عالم الاجتماع التونسي محمد الجويلي: الفساد بدأ يخرج عن سيطرة الدولة

حاوره: رشيد خشانة
حجم الخط
0

حذر أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة التونسية الدكتور محمد الجويلي من أن الفساد بدأ يخرج عن سيطرة الدولة في تونس. وأكد الجويلي الذي شغل منصب مدير عام المرصد الوطني للشباب في تونس، أن الشبان الذين يتراوح سنهم بين 15 و29 سنة، ويفوق عددهم المليون شاب، هم قنابل موقوتة لأنهم مهمشون في أحلامهم وتطلعاتهم، ما يدفعهم إلى إجابات يائسة. وهنا نص الحوار:

* هل المجتمع العربي مريض؟

** من الأكيد أن المجتمع العربي مريض، وأمراضه عديدة وبعضها مزمن. والمرض الكبير هو الاستبداد، ليس فقط في أنساق السلطة السياسية، وإنما في أنساق السلطة الموجودة في النقابات والجامعات وفي الأحزاب السياسية وهياكل المجتمع المدني. فكل نسق فيه سلطة، أيا كانت، مادية أم رمزية، مريض، بسبب وجود رغبة جامحة باحتكار السلطة وإعادة إنتاجها وتحويلها إلى مشروع استبدادي وإلى ثقافة مُستبطنة. وهذا ليس فقط في الحقل السياسي وإنما في غالبية الحقول، بما فيها الحقل الأكاديمي، فهذا المرض يقود بدوره إلى سلسلة من الأمراض الأخرى. وهناك مرض آخر يتعلق بوضع مؤسسات الخدمات بشكل عام، التي هي مؤسسات عمومية (الصحة، النقل، التعليم، الادارة، الأمن، الجيش…) إذ أنها تشكو، هي الأخرى، من التهاوي والعجز لأنها وبكل بساطة مؤسسات لا تُنصت للمواطنين، وغير قادرة على فهم التحولات السوسيولوجية، و ما يتبعها من تغيير في براديقمات هذه المؤسسات. ثم نأتي إلى مؤسسات أخرى، هي مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي يتم عبرها نقل القيم والمبادئ بصورة عامة، فهي تشكو أيضا من حالة ترهل وحيرة، إلى درجة أنها لا تعرف إلى أين تتجه، هي الأخرى، غير مُستوعبة للتحولات الجديدة.

تُضاف إلى هذا أمراض أخرى، عنوانها لا تكافؤ بين نمط استهلاكي يستبدّ بنا من جهة وضعف في إنتاج الثروة كمّا وكيفا من جهة أخرى، فالمجتمعات العربية لا تنتج الثروة بالقدر الكافي، والثروة ريعية في جزء من المنطقة العربية، يقع تحويلها بشكل كامل تقريبا إلى مضاربات مالية في مؤسسات عالمية، أي إلى رأس مال مالي. وبتعبير آخر إلى أموال تنتج أموالا. هذا النمط من الاقتصادات لا تهّمه المصانع وتشغيل الشباب والديناميكية الاقتصادية التي تُحدثها، وهذا في حدّ ذاته مشكل عويص. وفي المجتمعات العربية الأخرى، التي ليس لديها ريع نفطي، والتي لها مشاكل في إنتاج الثروة، هي أيضا تعاني من فشل مناويلها التنموية، لأن هذه المناويل قديمة وغير مجدّدة وغير مستوعبة للتحولات المختلفة. هي مناويل فاسدة في أغلبها.

والمرض الأكبر في رأيي هو غياب الرؤية، أو غياب البوصلة، وغياب مشاريع مُجتمعية واضحة المعالم، أي العجز عن التعامل مع المستقبل، فحتى وإن كانت بعض الدول تخطط استراتيجيا لسنة 2030 أو 2050 فإن تخطيطها لا يعدو أن يكون استعراضا لا غير. ما تفتقده بعض هذه البلدان هو التخطيط لإرساء منظومات قيمية تغير وجه الأشياء.

* الشباب هو القوة الضاربة لكل مجتمع، أين الشباب العربي اليوم، في ظل هوامش الحرية التي أتيحت له، والتي لم تكن متوافرة قبل 2011؟

** الشباب في البلدان العربية هو الآخر في قلب الأزمة، فعندما تغيب مشاريع المجتمع الكبرى وتُفتقد الرؤية الواضحة، مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يجد الشباب نفسه في حالة ضياع، خاصة مع غياب أيديولوجيات كبرى وسرديات كبرى، كانت تعطي قطاعات من الشباب أملا، وتمنحه أحيانا حلولا وإن كانت هلامية أو بعيدة المدى.

في غياب تلك الأيديولوجيات وجد الشاب نفسه وجها لوجه مع مجتمع استهلاكي ضاغط، حيث أصبحت هوية الشاب تُقاس بقدرته على الانخراط في ذلك النموذج المجتمعي الاستهلاكي، فإن لم يستطع التماهي معه، والتشبع بالثقافة الاستهلاكية، وجد نفسه مهمشا في المجتمع، فهو مهمش في أحلامه وتطلعاته، وبالتالي يمكن أن يجيب على حالة التهميش المستمرة، إجابات يائسة، فتحمل إجاباته كثيرا من المخاطر، في ظل غياب إجابات من الدولة. من هنا فإن الشاب مطالب بأن يجد بنفسه ولنفسه إجابات مقنعة، كي يحدد هويته، وهذا غير موجود الآن، إلا ضمن ما توفره ثقافة المجتمع الاستهلاكي بشكل عام.

ههنا يحدث تحول كبير في قياس الشاب لنوع الأخطار ودرجة الخطورة، ففي الماضي كان المجتمع، واستطرادا الأيديوليوجيات والأنظمة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، هي من يتحمل المشاكل الاجتماعية، والآن حصل تحول كبير وهو انعطافة خطرة، لأن الشاب أصبح يعيش مشاكله الاجتماعية، مثل البطالة والخصاصة والحرمان، على أنها إخفاقات شخصية. وهكذا يتحول المشكل الاجتماعي إلى الدائرة الفردانية، وذلك عندما يتمثل الشاب مشكلة اجتماعية على أساس أنها مشكل فردي. فقد أصبح بلا سند اجتماعي، وهو مطالب بأن يجد الحلول بنفسه، وهكذا فإن تلك الحلول التي كانت توفرها الدولة ومؤسساتها المختلفة أصبحت الآن من اختصاص الشبكات، بمختلف تلويناتها من شبكات دعارة ومخدرات واتجار بالبشر، وكافة الشبكات التي تنتدب من معين ذلك الشباب. كثير منهم يلجئون إلى تلك الشبكات، لأنهم لم يجدوا إجابات، وهذا انعطاف خطر في أوضاع الشباب اليوم.

* ألا ترى أن اجتياح النموذج الاستهلاكي يُعزى إلى ضعف مناعة المجتمعات التي سمحت باستقبال تلك التأثيرات الخارجية وتبنيها؟

** المجتمع الاستهلاكي أصبح يشتغل بوتيرة عالية جدا، بفضل آليات العولمة وأساسا وسائل التواصل الاجتماعي. هذا عنصر أول، أما العنصر الثاني فهو أن انتقال السلع صار أسهل بكثير من الماضي، وهذا أضعف إلى حدّ كبير سيادة الدول على منظومات الاستهلاك ومنظومات التوزيع. ورافقت هذه الوضعية عودة إلى ما يسميه فرويد “نرجسية الفوارق الصغرى” بمعنى أننا انتقلنا من قياس الفرد ووضعه ضمن دوائر الفوارق الكبرى، وهي فوارق اجتماعية وطبقية، إلى دوائر الفوارق الصغرى، اي أن المقارنات التي يعيشها الفرد لم تعد موجودة ضمن مقارنات ماكرو اجتماعية، فهو يقارن نفسه بشاب آخر في نفس المدرسة ونفس السن ونفس الجامعة، ويتواصل مثله عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وهكذا أصبح مُتاحا الانتقال من فئة اجتماعية إلى أخرى، ومن فارق كبير إلى فوارق صغرى، ولو في مستوى التمثُلات، وليس بالضرورة في مستوى  الواقع.

هذه الوضعية تؤدي إلى هشاشة نفسية وإلى اتهام للذات، على نحو يجعل الشاب لا يعيشها كمشكلة اجتماعية، وإنما كإخفاق فردي مثلما ذكرنا. وهذه الظواهر نجد نتائجها في مجالات أخرى مثل الهدر المدرسي والجريمة بأنواعها والهجرة السرية والسفر إلى بؤر التوتر، وهي إفرازات لغياب الإجابة، وهكذا أصبح الشاب يجد أمامه في كثير من الأحيان، مجموعة من الإجابات التي تُصنف ضمن الإجابات المحفوفة بالمخاطر.

* ما هي أسباب ظهور فجوة عميقة بين الشباب المُحتج والحكومات في بلدان مثل العراق والجزائر ولبنان والسودان؟

** هناك مجتمع مدني قوي في لبنان وآخر بصدد التشكل، وخاصة في العراق وفي الجزائر. غير أن هذا لا يعني أن الحركة الاحتجاجية غير موجودة بأشكال وتعبيرات مختلفة، خارج الأحزاب، وربما خارج الأيديولوجيات. لكن أصبح المجتمع المدني هو الذي يحتضن هذه الإجابات التي ارتدت طابعا احتجاجيا، يتراوح بين الاعتصام أمام وزارة أو هيئة عمومية، إلى احتجاج مثل احتجاج الكامور في جنوب تونس، الذي أوقف ضخ إنتاج النفط بطريقة مشهدية. ما يهمّنا هو أن خارطة الاحتجاجات بدأت بالتغير فيمكن الآن أن تحتج مدُن بأكملها، من أجل مدينة رياضية أو ملعب كرة قدم. هناك تحوّل كبير في أشكال الاحتجاج وفي مضامينه.

* بماذا تفسر أن بلدا مثل تونس توافرت فيه حرية التعبير للشباب وحريات أخرى، ومع ذلك يُخير ركوب البحر بحثا عن جنة موعودة، بالرغم من المخاطر المؤكدة التي تحف بتلك المغامرة؟

** لا يمكن أن ننظر إلى الشباب كما لو كان سلّة واحدة، فنحن نتكلم عنه هنا بصيغة التعدد، وليس بصيغة المفرد. هناك شباب منسجم مع الوضع الراهن، ونجده في الأحزاب السياسية وفي المجتمع المدني، فهو يتحرك ويناضل ويساهم في الحراك المجتمعي، وفي الاستفادة من الحريات التي أصبحت متاحة له ولغيره. هذا قسم من الشباب، والقسم الآخر غير معني بالمشاركة في الشأن العام، وهم في العادة شباب غادروا مقاعد المدرسة مبكرا، وأصبحوا خارج دائرتي التعليم والعمل والتدريب، هؤلاء الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، يفوق عددهم المليون شاب في تونس. وهؤلاء هم قنابل موقوتة لأنهم معرَضون أكثر من غيرهم، بسبب انعدام الرعاية والاهتمام. لا بل لا يوجد اعتراف بتردي وضعهم الاجتماعي، إلا من أسرهم التي تبذل الجهد، قدر المستطاع، لمساعدتهم. وانسداد الآفاق يجعل غالبيتهم يتجهون إلى مخاطر أكبر، لأن تصنيفهم للمخاطر يدفعهم إلى اعتبار وضعيتهم الراهنة هي أكبر خطورة عليهم، مما يحملهم على الهجرة بحثا عن وضع أفضل. وكثير منهم يعتقدون أن الهجرة هي شكل من أشكال الانتقام والاحتجاج على المجتمع، فإزاء الوضع السيئ جدا تصبح المغامرة بالإبحار أمرا بسيطا. فنحن الذين ننظر عن بعد نرى أن المخاطرة بالهجرة أكبر، بينما تنقلب المفاهيم لدى تلك الفئة من الشباب، فيصبح بقاؤه في تونس هو الأخطر. أكثر من ذلك هو يعتقد أن كلفة الأربع وعشرين ساعة التي سيقضيها في البحر مُواجها مصيره بمفرده، وربما يغرق ولا يصل، هي أقل بكثير من كلفة بقائه في بلده. تلك هي العملية الحسابية التي يقوم بها لترتيب درجات المخاطر. فالأربع وعشرين ساعة لا تساوي شيئا أمام سنوات من البطالة والحرمان وانسداد الآفاق، وهي وضعية يراها بالغة الخطورة.

* إلى ماذا تعزو فشل جميع المحاولات للسيطرة على الهجرة غير النظامية والحد منها؟

** لأنه لا توجد إجابات فالوضع لا يتحسن، ولذلك عندما لا تأتي الاجابات التنموية من الدولة حاملة الأمل، ولا يتحسن الوضع، تصبح الخطورة أعلى. والشباب اليوم لم يعد يكتفي بالشغل، بل صار يريد الوصول إلى وسائل الترفيه وتحسين لباسه ومظهره الخارجي، وهو يعتبر أن الحصول على كل ذلك، في أوروبا أسهل منه في بلده. هو يعرف أن إمكان الحصول على شغل في أوروبا بات أمرا صعبا، بسبب أزماتها، لكنه يؤمن بوجود “فرص” هناك، قانونية وغير قانونية، لا يتوافر مثيلها هنا، مثل الحصول على سيارة، التي يتخيل أن أسعارها زهيدة، وهو أمر مستحيل في بلده. لذلك يفضل الهجرة قائلا في قرارة نفسه “لو لم أجد شغلا ملائما، سأعثر ربما على فرصة أخرى، إما مع شبكة مخدرات أم مع شبكة دعارة أم بأعمال إجرامية، لكسب الثروة”، فهو يتصور أن هذه “الحلول” متاحة أمامه، وتوفر له مستوى عيش معقول في أوروبا. هذا هو الدافع الذي يحفزهم على المغامرة بحياتهم، بالرغم مما ينتظرهم في البحر وفي أوروبا من اعتقال وملاحقات. وهذا يُبين إلى أي مدى بلغ يأسهم من مجتمعاتهم.

* الشفافية والحوكمة والمحاسبة وغيرها، شعارات كثيرا ما نسمعها تتردد في حياتنا، لكن لا نرى تقدما حقيقيا نحو تجسيدها في الواقع؟

** هذا صحيح وهو من موروث الأنظمة الاستبدادية التي توزع العطاءات بطريقة غير عادلة، فهي تسمح بجزء من الفساد، لكن تُبقيه تحت السيطرة، لإغراء الناس أو شراء أصواتهم، أو ربما لشراء سكوتهم أيضا، أو لأنهم يمثلون جناحا داخل السلطة، وهو يحتاج إلى أصواتهم مُستخدما المال. والمال يأتي من الصفقات المشبوهة ومن الفساد بجميع أصنافه. وفي المجتمعات الاستبدادية يعتبرون ذلك قوة تعديلية أو قوة توازن، وكل الأنظمة الاستبدادية بما فيها تونس كانت تشتغل بهذه الطريقة، فالفساد يراوح من فساد الحزب إلى فساد العائلة إلى الفساد الاداري… غير أن الفساد كان دائما تحت رقابة الدولة، وتحديدا تحت رقابة النظام السياسي، لكي لا يخرج عن طوع السلطة، وإلا يمكن أن ينقلب عليها. أما الآن فبدأ الفساد يخرج عن سيطرة الدولة. وحتى في المجتمعات التي حدث فيها انتقال ديمقراطي، مثل تونس، زاد الفساد، وربما بات الكشف عنه أكثر سهولة بفضل توافر حرية الاعلام ووجود مجموعات الضغط والهيآت المكلفة بالكشف عنه ومتابعة الضالعين فيه. والمهم في ذلك أن الفساد في تونس صار موضوعا على الموائد ومعروضا في قارعة الطريق.

* لنذهب إلى الجدل المتزايد في أوروبا عموما وبالأخص في فرنسا عن الإسلام والارهاب والجاليات العربية، فكثيرا ما يستخدم الفرنسيون عبارة إسلام فرنسا تمييزا له عن إسلام العراق أو إسلام تونس أو إسلام مصر، فهل تشاطر هذه المقاربة؟

** هناك عدة مفاهيم في هذا المضمار، وعلى الأقل مفهومان مختلفان الأول هو الإسلام الفرنسي والثاني هو الإسلام في فرنسا. الأول هو الذي يدافع عنه ماكرون، والذي يكتسي هوية فرنسية بارتدائه بدلة العلمانية والفصل بين السلطات وقيم الجمهورية، ويُجسده قانونيا دستور 1905. والسلطة الفرنسية تسعى إلى الاقناع باستخدام مفهوم الإسلام الفرنسي. أما الثاني فهو الإسلام في فرنسا، كما يريده المسلمون، الذين يعيش قسم منهم هناك، بمعنى أن هناك استقلالا للإسلام كدين وممارسة عن المقولات الرئيسة للجمهورية الفرنسية، وهنا يقع لُبُ الخلاف، فالسلطة الفرنسية تسعى إلى تدعيم مفهوم “الإسلام الفرنسي” ويندرج في هذا الباب اختيار الأئمة وبناء المساجد وجعل الإسلام إسلاما جمهوريا، إسلام دولة، وهذا من شأنه أن يجعل الإسلام يُمارس مثلما تريده السلطات الفرنسية، وليس مثلما يريده بعض المسلمين (لأن هناك مسلمين آخرين موافقون على مفهوم الإسلام الفرنسي) الذين يعيشون هناك، ولديهم مفهوم مغاير هو “الإسلام في فرنسا” فماكرون والجهات الرسمية الفرنسية يسعيان إلى ترسيخ مفهوم “الإسلام الفرنسي”، بينما الإسلام الآخر يعبر عن نفسه بارتداء الحجاب واستهلاك الحلال وإقامة الطقوس في خارج الفضاءات المعدة للصلاة في الأعياد الدينية، أي أن يعيشوا الإسلام في فرنسا، مثلما كانوا يعيشونه في بلدانهم.

* لكن الأجواء باتت مشحونة بين الطرفين…

** في الواقع الصراع في فرنسا يتم بين فكرين متشددين (راديكاليين): التشدد العلماني والتشدد الإسلاموي، وهذا لا يمكن حدوثه في اسبانيا أو إيطاليا أو بريطانيا مثلا، بسبب الخصوصية الفرنسية المتحدرة من دستور 1905 وهذا الشرخ مدعاة للخوف، لأننا بإزاء تطرفين أحدهما علماني والثاني إسلاموي.

* ألا تعتقد أن الأوضاع الاجتماعية القاسية للجاليات العربية في الضواحي الفرنسية غذت هذه الفجوة؟

** في هذا المجال نحن نعيش ما يمكن تسميته بـ”أسلمة الراديكالية” فهؤلاء هم أصلا راديكاليون ومتمردون على أوضاعهم الاجتماعية، لذا تقوم الشبكات الإسلاموية باحتوائهم. وطبعا الراديكالية أسبق، لكن السياق الراهن هو سياق إسلام احتجاجي وعنيف، وهو الذي يُسبغ ثوب الدين على تلك النزعات الاحتجاجية. وهكذا فالأسلمة قد تختفي وتظهر راديكالية أخرى وحركات اجتماعية جديدة، أو يتوفق المجتمع المدني في احتواء تلك النزعات. أما اليوم فنعيش التقاء الاحتجاج الاجتماعي، المرتبط بالتفاوت، وهو ظاهرة قديمة، مع نوع آخر من الراديكالية هي الاحتجاج الهوياتي باسم الدين، فهو إذا التقاء مبنيٌ على منافع مشتركة بينهما.

* الاحتجاجات الاجتماعية عززت صفوف المنتسبين لليمين الفرنسي المتطرف، طبقا لاستطلاعات الرأي، هل تثق في نتائج تلك الاستطلاعات، وماذا عن الاستطلاعات المماثلة التي باتت تُجرى في البلدان العربية؟

** أعتقد أنها قريبة من الواقع، فهناك خريطة للمشاعر مثلما أن هناك خريطة للموارد الطبيعية وخريطة للقوى العسكرية أو للتحالفات الاستراتيجية، والاستطلاعات تُظهر كيف يمكن للمشاعر أن تغذي الأحزاب السياسية والحقل السياسي عموما، وبذلك هي تغذي اتخاذ القرارات، أيا كان نوعها، فأوروبا وأمريكا الشمالية تعيشان منذ زمان مشاعر الخوف، ليس فقط من المهاجرين، وإنما من التطرف الديني أيضا. والاتحاد الأوروبي يواجه عقبات كبيرة، فأعضاؤه لم يعودوا يثقون ببعضهم البعض، بالإضافة إلى الخوف من المهاجرين غير النظاميين، ومن ارتدادات الأزمات الاقتصادية، وهذه المخاوف يستخدمها اليمين المتطرف للعودة إلى مخزون الهويات. ولما تتحول المخاوف إلى الدائرة الهوياتية في وجود هذين الطرفين فهذا يُنبئ بمخاطر كبيرة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية