ظاهرة الارهاب في العالم العربي

قرأت دراسة تشتمل على تعريفات مختلفة للإرهاب ، بعضها من العالم العربي وبعضها الآخر من العالم الغربي وقد حفزتني هذه التعريفات إلى مناقشة مهمة هي التي أقوم بها في هذا المقال .
ونبدأ من فرنسا حيث نرى أن المشرع الفرنسي لم يحدد قانونا خاصا للإرهاب ، وبالتالي لم يكن بحاجة إلى وضع تعريف خاص به واكتفى بقانون العقوبات العام الذي يخضع الجرائم بكل أنواعها إلى قانون العقوبات.
وأما تعريف الإرهاب في الولايات المتحدة فينحصر في النشاطات التي يقوم بها الأجانب ضد المواطنين الأمريكيين ، وتذهب الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك ، إذ تصور الإرهاب بأنه أي عمل يتسم بالعنف يقصد به التأثير على الحكومات عن طريق الاغتيال أو غيره من الممارسات التي تشكل خطرا على الحياة الإنسانية وتنتهك حرمة القوانين في أي بلد من البلاد، ومن جانب آخر، يقول فقهاء القانون الدولي إن البحث عن تعريف الارهاب مضيعة للوقت، والأجدى توجيه الجهود نحو محاربته.
وفي السياق العربي يعرف التشريع المصري الإرهاب بأنه العمل الذي يستهدف الترويع واستخدام العنف من أجل تنفيذ عمل إجرامي سواء كان الذي يقوم به فرد أم جماعة بغرض الإخلال بالنظام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر ,
ويتخذ العراقيون أسلوبا آخر إذ هم يعرفون الإرهاب بأنه أي عمل يستهدف الترويج لأي من المذاهب بغرض جعل طبقة اجتماعية تسود على غيرها .
ودون التوسع في هذه التعريفات فيبدو من البداية أن الأعمال الإرهابية في أي مجتمع من المجتمعات هى تلك التي تحاول أن تغير بالقوة والعنف وضعا قائما ليحل مكانه وضع آخر.
وإذا نظرنا إلى كل تلك التعريفات وجدنا أنها تدور في مدار ضيق جدا ، ذلك أن الارهاب بدأ يتوسٍع في مفهومه وأصبحت له أبعاد سياسية كبيرة وخطيرة ، منذ اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر على الولايات المتحدة الأمريكية ، فقد وجهت الولايات المتحدة في ذلك الوقت الاتهامات لتنظيم القاعدة ، وهو تنظيم لم يكن معروفا ، ولكن واشنطن ساعدت في شهرته ، وعلى الرغم من توجس الكثيرين من هذا التنظيم فإن فريقا آخر اعتبر أن الحرب ضده حرب صليبية جديدة تقودها الولايات المتحدة ، ولكن تنظيم القاعدة لم يثر أي تخوف في العالم العربي لأن معظم المواطنين كانوا مقتنعين بأن التنظيم يوجه أعماله ضد العالم الغربي وليس ضد العالم العربي .
وظل الموقف على هذه الصورة حتى ظهر تنظيم «داعش» الذي كان يسمى باسم تنظيم دولة العراق والشام ، غيرأن الكثيرين آثروا تسميته في هذه المرحلة بتنظيم الدولة الإسلامية ، وقد أصبحت أعمال هذا التنظيم أكثر وضوحا في كل من العراق والشام ، غير أن الذي أثار اهتمام العالم العربي هو تكوين هذا التنظيم وقدرته على التحرك والعمل بسرعة كبيرة ، وقد بدأ التنظيم يثيراهتمام العالمين الغربي والعربي ، وذلك ما جعل الدول الغربية تحشد جيوشها من أجل مواجهة هذا التنظيم الذي لا يعرف أحد كنهه الحقيقي.وفي الوقت الذي نلاحظ فيه أن النظام السوري يقتل الآلاف من أبناء شعبه فإن العالم الغربي يتوجه نحو قتال «داعش» بينما يظل النظام السوري في ممارساته ، وتدعمه دولتان مهمتان هما روسيا والصين.
ويقول العالم الغربي إن «داعش» لا تشكل فقط خطرا على العالم العربي بل تشكل خطرا على العالم كله ، وربما كان ذلك صحيحا ، ولكن السؤال حول حقيقة هذا التنظيم وطبيعته تستدعي في الوقت ذاته وضع سؤال مثل لماذا ظهر تنظيم داعش ، ولماذا يركز عمله الآن في بلدين هما العراق والشام؟
وهنا لا بد أن نسأل أيضا لماذا لا تظهر أنظمة ارهابية من هذا النوع في العالم الغربي ؟ والإجابة بكل وضوح لأن العالم الغربي يطبق نظم الدولة ، وذلك ما تفتقر إليه بلاد عربية مهمة ، والمقصود بنظم الدولة هي النظم التي تطبق النظام الديموقراطي ، ذلك أن السلطة التي تحكم في العالم الغربي تحكم باسم الشعب من أجل تحقيق مصالحه، وإذا ارتكب أي ممثل للشعب خطأ عاما فإنه يتنازل عن منصبه ،وفي نظام الدولة يكون هناك ضمان اجتماعي يحصل فيه المواطنون على احتياجاتهم الكاملة عندما يفقدون وظائفهم أو عندما يصلون إلى سن التقاعد ، وكذلك هناك النظام القضائي العادل الذي يقف فيه الناس متساوين في جميع الحقوق والواجبات .
ويختلف هذا النظام عما هو سائد في كثير من بلاد العالم العربي حيث لا تكون السلطة في أيدي منتخبين على أسس ديمقراطية سليمة بل تكون في أيذي زعماء القبائل والطوائف ، ولا يكون هناك ضمان اجتماعي يستفيد منه الناس ، ويخضع النظام القضائي لنفوذ المتنفذين في المجال السياسي ، وهذا الوضع برمته هو الذي يؤسس لحركات التمرد التي يطلق عليها اسم الحركات الإرهابية ، وبالتالي حين يبدأ التفكير في هذه الحركات فالمطلوب دائما هو البحث في النظام الاجتماعي المختل من أجل اصلاحه قبل أن يكون هناك بحث في القضاء على حركات التمرد، وإذا توقفنا مرة أخرى أمام نظام كالنظام السوري فهل نقول إن هذا نظام يخدم مصالح شعبه وتجب المحافظة عليه ، كما فعلت روسيا والصين ، أم نبذل كل جهودنا من أجل تحرير هذا الشعب من كل ما يقع عليه من ضيم؟
إذن يجب أن تكون المعايير التي نستخدمها في التعريف سليمة من أجل التوصل إلى نتائج سليمة ، وعندها سنجد أن موقفنا مما نسميه ارهابا سيكون مختلفا ، ولا يعني ذلك أن جميع الذين يعملون في الحركات التي نسميها إرهابية لهم نوازع خيرة لأننا شهدنا الكثيرين يعلنون عن مواقف قاسية كما شهدنا البعض يقومون بأعمال تتنافى مع النزعات الانسانية الطبيعية .
ويبدو مما ذهبنا إليه أن ظاهرة ما يسمى الارهاب ظاهرة معقدة ، وتحتاج إلى مزيد من الفهم من أجل التخلص منها لأن التخلص من هذه الظاهرة لايكون بالجيوش، وقد سمعنا الكثيرين يقولون إن العمليات العسكرية الموجهة ضد الارهاب قد لا تحقق أهدافها في سنوات قليلة ، كما سمعنا المسئولين عن الأعمال العسكرية يقولون بأن أعمالهم لن تكون قصيرة المدى .

٭ كاتب من السودان

د. يوسف نور عوض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول طه الجزائري:

    صحيح كل ما قلت دكتور فيما يخص الارهاب مما يدعوا الدلول العربية الى الاسراع من اجل تبني الديمقراطية و الشفافية كوسيلة للنهوض بهذه الدول و تجنيبها ويلات التدل و التفكك.
    اما موضوع مكافحة الارهاب و اقصد بذلك التحالف الدولي ففي الحقيقة ان تلك العملية ما هي الل وسياة لاستباحة الدول العربية لا غير .

إشترك في قائمتنا البريدية