شتان بين موقف العراقيين وموقف حكامهم من الصراع الأمريكي الإيراني

أدى تصاعد حدة التوتر الأمريكي ـ الإيراني، وازدياد ضغط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إيران، إلى احتمال أن يصبح العراق ساحة صراع سياسي وعسكري للخصمين، بالنظر إلى قرب العراق من إيران ووجود العديد من الميليشيات المسلحة التي قام بتنظيمها الحرس الثوري الإيراني من جهة، وتأثير الإعلام الرسمي الذي تسيطر على توجيهه أحزاب إيران خدمة لأجندتها، عن طريق الاستمرار في طمس الحقائق على الرأي العام، في ما يتعلق بطبيعة الدور الإيراني والنتائج المحتملة من هذه الحرب، والمخاطر التي قد يتعرض لها العراق، في حالة دخوله دوامة الصراع العسكري المقبل.
وعلى الرغم من التأثير الإيراني الهادف إلى تزييف الحقائق، ومحاولة دفع العراقيين للقبول بالأمر الواقع، الذي تم فرضه من خلال النظام السياسي الطائفي، والذي يدعو إلى الاستعداد للحرب للدفاع عن إيران، إلا أن وعي الشارع العراقي العابر للطوائف، والتطور النوعي والتكنولوجي الذي طرأ على مراكز الإعلام، من خلال اتساع حجم وسائل التواصل الاجتماعي، التي يتداولها الملايين، قد قسمت بشكل ما آراء العراقيين، بين احتمال فكرة أن يكون بلدهم الضحية الأولى للخصمين المتصارعين، أو أن يتيح هذا الصراع، الفرصة التي طال انتظارها لاستقلال بلدهم، وإبعاده عن التأثير الإيراني القومي، الذي يراه الكثيرون، السبب الرئيسي في غياب الاستقرار، وتفاقم المشاكل السياسية والاجتماعية والفساد، التي أنتجتها سياسة الفرز الطائفي للأحزاب الثيوقراطية الحاكمة الموالية لطهران. في الوقت الذي تستمر فيه الولايات المتحدة الأمريكية، غض النظر ودعم العملية السياسية لبقاء النظام العراقي واستمراره، على الرغم من انحيازه الواضح للسياسة الإيرانية الاستعمارية في المنطقة.

العراقيون لا يريدون حربا أمريكية على جارتهم، ولكنهم لن يدافعوا عنها إذا ما ضُمن لهم إنهاء تدخل إيران واستقلال وطنهم

ونتيجة لذلك، لم يعد من السهولة الحصول على الموقف العراقي الرسمي والشعبي من هذه الأزمة، اذا أخذنا بعين الاعتبار حجم التأثير الأمريكي والإيراني في سياسة العراق الخارجية، وأثره في تكتيم أفواه العراقيين وتجريدهم من حقوقهم الطبيعية، في إبداء الرأي في الدفاع عن وطنهم ومصالحه، إلى درجة تظهر العراقيين كأنهم «بدون» على هذه الأرض، لا حق ولا صوت لهم، سوى دعم مصالح الآخرين. من هنا، بدا الموقف الرسمي الذي أعلنه رئيس الوزراء العراقي، من تداعيات الحرب المقبلة على إيران لا يتناسب مع الموقف الحقيقي للدولة العراقية، وأهمية استقلاليتها وخروجها من دائرة الصراع الأمريكي ـ الإيراني، نظرا للإشكالية الناتجة من ازدواجية الولاء للنظام السياسي العراقي لكل من واشنطن وطهران، حيث تدعم واشنطن النظام العراقي دوليا وتقدم له المساعدات العسكرية والمالية، بينما تتمتع طهران بنفوذ كبير مع الأحزاب التي تشكل النظام العراقي وتساعده في الاستمرار عن طريق الميليشيات المسلحة التابعة لأجندتها. وهذا ما يُفسر الطريقة التي تم تبنيها من قبل رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي باكتفائه بنقل التصريحات الأمريكية والإيرانية، على حد سواء من خلال تصريحاته «بأن بغداد تلقت تأكيدات من المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين في أنهم لا يريدون الذهاب إلى الحرب»، كاشفا للعراقيين في العلن حقيقة ما يراه الآخرون عن موقف النظام العراقي في الخفاء، وغيابه من الساحة الإقليمية والدولية، بعد أن تم تحويله إلى بوق متعدد الواجهات للدعاية الأمريكية والإيرانية.
في المقابل وعلى الرغم من هذا التأثير الخارجي على الموقف العراقي من صراع إدارة الرئيس الأمريكي، ونظام الولي الفقيه، تجزم الأغلبية الساحقة من العراقيين على أن الحرب الأمريكية على إيران قد لا تضر العراق في حالة عدم مشاركة العراقيين، وامتناعهم عن الاصطفاف مع أي من الطرفين. في الوقت الذي يستمر فيه شجب الشارع العراقي لسياسة إيران، لتدخلها في العراق، وانتقاد أجندتها الإقليمية القومية، والقلق من أن أن تجر العراقيين في حربها مع الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الأغلبية الساحقة من العراقيين تتفق في رفضها للتواجد الإيراني، لكنها تختلف حول النتائج التي قد تخلفها الحرب الأمريكية على إيران، والاحتمالات الواردة لتقسيمها، ستفيد العراق وتعيد عافيته وسيادته، إذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية الموقف الإيراني من القضية الكردية، ودوره في إفشال سعي إقليم «كردستان العراق» للانفصال.
لقد ترجمت أحداث كركوك في عام 2017 والدور الذي لعبته إيران في العراق، عن مدى ارتباط القضية الكردية مع مستقبل هذين البلدين، حيث كان لإيران الدور الكبير في إفشال عملية الاستفتاء الكردي للانفصال، وإخراج القوات الكردية من مدينة كركوك النفطية، على الرغم من أن إفشالها لمؤامرة الانفصال لم تكن من باب الحرص على وحدة بلاد الرافدين، ولا بدواعي التضامن والتكريم لأحزابها في العراق، وإنما لارتباط انفصال إقليم كردستان العراق مع أكراد إيران. لقد أصبح من الواضح أن إدارة الرئيس ترامب تسعى جادة إلى تحجيم الدور الإيراني عن طريق العقوبات الاقتصادية، على الرغم من زيادة التواجد العسكري الأخير في مياه الخليج العربي، والذي يمكن قراءته على أنه يمثل أداة للضغط الأمريكي، إذا ما حاولت طهران تصعيد الموقف وتحويله إلى صراع عسكري بعد اختناقها بالعقوبات الاقتصادية، التي أصبحت برأي العديد من الخبراء، تهدد بقاء هذا النظام أو تغيير أهدافه. على عكس الإشاعات التي تبثها أبواق إيران في العراق، من خلال التلويح بسيناريو الحرب المقبلة ونشر الفوضى والعنف وآثارها الاقتصادية والأمنية المدمرة على العراق. وهذا ما لا يتفق مع رأي الشارع العراقي، فالعراقيون لا يريدون أن تشن أمريكا الحرب على جارتهم، ولكنهم لن يدافعوا عنها إذا ما ضُمن لهم إنهاء تدخل إيران واستقلال وطنهم. على العكس من الموقف الرسمي للنظام العراقي المتشبث بالسلطة. فالدفاع عن إيران في نظرهم، هو الضمان لبقائهم على الكرسي، فعسى ولعل أن يحالفهم الحظ ويتصالح في النهاية الطرفان المتصارعان، لأنه الضمان في استمرار نظام الطائفية والعمالة لخدمة الفرس والأمريكان.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الولاء للمذهب (إيران) وليس للعراق! هذا هو حال مع الأسف!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول كوردى مخلص:

    ايران وامريكا بالنتيجة سيتفاهمون ولن يحصل حرب وكل ما يجرى ويدور صراع مصالح ونفوذ وجعجعة وحرب بالوكالة وسترضخ ايران لمطالب أمريكا في نهاية المطاف

  3. يقول عبدالله:

    وهل البعثيون يمثلون العراقيين؟

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      نعم: البعثيون بالعراق (ولست بعثياً) وطنيون ويمثلون العراقيين وليس الإيرانيين! ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول ابن الجزيره العربيه / اللهم زلزل عروشهم:

    سوف تشتعل حرب 100% لكن مجرد وقت .
    سوف تقع إيران بطعم أمريكي .
    سوف تضرب امريكا الشر إيران الشر بقوه وأكثر الاحتمال ضربها أيام العيد أو أيام العطل الاسبوعيه وسوف نرى.
    الحرب العالمية قادمه من ايران الى ماشاءالله.
    إيران لا زالت في فكرها الفارسي والغرب لازال في فكره الإمبراطورية الرومانية.
    والعرب لازالوا في القهاوي وشرب الشاي والشيشه.
    المهم الفقراء والبشريه التي جاعت وهلكت.

إشترك في قائمتنا البريدية