سكاي نيوز تتقدم والعربية تتراجع بتأن والغد العربي خارج المنافسة

حجم الخط
1

كان للأسف يوماً فلسطينياً بامتياز، في الوقت الذي لا بدّ أن يكون فيه عربياً بامتياز. يوم السبت الماضي خرج فلسطينيون غاضبين إلى الشوارع، فيما تبدو بوادر انتفاضة جديدة يطلقها أهلنا في الداخل الفلسطيني، في أرض الـ 48، أقول بوادر انتفاضة لأن قانون مصادرة وترحيل وتطهير عرقي لأهالي وأراضي النقب جنوب فلسطين هو قانون برافر-بيجن، قد أُقرّ بنسخته الأولى في الكنيست الإسرائيلي وهو كما يبدو في طريقه إلى التنفيذ على الأرض، كان يوماً فلسطينياً بامتياز لكن ما عكسه كانت مواقع التواصل الاجتماعي.

أما عربياً، وتحديداً التلفزيونات العربية، فقد اكتفت بتقارير إخبارية تحكي عن الموضوع، بعضها مدّ التقرير لتغطية تشمل مداخلات لمراسلين ومختصين، لكن الموضوع برمّته انتهى هنا، وفي اليوم التالي لا آثار له.

يسعى القانون الإسرائيلي إلى محو ما يقارب 45 قرية للبدو في النقب كما فعلت العصابات الصهيونية عام النكبة وما بعدها، وترحيل أهالي هذه القرى من الفلسطينيين الذين يزيد عددهم عن 45000  وأراض تزيد على 800000 دونم، إلى كانتونات في أراض جنوب الضفة الغربية، ثم توطّن هناك 300000 إسرائيلي وتنقل مقر جيش الاحتلال إلى المنطقة، إضافة إلى الامتيازات التي تمنحها الحكومة الإسرائيلية إلى الإسرائيليين المستوطنين هناك.

صحيح، عرضت معظم التلفزيونات وتحديداً الإخبارية منها تقارير عن الهبّة الفلسطينية، إلى أن حجم هذه الهبّة وأسبابها ومخاطر ما تسعى له الحكومة الإسرائيلية من عملية جديدة لترحيل فلسطينيين ومصادرة أراضيهم وإحلال إسرائيليين مكانهم، بحاجة إلى تغطيات إعلامية واسعة بحجم الهبّة والخطورة التي تكمن في المخطط الصهيوني.

ليس بعيداً، في أيام الانتفاضة الثانية، كانت القنوات تفرد تغطيات على مدار اليوم لأحداث الانتفاضة، لبوادرها حتى ولبعض تداعياتها، ولم يكن هنالك غير «الجزيرة» وقناة «أبوظبي» التي تحوّلت إلى إخبارية في حينها، وأتذكر منها المذيع الإماراتي جابر عبيد الذي استطاع الاستئثار بقدر كبير من المشاهدين الفلسطينيين في تغطيات القناة لأحداث الانتفاضة.

الهبّات التي انطلقت في شوارع حيفا ويافا والنقب يوم السبت الفائت لا يبدو أنها ستنتهي هناك، كونها مقرونة بقانون عنصري لا يبدو أن إسرائيل ستوقف العمل به وبتنفيذه، وهي هبّات جديرة من الآن بتغطيات أوسع وأشمل من قبل القنوات العربية، لا الاكتفاء بتقارير روتينية يسبق أحدها تقرير يتناول خططاً يابانية لتحويل القمر إلى حقل لإنتاج الطاقة مثلاً.

هذه مجرد البداية في فلسطين، وأي انتفاضة تنطلق من أراضي الـ 48 لن تكون كغيرها، وتحديداً حين تنطلق لأسباب هي ذاتها أسباب نكبتنا عام 48، ستكون انعطافة جديدة قد تأخذ وقتاً لتتبلور، لكنها انعطافة في مسيرة هذا الشعب، وعلى الإعلام العربي أن يكون على قدر المسؤولية، رغم أن الموضوع بعيد عن سياسات الأنظمة الحاكمة والممولة لهذه القنوات، ولهذه الأنظمة مصالحها بالحديث عن سوريا ومصر وتونس وليبيا وغيرها.

العاملون في هذه القنوات هم صحافيون بالأساس، ومن المعيب أن يمشوا على المسطرة حسب مصالح هذه الأنظمة هنا وهناك، لأنه بالنهاية لن توجد هذه المصالح في هبّات فلسطينية جديدة، كما لم توجد مسبقاً.

تلفزيونات ليست كالتلفزيونات

لم تعد أجهزة التلفزيون هي الوسيلة الوحيدة التي تطلّ من خلالها القنوات التلفزيونية على المشاهدين، وعند كثيرين لم تعد الوسيلة الأساسية، رغم أننا تجاوزاً نطلق على هذه القنوات إما «تلفزيونات» أو أننا ودون أي تجاوز، نطلق عليها «قنوات تلفزيونية»، هي بالنهاية مقرونة بهذا الجهاز الذي يسميه اللغويون الأصوليون: الرائي، وكما يسميه الشباب الكول: «تي في».

وكما كان للإعلام الجديد المتاح عبر الإنترنت الدور الأبرز في مواكبة أحداث كالثورات والهبّات العربية، وكانت آخرها ما شهده يوم السبت الفائت في فلسطين، ها هو يشكّل حاجة موضوعية وأساسية لهذه القنوات التي لم يعد من الممكن لها أن تقتصر علاقتها بالمشاهد على جهاز التلفزيون، وربما موقع انترنت هامشي.

اليوم صرنا نشاهد التلفزيونات هذه عبر شاشة الكمبيوتر أو الهاتف، لغوياً هنالك إرباك ما في القول اننا نشاهد تلفازاً على الهاتف مثلاً، لكن المسائل اللغوية تجد حلولها بنفسها ومع الزمن.

قلت ان جهاز التلفزيون لم يعد الوسيلة الأساسية للقنوات كي تصل لمشاهدها لأني شخصياً، مثلاً، أتابع هذه القنوات اما عبر تطبيقاتها على الهاتف واللوح الذكيين، وهما فعلاً كذلك، أو عن طريق الـ»يوتيوب» ومواقع القنوات على الإنترنت، ح ث تتيح لزائرها مشاهدة البث المباشر.

إن كان لا بدّ من إشارة أقول ان البث المباشر الأفضل هنا هو لقناة «سكاي نيوز» عربية، التي تبث عبر موقعها من خلال شاشة أوسع وجودة أعلى. الأسوأ هي، للمفارقة، قناة «الجزيرة»، أخذاً بعين الاعتبار ضيق الشاشة ووضوح الصورة، لذلك على الأغلب تلجأ القناة إلى بث مباشر عبر موقع «يوتيوب»، إلا أنه يشوب بثه تقطّعات تطول أحياناً.

أما قناة «العربية»، فيضطر زائر موقعها للانتظار بعض الوقت إلى أن يظهر له البث، إن ظهر، بإعلانات لا تنتهي ما يجعله يظن لدقائق أنه يشاهد قناة إعلانية بفواصل إخبارية، وهذه مشكلة القناة على كل حال لا موقعها الإلكتروني، أو هي إحدى مشاكل القناة مع مشاهدها.

بالنسبة للتطبيقات على الأجهزة الذكية (اليوم باتت هنالك تلفزيونات ذكية كذلك، لنصل إلى يوم تكون كل الأجهزة الالكترونية فيه ذكية فيجد الإنسان نفسه «الغبي» الوحيد في هذا الكون)، تحرص القنوات على تجديد تطبيقاتها على هذه الأجهزة لتجاري وتستغل «ذكاءها» قدر الإمكان، لكن هنا أيضاً، التطبيق الجديد لقناة «سكاي نيوز» هو الأكثر ذكاء واعتباراً لحاجات المشاهد، ويبدو أن للقناة فريقا تقنيا جيدا. 

التطبيق الجديد لقناة «فرنسا 24» جيد كذلك، أما الأكثر بلادة فهو تطبيق قناة «الميادين». صدقاً، ولا علاقة لذلك عندي بموقفها المؤيد للنظام السوري ولا استغلالها غير المحدود لقضية فلسطين بالمناسبة.

هذا الموضوع واسع وسأعود إليه لاحقاً، هنالك ما أريد قوله بخصوص إحدى هذه القنوات الإخبارية.

«الميادين» تنافس «الاخبارية» السورية

لدينا الآن العديد من التلفزيونات، التلفزيونات التي يمكن مشاهدتها عبر أكثر من وسيط من بينها التلفزيونات. وليس من السهل الشروع في إطلاق تلفزيون جديد، خاصة وإن كان إخبارياً، المنافسة قوية بين التلفزيونات الإخبارية الحالية ويصعب اقتحام سوقها، وتحديداً بوجود «الجزيرة» المحافظة على ريادتها كما يبدو، و «سكاي نيوز» الجديدة والمتقدمة بتأنٍ، و «العربية»، التي تقضي معظم الوقت في تصحيح أخطائها وترقيع زلاتها لإعادة إقناع المشاهد بضرورة مشاهدتها كي «تعرف أكثر»، وما تبقى من الوقت تبث فيه الإعلانات، إضافة لقنوات غيرها من الأقل تأثيراً عربياً.

منذ أسابيع انطلقت قناة جديدة هي «لغد العربي» بشكل متأخر بعد تعثّرات أخرت انطلاقتها – كما يبدو – انطلقت دون أن تطرح نفسها كبديل علنياً، كأي وافد جديد على المشهد الإعلامي، أول ما يخبرنا به هو أنه لا ينافس أحداً وليس مطروحاً كبديل عن أحد ودون أن يسأله أحد. وفعلاً لم تستطع القناة حتى الآن منافسة أي قناة إخبارية أخرى، ولا حتى «الإخبارية السورية»، فالأخيرة تقدم ترفيهاً وتسلية من خلال نشراتها الإخبارية ومقابلاتها على الأقل، ما يصعب على غيرها (إلا الميادين) أن تنافسها فيه.

شدّد وأعاد تشديده، غسان بن جدو، يوم إطلاق «الميادين» قائلاً انها لا تنافس أحداً، وفي ذلك إشارة إلى قناة «الجزيرة» كونها التي جعلت من بن جدو صوتاً وشكلاً (وغيره من مذيعي القناة) مألوفاً على المشاهد العربي. والتصريح بهذه العبارة «لا ننافس أحداً» هو أحد أكثر الوسائل شيوعاً للتهرب من منافسة ستضطر أي قناة إخبارية جديدة الخضوع لها، اعجبهم ذلك أم لم يعجبهم.

«الغد العربي» مضطرة بذلك للتنافس مع جميع القنوات الإخبارية العربية، لكنها فشلت على ما يبدو وبامتياز، ما المبرر من إنشائها كإخبارية أساساً إذن؟ ما الجديد أو البديل الذي تقدمه؟ القناة تحوي العديد من البرامج المنوعة، بخلاف معظم القنوات الإخبارية، لكن لماذا تطرح نفسها كإخبارية؟

على الأغلب ستنسحب القناة رويداً رويداً من ساحة منافسة القنوات الإخبارية وتقلل من الحصة السياسية ضمن برامجها لحساب برامج أكثر ترفيهاً وتسلية لمشاهد غير مشاهد تلك القنوات، من الأوّل، لتعرفَ ما تريده ونريده.

كاتب فلسطيني

Twitter: @saleemalbeik

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الامارات:

    كان الله ف عون أهلنا ف ( النقب ) المنكوب .
    * لكم الله يا عرب النقب …لا تتوقعوا مساعدة :
    لا من السلطة …ولا من الدول العربية …( فاقد الشيء لا يعطيه ) .
    شكرا …والشكر موصول للأخ الكاتب .

إشترك في قائمتنا البريدية