صحيفة عبرية: حين تتحول جهنم إلى “منطقة إنسانية” وفق التعريف الإسرائيلي إزاء نازحي رفح  

حجم الخط
0

 حسب التقارير الفلسطينية، قتل في عمليات قصف إسرائيلية على 11 منزلاً شرقي رفح ليلة الأحد – الإثنين 22 فلسطينياً، بينهم 8 أولاد وأطفال. ونشرت وكالة الأنباء “وفا” فيلماً ظهرت فيه أمهات يبكين أثناء وداع أولادهن الملفوفين بالأكفان. أما إسرائيل فقالت إن قصفها لتلك البيوت جاء رداً على قذائف مدفعية قتلت أربعة جنود إسرائيليين وأصابت عشرة آخرين. أدرك أهالي رفح أن القصف ليس رداً أو مساً بمصدر إطلاق النار، بل انتقام ومقدمة للغزو العسكري البري للمدينة؛ وكأمر لترك البيوت، ليس أقل من المنشورات التي أسقطتها طائرات سلاح الجو والرسائل القصيرة التي تصل من أرقام سرية إلى هواتف السكان. كلمة “إخلاء” لا تحمل حتى القليل من الخوف والغضب والتعب.

 سيراً على الأقدام وعلى عربات وفي حافلات صغيرة وسيارات خاصة متعثرة وعلى دراجات، التي شوهدت محملة بالفرشات والبطانيات وقليل من الغذاء، بدأ يوم أمس الخروج الجديد لسكان قطاع غزة، من الأحياء في شرق رفح نحو المجهول، إلى شمال وغرب رفح، حيث الخيار بين الأنقاض في خان يونس وقطاع الشاطئ الزراعي المواصي، الذي يخلو من أي بنى تحتية، والذي تصر إسرائيل على تسميته “منطقة إنسانية”.

 عقب بيان إسماعيل هنية الدراماتيكي أمس، بشأن موافقة حماس على خطة وقف إطلاق النار، هل سيعود عشرات آلاف الهاربين على أعقابهم؟ هل ستتوقف قافلة الهاربين؟ المؤكد في هذه المرحلة هو أن هذا البيان والبيانات المضادة في إسرائيل زادت التشويش وعدم المعرفة والصعوبة في تقرير ما العمل. كل ذلك ساد في رفح في ظل تصريحات إسرائيل المتواترة بأنها تصمم على اقتحام جنوب هذه المدينة. كل ذلك، إضافة إلى خوف ويأس وتعب دائم وإدراك من أي شخص أنه قد يقتل في أي لحظة أو يفقد يداً أو قدماً أو يدفن طفلة ابنة 6 سنوات. الجنينة هي أحد أحياء شرق رفح، التي تم قصفها أول أمس. وطلب الجيش الإسرائيلي من السكان مغادرتها. يعيش في الجنينة عدد من أصدقائي وعائلاتهم، معظمهم نازحون من مدينة غزة ومخيم جباليا قبل نصف سنة تقريباً. آخرون انتقلوا للعيش فيها قبل 20 – 30 سنة. الأشجار والخضرة التي تغطي المنطقة، من هنا جاء اسم “الجنينة”، أخلت مكانها بالتدريج لبيوت الباطون بكل الأحجام. الشباب في مخيم الشبورا عملوا بقسوة ووفروا الأموال واستدانوا المال للخروج من تلك الأزقة الضيقة والبيوت المتراصة التي لا تصل إليها الشمس واتروا قطع أراض لبناء بيوتهم عليها.

 الآن يتجمع لدى سكان الجنينة أقاربهم المهجرون للمرة الثانية والثالثة وحتى الرابعة. خلال سبعة أشهر شعروا أن حظهم قليل، رغم أن القصف حتى في الجنينة، مثل أحياء رفح الأخرى، دمر البيوت وقتل السكان. مع ذلك، لم يتركوا بيوتهم وينتقلوا إلى خيام، وكانت لديهم أمتعة ضرورية مثل البطانيات والفرشات والملابس وأدوات المطبخ. عدد الذين ينتظرون في الدور للدخول إلى المراحيض لم يكن 300 – 400 شخص، كما الحال في المدارس التي أصبحت أماكن لجوء، بل 10 – 30 شخصاً، هذا حسب عدد أفراد العائلة. هل سيدخلون هذا الأسبوع إلى قائمة من فقدوا مكان سكنهم؟ هل سيجدون خيمة؟ هل سينامون في الأيام الأولى تحت قبة السماء؟

 لقد كان آباؤهم أطفالاً عندما طُردوا من قراهم، أو من المجدل (عسقلان) أو أشدود (أسدود)، المناطق التي أصبحت دولة إسرائيل. ما زال بعضهم أحياء. لا ينسون هذا التهجير وفقدانهم بيوتهم في ذلك الحين. هم بحاجة إلى الرعاية والعلاج، ويتمنون الموت كي لا يكونوا عبئاً على الأولاد والأحفاد.

 عائلتا صديقيّ، داليا ويعقوب، تعيش كل منها على بعد 200 – 300 متر عن الأخرى. قالت داليا أمس “إنهم داخل الخارطة”؛ أي أن البيت الذي تعيش فيه مع أولادها وأخوة زوجها واقع في المنطقة التي يجب إخلاؤها، حيث يجب عليهم الآن حزم أمتعتهم والهرب. وقال يعقوب أمس (قبل بيان هنية) بأن بيته خارج الخارطة، وأنهم ما زالوا ينتظرون ما سيحدث. أربع عائلات تعيش في هذا البيت الآن. وحسب رأي يعقوب، فإن بيت داليا خارج “الخارطة”، ويعتقد أنها وعائلتها ليسوا مضطرين للهرب الآن.

 في البداية، خشيت زوجته من الانتقال إلى هناك، إلى خيمة صيفية، لأن المراحيض خارجها. وخافت من أن من يشغلون المسيرات الإسرائيلية سيقررون قتل من يُرى خارج البيت ظناً أنه أحد مقاتلي حماس. ولكن التوتر والخوف من غزو رفح تغلبا على الخوف من ضرب المسيرات. “هذه ليست حياة”، قال صالح. “تتدفق في الشوارع مياه المجاري والقمامة ولا نملك المياه في الخيمة. وحتى من لديه راتب، لا يمكنه السحب من البنك، وتقريباً يدفعون ربع المبلغ كعمولة للصرافين. سعر أسطوانة الغاز 400 شيكل. لا نعمل، وأولادنا لا يتعلمون. نتنفس فقط، كل منا قد يقتل في أي لحظة. جهنم هي نفس جهنم، سواء في رفح أو في مدينة غزة”.

عميرة هاس

هآرتس 7/5/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية