صحيفة عبرية: لهذا يجب على إسرائيل تهدئة مخاوف مصر بشأن رفح

حجم الخط
0

لماذا اختار الجيش الإسرائيلي، قبيل الخطوة البرية في رفح، تشجيع السكان والنازحين في المنطقة للتحرك شمالاً – شرقاً؟

إلى جانب الاعتبارات العملياتية، الجواب المختصر هو: مصر. طوال فترة القتال، يعود المصريون ليحذروا من دحر السكان جنوباً إلى داخل أراضي سيناء، بينما إسرائيل، بإفاقها الرسمية، توضح بالأفعال أيضاً – بأن ليس لها نية لانتهاك السيادة المصرية.

لمنظومة العلاقات مع أكبر وأهم جيراننا (105 ملايين نسمة، وهي قوة عسكرية كبيرة ومكانة سياسية خاصة في المنطقة وفي العالم) أهمية بعيدة الأثر. السلام الذي يستتب منذ 45 سنة، والحدود الهادئة بشكل عام أتاحا لإسرائيل وزعمائها التركيز على النمو والازدهار – وفي البعد الأمني، توجيه المقدرات لمواجهة تحديات أخرى، مثل الفلسطينيين، وحزب الله، وإيران. لكن لا يمكن التقليل من خطورة المخاطر التي قد تنبع من تردي العلاقات مع مصر إلى مواجهة متجددة، مثلما في الـ 30 سنة الأولى من حياة إسرائيل عندما كانت مصر ألد أعدائنا.

إن التخوف من انهيار السلام ونوايا مغرضة خفية من المصريين (التي ثمة من يحذرون منها) كأمن في جوانب تبقى باعثة على القلق: مزاج معاد، يتجاوز حافة اللاسامية، يسود في الإعلام والثقافة والأكاديمية وفي المؤسسات الدينية المركزية. التغطية الإعلامية للحرب في غزة، باستثناء أصوات شجاعة قليلة، متحيز وسام. هكذا تتصرف مصر في الأمم المتحدة. جيشها يواصل التدرب حيال الجيش الإسرائيلي كتهديد محتمل. أحد عناصر الشراكة – الشكوك تجاه أردوغان ونواياه – يضعف عندما تهجر تركيا عداءها للنظام المصري وتغازله بنشاط لدرجة الاستعداد لصفقة سلاح.

وعلى الرغم من ذلك، توجد أساسات صلبة للتقدير بأن شراكة مصالح عميقة وأساسية ستبقي السلام، ومن المهم بذل الجهد، بما في ذلك بثمن اضطرارات عملياتية في غزة، للحفاظ عليه.

أولاً وقبل كل شيء، الاعتبار الذاتي لمصر كأم الدنيا، ثقافتها وهويتها التاريخية تعودان إلى آلاف السنين. المغامرة الطويلة، والغالية والعقيمة في الناصرية، التي شطبت اسم مصر من الخريطة وسعت عبثاً إلى الوحدة العربية علمت القيادة المصرية درساً. وهكذا أيضاً المغامرة الأقصر لحكم الإخوان المسلمين، الذين يضعون الجماعة الدينية فوق كل قيمة وطنية. وفي انعكاس للميل، فإن نظام السيسي يكثر من استخدام رموز مصر العتيقة – “متفرعن”، إذا ما استخدمنا التعبير، مثل قومية مصر الفتاة في القرن الماضي. ليس لمصر اليوم مبرر للخصام مع إسرائيل، والسيسي يبدي اهتماماً بمكان مصر في منظومة القوى في البحر المتوسط والتي تعد إسرائيل جزءاً مهماً منها.

الاضطرار الاقتصادي هو أيضاً أمر مهم: تدهور الجنيه المصري جسد جسامة الخطر. التعلق باستيراد الحبوب، وانخفاض مداخيل قناة السويس عقب الحرب، ونمو بطيء، وقلة الاستثمارات – كلها وضعت علامة استفهام على مستقبل الاقتصاد. والإمارات، وكذا الأوروبيون هرعوا لنجدتها، ويوجد اليوم تحسن طفيف في التوقعات، لكن التدهور إلى مواجهة ستؤدي بلا شك بالاقتصاد (وبالنظام) إلى الكارثة.

لمصر اليوم مشاغل استراتيجية أخرى – “سد النهضة” في إثيوبيا، والحرب الأهلية الوحشية في السودان، والانقسام الداخلي في ليبيا – وأساس همها مع غزة، هو إذن سبب تحييد التهديد باقتحام الحدود، وإغراقها باللاجئين، وانتهاك السيادة وضعضعة الأمن في سيناء. لإسرائيل مصلحة حيوية لتهدئة هذه المخاطر ولإثبات التزامها بالمصلحة الأساس لمصر.

د. عيران ليرمان

معاريف 9/5/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية