ضم الأغوار الفلسطينية.. مناورة انتخابية أم مشروع سياسي موضع التطبيق الفعلي؟

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”:
تساءل المركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية “مدار” عما إذا كانت تصريحات نتنياهو حول ضم الأغوار الفلسطينية المحتلة قبيل الانتخابات العامة الأخيرة هي مشروع سياسي جديد، أم مجرد مناورة انتخابية.

ويقول “مدار” في تقدير موقف جديد، إن ما بدا لوهلة في أوائل سبتمبر/ أيلول الماضي أنه مجرد بالون مناورة انتخابية أطلقه بنيامين نتنياهو عشية الانتخابات للكنيست الـ22، يبدو اليوم أنه قد أصبح “مشروعاً سياسياً” إسرائيلياً يتسع ويتعالى الحديث عنه والنقاش حوله والتأكيد على “ضرورة تطبيقه وإخراجه إلى حيز التنفيذ”، الآن وفي أسرع وقت ممكن، وإلاّ فسيكون الأمر بمثابة “إهدار فرصة تاريخية” و”إخفاق خطير” في استثمار التغيير التاريخي الذي حصل في الموقف الأمريكي من المستوطنات الإسرائيلية، كما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو مؤخراً.

ولكن جهات إسرائيلية أخرى تصرّ على أن الحديث المتسع والمتعالي عن ضم غور الأردن، الآن في هذه الأيام، ما هو إلا “شارة الافتتاح” في الجولة الانتخابية القريبة، الثالثة في غضون أقل من سنة، التي يبدو أن إسرائيل متجهة نحوها بصورة شبه مؤكدة. يشار إلى أن مراقبين إسرائيليين آخرين قالوا مشككين إنه لو كان نتنياهو جادا لكان قد فعل ذلك منذ سنوات.

مناورة انتخابية أم مشروع سياسي؟
وقبيل موعد الانتخابات للكنيست بأسبوع واحد بالضبط، وبينما كانت نتائج استطلاعات الرأي العام تفيد بتراجع في قوة نتنياهو وحزبه الليكود الانتخابية وبتعادل متوقع بين قوته وقوة معسكر الخصم بيني غانتس، زعيم تحالف “أزرق أبيض”، خرج نتنياهو بما هيأ له مقربوه وروّجوا، مسبقاً، بأنه سيكون “إعلاناً دراماتيكياً”.

وفعلا عقد عقد نتنياهو مؤتمراً صحافياً خاصاً ومقتضباً أعلن من خلاله أنه سيبادر إلى ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت وفرض السيادة الإسرائيلية عليها بعيد الانتخابات (في 17 أيلول) مباشرة وتشكيله حكومة جديدة، في حال فاز بالأغلبية اللازمة. وقال نتنياهو، في مؤتمره الصحافي إياه، إن “فرض السيادة على كل المستوطنات والمناطق الإستراتيجية سيكون بالاتفاق مع الولايات المتحدة”.

وفي إطار إعلان نيته هذه، عرض نتنياهو خرائط لمنطقة غور الأردن، قال إنها “تابعة للأجهزة الأمنية منذ عام 2013 – 2014″، مؤكدا أنها “تمنح إسرائيل السيطرة حتى الجهة الشرقية التي تمتد من طريق ألون حتى وادي أور، وتستمر حتى عين جدي، وتضم كل الوحدات الاستيطانية الموجودة هناك. وقد رأت قطاعات واسعة، سياسية ـ حزبية وشعبية إسرائيلية آنذاك أن نتنياهو لا يطلق “خطته” هذه إلا كمناورة أخيرة قبيل الانتخابات، بمثابة محاولة أخيرة، لدرء خطر خسارة الانتخابات. وقد كان التعليق الأكثر انتشاراً من جانب خصوم نتنياهو السياسيين ـ الحزبيين على “بيانه الدراماتيكي” هذا هو ما يمكن إيجازه بالكلمات التالية: “هذا كلام فارغ.. إنه (نتنياهو) يخشى المحاكمة بتهم الفساد ويعمل كل شيء لتجنب الخسارة في الانتخابات ثم تجنب عقوبة السجن التي قد تلي خسارة الانتخابات”.

نتنياهو… قبل وبعد
أما الذين يعتبرون إعلان نتنياهو هذا مجرد مناورة انتخابية، فهم الذين يشيرون أساساً إلى موقف قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الذين أبدوا -وفق تقارير صحافية نشرت آنذاك- غضباً شديداً وصريحاً حيال إعلان نتنياهو يوم العاشر من أيلول، وخصوصاً على خلفية عدم إشراكهم في التحضير لذلك الإعلان وعدم إجراء مداولات ونقاشات معمقة حول الموضوع الذي ينطوي على دلالات وإسقاطات أمنية واسعة وعميقة الأثر، ودون فحص ميزان الفوائد مقابل الأضرار المترتبة على هذه الخطوة.

وفي هذا السياق، كان الصحافي بن كسبيت قد كشف، في صحيفة “معاريف” (13/9/2019)، أن “البيان الدراماتيكي” الذي أعلنه نتنياهو يوم 10 أيلول جاء بتأخير نحو ساعتين بسبب محادثة حادة وصاخبة بينه وبين رؤساء الأجهزة الأمنية، وخصوصا رئيس “الموساد” ورئيس “الشاباك” ورئيس أركان الجيش، وأن نتنياهو كان ينوي في الأصل الإعلان ـ خلال بيانه الدراماتيكي إياه ـ عن ضم فوري لمنطقة غور الأردن، إلا أنه تراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة بسبب معارضة رؤساء الأجهزة الأمنية وانتقاداتهم، وكذلك بسبب موقف المستشار القانوني للحكومة، أفيخاي مندلبليت، الذي أبلغ نتنياهو بأن حكومة انتقالية (كالتي كانت في تلك الأيام) لا تستطيع اتخاذ مثل هذه الخطوة البعيدة الأثر.

جون كيري
كما يشير هؤلاء إلى موقف نتنياهو السابق الذي كان رافضاً بقوة لخيار ضم منطقة غور الأردن بل كان يؤمن ويعلن دوما، أنه لا يعتبر الاستيطان في تلك المنطقة “أمراً حيوياً”، وفق ما هو مثبت في العديد من الوثائق والتسجيلات. ويذكر هؤلاء، بشكل خاص، أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جون كيري، كان قد حاول في عام 2014 دفع مبادرته للسلام وأن نتنياهو “وافق على التنازل عن مستوطنات الغور وإخلائها، وعلى الإبقاء على الحضور الأمني الإسرائيلي فقط هناك”.

أما الموضوع الوحيد الذي كان موضع خلاف ونقاش آنذاك فهو، كما يؤكد هؤلاء، هو الفترة الزمنية التي سيستمر فيها التواجد الأمني المذكور. ويذكّر هؤلاء، أيضاً، بأن نتنياهو نفسه أعلن، في خطاب ألقاه في عام 2011 من على منبر الكنيست، عشية زيارة قام بها إلى الولايات المتحدة، أنه “يصرّ فقط على تواجد أمني إسرائيلي في منطقة غور الأردن”. وأضاف: “الدولة الفلسطينية ستقوم فقط من خلال تسوية سلمية لا تمس بأمن إسرائيل. هذه الدولة يجب أن تكون منزوعة السلاح، مع ترتيبات أمنية جدية في الميدان، بما فيها وجود عسكري إسرائيلي طويل الأمد على طول نهر الأردن”. ويؤكد هؤلاء أن موقف نتنياهو هذا مثبت في العديد من الشهادات التي أدلى بها أشخاص عايشوا المرحلة وتفاصيلها عن كثب، كما أنها مثبتة أيضاً في مذكرات جون كيري نفسه.

بيان دراماتيكي
ويستذكر “مدار” أنه غداة إدلاء نتنياهو بـ”بيانه الدراماتيكي” يوم 19 أيلول، نشر مارتن إنديك، المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط والسفير الأمريكي الأسبق في إسرائيل، تغريدة على حسابه على موقع “تويتر” أكد فيها أن “نتنياهو هو الذي كان يعتقد ويكرر أن ضم منطقة غور الأردن ليس ضرورياً”. وكذّب إنديك ادعاء حزب الليكود في إحدى دعاياته الانتخابية آنذاك (في انتخابات أيلول 2019) بأن بيني غانتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في تلك الفترة (2013 – 2014)، كان يعارض ضم غور الأردن.

وأوضح إنديك أن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، أعد مسودة أولية لاتفاقية سلام تقضي بـ”الإبقاء فقط على وجود عسكري إسرائيلي، علني وخفي، في المناطق الفلسطينية، وكذلك في غور الأردن”. وأضاف: “الوحيد الذي عارض المسودة وتنازل إسرائيل عن غور الأردن هو موشيه يعلون، الذي كان يشغل منصب وزير الأمن. وقد منع يعلون غانتس من الحديث عن هذه الخطة مع أي من المسؤولين الأمريكيين”.

نتنياهو يعود إلى مناورته/ مشروعه
وما إن أدلى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، ببيانه “التاريخي” الذي قال فيه، يوم 18 تشرين الثاني الجاري، إن الولايات المتحدة لا تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وفي غور الأردن “انتهاكاً للقانون الدولي” (وهو ما يتناقض تماماً مع إعلان الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جيمي كارتر، في عام 1987، بأن المستوطنات غير شرعية وتتناقض مع القانون الدولي) حتى سارع نتنياهو إلى “دعوة بيني غانتس لتشكيل حكومة وحدة قومية يكون في طليعة مهامها ضم غور الأردن وفرض السيادة الإسرائيلية.

وقبيل إعادة غانتس التفويض بتشكيل حكومة جديدة إلى رئيس الدولة وقبل إعلان المستشار القانوني للحكومة قراره تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، توجه الأخير، يوم 19 تشرين الثاني الجاري، إلى زعيم تحالف “أزرق أبيض”، بيني غانتس، ودعاه إلى تشكيل “حكومة وحدة قومية” تقوم “بضم غور الأردن وترسم الحدود الشرقية لإسرائيل”.

في موازاة ذلك، وكجزء من الاستعداد للمعركة الانتخابية الجديدة الوشيكة، أطلق نتنياهو العنان للمساعي التشريعية في الكنيست لسن قانون يقضي بضم غور الأردن إلى إسرائيل. فقد أعلنت عضو الكنيست شارون هاسكيل، من الليكود، أن رئيس الحكومة نتنياهو، حثها على تسريع البحث في الكنيست حول مشروع القانون الذي كانت تقدمت به لهذا الغرض قبل نحو أسبوعين.

من جهة أخرى، قدمت عضو الكنيست أييلت شاكيد، رئيسة حزب “اليمين الجديد” ووزيرة القضاء السابقة، الأسبوع الماضي، اقتراح قانون “لبسط السيادة الإسرائيلية” (أي ضمّ، لكن من دون استخدام كلمة ضم) على غور الأردن، غوش عتصيون ومعاليه أدوميم، بما فيها أيضاً المناطق التجارية والصناعية، المواقع الأثرية، الشوارع وأراضي الدولة التي تقع بين المستوطنات في المنطقة ج”.

وقالت شاكيد: “أمامنا الآن فرصة سياسية وجاهزية عالية من جانب الولايات المتحدة لإنجاز إجراءات الضم هذه، وهي فرصة لن تتكرر. ولذا، ممنوع التردد أو التلكؤ بل ينبغي الاستغلال الفوري والسريع لهذه الفرصة والشروع في عملية بسط السيادة الإسرائيلية على هذه المناطق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية