شباب وصبايا من مختلف المناطق اللبنانية والإختصاصات يمسرحون الواقع أسبوعياً

زهرة مرعي
حجم الخط
0

بيروت – «القدس العربي»: في أحد الوضوح، وهو الاسم الذي أطلق على اليوم الـ47 للإنتفاضة في لبنان شغل «الإستلشاق» بتشكيل الحكومة حيزاً واسعاً من الشعارات والنشاطات. المسيرات التي اتجهت من أماكن عدة من بيروت، وصولاً إلى مبنى بركات في «السوديكو» الشاهد على الحرب الأهلية شكلت الحكومة جزءاً من اهتمامها. بموازاة ذلك كان العرض المسرحي المقرر عشية كل أحد أمام منصة مبنى العازارية يستعد للبدء. بحدود الخامسة عصراً انطلق العرض، وحمل عنوان «استشارات حكومية». وفي هذه الأثناء كان أحدهم يتابع تنقله بين الساحات متأبطاً شعاراً ظريفاً من ابتكاره «لو طلبنا حكومة من علي إكسبرس كانت وصلت من زمان».
أما مسرحية «استشارات حكومية» فسمت الأمور بأسمائها. جسّدت واقع الحال والمراوحة، التي صارت سمة المسؤولين في الدولة اللبنانية. فريق كبير من الممثلين توزعوا الأدوار على الأرض، فيما اعتلى المنصة مسؤول يحمل السيجار وإلى يساره مساعده. تحلق الجمهور متابعاً العرض بهدوء تام، قطعته نوبة طارئة من الطرق بالحجارة على السور المحيط بمبنى التياترو الكبير، فتشتت للحظات تركيز الممثلين.
لم يهمل معدوا العرض المسرحي «استشارات حكومية» أي تفصيل من الحياة السياسية اللبنانية من طائفية واقطاع وتوريث للمناصب الوزارية والمقاعد النيابية. حضر الجد مرتدياً زيه العربي كشهادة على الممارسات الراسخة لدى المتحكيمن بلبنان وسارقي خيراته منذ زمن بعيد. ومع هذا الجد كانت الزغرودة. وتقول: «يا لبنان نيالك بالهاسياسيين.. سرقوك ونهبوا أموالك «أييييويهاااا» بيفوت الواحد بالزلط بيطلع لابس ومعلوف.. «أييييويهاااا». وفي ختام العرض كان المسؤول ومساعده راكعين وسط الجمهور لفسادهما، وتجاوزهما للدستور.
روان فتوني صبية ناشطة في العرض المسرحي تقول لـ»القدس العربي»: لسنا طلاب فنون. بيننا من يدرس الهندسة والتسويق والحقوق والمحاسبة وغير ذلك. جميعنا يرتجل حضوره أمام الجمهور مباشرة، فقط واحد من بيننا سبق ومارس التمثيل. وفي المجموعة من يلعب الغيتار ومن يغني. اجتمعت المواهب كافة وقدمنا عرضنا الرابع «استشارات حكومية». هذا العنوان من وحي الواقع الذي نعيشه، وكذلك كان حال العروض السابقة خاصة «الشهيد يتكلم» وكانت من وحي شهادة علاء أبو فخر. زميلتنا غيتا تكتب النص وتتولى إدارته، وأقوم بدور مساعدة المخرج أو بالأحرى المساعدة اللوجستية خلف المسرح. الأمور تسير على ما يرام من خلال التعاون رغم عدم معرفتي مطلقاً بأمور المسرح.
تصف روان فتوني لقاءها بهذه المجموعة بأنه ناتج من الصدفة، وتشرح: وجدت خلال التظاهرات أحدهم سبق والتقيته في تمارين رياضية ولا أعرف اسمه. سألته ماذا يفعل فأخبرني بأنه يساعد مجموعة شباب تعمل في المسرح. أبديت رغبة بالإنضمام لهم وهكذا كان. تعرّفت أكثر إلى هذا الشاب، وتواصلت مع الآخرين. التنوع من أبرز جماليات هذه المجموعة أنا من الجنوب، نور من بيروت، غيتا من بعلبك، أيلي من البقاع الغربي وآخرين من مناطق مختلفة من لبنان. كل واحد من «ميلة».
واللافت أن شباباً أتوا عشية السبت خصيصاً من طرابلس لمساعدتنا والمشاركة في التمارين، وناموا بضيافة الشباب الذين جمعتهم هذه المنصة وهذه العروض المسرحية. هذا الإندماج برأيي كان العامل الأساس في قوة المجموعة وعددها بحدود الـ20 صبية وشاباً.
إيلي ضاهر تدلت على صدره خلال التمثيل قماشة طويلة بيضاء كتب عليها روح الضمير. نسأله هل كنت تعباً بحمل الضمير؟
قال: شخصياً لا. لكن من عليه فعلياً تحكيم ضميره لا شك سيتعب. أنا تعب من 30 سنة أي قبل أن اولد. أردنا من خلال هذا العرض المسرحي أن تصل الرسالة لنقول للناس إن ضميرنا تعب بحق لأننا صمتنا طوال تلك السنوات. منذ 30 سنة وهم يتعاقبون على مجلس النواب والحكومة ولا يعرفون حرفاً من الدستور، أو هم يهربون من تطبيقه. لو فتحوا الدستور وقرأوا بنوده وطبقوا ربعه فقط لكان لبنان بألف خير.
ماذا تدرس في الجامعة؟ يقول بحزن: ميكانيك السيارات، ولست متمكناً من متابعة الدراسة الجامعية بشكل متتال، أدرس لسنة، وأعمل على مدى سنتين للتمكن من تحصيل القسط. السياسات المتعاقبة منذ 30 سنة تسببت لنا بأزمة كبيرة. ونحن نحاول بث الوعي لدى الناس عبر الفن. نقول لهم إن من توالوا على الحكم يهملون الدستور ولا يلتفتون له، وينشطون في اقرار القوانين التي تسهل لهم المزيد من النهب العام.
أهم ما في هذه العروض بحسب إيلي تفاعل الجمهور. ويضيف: بعد عدة عروض بات الناس يقولون لنا إننا نقدم الحقيقة لهم. ليس طبيعياً أن نبقى على حالنا مغمضي العيون. فهذا الحراك كشف لي كشاب لبناني الكثير من الأمور المجهولة. كشف السارقين. كشف معنى الطائفة والطائفية والمذهب. ومعنى الحكومة ومجلس النواب في بلد اسمه لبنان وكذلك الأحزاب.
اكتشفت أن جميعهم يعمل لمصلحة جيبه، وتثبيت زعامته على حساب الشعب. هؤلاء أضاعوا أعمارنا، بل حرقوها، ودفعونا لليأس. كشاب لا أعرف كيف أكمل جامعتي وخاصة مع انعدام فرص العمل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية