عميد الأسرى الفلسطينيين المحرّر كريم يونس: ستبقى فلسطين وطننا من البحر إلى النهر ونحن السكان الأصليون وهم دخلاء

حاوره: وديع عواودة
حجم الخط
2

قال الأسير المحرر عميد الأسرى كريم يونس في حديث خاص لـ «القدس العربي» إن السجن عزّز انتماءه للشعب الفلسطيني العظيم الذي ما زال نحو ثمانية ملايين منه فوق ترابهم يناضلون حتى استعادة حقوقهم شاء من شاء وأبى من أبى، ولم ولن يخضعوا ولن يرفعوا الراية البيضاء.
○ هذه الساعة في يدك الآن جديدة أم كانت معك داخل السجن؟
•نعم ساعة جديدة لكنني كنت أحمل ساعة في يدي وأنا داخل السجن كي أعرف الأوقات بدقة، ففيه كنا محكومين بمواعيد مختلفة. هناك ساعة لـ «الفورة». نجحنا من شروط الفورة والتجوال في الساحة لساعات أطول ولكن دفعنا لقاء ذلك دما ودموعا وأحيانا شهداء. اليوم نستطيع التجوال بدون تقييد لكن شريطة ألا يكون أكثر من نصف عدد الأسرى داخل القسم في نفس الوقت.
○ كيف يقضي أسير الزمن وهو محكوم مؤبد، ماذا يفعل في اليوم؟
•انتصار السجين هو انتصاره على وقته وإشغاله باعتباره السجن موقعا نضاليا قد يختلف. الانتصار على الوقت هو انتصار على السجان وبالتالي امتنعنا قدر المستطاع أن لا نحصي سنوات اعتقالنا ولا نحتفل بمواعيد دخولنا في الأسر وعندما لا نحصي المدة فهي تمر وحتى لو كانت طويلة.
○ كيف تشغل وقتك في النهار وكم كنت تكرّس وقتا للقراءة والكتابة؟
•هناك تفاوت بين أسير وأسير. هناك من يقرأ وهناك من يتعلم وهناك من يبحث عن مصادر ويعد دراسات أكثر مما يشاهد التلفاز.
○ صف لنا حجرتك في الأسر؟
•طالما أدخلت سلطات الاحتلال الغرفة الواحدة ثلاثة أسرى وفي السنوات الأخيرة وبعد نضالات الأسرى صارت الغرفة لأسيرين وهي بمساحة تسعة أمتار فيها مقعد وطاولة وحمام وكل أسير يتناول طعامه داخلها، ولكن هناك مطبخا لكل الأسرى الذين يعدون طعامهم بأنفسهم وهناك طاقم منا يعدون الأكل لنا.
○ مع من سجنت في السنوات الأخيرة؟
•في الفترة الأخيرة شاركني الغرفة في سجن «هداريم» وسيم غميضات وجاري أبو القسام الأخ مروان البرغوثي. أنا في الغرفة 29 وهو في الغرفة 28. وكنت قد سجنت عدة مرات في سجن هداريم. كان القسام هو قد استيقظ ليلا عندما سمع جلبتهم وهم قادمون للإفراج عني فآثر أن يحتضنني فكان آخر أسير أودعه.
○ كيف أحوال النائب الأسير مروان البرغوثي؟
•رغم الأسر وعتمة السجن أبو القسام وضعه ممتاز ومعنوياته عالية وهو معطاء وعملاق وصاحب الإنجاز بأل التعريف بل التعظيم الخاص باستعادة الأسرى حق التعلم في الجامعة عبر المراسلة خاصة جامعة أبو ديس في القدس، وهو المعتمد من قبلها لدى الأسرى وهو المعلم المسؤول عن البرامج وعن الامتحانات والعلامات. هو خدوم ومعطاء ومنذ عشر سنوات هو الوحيد الذي لا يجلس على كرسي فيجلس من الساعة 11 إلى الثالثة يوميا وهو يحاضر ويعلّم الأسرى ضمن دراستهم الجامعية وهم في الأسر.
○ هل شعرت أن قناعات أبو القسام البرغوثي قد تغيرّت؟
•أبو القسام مثله مثل أي فلسطيني يؤيد الغاية الفلسطينية والشرعية الفلسطينية. مثله مثل أي واحد منا له انتقادات لكنه يريد تحرر واستقلال شعبنا وهو قائد سياسي معروف لكنه لا يخرج عن ثوابته الأولى وعما هو معروف لكل فلسطيني.
○ المزاعم الإسرائيلية بأن الأسرى يستمتعون بشروط فندق؟
•مزاعم وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال ايتمار بن غفير بأن الأسرى الفلسطينيين يستمتعون بشروط فندق في السجون تدعو للسخرية. هذا كذب فاضح. فالسجن شروطه قاسية جدا وجزء من محاولة شيطنة الأسرى وتطويعهم وإعادة سلوكهم وترويضهم والكفر بقياداته وقضيته والخروج عالة على عائلته وشعبه وقد سبقه وزير الأمن الإسرائيلي الراحل موشيه ديان الذي قال «سنجعل من هؤلا الذين يطلقون على أنفسهم اسم فدائيين أدوات آدمية طيعّة يصنعون الألعاب لأطفالنا لكن نحن نجحنا بأن نصنع من آلامنا أملا ومن معاناتنا نشيدا وطنيا فاحتفلنا بكل أعيادنا الوطنية وبانطلاقاتنا وخلقنا من السجون مدارس وأكاديميات.
○ لأي مدى وكيف تغيرت الحركة الأسيرة برؤيتك وأنت صاحب تجربة كبيرة؟
•طبعا. عندما دخلت لم تكن هناك أسرة في السجون وكان أول إضراب شاركت فيه للمطالبة بلباس نوم أو شرشف أو غطاء وكنا نبيت في ثيابنا التي نرتديها في النهار ولم نحصل على شيء مجانا بل دفعنا أثمانا. في العام 1980 كان إضرابنا عن الطعام في سجن نفحا، كان نقطة تحوّل بعد كشف قضية الأسرى على العالم وعلى المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وصارت المعاملة معنا أكثر حساسية. كانت تشعر أكثر في الجانب الإنساني في التعامل بسبب حساباتهم ولكن في السنوات الأخيرة صارت سلطات السجن تعتمد معايير سياسية بدلا من المهنية ويرقص على مزمار السياسيين الإسرائيليين ويعتبرون الأسرى الحصان الفلسطيني الرابح في كل معركة ويتسابقون من يمتطيه ويحصل على نقاط وعلى أصوات في الانتخابات ولذلك زادت معاناتنا داخل السجون وصاروا أكثر بلادة حيال حاجاتنا الإنسانية. على هذه الخلفية تأتي تصريحات الوزير الإسرائيلي بن غفير بأن الأسرى يتمتعون بشروط حياة فندق وهم داخل السجون وهذا كذب طبعا. لم ينشأ الاحتلال السجن ليكون فندقا ولم ولن يكون يوما فندقا. نحن منظمون في حياتنا وبن غفير يتهدد بنا منذ سنوات ويرغب بإعادتنا لسنوات السبعين وهذا لن يتحقق ولن يسمح به الأسرى وسيقاومونه.
○ ولكن نوعية الأسرى الفلسطينيين تغيرتّ؟
•طبعا هناك تغيير. لكن الأمر لا يتعلق بالأجيال إنما ربما الانقسام الذي دخل السجون في أقبح وجوهه واستغلته إدارة السجون للفصل بين أسرى فتح وبين أسرى حماس وغيره بعدما كنا موحدين تحت مظلة قيادة موحدة هي اللجنة الوطنية العليا وتوقد معركة نضالية مشتركة ترى بمصلحة الأسرى عليا وكل الفصائل ممثلة فيها. الانقسام غير في واقعنا من هذه الناحية، لكن منذ الهروب الكبير في سجن جلبوع تمت استعادة لدنة الطوارئ العليا لكل الأسرى الفلسطينيين داخل السجون وتنضوي فيها كل الفصائل وموحدين ونتمنى أن تكون الفصائل في الخارج موحدة كما هم الأسرى اليوم لأن الوحدة هي قانون الانتصار كما تعلمنا التجارب.
○ أنت شخصيا اعتقلت من جامعة بئر السبع بعد المشاركة في تنفيذ عملية قتل جندي إسرائيلي عام 1983 لكنك استكملت التعلم الجامعي داخل الأسر؟
•اعتقلت وأنا طالب في كلية الهندسة في جامعة بئر السبع حيث تم اعتقالي، وداخل السجن تعلمت وحزت على اللقب الأول في العلوم السياسية والاجتماعية من الجامعة العبرية في القدس فوقتها كانت الدراسة فيها متاحة للأسرى بالمراسلة. جاء ما يعرف بقرار شاليط وحرمنا من الدراسة في الجامعة العبرية فأكملت تعلمي بالمراسلة في جامعة أبو ديس وحزت منها على الماجستير في العلوم السياسية بالتخصص في الشؤون الإسرائيلية عام 2014.
○ وصدرت لك كتب أيضا وأنت في الأسر؟
•نعم صدرت لي بعض الكتب وربما ساعدتني وساعدت الأسرى فكنت الوحيد من أسرى فلسطينيي الداخل بين الأسرى في سجون النقب وكانوا يرون بي أسيرا خاصا لأني أعلم وأعرف إسرائيل أكثر من غيري، فبادرنا لإصدار مجلة داخل السجن بخط اليد مرة كل أسبوعين ونقوم بتهريبها في كبسولات لبقية السجون وللخارج. ولاحقا استفدت من هذه الكتابات وأصدرت عام 1990 كتابا عن جذور وأحزاب الصهيونية بعنوان «الواقع السياسي في إسرائيل» وبعد عام صدر الكتاب الثاني بعنوان «الصراع الأيديولوجي والتسوية» وهو يتناول تسوية الدولتين باعتبارها مشروعا دوليا.
○ كنت مؤيدا لها؟
•نعم كنت مؤيدا لتسوية الدولتين فهي مشروع غير فلسطيني لكن المنظمة وافقت عليه كونه المشروع القابل للتحقيق والمدعوم دوليا وبالتالي هذا لا يأتي إلا بالمفاوضات. بعض الناس لم يستوعب المسألة وعندما جاء اتفاق أوسلو بعد عامين قال بعضهم عني «نبي أوسلو». نعم كنت مؤيدا وقلت إنه لا توجد إمكانية. وقلت وقتها دباباتنا لم تكن محاصرة لتل أبيب وتريد احتلالها وبالتالي نريد إقامة دولة وينبغي أن تكون هناك مفاوضات واعتراف بالقرارات دولية.
○ لم تتغير قناعاتك السياسية حول الصراع والتسوية بعد تجربتك الغنية في الأسر؟
•لا لم تتغير قناعتي كثيرا. أعرف أن القضية ينبغي أن تحل لكن يبدو أن الإسرائيليين غير راغبين بالحل. في الماضي كانت إسرائيل منقسمة لقسمين، الأغلبية فيها تدعم الحل الإقليمي (الجغرافي) ولم يكن عبثا أنهم قروا فور احتلال 1967 إن «هذه إدارة مدارة» وهي رهينة ريثما يتم السلام. اليوم للأسف بات هؤلاء أقلية وحتى هي تؤيد التنازل الوظيفي لا الإقليمي وهذا غير مقبول على الفلسطينيين لأنه يحرمهم من ممارسة حق تقرير المصير. ونرى اليوم التطرف الإسرائيلي في ازدياد وحتى التنازل الوظيفي محدود أكثر في طروحات الإسرائيليين ولن يقبل الفلسطينيون أن يكونوا عبيدا وهم يريدوننا حطابين أو سقاة ماء.
○ خيار الدولتين ما زال واردا وممكنا رغم كل ما حصل؟
•تسوية الدولتين ممكنة بحال ما استيقظ المجتمع الدولي واشتغل كما يجب فهو حل دولي وتبنته منظمة التحرير لأنهم قالوا إنه قابل للتحقيق ومدعوم دوليا.
○ ما زال المجتمع الدولي نائما، تقول؟
•طبعا المجتمع الدولي نائم ويكتفي بضرائب شفوية للفلسطينيين لكن التعاقد والدعم كله يذهب لإسرائيل حتى الآن.
○ كلمة للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الصعبة من كل المستويات؟
•رسالتي لشعبي الفلسطيني في كل مكان، الشعب الفلسطيني عظيم ويستحق الثناء لأنه صامد في كل مكان في الوطن والشتات، في غزة وفي الضفة وفي الداخل وفي العالم وما زال يناضل منذ قرن وهناك سبعة ملايين ونصف المليون فلسطيني من البحر للنهر يقيمون فوق ترابهم ولن يرفعوا الراية البيضاء وسيبقون يطالبون بحقوقهم ويناضلون من أجلها شاء من شاء وأبى من أبى.
○ شهدنا في الفترة الأخيرة عملية تحريض وشيطنة لك ولبقية الأسرى فهل هناك كلمة أو رسالة للإسرائيليين؟
•لا توجد كلمة للإسرائيليين ورفضت التحدث مع صحافيين إسرائيليين لأن الإعلام العبري مجند حتى لو تحدثت عن السلام سيحرضون عليك.
○ ومع ذلك كلمة لهم؟
•يد الفلسطينيين ممدودة للسلام، كانت وما زالت ولكن الجانب الإسرائيلي لا يريد السلام، وإذا ظنوا أن الفلسطيني سيخضع ويستسلم ويكون عبدا لهم وممكن أن يرفع راية بيضاء أو يصبح عبيدا في بلاده أو حطابين في وطنهم فهم واهمون ولن يقبله أي فلسطيني. هذا وطننا ونحن السكان الأصليون وهم دخلاء وهذا وطننا وليكفوا عن أحلامهم.
○ فلسطينيو الداخل كيف يتصرفون وكيف ينبغي عليهم التصّرف خاصة إزاء هذه الحكومة الفاشية في الدولة العبرية؟
•التوجه الإسرائيلي واضح فمخططات الترحيل والاستعباد ليست جديدة لكنها كانت مقنعة وبالممارسة. نعلم كيف يبدأ مشاريع الاستعمار الإحلالي بالهجوم والطرد والمذابح والمعازل كما كان في الحكم العسكري ولاحقا بالأسرلة لكنهم لا يريدون اندماجنا في هذه الدولة لأننا بالنسبة لهم أغيار وهم خلقوا بروح ونحن خلقنا بلا روح وأقرب للبهائم. الخطاب السياسي الإسرائيلي الراهن يمثل الخطاب الأسبق لكنه صار علنيا وبن غفير اليوم هو الصهيوني الحقيقي الذي يكشف عن الوجه الحقيقي للصهيونية بدون رتوش.
○ ماذا يتطلب منا ذلك؟
•على كل الفلسطينيين أينما كانوا التصدي لمثل هذا الخطاب وأن يعتمدوا أن فلسطين هي فلسطين وستبقى كذلك وهذا هو اسمها من البحر للنهر وبالتالي إذا أصرينا على تطلعنا فنحن نريد دولة لكل مواطنيها ولكن هناك صياغات أخرى ممكن تكون مقبولة علينا ومنصفة لنا وتمكننا من انتزاع حقوقنا. لكن الأهم أن نعرف مراميهم وأن نتصدى لهذا المبدأ ليل نهار ونقول لهم لن نرفع الراية البيضاء ولن نكون عبيدا عندكم.
○ هناك من يدعو لتفادي الصدام في ظل موازين القوى الحالية وهذه الحكومة الفاشية وفي ظل الأزمة العميقة في إسرائيل التي تبحث عن مخارج ربما؟
•لا أقول تفادي الصدام ولكن أن نكون حكماء نعم. علينا اختيار الوسيلة النضالية الأنسب في الظرف السياسي الحالي. نحن نعي الوضع الإقليمي والدولي وطبيعة موازين القوى في إسرائيل وطبيعة حكومتها. علينا التعاطي مع كل ذلك بحكمة ولكن الأهم ألا نتنازل عما نريد، كشعب فلسطيني نقول هذه البلاد بلادنا ونحن الشعب الأصليون وهم الدخلاء وليس العكس.
○ لأي مدى أنت راض عن مدى اهتمام الفعاليات الفلسطينية السياسية في إسرائيل بالقضية الفلسطينية؟
•راض ولست راضيا. راض عن التوجه لكنني أقول أحيانا إن النضال غير كاف وعلينا تعميق اللحمة وتكاتفنا بيننا بداية. أرى كيف تتعامل الأحزاب مع بعضها البعض عندنا، كيف تتصرف. لن تقوم لنا قائمة إذا ما بقينا مشتتين كل منا يشد نحو اتجاه آخر. علينا الاتفاق على برنامج موحد كي نستطيع أن نحققه.
○ رغم فارق العمر والتجربة بين اليوم والبارحة لو عاد الزمن للخلف هل كنت ستشارك في العملية التي قمت بها عندما كنت في مقتبل الشباب؟
•لا أعرف إذا العملية كانت مجدية الآن. لا أستطيع
أن أقدر ذلك لكن لا شك أنني لست نادما على ما فعلت. المسألة تراكمية ودوري مكمل لقضية شعبي وهي برهان على أنها قضية شعب لا قضية مجموعة من الفلسطينيين هنا أو هناك.
○ لأي مدى تقلقك التهديدات الإسرائيلية بمصادرة مواطنتك وبطاقة هويتك وإبعادك من بلدتك؟
•المهم عندي أنني خرجت لوطني وبلدتي وأن أكون في بلدي وفي وطني وداخل قريتي وبيتي والبقية قشور. على هذه الحكومة لا أستبعد شيء لكنني سأفضل أن أبقى هنا في أرضي وهذا مكاني. المسألة ليست مسألة موقف بل قناعة وهي أنني صاحب حق وهذه داري وهم جاءوا عندي ولا يمكن التسليم بالأمر الواقع حتى لو كانوا إحلاليين.
○ ما ترك فيك السجن بعد 40 سنة؟
•زاد من انتمائي وعزّز من فلسطينيتي وقناعاتي وبشكل منهجي وتعلمت الكثير أن أدافع عن مواقفي والتمسك بها والاعتزاز بفلسطينيتي وبهويتي. 40 سنة مدة ليست قصيرة. هنا أخبّر كل واحد وكل أبناء شعبي أنه حتى وإن طالت لن تنال منا. ربما نالت من كثافة ولون شعرنا لكنها لم تنل من انتمائنا لهذا الشعب العظيم.
○ في أول خطوة قمت بها سارعت لزيارة ضريح والدتك في قريتك عارة؟
•فاجئتني وفاتها وقد كنت على موعد حقيقي معها وكنت أقول لها دائما: انتظري ولا تستعجلي الأيام فأنا قادم، لكنها انتظرت وانتظرت حتى كلّ الانتظار من انتظارها وصبرت وصبرت حتى كلّ الصبر من صبرها ومات الانتظار والصبر لكنها اختارت أن تراني من السماء وتحتضنني أنا والوطن وليس أنا فقط. حملتها فوق طاقتها.
○ ما تركته والدتك الله يرحمها فيك؟
•دائما تأثرت بها. وربما أخذت منها ذكائها وصبرها فكانت سفيرة أمهات الأسرى. أخذت منها الكثير.
○ استوعبت أنك حر طليق وفي عالم آخر؟
•أحاول وأحاول وأنا فرح أنني بدأت استعادة حريتي وتجسيدها على أرض الواقع تدريجيا. اليوم أغادر من غرفتي وحيدا وبحرية وبدون أن يتبعني أحد من الخلف وبدون أن يرافقني رقيب ودون أن يقول لي أحد متى أدخل ومتى لا ودون أن يفتح لي أحد الباب. اليوم أخرج لساحة البيت وللشارع وأسير فيه وأقطف برتقالة من الحديقة وأدخل المقهى وأدفع عما أشتريه ومحاولة ممارسة حياتي الطبيعية.
○ ذهبت إلى مقهى؟
•نعم وتناولت القهوة لكنهم رفضوا تلقي الثمن ولكن لاحقا سأدفع كبقية رواد المقهى وممارسة حريتي بشكل طبيعي في كل مجالات الحياة.
○ بماذا فوجئت في هذا العالم الجديد؟
•خرجت لعالم لا يشبه عالمي الذي تركته خلفي. حتى بلدتي الآن لا تشبه البلدة التي تركتها قبل 40 سنة. أنظر حالة الازدحام. وقتها كان البيت يبعد 200 متر عن البيت الآخر. تزوج جيل شباب الشباب من أقاربي ورزقوا بأطفال وكونوا عائلات والآن أراهم للمرة الأولى. كنت أعرف أسماءهم لكنني لم ألتقيهم لأنهم ممنوعون من زيارتي في السجن كونهم ليسوا الأقرباء من الدرجة الأولى كإخوتي يوما وهذا ما ورد في فيلم «أنا وسيم يا خالي» لم استشعر بعد اختلاف أطباع الناس.
○ ما زالت الوفود تزورك بعد أسبوعين وأكثر؟
•نعم لكنني لست متفاجئا بالوفود المتدفقة من كل فلسطين ولم أتخيل هذا المستوى والحجم من الدفء من قبل أبناء شعبنا رغم المضايقات والتهديدات الإسرائيلية.
○ هل يفكّر كريم يونس بالزواج ضمن استعادة الحياة الطبيعية؟
•كل شيء في وقته حلو ودون تسرّع. الآن أرغب بممارسة حياتي بالسفر كي أستشعر الحرية الشخصية في التنقل والذهاب للطبيعة والبحر وبقية أرجاء وطننا وتخطر ببالي سفرة إلى فيتنام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول م. حمامي:

    ما شاء الله . عشت يا فلسطيني حرّاً يا سيّد الأحرار . هذه أرضنا وهذا وطننا , هم جاؤوا لها ونحن نسكنها واصحابها منذ عشرات الأُلوف من السنين وسنرجع يوماً الى حيِّنا . فلسطيني حر

  2. يقول زياد:

    نعم انها لنا من البحر الي النهر وسنعود لها يوما واظنه انه اقترب فكل التحيه لبطلنا الاسير المحرر كريم يونس

إشترك في قائمتنا البريدية