو إلي إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد من خلاله تمكنت الجزائر من بناء دولة لا تزول بزوال الرجال. لقد كان بومدين يقول: أن الجزائر ستخرج بشكل عام من دائرة التخلف وستصبح يابان العالم العربي، ودون أن ينسي أو يهمل بومدين قضية التعريب التي جعلها علي رأس الثورة الثقافية، وشرع التعريب يأخذ مجراه شيئا فشيئا، ويسعي إلي تحصن الجزائر حتي إعلاميا، فقد كان الإعلام في عهدته قويا محصّنا بوّأ الجزائر مكانة مرموقة في حرّية الكلمة والتّعبير..الإطاحة ببومدين كانت سبيلا لظهـــور التعدّديــــةلم يكن الشعب الجزائري يدعو إلي الأحادية بقدر ما كان يسعي إلي تحقيق النصر والاستقلال ضمن الإطار الذي أشار إليه بين نوفمبر من أن: الشعب الجزائري في أوضاعه الداخلية متّحد حول قضية الاستقلال والعمل، وإقامة الدولة الجزائري الديمقراطية الاجتماعية ذات سيادة ضمن المبادئ الإسلامية، ودون أن يفكر أن يكون الحزب الواحد هو الذي يكون الحاكم، ما دفعت بالبعض باتهامه بالدكتاتورية، فغداة الاستقلال لم يكن ثمّة حزب سياسي بالمعني الدقيق للحزب، لكن في ظل التطورات السريعة والمتلاحمة التي غذّتها أزمة صيف 1962، تمّ تشكيل المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني، هذا المكتب الذي تحوّل إلي نواة حزب المستقبل الذي هو بكلّ تأكيد حزب جبهة التحرير الوطني، هذا النّشوء خلق ما يسمي بأحزاب معارضة للحزب الواحد، حيث أنشأ آيت أحمد جبهة القوي الاشتراكية وناضلت حركته من أجل إقامة جزائر التعددية، حينها لجأ بوضياف في 20سبمبر1962، إلي تأسيس حزب الثورة الاشتراكي ، في اليوم ذاته، مبررا ذلك بإفلاس جبهة التحرير الوطني والتي حسبه ساعدت علي إقامة نظام قائم علي الدكتاتورية، لتأتي ديباجة دستور 1976 سنتين قبل وفاة الرئيس هواري بومدين، أو بالأحري الإطاحة به، في هذه الفترة بدأت بذور التعددية تنتشر في جميع حقول البلاد بمجيء الشاذلي بن جديد ليدير شؤون البلاد ويخلف الرئيس الراحل هواري بومدين، أين استغلت بعض الأطراف مرض الرئيس هواري بومدين في تخريب الوحدة الثورية من أجل الوصول إلي السلطة ودخول مرحلة جديدة تختلف جملة وتفصيلا عن الحقبة البومدينية، ذلك عندما كان عائدا من يوغسلافيا بعد حضوره قمة الخرطوم التي تصدرت جدول أعمالها قضايا عربية ساخنة جدا،منها (: القضية الفلسطينية،قضية السلام بين مصر والكيان الصهيوني، وقضية الصحراء الغربية التي أشعلت اللهيب)، حسبما ذكرته جريدة المستقبل المغاربي في عددها 25 الصادرة في نهاية جوان 2000 تحت عنوان من أمر باغتيال الرئيس هواري بومدين؟ ، قضية اغتيال الرئيس وردت في مختلف وسائل الإعلام جريدة العالم السياسي ومجلة الوحدة التي تؤكد علي تصفيته والإطاحة به، حيث كانت قضية الصحراء الغربية أهم أسباب الإطاحة ببومدين، لأنه كان يشكل خطرا علي مصالح ومطامع بعض الأطراف، إلي غاية وفاته مساء يوم 27 ديسمبر1978، بعدما غير مجري التاريخ وقلب الجزائر وأحاله من ظلام إلي نور وضياء، ومهما كثرت الروايات حول هذا الرجل ذو البنية الضعيفة والطلعة المليحة والقامة الطويلة، فإن الجزائر برحيله خسرت الكثير الكثير، لفقدان هذا الرجل الذي كان يحلم أن تكون الجزائر يابان العالم العربي.. رحل بومدين وخرج من الحياة صفر اليدين لعائلته أيّ شيء وبموته بدأت سفينة الجزائر تنعطف في غير المسار الذي ناضلت من أجله لتغرق في بحر التعددية وهكذا يموت العظماء…ہ صحافية من الجزائر8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية