شينيد أكونور صوت ملائكي.. تعاطفت مع فلسطين والعدالة وأنهت رحلتها في الإسلام

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

توفيت المغنية الأيرلندية المعروفة شينيد أوكونور التي اعتنقت الإسلام وغيرت اسمها لـ شهادة صدقت في أيرلندا يوم الأربعاء. وأعلنت عائلتها عن وفاتها بدون ذكر الأسباب، وعرفت المغنية بأغنيتها في عام 1990 “لا شيء يقارن بك” التي غنتها بصوتها الملائكي، وظلت في عناوين الصحافة لفنها ونشاطها ومصاعبها.

وأعلنت صحيفة “أيرش تايمز” عن وفاتها. توفيت أوكونور، 56 عاما، بعد 18 شهرا من وفاة ابنها شين في سن الـ 17 عاما، وبعدما غادرت المستشفى، حيث كانت في قائمة المراقبين من خطر الانتحار. وخلفت وراءها 3 أطفال.

أحدثت أنباء وفاتها صدمة في صناعة الموسيقى الأيرلندية، وعلق زعيم حزب تشيخ ليو فاردكار قائلا “أحب العالم موسيقاها ولم يكن لموهبتها مثيل ولا تقارن. وتعازينا لعائلتها وأصدقائها وكل من أحبوا فنها”.

وقال مايكل مارتن، نائب رئيس الوزراء إن أيرلندا خسرت واحدة من أعظم رموزها “قلوبنا مع أطفالها وعائلتها وأصدقائها وكل من عرفوها وأحبوها”. وعلق كولم أوغرمان، مدير أمنستي انترناشونال أيرلندا إن قلة من الفنانين تركوا أثرا اجتماعيا وثقافيا مثلها.

ومنذ صعودها إلى النجومية في عام 1990 كافحت للتكيف مع وضعها، لكنها لم تتخل عن دعمها لقضايا إنسانية ومحاربة الاستغلال، ففي بداية هذا العام كرمت بجائزة أر تي إي الموسيقية في أيرلندا للألبوم الموسيقي الكلاسيكي الأيرلندي وكرست الجائزة للاجئين في بلادها “أهلا بكم في أيرلندا، أحبكم وأتمنى لكم السعادة”.

في عام 2018، اعتنقت الإسلام وغيرت اسمها إلى شهادة صدقت، مع أنها ظلت تغني باسمها الأصلي

ووثق فيلم وثائقي عام 2022 “لا شي يقارن” شجب أوكونور الغاضبة للكنيسة الكاثوليكية والدستور الأيرلندي وجوائز غرامي والنشيد الوطني الأمريكي، ما أدى إلى شيطنتها.

وقدم الفيلم المغنية بأنها امرأة سابقة لزمنها ونموذج أولي لحركة “هاشتاغ مي تو”، ومنحت صوتا للمستضعفين ولمن لا صوت لهم.

وفي عام 2021، نشرت مذكراتها بعنوان “ذكريات”، حيث قدمت فيها تفاصيل الانتهاكات التي تعرضت لها وهي طفلة على يد والدتها التي ماتت في حادث سيارة عام 1985، وكذا سنواتها الدراسية المضطربة والأمراض العقلية مثل “هوس السرقة” (كلبتومينيا)، ونجوميتها الموسيقية وزيجاتها المتعددة وصراعها مع الأمراض العقلية.

ولدت أوكونور في دبلن عام 1966، وصدر أول ألبوم لها “الأسد والكوبرا” في عام 1987 ورشح لجوائز غرامي، لكن لم يأسر المتابعين والمستمعين لها مثل أغنيتها التي كتبها المغني برينس “لا شيء يقارن بك”، وشاهد ألبومها هذا على يوتيوب أكثر من 400 مليون متابع. وأصبحت مشهورة، برأسها الحليق ومواقفها الصريحة والشجاعة، فتمزيقها لصورة البابا أدى إلى ردات فعل سلبية وتهديدات بالموت ومقاطعة الإذاعات لها، وتمنى المغني الأمريكي فرانك سيناترا أن يركلها.

رأى الكثيرون أن أوكونور كانت محقة في شجبها لرأس الكنيسة الكاثوليكية بعد الكشف عن تستر الفاتيكان على فضائح الانتهاكات الجنسية.

وأصدرت عشر ألبومات مسجلة في الأستديو، الكثير منها تجريبية وليست تجارية.

رأى الكثيرون أن أوكونور كانت محقة في شجبها لرأس الكنيسة الكاثوليكية بعد الكشف عن تستر الفاتيكان على فضائح الانتهاكات الجنسية

وأشارت صحيفة “الغارديان” إلى حياة أوكونور المضطربة أيضا في علاقاتها الجنسية، ففي عام 2000، أخبرت أوكونور مجلة أمريكية أنها “مثلية”. إلا أن الدين والروحانية بقيا علامة في حياتها، فعلى ظهر يدها وشم مكتوب عليه “أسد يهودا سيكسر كل قيد”، وعلى صدرها وشم للسيد المسيح، وعلى رقبتها “كل الأمور لفناء”.

وفي التسعينيات عمّدت كقس من كاهن في مجموعة كاثوليكية مستقلة، حيث كانت تريد أن تعرف باسم الأم بيرناديت ماري. وفي عام 2018، اعتنقت الإسلام وغيرت اسمها إلى شهادة صدقت، مع أنها ظلت تغني باسمها الأصلي.

ولقد عانت مشكلات عقلية وصحية، وثقتها في منشوراتها الاجتماعية والإعلامية، وكانت تتراوح في نبرتها من القلق إلى الفزع. وكان الفزع والغضب والصراع مع النفس والنجومية هو ما علم حياتها، إلى جانب التمرد وتحدي المعروف، فعندما ظهرت في ماديسون سكوير بنيويورك عام 1992 للمشاركة في حفلة وغناء أغنية بوب ديلان “أؤمن بك”، وهي قصيدة شعبية عن الحب والتكريس، غنت بدلا من ذلك أغنية غاضبة للمغني الجامايكي بوب مارلي “حرب”، حيث صرخ الجمهور وسخروا منها.

وعندما هربت من المسرح، تلقت العزاء والحنان من شخصية أبوية وهو الممثل كريس كريستفرسون الذي حضنها وهي تبكي.

عندما هربت من أمريكا تبرعت بمنزل من خمس غرف وحمام سباحة اشترته في هوليوود هيلز إلى الصليب الأحمر ودعت أن تستخدم عائدات البيت لمساعدة أطفال الصومال

وكانت واحدة من المناسبات الإشكالية في حياتها الفنية، لكن اختيارها للأغنية كان ذكيا، فطوال حياتها ظلت في حرب أبدية مع عائلتها، والكنيسة الكاثوليكية، وصناعة الموسيقى أو العالم بشكل عام. وفوق كل هذا فقد كانت في حرب مع نفسها، ففي أغان معروفة مثل “لا شيء يقارن بك” غنت مثل الملاك، ولكنها ظلت ملاحقة بأشباح حياتها وتحولت إلى دراما نفسية مرعبة، تم الحديث عنها في الصحف والحياة العامة. وحملت معها الألم، (كما تقول صحيفة “التايمز”) الذي أخرج معه فنا عظيما، ولكن السلام والهدوء الداخلي عاندها.

فهناك أربع زيجات انتهت بالطلاق ومعارك على حضانة أبنائها وعدة انهيارات عصبية وفترات قضتها في المصحات العقلية وعدة محاولات انتحار. وتم تشخيصها بمرض ثنائي القطب وقضت سنوات على الأدوية منها الليثيوم.

وكانت حياة حزينة لفتاة وصلت إلى النجومية في سن الـ 23 عاما بأغنية “لا شيء يقارن بك”، التي أرفقت بفيديو ظهرت فيه حليقة الرأس وبلقطة قريبة برزت دمعة واحدة على خدها. وكشفت لاحقا أن الدمعة كانت حقيقية، وكانت تفكر في أمها الميتة في أثناء الأداء.

وكان أداؤها في أربعة ترشيحات لجوائز غرامي معروفا، ولكنها قاطعت الحفل وكانت أول فنانة ترفض الجائزة، وقالت إن عدم ظهورها “احتجاج على التسويق المتطرف”. وفي الحقيقة، كان مظهرا آخر حول الحرب التي أعلنتها على كل شيء وعلى كل واحد وعلى نفسها. وكلما طلب منها أحد أن تعمل شيئا كانت تعمل العكس، وهذا مبدأ واضح في حياتها. وكشابّة حصلت على أول عقد تسجيل من نايجل غرينج، نصحها بلطف أنها لو أرادت أن تكون نجمة فعليها التخلي عن شعرها القصير وارتداء زي أكثر أنثوية، وكرد على النصيحة، خرجت وحلقت شعرها واشترت زوجا من حذاء بوفر الطويل.

لكنها لم تحب الشهرة، فبعد أن حققت نجاحها الأول قالت “لا أحب الشهرة، ولا أحب الأثر الذي تركته على حياتي”. وتحدثت عن هذا في مذكراتها، حيث كشفت الشهرة عن هشاشتها الداخلية. وباتت أوكونور تعرف في الصحف الشعبية بـ “أوكونورفرسي” أو أوكونور المثيرة للجدل. ودعمت علنا الجيش الجمهوري الحر ودعت إلى قتل مارغريت تاتشر والزعيم الأيرلندي الشمال إيان بيزلي. وقالت إن صدام حسين ليس أسوأ من جورج بوش الأب، وذلك في حرب الخليج عام 1991.

وفي جولة فنية لها في أمريكا رفضت الظهور لو تم تقديم فرقة ذا ستار- سبارنغلد بانرر قبل حفلاتها، ومنعت الإذاعات تسجيلاتها وهاجمها سيناترا. لكنها لم تتخل عن مرحها في وقت الشدة، فقد لبست شعرا مستعارا ونظارة شمسية وانضمت إلى مجموعة من الغاضبين الذين قاموا بتدمير تسجيلاتها أمام مقر الشركة التي تنتجها. وعندما دعا مغني الراب أم سي هامر إلى طردها من أمريكا على حسابه، أرسلت إليه فاتورة بـ 2.600 دولار عن تذكرة بالدرجة الأولى إلى دبلن.

وفي السياق نفسه، تلقت تهديدات بالموت عندما مزقت صورة البابا يوحنا بولس الثاني في أثناء مقابلة تلفزيونية عام 1992. وعندما هربت من أمريكا تبرعت بمنزل من خمس غرف وحمام سباحة اشترته في هوليوود هيلز إلى الصليب الأحمر ودعت أن تستخدم عائدات البيت لمساعدة أطفال الصومال. وكان تنفيذا لوعد قطعته لقسّ اعترفت له بأنها سرقت مالا من صندوق جمع التبرعات في الكنيسة، حيث قال لها إن الله سيغفر لها لو ردت المال.

في 2014، بعد أشهر من حرب إسرائيل على غزة، ألغت حفلة موسيقيةف يها ، قائلة “لا أحد لديه عقل، بمن فيهم أنا، سيكون لديه إلا التعاطف مع المحنة الفلسطينية” و”لا يوجد شخص عاقل يدعم بأي شكل من الأشكال ما تقوم به السلطات الإسرائيلية (بنت الحرام)”.

وحاول البعض نسبة غضبها العلني أمام الكاميرا على أنه محاولة للفت النظر، لكن المحللين النفسيين رأوا أنه نتاج طبيعي لمرضها العقلي، ولم تكن قادرة على التحكم بتصرفاتها. وقالت “لا أفعل الأمور للتسبب بالمشكلات، لكن حالتي الطبيعية هي التسبب بالمشكلات”.

وتعود علاقة الحب والكره مع الكنيسة الكاثوليكية إلى سنوات الطفولة، وبعد تغيب متكرر عن المدرسة واعتقال للنشل من الدكان، حيث قضت 18 أشهر في مغسلة ماغدلين التابعة لـ “سيسترز أوف أو ليدي أوف تشارتي”، حيث عانت وقتا من الفزع الذي لا يصدق والرعب والمعاناة، كما قالت. لكنها اقترحت أنها لو تصبح مغنية لتحولت إلى راهبة، وهو ما حصلت عليه من كنيسة كاثوليكية مستقلة، لكنها جربت غير الكاثوليكية، وأصبحت راستفارية ووثنية وبودية وانتهت مسلمة عام 2018، حيث ارتدت الحجاب وقالت إن اعتناقها للإسلام “هي نتيجة طبيعية لأي رحلة لاهوتية عقلية”.

وفي عام 2014، بعد أشهر من الحرب الإسرائيلية على غزة، ألغت أوكونور حفلة موسيقية في قيسارية بين تل أبيب وحيفا، قائلة “لا أحد لديه عقل، بمن فيهم أنا، سيكون لديه إلا التعاطف مع المحنة الفلسطينية” و”لا يوجد شخص عاقل يدعم بأي شكل من الأشكال ما تقوم به السلطات الإسرائيلية (بنت الحرام)”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية