عمومية الخطر الصهيو مسيحي على البشرية

حجم الخط
1

كرر وزير الصحة الإسرائيلي يعقوب ليتسمان (حزب يهدوت هتوراه) أقواله أكثر من مرة، بأنه ينبغي الصلاة على أمل أن يأتي المسيح المنتظر، قبيل عيد الفصح كرمز للخلاص، لينقذنا من عدوى كورونا، ما دفع وزير جيش الاحتلال السابق أفيغدور ليبرمان للتندر عليه ناعتا إياه بـ»وزير صحة متقادم من القرن التاسع عشر».
واستطرد ليتسمان قائلا في هذا السياق «أنا على ثقة أن المسيح المنتظر سيأتي ويخرجنا من كورونا، كما أخرجنا الله من مصر الفراعنة، قريبا سيخلصنا من كل مصائب الدنيا. وجاءت أقوال وزير الصحة في دولة الاحتلال، ردا على سؤال صحافي من القناة 12، عما إذا سيبقى الإسرائيليون داخل الحجر حتى عيد الفصح العبري. وقد سخر عدد كبير من المعلقين المحللين من تصريح ليتسمان. وقالت المعلقة نيطع أخيطوف في مقال نشره موقع صحيفة «هآرتس»، إن جواب ليتسمان على السؤال الصحافي تفوح منه رائحة الجهل، لأن إسرائيل منذ أن قامت تدار وفق هرمية معوجة ومشوهة: الدين فوق العلمانية والأعمال الدينية أهم من المفاهيم العلمانية. وتوقفت عند سيطرة المتدينين المتزمتين (الحريديم) على إسرائيل، في ظل التناحر بين معسكرين خصمين على السلطة، لدرجة أنه في إسرائيل 2020 يحظر الزواج المدني، وتسيطر المؤسسة الدينية المتزمتة على كافة شؤون الأحوال الشخصية فيها.
يشار إلى أن اليهود المتدينين المتزمتين، لا يحترمون تعليمات السلطات الإسرائيلية بمنع التجمهر لأكثر من عشرة أشخاص، ويزاولون حياتهم كالمعتاد، ما ينذر بانتشار واسع لعدوى كورونا. مفاهيم وزير الصحة الصهيوني هي مفاهيم التيار الصهيو مسيحي نفسها، ولذلك مثلما اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري في قرارها رقم 3379، الذي اعتمد في 10 نوفمبر 1975، ورغم إلغاء القرار عام 1991 بظهور القطب العالمي الواحد، فإن هذا الإلغاء لا يلغي حقيقة الخطر العنصري الصهيوني على البشرية، الذي لا يقل خطرا عن التيار الصهيومسيحي، فشعارهم ما قاله أوسكار ليفي أحد حكماء صهيون، «نحن اليهود سادة العالم ومفسدوه، ومحركو الفتن فيه وجلادوه»، ويستطرد: «لن يهدأ لنا بال إلا بقيام دولة إسرائيل الكبرى وتحقيق شعار الوعد بالأرض للشعب المختار، وما حققناه المرحلة الأولى من الدولة الإسرائيلية».
أما التعريف بالصهيومسيحية: فهو الاسم الذي يطلق عادة على معتقد جماعة من المسيحيين المنحدرين غالباً من الكنائس البروتستانتية الأصولية، التي تؤمن بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية، لأنها تُتم نبؤات الكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد، وتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر. يعتقد الصهاينة المسيحيون أنه من واجبهم الدفاع عن اليهودي  بشكل عام، وعن الدولة اليهودية بشكل خاص، ويعارضون أي نقد أو معارضة لإسرائيل، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يشكلون جزءاً من اللوبي الإسرائيلي. تلعب القدرية دوراً رئيسياً في الفكر اللاهوتي للصهاينة المسيحيين، فلفهم علاقة الله مع الجنس البشري يقسمون تاريخ هذه العلاقة إلى سبعة أقدار أو حقب زمنية يخضع فيها الله الإنسان لتجارب تمتحن طاعته. ثم إنهم يرفضون كل القرارات والسياسات التي تصب في اتجاه التخلي عن جزء ولو بسيط مما يسمونه «أرض الله الموعودة للشعب اليهودي» ويعتبرونها عرقلة ونسفا لمخطط عودة المسيح. ولهذا هم يدفعون حكوماتهم إلى عرقلة جميع محاولات التوفيق في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والوقوف حائلا أمام وساطة كل من الأوروبيين، أو الدول العربية المعتدلة، وإجهاض كل مجهوداتهم لإحلال السلم بالمنطقة. ناهيك من تحريك قادتهم لتفعيل حقهم في الفيتو، ودفن كل قرار أممي يقضي بمعاقبة إجرام إسرائيل ضد الإنسانية، وسياساتها الاستعمارية على المستوى الوطني، هم كذلك يقومون بقطع الطريق على كل مرشح أمريكي معروف بمعاداة السياسات الإسرائيلية، يرغب في ترؤس الولايات المتحدة.

اليهود في أمريكا يملكون أقوى شركاتها ووسائل إعلامها، ما يجعل منهم «مجموعة الضغط» الأكثر تأثيرا في سياسات البيت الأبيض

إنهم كثيرو العدد في الولايات المتحدة، ما يقارب 40 مليونا، ويملكون أقوى شركاتها ووسائل إعلامها، وهذا يجعل منهم «مجموعة الضغط» الأكثر تأثيرا في سياسات البيت الأبيض. أصواتهم تؤثر بشكل كبير في نتائج المعارك الانتخابية، ثم بعد ذلك على مواقف وأداء المرشح المنتخب. فحتى لو استغنى المرشحون للانتخابات الأمريكية عن أصواتهم، فلا يمكنهم الاستغناء عن دعمهم المالي والاعلامي لتمويل وإنجاح حملاتهم الدعائية. هذا الدعم، لا يقدمونه مجانا، وإنما بالتزام المرشح بالدفاع عن مصالحهم وسياساتهم بما فيها حماية ودعم إسرائيل من داخل سلطات الجمهورية. فمنذ عام  1985 إلى يومنا هذا، تم منح ما لا يقل عن 185 مليار دولار أمريكي من المساعدات العامة من الولايات المتحدة لإسرائيل. وهذه المنح والمساعدات لا تتوقف أبدا، ولا تعرف قيمتها الانخفاض حتى عندما تعرف صناديق وحسابات أمريكا الخسارة، أو يكون اقتصادها في أزمة، أو في حالة عجز خطير، فبالنسبة لممثلي لوبيات الصهيونية المسيحية داخل مجلس الكونغرس الأمريكي، فإن دعم إسرائيل والسهر على حمايتها مهمتان مقدستان. يربط التيار الصهيو مسيحي بين «أسطورة» قيام الولايات المتحدة وإسرائيل، فيقدمونها للمواطن الأمريكي على أنها قصة متشابهة عاشها «الشعبان» الأمريكي واليهودي، فكلا الشعبين كانا مضطهدين دينياً، وفي قلوبهما شوق كبير لكي يمارسا إيمانهما ومعتقداتهما بحرية، تحت رعاية وإرشاد الله، وكلاهما واجها الكثير من المصاعب لإقامة دولتيهما، بسبب مواجهة، شعوب بربرية متوحشة، الهنود الحمر والفلسطينيين، ويتوجب طردهم من الأرض. ويسعون من خلال هذه القصة نيل تعاطف ودعم الشعب الأمريكي، لكي يرى في قصة «شعب إسرائيل» صدىً لقصة أو أسطورة الولايات المتحدة نفسها. تلتقي الحركتان الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية حول مشروع إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم، لذا فالهدف الذي تعمل الحركتان على تحقيقه يتمحور حول فرض سيادة يهودية كاملة على كل فلسطين، بدعوى أنها «أرض اليهود الموعودة» ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تعميم البركة الإلهية على كل العالم.
أيضا ظهرت في أمريكا «الإنجيلية الصهيونية» ولها تسميات عديدة منها، الإنجيليون المسيحيون، الصليبيون، الصهاينة. تتصل جذورهم بتيار ديني يعود إلى القرن الأول في بريطانيا، وهم يعتقدون أن المسيح سيعود إلى هذا العالم محاطا بالقديسيين، ليمكث في الارض ألف سنة وسموا بالالفية. ينظر هؤلاء إلى العرب والمسلمين نظرة فوقية بسبب انتصار إسرائيل في حروبها على العرب وانهيار الاتحاد السوفييتي وانتصار امريكا على العراق في حربي الخليج، ويعتبرون أمريكا وإسرائيل توأمين سياسيين تربطهما مصالح مشتركة وعليهما واجب الحفاظ على العالم من الخطر الشيوعي والخطر الاسلامي. ولهذا اعتبرت حرب عام 1967 نقطة تحول رئيسية في مسيرة المسيحيين الصهاينة على اعتبارها تحقيقا لنبوءة توراتية.. يقول المطران الفلسطيني عطا الله حنا: «إن المسيحية الصهيونية هي أكبرخطر على الوجود المسيحي الفلسطيني والمسيحية بشكل عام، وقاموسنا الكنسي واللاهوتي لا يعترف بشيء اسمه المسيحية الصهيونية، فهذا المسمى تطلقه على نفسها جماعة موجودة في أمريكا، وهم يتبنون تفسيرات مغلوطة للكتاب المقدس، خاصة للعهد القديم. ونحن بدورنا لا نتبنى ولا نعترف بهذه التسمية لأن هنالك تناقضا كبيرا بين المسيحية التي هي ديانة المحبة والرحمة والسلام، والصهيونية التي تعتبر حركة عنصرية كانت سببا أساسيا من أسباب ما حل بشعبنا الفلسطيني من نكبات ونكسات».
مما سبق، يتضح جليّا، التواؤم التام بين الصهيونية والصهيو مسيحية، فكلّ منهما يكمّل الآخر، ظلماً وعدوانيةً وعنصرية وتعدّيا على حقوق المظلومين في العالم، وليس في فلسطين وحدها، بالاستناد كذبا وزورا إلى تعاليم يدّعون إلهيتها، وفسّروها على طريقتهم لتبرير كل موبقاتهم تجاه البشرية، وينطلقون من الاستعلائية والفوقية والتمايز عن كل البشر، ناسين أو متناسين أن الأديان أتت لإصلاح البشرية وبنيت على إرساء مبادئ العدالة والمساواة والإخاء بين البشر، عمادها محبة الآخرين كلّ الآخرين، بغض النظر عن اللون أو العرق أو الانتماء، أما تحوير الدين بالطريقة التي يفهمها ويفسرها هؤلاء، فهو المخالفة الواضحة للتعاليم الدينية، وهو الإساءة بعينها للبشرية برمتها، وليس لشعبٍ بعينه كشعبنا الفلسطيني.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجية:

    تمثل ألطوائف البروتستانتية مايزيد عن نصف السكان في الولايات المتحدة الأمريكية.وتنقسم الكنائس البروتستانتية إلى 13 مجموعة مختلفة تمتد في تنوعها من شبه المسيحية من جانب إلى أليهودية في الجانب الآخر. أن هذا يما فسر نفوذ ألصهاينة في الولايات المتحدة.

إشترك في قائمتنا البريدية