عزفًا على التمسك بالحق الفلسطيني… الإمارات تطبع مع إسرائيل

حجم الخط
0

إسطنبول: في الوقت الذي لا تبدو فيه العلاقات الإسرائيلية مع عدد من الدول الخليجية مقطوعة بالكامل، لكنّ أيا منها لم تتجرأ على الإعلان صراحة عن علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل حتى الخميس، حيث أعلنت ذلك دولة الإمارات.

لا يبدو الإعلان الإماراتي مفاجئا لأحد إذ سبق ذلك خطوات تمهيدية بدأت منذ سنوات طويلة متخذة أغطية متعددة، منها المجال الرياضي والثقافي، وآخرها استغلال جائحة كورونا لإبرام اتفاقيات بين شركات إسرائيلية.

وعلى الرغم من عدم إقامة علاقات دبلوماسية رسمية وعدم اعتراف الإمارات بإسرائيل، طوال السنوات الماضية، لكن الدولة الخليجية سمحت لمسؤولين ووزراء إسرائيليين بزيارتها، وعزف النشيد الوطني الإسرائيلي على أرض عاصمتها في إحدى المناسبات الرياضية.

كما أرسلت أبو ظبي، مؤخرا، شحنتين من المساعدات الصحية إلى الفلسطينيين، عبر مطار “بن غوريون” قرب تل أبيب، إلا أن الحكومة الفلسطينية رفضتهما لكون الإمارات نسقت مع إسرائيل لإرسالهما ولم تنسق معها.

والإمارات ثالث دولة عربية تطبّع علاقاتها رسميا مع إسرائيل بعد اتفاق السلام المصري عام 1979، واتفاق السلام الأردني عام 1994.

وتحاول الإمارات أن تلعب أدوارا إقليمية لا تنسجم مع حقيقة مكانتها وثقلها الحقيقي في المنظومة العربية، من خلال ما يعتقد مسؤولوها بأنها شريك “ثانوي” فاعل في محور عربي تقوده السعودية ومصر.

كما تحاول الإمارات الإيحاء بالتزامها بالحق الفلسطيني وحرصها على الثوابت العربية في إحلال السلام مع إسرائيل بسلسلة من التصريحات الإعلامية والمواقف السياسية لعدد من مسؤوليها.

وفي ذات الوقت كانت خطوات أبو ظبي العملية لإقامة علاقات مع إسرائيل تمضي بشكل واضح ومعلن.

البيان المشترك للولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات، الذي أعلن بموجبه عن اتفاق التطبيع بين أبو ظبي وتل أبيب، تضمن إشارة ضمنية إلى التهديدات الإيرانية، حيث تحدث عن أن الدول الثلاث تواجه العديد من التحديات المشتركة.

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق بأنه “يوم تاريخي”.

بينما نشر محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي الحاكم الفعلي للإمارات، تغريدة على حسابه في “تويتر”، قال فيها إن بلاده اتفقت مع الولايات المتحدة وإسرائيل على “إيقاف” ضم الأخيرة للأراضي الفلسطينية، ووضع خارطة طريق نحو تدشين التعاون المشترك مع إسرائيل وصولا إلى علاقات ثنائية.

وتحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنه من المتوقع حدوث مزيد من الإنجازات الدبلوماسية بين إسرائيل وجيرانها من الدول الإسلامية، وهو ما يراه مراقبون تأكيدا على أن هناك دولا أخرى ستمضي في طريق التطبيع مع إسرائيل لاحقا.

وخلافا لكل التصريحات التي صدرت عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، تحاول الإمارات الإيحاء بأن الاتفاق الدبلوماسي المعلن عنه، الخميس 13 أغسطس/ آب، يتكفل بوقف مخطط إسرائيل المعلن عنه بضم أراض من الضفة الغربية إلى سيادتها بموجب مبادرة السلام (صفقة القرن) التي أعلن عنها ترامب في 28 يناير/ كانون الثاني الماضي.

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن “خطط ضم أراض من الضفة الغربية يتصورها الفلسطينيون أنها جزء من دولتهم المستقلة، عُلقت مؤقتا فقط”.

كما أن عضوا في حزب “الليكود” الذي يقوده نتنياهو صرح لوسائل إعلام محلية، أن “إسرائيل لن تتخلى عن مسألة ضم الأراضي”، في رد على ما تبثه دولة الإمارات من ادعاءات بأن توقيعها الاتفاق التطبيعي هو في مقابل موافقة تل أبيب على التخلي عن ضم المزيد من الأراضي.

ويبدو من خلال متابعة تصريحات مسؤولي الدول الثلاث المعنية بالاتفاق، فإن مسالة ضم الأراضي لن تتوقف، لكنها بالتأكيد ستعلق مؤقتا.

وادعى وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، أن فكرة الاتفاق الأساسية هي “إلزام إسرائيل بتجميد ضم الأراضي الفلسطينية” وفق رؤيتها بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وأن السلام وتحقيقه يتعلق بإرادة وقرار الفلسطينيين والإسرائيليين.

لكن البيان الثلاثي المشترك لم يتحدث عن “إلزام” إسرائيل بتجميد فكرة الضم، إنما تحدث صراحة مستخدما صيغة “تعليق إعلان السيادة الإسرائيلية على المناطق المحددة في رؤية الرئيس الأمريكي للسلام”.

وتعتقد الإمارات وفقا لمسؤولين، منهم قرقاش، تحدثوا إلى وسائل إعلام عربية، أن خطوتها لا تتعارض مع مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 بإقامة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس حل الدولتين، وأن أبو ظبي استثمرت رصيدها لتجميد أي ضم إسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي يعتزم المباشرة بعملية الضم أوائل يوليو/ تموز الماضي لكنه تراجع عنها، بعد أن تعرضت حكومته لضغوط وانتقادات واسعة من دول كبرى ومن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

ومع أن الإمارات تروج لفكرة اشتراطها انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة سلام على أساس حل الدولتين، وهو جوهر المبادرة العربية.

لكن الاتفاق الثنائي بين الإمارات وإسرائيل لم يكن بموافقة جامعة الدول العربية أو المملكة العربية السعودية راعية مبادرة حل الدولتين، التي لم تعد ذات قيمة بعد انتهاكها من أبو ظبي واحتمالات انضمام دول أخرى إلى مسار التطبيع مثل البحرين وغيرها.

ولم يصدر موقف رسمي عن السعودية صاحبة المبادرة العربية للسلام، لكن وسائل إعلام محسوبة على المملكة غطت أخبار اتفاق التطبيع دون أي انتقادات للخطوة التي يرى الكثير من المتابعين أنها إجهاض للمبادرة العربية للسلام التي تتمسك بها الرياض رسميا كطريق وحيد لإحلال السلام على الرغم من الرفض الإسرائيلي لها.

ومن المتوقع أن تتمسك السعودية بثوابتها المعلنة لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، لكن هذا قد لا يكون صحيحا في حال غياب الملك سلمان بن عبد العزيز وتولي ولي العهد محمد بن سلمان مقاليد الحكم والتأثير الكبير لولي عهد أبو ظبي عليه.

لكن دولا خليجية أخرى، مثل البحرين، باركت الخطوة الإماراتية، ومن المتوقع أن تبادر بخطوة مماثلة بالتطبيع الرسمي مع إسرائيل، كما يميل مراقبون إلى أن كلا من سلطنة عمان والسودان قد يلتحقا قريبا بمسار التطبيع.

وخلافا لما جاء في البيان الثلاثي المشترك، فإنه لا يبدو أن إسرائيل تسعى للتوصل إلى حل عادل وشامل للصراع مع الفلسطينيين.

قد لا تحقق الإمارات أي مكاسب سياسية على الصعيدين العربي والإسلامي بعد خطوتها التطبيعية، لكن ذلك لا يمنع أن تكون هناك بعض المكاسب الاقتصادية.

على ما يبدو أن الاقتصاد هدف رئيسي من أهداف الاتفاق الذي ذكر أن الأسابيع القادمة ستشهد لقاءات بين وفود من الدولتين لتوقيع اتفاقات “تتعلق بالاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة، وكذلك الأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة، فضلا عن الرعاية الصحية والثقافة والبيئة، وإنشاء سفارات متبادلة ومجالات أخرى ذات المنفعة المشتركة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية