سياسات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين… رسائل ودلالات ومواجهة مؤجلة

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله ـ «القدس العربي»: يكتب المحامي الفلسطيني حسن عبادي عن المحامي الأسير محمد عليان، والد الشهيد بهاء عليان قائلا: «غادرتُ حيفا الساعة الخامسة والنصف صباحًا، برفقة صديقي ظافر، ووصلتُ سجن ريمون الصحراوي الساعة التاسعة، وبعد إجراءات بيروقراطيّة طويلة، التقيت بالأسير المقدسيّ محمد خليل عليان. أطلَّ من آخر الممر الطويل مُلتحيًا ومبتسمًا، وبادر بوابل من القبلات عبر الزجاج المقيت؛ كان مقيّد اليدين بالكلبشات البغيضة، وإثر احتجاجي تمّ فكّها».

ويكمل: «حدّثني عن أوضاع المعتقل؛ دييتا (ريجيم) إجباريّة قاتلة، أقلّ أسير نزل 10-15 كيلوغراما، وجبات قليلة لا تُشبِع إطلاقًا تُبقينا على قيد الحياة، ألم الجوع، مريض السكري يتناول 3 وجبات شحيحة بدل 6 وجبات، وقّف الأنسولين السريع، الوضع سيّئ جدًا، فش فورة (استراحة) فش دخان، فش أكل، فش لِبِس، فش كتب، فش وسائل تواصل، فش علاج، لا نظام دواء ولا نظام أكل، الأمور في مسار كارثي، والخوف من موت جماعي للأسرى، الضرر الجسدي يُعالَج برّا لكن النفسي لا، وبات السجن وكرًا للأمراض النفسيّة، وحدّثني بحرقة عن وضع الحركة الأسيرة السيّئ جدًا».
ويكمل عبادي في شهادته: «استفسرت عن وضعه الصحي (مواليد 1955 وكان يتعاطى 11 نوع دواء) فابتسم وقال: «سأطلع من جوف الحوت اليوم أو بكرا، مثل ما أنا. رغم السكري لن يؤثر على نفسيّتي ومعنوياتي، بشتغل على نفسيتي أكثر من صحتي، هدفي لمّا أطلع أكون محمد عليان، مش أقلّ».
يكمل: «تبادلنا توصيل السلامات، فطلب إيصال سلاماته لسهام والأحفاد والجميع، وسلام خاص لزوجتي سميرة.. ما يزال التريننغ (الملابس الرياضية) ممنوعًا من الدخول».
كما يمكن الوقوف على واقع السجون الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر العام الماضي من خلال جملة يذكرها كل من يقابل الأسرى المفرج عنهم ومفادها أنهم يخرجون بشخصيات أخرى غير التي كانوا عليها عندما سجنوا. أحد هؤلاء هو الطالب في جامعة بيرزيت قسام دلنة، الذي خرج من السجن قبل أيام بعد اعتقال استمر لـ9 أشهر.
وتظهر صورته الحديثة التي خرج بها ضعيفا وشاحبا وبشعر طويل ولحية كبيرة فيما وزعت صورته قبل الأسر لتكون بمثابة أكبر إدانة لواقع سجون الاحتلال، ومؤشرا على ما يجري بحق الأسرى الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر الماضي.
ولعل من أبرز الإجراءات التي مسّت واقع الظروف الاعتقالية بشكل جذري بعد السابع من أكتوبر وصاعدت من مخاطر احتمالية انتشار المرض بين صفوف الأسرى الاكتظاظ الشّديد في الزنازين والذي فُرض بقرار من حكومة الاحتلال، فغالبية الزنازين يقبع فيها أكثر من 10 أسرى، الأمر الذي يعني أنّ كل زنزانة فيها زيادة أربعة أسرى على الأقل، بالإضافة إلى قلة توفر الماء، وتقليص عدد مرات الاستحمام المتاحة للأسرى، وظروف العزل المضاعفة، وغير المسبوقة التي يعيشها الأسرى، وحرمانهم من الحركة بشكل كافٍ، إضافة إلى سياسة التّجويع المستمرة في السّجون بالتأثير على أوضاعهم الصحيّة، عدا عن قلة الملابس وإقدام إدارة السّجون بسحب ملابس الأسرى بعد السّابع من أكتوبر، وإبقاء غيار واحد لكل أسير فقط في غالبية السّجون، حيث أثرت هذه النواحي على مستوى النظافة الشّخصية للأسرى، حيث يضطر الأسرى إلى غسل ملابسهم وارتدائها وهي مبللة، وقد فاقمت ظروف الشّتاء القاسية من أوضاع الأسرى بشكل كبير جدًا على ظروفهم الاعتقالية.

أسرى بلا زيارات أو محامين

في حكاية الصحافي الفلسطيني معاذ عمارنة نرى أن المحامي طلب سابقا من إدارة السجن أن يدخلوا لمعاذ نظارة وأدوية وملابس وفرشة وغطاء وذلك بعد فترة من السجن، لكن إدارة السجن ردت إن القرار يجب أن يصدر من خلال محكمة.
وفعلا، رفع طلب للمحكمة وعينوا جلسة خاصة بعد فترة طويلة لتحسين ظروف الاعتقال ومراعاة وضعه الصحي حيث قدم له ملف طبي بالتعاون مع مؤسسة أطباء لحقوق الإنسان، وبعد محاولات كثيرة طرأ تحول على وضعه حيث نقل للعيادة مرتين، وأعطى (بكجة أواعي) ودواء مسكن ودواء للسكري.
يقول محامي معاذ أن وضعه اليوم أفضل نسبيا، «لحيته وشعره طويلتان، وجسمه شاحب، وخسر من وزنه الكثير، مقطوع عن التواصل مع العالم الخارجي».
وشدد المحامي أنه نقل عن الصحافي معاذ أن هناك أسرى ومنذ يوم الاعتقال لم يسأل عنهم وعن أهاليهم أحد، «ما بيعرفوا شي عنهم».
وأمام تحديات وصعوبات الزيارة التي يقوم بها المحامون سواء الذين يتبعون لجهات حقوقية رسمية أو أهلية فإن ظاهرة أن يخبر أسير فلسطيني عشرات الأسرى من مختلف مناطق الضفة الغربية ويرسل سلامات من خلاله لعائلاتهم أصبحت تطغي على أخبار وسائل الإعلام المحلية.
وعلى سبيل المثال أصبحنا نجد خبرا يقول إنه «في إطار استمرار زيارات المحامين للأسرى داخل سجون الاحتلال، فقد تمت زيارة لعدد من الأسرى في سجن (شطة) وهم: الأسير فراس صوافطة، والأسير قصي عليان، والأسير عامر طنبور، بدورهم نقلوا سلامات لمجموعة من عائلات الأسرى القابعين معهم لطمأنتهم وهم بصحة جيدة» ويتبع هذا النص بقائمة طويلة من أسماء الأسرى الذين يعيش معهم الأسرى الذي تمت زيارتهم.
ويعكس هذا النوع من الأخبار مشاكل عميقة مرتبطة بالزيارات ونقل الأخبار وبث الاطمئنان للأهالي إلى جانب أنها تدلل على عمق إجراءات الاحتلال بحق الأسرى حيث منع الزيارات منذ ما يزيد على أربعة أشهر ومنع ممثلي الصليب الأحمر من دخول السجون، إلى جانب منع المحامين من برنامج الزيارات.

الحراك رفض التقصير

وانطلق قبل نحو ثلاثة أسابيع حراك «أنقذوا الأسرى» في مدينة رام الله حيث نظم وقفة جماهيرية رفع شعار ضرورة العمل من أجل حماية الأسرى ومساندتهم في ظل سياسات الاحتلال، و«التقصير البائن من جهات فلسطينية رسمية وحقوقية ودولية في حماية الأسرى».
واعتبر الحراك الذي أعلن عن قائمة فعاليات جديدة خلال الأسبوع الجاري، أن ما يتعرض له الأسرى لم يحدث في تاريخ الحركة الأسيرة، وطالبوا بضرورة العمل على ضمان زيارات للأسرى حتى تطمئن الأهالي التي تعيش بحالة من القلق الكبير.
ويطالب الحراك جماهير الشعب الفلسطيني بالمشاركة الفاعلة والحديث في فعاليات الأسرى التي سيتم عقدها بشكل منتظم ودوري، أما على المستوى الرسمي فطالب بالعمل على تدويل قضية الأسرى وإيصالها إلى كافة المحافل الدولية، ومؤسسات حقوق الإنسان بالعمل على فضح ممارسات وانتهاكات الاحتلال بحق الأسرى والحركة الأسيرة والعمل مع منظمات حقوق الإنسان في كافة الدول المناصرة لحثهم على مطالبة سلطات الاحتلال بتطبيق الاتفاقيات الدولية.
وانتقد نشطاء في الحراك تقصير الجهات الرسمية وتحديدا تلك التي تضع على عاتقها مساعدة الأسرى والتعاطي مع قضيتهم معتبرين أن واقع الأهالي يفرض عليهم العمل مع عائلات الأسرى بمصداقية وثقة وبتحمل للمسؤولية.
وقالوا إن هناك سوءا في التعامل ينعكس على شكاوي عشرات العائلات من تجاهل المحامين للعائلات والكذب عليهم، ونقل أخبار غير دقيقة لهم.

مقاطعة الصليب الأحمر

بدوره أعلن رئيس هيئة شؤون الأسرى قدورة فارس عن مقاطعة الصليب الأحمر الدولي الذي لم يعد يقدم شيئا بخصوص الأسرى من بعد السابع من أكتوبر.
ويضيف فارس أن أبرز ما يُؤخذ على الصليب أنه لم يفصح ولم يعلن عن السبب الذي منعه من الوصول للأسرى هو الاحتلال الإسرائيلي.
وتابع: «انهم لا يقومون بشيء، وكي لا نجحف حقهم فإن الاحتلال منعهم من ذلك، لكن الأهم أن صمتهم غير مقبول».
ورد رئيس هيئة شؤون الأسرى قدورة فارس في حديث صحافي على اتهامات التقصير مشيرا إلى أن قلق أهالي الأسرى وتوترهم مفهوم للغاية في ظل حاجتهم لسماع أخبار أبنائهم الأسرى.
ويضيف إلى أن خطورة الأمر ترتبط في أن الفلسطينيين يرتدون على ذاتهم، «فكلما أصابنا أمر جلل أو مصيبة فإننا ننظر من حولنا لنجد متهما فلسطينيا في حين يكون الاحتلال هو من ارتكب الجريمة».
وأضاف: «البعض يعتقد انه لو قامت هيئة الأسرى بدورها فإن الوضع العام سيكون مشعا وهو أمر غير دقيق، فنحن نتعرض لحرب ومن مظاهرها ما يتعرض له الأسرى».
ويشدد أنه وفي ظل أعداد الأسرى الكبير جدا فإنه «وبحسبة بسيطة سيتبين لنا أن زيارة الأسرى من قبل الـ 30 محاميا لدى الهيئة يستلزم عاما كاملا هذا لو افترضنا أن الأمر يتم في ظروف طبيعية من دون معيقات احتلالية».
ويرى أن المشكلة لا ترتبط بعدد المحامين لدى هيئة شؤون الأسرى بل في تعطيل إدارات السجون لبرنامج الزيارات. ويرد على اتهامات التقصير بإن الهيئة أصدرت تعليمات لتقديم طلب الزيارات لكن ما تم الإستجابة له هو 140 زيارة حتى اللحظة، وهي ترتبط بما تسمح به سلطات السجون الاحتلالية.

حصاد 2023

ويحمل حصاد عام 2023 الصادر عن مؤسسات الأسرى أن نحو 11 ألف فلسطيني تعرضوا للاعتقال على يد قوات الاحتلال الإسرائيليّ نصفهم بعد السابع من أكتوبر. من دون أن تشمل هذه الحصيلة معتقلي غزة بعد السابع من أكتوبر. والتي شملت المقاومين، والمدنيين بمن فيهم العمال الذين جرى اعتقالهم من الأراضي المحتلة عام 1948 فلم تتوفر للمؤسسات معطيات دقيقة في ضوء جريمة الإخفاء القسري التي يواصل الاحتلال تنفيذها بحقّ معتقلي غزة.
وبلغت حالات الاعتقال بين صفوف النساء 300 وتشمل هذه الحصيلة النساء اللواتي اُعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1984 بعد السابع من أكتوبر، فيما بلغ عدد حالات الأطفال 1085. فيما بلغت حالات الاعتقال بعد السابع من أكتوبر أكثر من 5500 من بينهم 355 طفلا/ة، و184 من النساء تشمل من الأراضي المحتلة عام 1948.
تؤكّد مؤسسات الأسرى أنّ هذه الحصيلة هي مقاربة لعدد حالات الاعتقال التي نفذت ما بين عامي 2001-2002 أي خلال سنوات الأولى على انتفاضة الأقصى، وهي تشكّل شهادة حيّة لمستوى التوحش الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحقّ المعتقلين الفلسطينيين، وعائلاتهم.
ويبلغ عدد إجمالي الأسرى في سجون الاحتلال حتى نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي 8800 من بينهم أكثر من 80 أسيرة في سجن (الدامون) فقط فيما لم يتسن للجهات الرسمية التأكد من بقية النساء المعتقلات من غزة والمحتجزات في معسكرات أخرى، فيما لم تتوفر حصيلة دقيقة للأطفال في السجون، ويبلغ عدد الإداريين 3291 وعدد من صنفهم الاحتلال بالمقاتلين غير الشرعيين 661 وتعني هذه الحصيلة أنّ عدد إجمالي الأسرى زاد بـ 3550 أسيرا عن عدد الأسرى في السجون ما قبل السابع من أكتوبر، كما أن عدد الإداريين زاد بـ 1971 معتقلا.
غير أن الأرقام السابقة طرأت عليها تطورات كثيرة على صعيد الأعداد، فعداد الاعتقال اليومي يزيد يوميا أمام حملات الاقتحام الليلية التي ينفذ خلالها جيش الاحتلال اعتقالات وعملية تدمير ممنهج لمنازل المواطنين إلى جانب حالات من السرقة وتهديد عائلات الأسرى وزوجاتهم.

أسباب
صعوبة المواجهة

وحسب المحامية تالا ناصر من مؤسسة «الضمير» لرعاية الأسير وحقوق الإنسان فإن الممارسات الاحتلالية بحق الأسرى غير مسبوقة، «فما سمعناه من المعتقلين دخلوا السجون عدة مرات فإن ما يجري في السجون يشبه ما كانت تعيشه السجون عام 1967».
وتضيف: «هذا يعني أن هناك تحولا مخيفا في كل شيء، من التعذيب إلى تغير سبل المعاملة، وهو ما أدى إلى استشهاد 7 أسرى، إلى عدد من المعتقلين في قطاع غزة».
وتشدد ناصر أن مؤسسة الضمير وعلى مدار 30 عاما تعمل على توثيق الانتهاكات، وهي ترصد أن هناك تحولات فظيعة وأرقاما قياسية وغير مسبوقة، «إنها أرقام لم نشهدها منذ الانتفاضة الأولى. وهو يعني أن الاحتلال يضرب بعرض الحائط كل ما ينص عليه القانون الدولي أو التفاهمات مع الأسرى».
وتتوقف ناصر أمام عدم المقدرة على التغيير حيث تؤكد أن هناك خيبة أمل من المنظومة الدولية التي قدمت لها الكثير من الشكاوي من دون أن يكون هناك أي أفق أو تعاطي مع الانتهاكات.
وحول طرق المواجهة الحالية أو المؤجلة تؤكد المحامية ناصر أن هناك صعوبة حقيقية في مواجهة سياسات الاحتلال بسبب ثلاثة عوامل، أولها: حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث أن الأنظار محليا ودوليا تتجه هناك، وهو ما يعطل من تحركات الأسرى، وثانيا: فظاعة جرائم الاحتلال بحق الأسرى، حيث سمعنا ووثقنا شهادات من أسرى محررين أنه في حال احتج أي أسير على أي ممارسة بسيطة فإنه كان يتعرض للضرب بشكل وحشي، فهناك من استشهد بسبب مشاحنة مع سجان. وثالثا، إجراءات الاحتلال بحق قادة الحركة الأسيرة، فمنذ اليوم الأول عزل الأسرى عن بعضهم البعض، حيث غابت إمكانية التنسيق والترتيب بين فصائل العمل الوطني، فعملية فصل الأسرى وعزلهم في الزنازين كانت بهدف منع أي خطوات نضالية.
وحسب نشطاء فلسطينيين فإن المواجهة مع إدارات السجون تعتبر مؤجلة لكنها قادمة لا محالة، حيث أن الأسرى أصبحوا يعملون على لملمة أمورهم فيما يقوم الاحتلال بعملية جس نبض لقيادات الحركة الأسيرة في حال تم الرجوع عن السياسات الاحتلالية الوحشية الجديدة.
وقالت المصادر إن المواجهة قادمة لا محالة، حيث أن الأسرى يكظمون غيظهم في هذه الفترة لكنهم مثل النار التي تقبع تحت الرماد.
وحول اتهامات البعض لمؤسسات الأسرى بالتقصير شددت المحامية في مؤسسة الضمير تالا ناصر أنه «بالنهاية لدينا مؤسسات حقوقية ومهنية، وهي تقوم بأقصى جهد لها في الدفاع عن الأسرى، وهي ليست لها قدرة على متابعة كل ملفات الأسرى، فدورها ينعدم بمجرد منع المحامين من الزيارة بفعل سياسات الاحتلال.
وترى ناصر أنه على أهالي الأسرى أن يدركوا الصعوبات التي تواجه المحامين، وهي صعوبات يفرضها الاحتلال، وهو أمر يتعمق مع الأسرى من قطاع غزة.
وتضيف: «على مدار 4 أشهر كنا نحاول في كل الأوقات التواصل مع الجهات الإسرائيلية بخصوص الأسرى من قطاع غزة، وهو أمر لم نتمكن منه بفعل سياسات الاخفاء القسري، فالمؤسسات تسعي بكل جهد محليا ودوليا، ويبقى الأمر متعلقا بالاحتلال وسياساته».
وتختم قائلة إن الاحتلال عبر سياساته هذه يسعى إلى «إسكات الفلسطيني واخماد صوته، ندرك ذلك إذا ما تأملنا في قوائم الأسرى فهم أسرى محررون ونشطاء وقيادات وحقوقيون وصحافيون..الخ».

تبييض السجون

وحسب خالدة جرار، الأسير في سجون الاحتلال، فإن ثورة 7 أكتوبر 2023 ارتبطت بقضيتين مركزيتين وهما: الأسرى، والقدس، ثم تطور الشعار المتعلق بالأسرى إلى شعار تبييض السجون الذي كان له انعكاس على ممارسات الاحتلال القمعية الجنونية، فمثلما شهدت غزة ممارسات الانتقام الوحشية والإبادة الجماعية عمل الاحتلال على ممارسة الكثير من أشكال الانتقام من الأسرى والأسيرات.
تقول خالد في مقال كتب قبل سجنها، ونشر مؤخرا في مجلة الدراسات الفلسطينية ويحمل عنوان «الحرية المقبلة: تحطيم العبودية وتبييض السجون» أن شعار تبييض السجون انعكس على سلوك السجانين تجاه الأسرى وهو سلوك طغت عليه محاولات انتقامية استهدفت كسر إرادة الأسرى ومعنوياتهم وإظهار قدرة السجانين وممارساتهم الاستعلائية، وهي خصائص مرتبطة بطبيعة دور المستعمر أكان سجانا أم سجانة، والذي لا يرى نفسه إلا متفوقا ومتعجرفا يستطيع امتهان كرامة الأسرى والأسيرات.
وتعتقد خالد أن «شعار تبييض السجون تحول بالممارسة من إمكان متخيل قبل 7 أكتوبر إلى واقع برسم التحقق بعده، وهو ما يوحي بأن الإمكانيات المتخيلة لتحطيم أشكال العبودية السجنية باتت حقيقة وواقعية، وذلك من خلال تحطيم المنظومة التي أوجدتها، وهي المنظومة الاستعمارية القمعية التي تشكل السجون إحدى أدواتها، وهذا كله سيتم عن طريق إلغاء أسباب القمع والاضطهاد كلها وإزالتها، ليس في فلسطين المستعمرة استيطانيا فحسب بل في كل دول العالم الرأسمالي الاستعماري الذكوري الوحشي أيضا، فتحطيم العبودية الاستعمارية الاستيطانية مرحلة مهمة للإنسانية وللمضطهدين والمقموعين في العالم الذين عانوا منذ عقود جراء آثارها، ولا يزالون يرفضونها ويقاومونها».

دلالات السلوك الإسرائيلي

وفي دراسة للباحثين محمد القيق، وسليمان بشارات التي نشرها مركز رؤية للتنمية السياسية قبل أيام، وتحمل عنوان «الأسرى الفلسطينيون ودلالات السلوك الإسرائيلي من التضييق عليهم» فإن الاحتلال من خلال سلوكه المنهجي بحق الأسرى الفلسطينيين يحاول تحقيق مجموعة من الأهداف، حيث يرسل سلوكه مجموعة من الدلالات والرسائل، أولها، الرسالة المعنوية وهي موجهة للجبهة الداخلية الفلسطينية: وهي تتضمن محاولة إيصال رسالة للشارع الفلسطيني بأنّ ما جرى في 7 أكتوبر سيعود عليكم وبالًا وتدميرًا ومعاناة، وثانيها: رسالة ربط الأحداث والانتقام: حيث كانت سياسة الاعتقال التي امتدت على جميع الفئات والجغرافيا وكل تفاصيلها، بما في ذلك عمليات الاعتقال مع التنكيل والتعذيب والضرب والاعتداء والتهديد بالاعتداء الجنسي، وبعض الاعتداءات الجنسية التي ذُكرت، وكل هذه التفاصيل تعني أنّ الاحتلال الإسرائيلي يحاول أن يربط معاناة الاعتقال اليومية للفلسطينيين بما جرى في 7 أكتوبر، وأن يدمّر المعنوية الفلسطينية وينتقم منهم بسبب ما حدث في غزة.
أما ثالث الرسائل حسب الباحثين بشارات والقيق فهي رسالة أمنية، وهي أنّ الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر قرر ألا يكون هناك امتداد للمشهد المقاوم إلى الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، فاستخدم المعادلة الاستباقية بما يعرف بمعادلة الردع من أيّ حدث أو أيّ عمل، وباشر بالاعتقالات بشكل عشوائي وكبير، كما اعتقل الأسرى المحررين ونواب المجلس التشريعي وقيادات الفصائل والناطقين باسمها، والمحللين والكتاب والنشطاء والممثلين، كل هذا حتى لا يتسنى أن يبقى أيّ رابط أو تواصل تنظيمي يعمل على إنشاء عمل مقاوم عسكري أو شبكة مالية أو شبكة اجتماعية أو حتى شبكة سياسية لتنظيم مسيرات واحتجاجات وغيرها.
والرسالة الرابعة هي رسالة الردع لأي تفاعل: وهي التي حاول الاحتلال من خلال شكل هذه الاعتقالات أن يقوم بها، وهي ردع نفسي ومعنوي، وهناك حالات واضحة من آلية الاعتقال وشكله، والضرب المبرح وحالة الإهانة والنشر على شبكات التواصل الاجتماعي، كل هذا لا يشكل ردعًا فقط، بل محاولة لترميم الردع.
ويخلص الباحثان إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى أن يعيد بناء معادلة الردع التي تصدعت جراء ما حدث في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، من خلال تصعيده لمنهجية الاعتقال وإرفاق ذلك باستخدامه لأدوات التنكيل والضرب والإهانة التي تفضي في بعض حالاتها إلى استشهاد الأسرى، إدراكًا منه أنّ النموذج الفلسطيني الذي برز يمكن أن ينعش الحاضنة الشعبية الفلسطينية، ويعزز من أهمية ودور المقاومة وتبنيها على أنها خيار استراتيجي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يحاول إزالته من الذهنية الفلسطينية وإحلال مكانه صور الضرب والإهانة والعقاب الجماعي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية