عبد العزيز بوتفليقة.. مسيرات سلمية تزيح رئيساً عن كرسيه

حجم الخط
9

الانتخابات الرّئاسية في الجزائر تؤجّل وعبد العزيز بوتفليقة لن يترشّح إليها مجدداً. سيناريو متسارع تشهده البلاد في الأسابيع الماضية. من كان يتوقّع أن الرّئيس الذي عمّر 20 عاما سينسحب تحت ثقل يافطات المُحتجين، ومظاهراتهم السّلمية؟ ففي آخر خطاب له، أمام الشّعب، عام 2012، بمدينة سطيف (شرق الجزائر)، قال الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة بدارجة وبالحرف الواحد: “أنا طاب جناني”، ما معناه: “أنا انتهى زمني”. ظنّ البعض أنه يلفظ ما يُشبه خطبة وداع، وأنه سيترجّل، ومرّت سبع سنوات وأعلن في رسالة ترشحه لعهدة خامسة، الشهّر الماضي. أظهر تمسكاً بالكرسي، قبل أن يخرج الملايين إلى للشّارع، بدءاً من 22 فبراير، ضدّ ترشحه، والذين بلغ عددهم بحسب أرقام متطابقة 13 مليون محتجّ، وهو رقم يتجاوز بكثير عدد من صوّتوا له عام 2014، والذين لم يتجاوزوا 8 ملايين ونصف مليون ناخب. لقد جاء بوتفليقة إلى الحكم عام 1999 في فترة عصيبة، كانت فيها البلاد تخرج ببطء من حرب أهليّة، قال إنه رجل إجماع قبل أن يجد نفسه شبه وحيد، ضدّ الشّعب، في الأيّام الأخيرة، تعجز القنوات الأجنبية على إيجاد متحدّثين يُدافعون عنه. ففي عشرين سنة الماضية غيّر الدّستور أكثر من مرّة كي يستمر في سياساته، ووقعت أحداث كبرى، خرج منها بأخفّ الأضرار لأسباب كثيرة، قبل أن يعلن انسحابه كليّة عن السّلطة، في رسالة بتاريخ 11 آذار/مارس الماضي.

على موقع رئاسة الجمهورية نقرأ نبذة مختصرة عن الرّئيس، الذي عمّر أطول من كلّ رؤساء الجزائر السّابقين، بأنه ولد عام 1937، دون أن نعرف أين. مراجع موثّقة تقول إنه وُلد في وجدة بالمغرب، ولكن هذه المرة الأولى التي لا يصرّح فيها رئيس للبلد بمكان ولادته. هل يعتقد بوتفليقة أن في ذلك ضرراً على سمعته؟ لقد كان من المحظوظين في تسلّق سلم المناصب بعد استقلال البلد، بدءاً من تعيينه كوزير للشّباب والسّياحة، وهو في الخامسة والعشرين من عمره، في أوّل حكومة بعد الاستقلال عام 1962، ثم “مشاركته الفعّالة” كما يقول عن نفسه في التّصحيح الثّوري في 19 يونيو 1965، أو بالأحرى الانقلاب الذي قاده الكولونيل هواري بومدين على الرّئيس الأسبق أحمد بن بلة. كانت تلك لحظة صعوده الأهمّ كواحد من الشّخصيات النّافذة.

لم يكن بوتفليقة يودّ أن يُنازعه أحد في صورته، وأن لا يكون له ندّ ولو بين الأموات. ألهذا السّبب أيضاً عطّل مشروع فيلم عن الأمير عبد القادر، كي يظلّ الحاكم الأوحد في مخيّلة الجزائريين؟

لقد جعل منه بومدين وزيراً للخارجية، ثمّ قرّر تاريخ 19 يونيو يوماً وطنياً، سميّت أحياء سكنية وملاعب كرة قدم على ذلك التّاريخ، إلى غاية 1999، فبمجرد انتخاب بوتفليقة رئيساً، بعد سنوات من التيهان خارج الجزائر، محا ذلك التّاريخ من أجندة الأيّام الوطنية، كما لو أنه أراد أن يمحو ظلّ بومدين ويتحرّر منه، ويلغي ذلك الرّبط بينه وبين عرّابه. لاحقاً اتّضحت الصّورة، فقد عمل بوتفليقة، خلال سنوات، على تحييد ذكرى بومدين، بل إن مستشاريه اعترضوا عن تصوير فيلم حوله. لم يكن بوتفليقة يودّ أن يُنازعه أحد في صورته، وأن لا يكون له ندّ ولو بين الأموات. ألهذا السّبب أيضاً عطّل مشروع فيلم عن الأمير عبد القادر، كي يظلّ الحاكم الأوحد في مخيّلة الجزائريين؟

نحن أمازيغ، هل ترانا؟

في أبريل 1999، أُنتخب رئيساً للمرّة الأولى، في انتخابات نافس فيها ظلّه، بعد انسحاب ستّة من المرشحين الآخرين، بسبب انحياز الجيش لبوتفليقة. بعد عامين فقط من بلوغه قصر المرادية، واجه امتحاناً عسيراً. خرج الأمازيغ في احتجاجات مسّت ولايات مختلفة، ووصلت إلى عاصمة البلد، عقب اغتيال الشّاب قرماح ماسينيا في ثكنة للدّرك الوطني، وتوسّعت المطالب من كشف حقيقة الجريمة ومحاكمة الجاني إلى مطالب سياسية لردّ الاعتبار للأمازيغ كهوية ولغة وجزءاً ثابتاً من التّعدّد الثّقافي والتّاريخي للجزائر. لكنهم وجدوا الشّرطة في مواجهتهم بالنّار والهراوات، وبحسب تقرير الرّابطة الجزائرية للدّفاع عن حقوق الإنسان فقد وقع في تلك المظاهرات الجماهيرية، والتي شارك فيها غير الأمازيغ أيضاً، 126 ضحية. لقد فضّل الرّئيس المواجهة بالرّصاص على أن يستعين بإرثه كوزير للخارجية ويستمع للمتظاهرين، ويتناقش معهم كمواطنين قبل كلّ شيء. لكن الأمازيغ لم يهجروا الشّارع، وظلّوا يُطالبون بكشف الحقيقة وبتحقيق إرادتهم، ووصلوا إلى فرض اللغة الأمازيغية كلغة دستورية بدءاً من عام 2002، وساءت حينها صورة بوتفليقة في الأقاليم الأمازيغية، حاول تصحيحها ـ جزئياً ـ بإحاطة نفسه بمستشارين أمازيغ وبتسليم حقائب وزارية لمسؤولين من مناطق الاحتجاجات، غالبيتهم لم يلقوا رضا من طرف الشّارع، وفي كلّ مرة من الانتخابات الرّئاسية ينال أقلّ نسبة تصويت من الأمازيغ، كما لو أنهم يوجّهون له بطاقة صفراء، تحوّلت مع الوقت إلى بطاقة حمراء. فجرح الأمازيغ لم يندمل، كما همّشهم هواري بومدين في وقت سابق، فعل تلميذه الأمر نفسه، وبوتفليقة يبدو أنّه لم يغفر لهم ما حصل له في مدينة بومرداس، عقب زلزال 2003، ففي زيارة تفقدية لعائلات الضّحايا والمتضررين، خرج حشد من النّاس وحاولوا طرده من المكان. كانت تلك أوّل علامات الرّفض الصّريح له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول good:

    وهل يعقل ترشيح ميت…؟

  2. يقول Mostafa:

    على الشعب والجزائري ان ينسى بوتفليقة لانه اصلا ميت ويطالب بترحيل او محاكمة حزبه المرتزق الحاكم مافيا الشعب المتحكم بالثروة كالساهل ويحيى وسلال والصالح وان تقام انتخابات في وقتها وباعضاء جديدة سياسية وحزب جديد

    1. يقول AHMED ALGERIE:

      انت متحمس جدا يااخي مصطفى, ها شان الشعب الجزائري وسيتم التغيير باذن الله, متى يكون الدور عندكم ان شاء الله ؟؟؟

  3. يقول Al NASHASHIBI:

    CONGRATULATIONS FOR THE PEOPLE VOLITION
    YES FOR OUR victory ✌
    YES FOR. NEW LEADERSHIP

  4. يقول مهدي جواد:

    عهدنا بفعل الفطرة أن كل شخص يحن ألى مسقط الرأس ويحاول دائما أن يتذكر مسقط رأسه الا السيد بوتفليقة يحاول أن يتجنب ذكر مسقط رأسه .هل يشكل هذا المكان عقدة للرجل واذا كانت فعلا مدينة وجدة فما العيب في ذلك الم يولد الكثير من المناضلين الفلسطينين خارج اوطانهم ولم يشكل لهم ذلك عقدة بل ربما فخرا واعتزازا بروح التحدي …وربما تكون هذه القضية هي مفتاح لقضايا اخرى بقيت غامضة ومستعصية من حياة الرجل وحياة المنطقة برمتها وتركت اجيال تحاول ان تستشف الحقيقة من وهم الحكايات العابرة

  5. يقول أبو امحمد/الجزائر:

    – أنا جزائري وأقول : “الرئيس له إحترامه بين الشعب ولاينكر أحد فضله” ، ولكن من يحركون المشهد هم شرذمة خرج الشعب لمحاسبتهم ولن يهدأ له بال حتى إقتلاعهم .

  6. يقول جيلالي من الجزائر:

    لقد هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية

  7. يقول alaa:

    الله يرحمه .. سبحان الله ..الآن لآ يقدرعلي فعل أي شئ.. يمهل ولآ يهمل .

  8. يقول oks:

    من ادب الاحترام عدم المساس بشخص ما ومابالك بشخص كان رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية . له ما له وعليه ما عليه ومن واجبنا ان نحترمه ونترك الباقي للتاريخ الذى سوف يفصل في كل كبيرة وصغيرة.

إشترك في قائمتنا البريدية