سباق التسلح بين الجزائر والمغرب يؤدي ولأول مرة منذ قرنين إلى خلق توازن نسبي للبلدين مع دول أوروبية

حسين مجدوبي
حجم الخط
27

لندن- “القدس العربي”: تشد الأزمة بين المغرب والجزائر اهتمام وسائل الإعلام الدولية وجزءا من الرأي العام، وبينما تستمر المقارنة العسكرية واحتمال اندلاع الحرب بين الطرفين، يرى الغرب هذه الأزمة من منظار آخر وهو ارتفاع كثافة التسلح في الضفة الجنوبية الغربية لبحر الأبيض المتوسط، مما بدأ – ولأول مرة منذ قرون – يهدد التوازن العسكري في المنطقة.

وتمر العلاقات بين المغرب والجزائر بأزمة لا سابقة لها خلال العقود الأخيرة، دفعت بالجزائر إلى إغلاق المجال الجوي في وجه الملاحة المغربية وقطع العلاقات الدبلوماسية علاوة على اتهام الجار الغربي بالتورط في مخططات غربية- إسرائيلية لتفكيك الجزائر. وتبرز تحاليل احتمال وقوع حرب بين الطرفين بعدما بدأت مؤشرات مقلقة في ظل حشد عسكري على الحدود بين البلدين.

سباق تسلح لأهداف متعددة

ومنذ سنوات يجري الحديث عن سباق التسلح بين البلدين، حيث يتصدران رفقة مصر وجنوب أفريقيا مبيعات الأسلحة في القارة الافريقية، ولا يوجد بلدان مجاوران يشهدان سباقا للتسلح مثل المغرب والجزائر سوى حالتين، الكوريتان الشمالية والجنوبية ثم السعودية وإيران.

ومنذ 2015، بدأ المغرب والجزائر بامتلاك أسلحة متطورة ونوعية، حيث تراهن الجزائر على الصناعة العسكرية الروسية والصينية ونسبيا الألمانية، بينما لم يعد المغرب يراهن فقط على الصناعة العسكرية الأمريكية والفرنسية بل الصينية والتركية لاسيما في ظل الشروط التي تفرضها الإدارة الأمريكية على مبيعات الأسلحة للمغرب.

ورغم وجود سباق تسلح بين البلدين، هناك عوامل أخرى تفسر رفع المغرب والجزائر للصفقات العسكرية، خاصة في حالة الجزائر التي تخصص ميزانية أكبر من المغرب مرتين وتوقع صفقات أسلحة أكثر. ويتحكم في التسلح الجزائري عاملان، الأول وهو التحول الى الدولة العسكرية الأولى في شمال أفريقيا وضمن القوى العسكرية الرئيسية في البحر الأبيض المتوسط. بينما الثاني شائك للغاية، وأشارت إليه “القدس العربي” في مناسبات سابقة، ويتجلى في اعتقاد الجزائر باحتمال تعرضها لمخطط غربي لتفكيكها كما حصل مع ليبيا إبان الربيع العربي، ولهذا رفعت من مستوى التسلح. وكان مخطط دول غربية وعلى رأسها فرنسا هو تفكيك ليبيا لخلق دولة جديدة تسيطر على منابع النفط وتكون في فلك الغرب وخاصة فرنسا.

وترافق روسيا الجزائر في هذا المخطط، ولهذا كانت الجزائر أول دولة تحصل على أسلحة نوعية للغاية مثل منظومة الدفاع إس- 400 قبل الصين بل وحصلت على نظام الضرب بالغواصات من قاع البحر ضد أهداف برية منذ سنة 2019 ، وهي تقنية تمتلكها دول قليلة في العالم آخرها فرنسا منذ السنة الماضية، بينما الدولة الثالثة التي لديها هذه القدرة هي إسرائيل وليست لدى تركيا ولا إسبانيا ولا إيطاليا.

ويبقى هدف روسيا الأول من تسليح الجزائر بأسلحة نوعية هو تحويلها الى حليف استراتيجي يكون شوكة عند الحدود الجنوبية للحلف الأطلسي، أي غرب البحر الأبيض المتوسط من إيطاليا إلى البرتغال. وعمليا، نجحت موسكو في الرهان، ويرى الغرب في الجزائر مصدر خطر لدول جنوب أوروبا.

هدف روسيا الأول من تسليح الجزائر بأسلحة نوعية هو تحويلها الى حليف استراتيجي يكون شوكة عند الحدود الجنوبية للحلف الأطلسي

من جانب آخر، يهدف المغرب إلى التسلح رغم إمكانياته المادية المحدودة لتحقيق توازن بين جارين، الأول وهو الجزائر التي قد تستفيد من قوتها العسكرية لفرض واقع جيوسياسي جديد في شمال أفريقيا، وكذلك حتى لا يجعل إسبانيا تتجاوزه عسكريا بشكل كبير بل يحقق التوازن النسبي الذي مفاده وإن خاضت إسبانيا الحرب وانتصرت فيها سيكون انتصارها بمثابة هزيمة نظرا للخسائر التي ستتعرض لها.

وكان المغرب يعاني من الشروط العسكرية للولايات المتحدة التي تبيعه أسلحة وتأخذ دائما بعين الاعتبار إسبانيا العضو في الحلف الأطلسي. وبالتالي، يعمل المغرب على تنويع مصادر شراء الأسلحة ويركز كثيرا على الصين ومؤخرا على تركيا. ويكفي أن النظام المضاد للطيران المتطور الذي يحمي بشكل كبير وقوي المجال الجوي المغربي هو من صنع صيني ويسمى “الدرع الدفاعي-2000″، كما أن سلاح الردع الذي يمتلكه المغرب هو رادعات صينية من نوع PHL 03. وبدأ يراهن كثيرا على الصناعة العسكرية التركية وكانت البداية مع الطائرات المسيرة المتطورة بيرقدار تي بي 2.

التوازن العسكري النسبي بين ضفتي البحر المتوسط

وتنظر إسبانيا بقلق كبير إلى التوجه الجديد للتسليح المغربي لأنه لا يعتمد على السوق الغربية التي تفرض شروطا مثل الأمريكية بل على صفقات متحررة من أي شروط. وهذا القلق الإسباني يمتد الى الدول الأوروبية لاسيما المطلة على البحر الأبيض المتوسط التي ترى كيف ينعكس عليها استقلالية قرار الصفقات العسكرية للمغرب والجزائر.

تنظر إسبانيا بقلق كبير إلى التوجه الجديد للتسليح المغربي لأنه لا يعتمد على السوق الغربية التي تفرض شروطا مثل الأمريكية بل على صفقات متحررة من أي شروط

ومنذ القرن التاسع عشر وحتى الآن، كانت الغلبة العسكرية للضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، وهو ما يفسر أحداثا تاريخية مثل الاستعمار الأوروبي لشمال أفريقيا أو تحكم عواصم مثل باريس في القرارات السياسية لدول شمال أفريقيا بعد مرحلة الاستقلال في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. لكن سباق التسلح بين المغرب والجزائر، ثم تنويع الصفقات العسكرية بدون شروط، وتوجه روسيا لجعل الجزائر قوة معاكسة لمصالح الحلف الأطلسي، بدأ يخلق واقعا جيوسياسيا جديدا آخذا في التبلور وهو بدء التوازن العسكري النسبي بين ضفتي غرب البحر الأبيض المتوسط.

ومن ضمن الأمثلة، لا يمكن لأي طائرة فرنسية خرق الأجواء الجزائرية بفضل نظام الدفاع الجوي إس- 400 الروسي، ولا يمكن لأي طائرة إسبانية خرق الأجواء المغربية بفضل نظام الدفاع الصيني “الدرع الدفاعي-2000″، ولا يمكن لأي نظام دفاعي فرنسي اعتراض صواريخ إسكندر أو كالبير الروسية الصنع الموجودة لدى الجزائر. كما لا يمكن لأي نظام اسباني قادر على اعتراض الراجمات الصينية. إن نظام الباتريوت الأمريكي المتطور فشل في السعودية أمام صواريخ محدودة التطور التي أطلقها الحوثيون، فكيف باعتراض أنظمة أوروبية لصواريخ وراجمات متطورة مثل الصينية والروسية.

مفهوم التوازن النسبي في المجال العسكري أن خسائر المنتصر ستكون مثلها مثل خسائر المنهزم في الحرب، وهو الوضع الحالي لضفتي غرب البحر المتوسط.

هذا التطور هو الذي جعل الغرب لا يقلق كثيرا من اندلاع حرب بين المغرب والجزائر لأن الحرب تعني استهلاك أسلحة متنوعة ضد بعضهما البعض وليس ضد دولة غربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الواقعي:

    اذا اراد حكام الجزائر وضع حد لضياع اموال الشعبين في التسلح ، عليهم الإسراع بنزع سلاح ميليشيات البوليزاريو ليطمئن المغرب على حدوده .وهكذا يتحول البوليزاريو من عصابة مسلحة إرهابية الى تنظيم سياسي مسالم يمكن التفاوض معه لتطبيق الحكم الذاتي. اما الحرب مع اسبانيا او اي دولة اوروبية فهي مستبعدة لان حكامها عقلاء يسعون الى الحفاظ على مصالح بلدانهم.

  2. يقول أبا حسون:

    في ظل هذه الأنباء المشحونة أدعو مواطني البلدين بقراءة سورة الكهف و سورة يس في هذه الليلة عسى أن تكون بردا و سلام على هذا الجو المشحون.

    1. يقول Moulay:

      اكيد ان هذا مجرد بلبلة واما نحن المغاربة لن ولا نحارب ابناء عمومتنا واخواننا الجزاءر . فهم كالاخ المزاجي و الجميل في نفس الوقت لن تضربه ولن تسمح فيه . وتحبه و تكن له الاحترام و التقدم .

  3. يقول جزائري حر:

    الاستفتاء في الصحراء الغربية هذا الحل

    1. يقول ابو عمر:

      الاستفتاء يجب ان يكون في المخيمات بعد تحديد هويات المقيمين فيها بتندوف لمعرفة من يريد العودة للمغرب او البقاء جزائريا.. اما الصحراء فهي مغربية وستبقى كذلك، انتهى الموضوع بالنسبة لنا كمغاربة ولا يهمنا الطرف الآخر ليفعل ما يشاء سيجدنا امامه.

  4. يقول Nasser:

    الجيش المغربي، بات من أقوى الجيوش التي تمتلك خبرة عسكرية في الصحراء، وهو ما يؤكد مجيء الدول الغربية والعظمى من أجل إجراء مناورات عسكرية مشتركة معه، نظرا لمراكمته خبرة عسكرية مهمة وواسعة.

  5. يقول ابو عمر:

    المغاربة باسلحة بدائية استطاعوا تأخير الاحتلال الكامل للمغرب الى غاية 1933 وقاموا بملاحم مثل انوال او بوغافر لازالت في الذاكرة.. حتى بتسلح اضعف يمكنهم ان يحققوا انتصارات بفضل قتاليتهم.

  6. يقول ABDOU 2020:

    الحرب ليست مغامرة شيقة تنتهي بنهاية سعيدة كما يستمتع بها المتفرجون في نهاية الأفلام الطويلة، إنها كارثة تحرق نارها المال العام وتعقد الأحوال الإقتصادية للمواطنين. القيادة الجزائرية بنفخها في نيران الأحقاد والتهديدات ورفض الرضوخ للمنطق وحاجيات مواطنيها، تنسى بأن تمويل الحرب ولمدة طويلة، ستذوب معها الإحتياطات وتدفع عشرات الآلاف إلى الفرار نحو سواحل أروبا، دون أن يتحقق تقسيم المملكة. التسلح بالقنابل وبالرشاشات والصواريخ لم يعد مجديا في عالم اليوم، بل العلم والمبادرات الإقتصادية والعلمية، والحكمة في إتخاد القرارات بمنطق جديد، هو ما يخلق الثروة وفرص الشغل وسعادة الناس.

  7. يقول Amara:

    الحروب لاتخلف إلا الدمار والخراب واليتامى والأرمل وسوء التغدية والأمراض.نطلب من الله العلي القدير أن يقينا شرها وينصرنا على من ظلمنا بدون حرب ومشقة.

  8. يقول المعتصم المحجوب:

    في حال من الاحوال اندلاع الحرب بين المغرب والجزائر الشقيقان الجيران المسلمان الخاسر الاكبر هو الشعبين الشقيقين لا غالب ولا مغلوب .الخاسر الاكبر هو الشعبين الشقيقين .ندعوا الله خيرآ. ونطلب من ألله ان يرفع هدا التوتر وفتح الحدود لنتبادل الزيارات والاهتمام ب بالشعبين .والله يجازي من تدخل بالخير ورفع الضرر والاهتمام بالضحايا الا وهو الشعيدبين.

  9. يقول الشنفرى:

    السلام عليكم إخوتي وأعني بها كلا الطرفين جزائريون ومغاربة. هل تعلمون أن الرابح الأول من كل هذا هو الغرب يبيع لنا السلاح لنحارب به بعدنا، وبعدها حين تخرب الدول وتدمر يأتي بشركاته من أجل إعادة التعمير وقروض وإنهاك الطرفين بالديون، وبعدها يفرض عليهم شروطه مقابل تأجيل الديون وهلم جراً.
    إننا كشعبين الخاسر الأول لأن الأسلحة تشرى بأموال الشعب، حيث الشعب يحتاج إلى ابسط الأشياء، تعليم في المستوى ،صحة، طرق، ماء، وغيرها.
    لهذا يا أيها المتطرفون الجهلة من كلا الجانبين اصمتوا خير لنا جميعا، لأن الجندي من أبناء الشعب قد يكون إبنك أو أخوك أو والدك. في حين الحكام لهم أموال في بنوك أجنبية تكفى لثلاثة أجيال من ذريتهم، فلا تغتروا بكلامهم ولو قدر الله وقرعت طبول الحرب فعلى الشعبين النزول في مظاهرات مليونية لوقفها.
    والسلام على أمة خير الأنام.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية